إذاً الصوفية نستطيع أن نقول أننا الآن أمام أساس
– وسيأتي عرض آخر يبين هذه القضية -
هذه الكلمة
وأنَّه غير إسلامي أصلاً ،
وغير عربي أصلاً ،
وإنَّما هو دينٌ آخر .
إذاً الصوفية نستطيع أن نقول أننا الآن أمام أساس
– وسيأتي عرض آخر يبين هذه القضية -
هذه الكلمة
وأنَّه غير إسلامي أصلاً ،
وغير عربي أصلاً ،
وإنَّما هو دينٌ آخر .
نرجع لكتاب البيروني ؛
مثلاً :
أفتح معك إلى صفحة (51) ،
الكتاب الآن بين يديَّ ،
في صفحة (51) يقول :
إذا كانت النَّفس مرتبطةً في هذا العالم ،
والخلاص – خلاص النفس – مِن العالم ،
وانقطاعها عنه ، ..
كيف أنَّ الهنود يحاولون أن ينقطعوا عن الدنيا ،
وأن يتحدوا بالجوهر الأسمى
– وهو الله سبحانه وتعالى -
يتحدث عن هذا الموضوع
بكلام فيه صعوبة.
إنَّما المقصود من ذلك :
أنَّه يقول : إن هناك كتاب هندوسي اسم الكتاب "باتنقل" ،
وأنا سألت بعض إخواننا - هنا -
الهنود عن كتاب "باتنقل" ،
يقول : إنَّ الكتاب معروف إلى الآن ،
وأنَّه مِن كتب الأديان عند الهندوس ،
وفي إمكانكم أنْ تسألوا إذا كان لكم إخوة ،
أو ناس في أمريكا - حتى من الهندوس -
أنْ تسألوهم عن الكتاب .
كتاب "باتنقل" هذا
يقول البيروني
- بعد أن تكلم عن قضية الاتحاد هذه -
يقول :
وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف
إذا وصل إلى مقام المعرفة ؛
فإنَّهم يزعمون - أي : الصوفية –
أنَّه يحصل له روحان :
قديمة لا يجري عليها تغير ، أو اختلاف ،
بِها يعلم الغيب !
ويفعل المعجز ! ،
وأخرى بشرية للتغير ، والتكوين ،
ما يبعد عن مثله
أقاويل النصارى .
لاحظ أنَّ البيروني يربط بين كلام الصوفية ،
وبين أقاويل النصارى ،
وأنَّهم يقولون :
إنَّ العارف له روحان :
روح أزليَّة ثابتة ، وروح حادثة ،
وهي التي تعتريها البشرية ،
أي: كما قال النصارى
في عيسى بن مريم عليه السلام !! .
وأنا في إمكاني الآن أنْ أقرأ عليك
ما يدل على هذه العقيدة عند الصوفية :
يقول إبراهيم الدسوقي المتوفى سنة 676هـ ،
وهو مِن أكبر الطواغيت الصوفيَّة
المعبودين حالياً في مصر ،
وهو وصل عندهم إلى درجة القطبية العظمى
– وسنشرح لك إن أمكن ما معنى القطب الأعظم ،
وما هي خصائصه - ،
يقول الدسوقي
– كما في ترجمته من "طبقات الشعراني" –
الجزء الأول صفحة (157) :
قد كنتُ أنا ،
وأولياء الله تعالى أشياخاً في الأزل ،
بين يدي قديم الأزل ،
وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن الله عز وجل
خلقني مِن نور رسول الله
صلى الله عليه وسلم
– يعني في الأزل - ،
وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء ،
فخلعتُ عليهم بيدي – يعني : ألبسهم
– فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا إبراهيم أنت نقيبٌ عليهم
– أي: على الأولياء -.
يقول :
فكنتُ أنا ، ورسول الله صلى الله إليه وسلم ،
وأخي عبد القادر
– يعني : عبد القادر الجيلاني شيخ القادرية - خلفي ،
وابن الرفاعي
- يعني : أحمد الرفاعي شيخ الرفاعية -
خلف عبد القادر ،
ثم التفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقال :
يا إبراهيم سر إلى مالك – خازن النيران -
وقل له يغلق النيران ،
وسر إلى رضوان - خازن الجنة –
وقل له يفتح الجنان ،
ففعل مالك ما أُمر به ،
وفعل رضوان ما أُمر به ****!!…
إلى آخر ما ذكره من الكلام .
نعود إلى البيروني :
انتقل إلى صفحة (66) من الكتاب
– إن كان الكتاب عندك – :
يقول : وإلى طريق "باتنقل " - هذا الهندي الذي سبق ذكره -
ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق،
فقالوا : مادمتَ تشير فلستَ بموحدٍ ؛
حتى يستولي الحقُّ على إشارتك بإفنائها عنك ،
فلا يبقى مشيرٌ، ولا إشارةٌ –
أي :
"وحدة الوجود الكاملة " - .
ويقول :
ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد ؛
كجواب أحدهم عن الحقِّ ،
وكيف لا أتحقق مَن هو أنا بالإنيَّة ،
ولا أنا بالأَيْنِيَّة .
هذا كلام أحد أئمَّة التصوف
سُئل عن الله
فأجاب بأنه هو يعني نفسه ! .
وقول أبي بكر الشبلي
- وهو مِن أئمَّة التصوف – يقول :
اخلع الكلَّ تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون ،
إخبارك عنا
– يعني : الكلام الذي تقوله هو عنَّا - ،
وفعلُك فعلُنا .
وكجواب
- والكلام ما يزال للبيروني -
أبي يزيد البسطامي ،
وقد سئل بم نلت ما نلت ؟
قال : إنِّي انسلختُ مِن نفسي ،
كما تنسلخ الحيَّةُ مِن جلدها ،
ثم نظرتُ إلى ذاتي
فإذا أنا هو .
وقالوا
في قول الله تعالى :
{ فقلنا اضربوه ببعضها } :
إنَّ الأمر بقتل الميت لإحياء الميت :
إخبارٌ أنَّ القلب لا يحيا بأنواع المعرفة
إلا بإماتة البدن بالاجتهاد ،
حتى يبقى رسماً لاحقيقة له ،
وقلبك حقيقة ليس عليه أثر مِن المرسومات .
وقالوا :
إنَّ بين العبد وبين الله ألف مقام مِن النُّور والظلمة ،
وإنَّما اجتهاد القوم في قطع الظلمة إلى النُّور ،
فلمَّا وصلوا إلى مقامات النُّور :
لم يكن لهم رجوعٌ .
انتهى كلام البيروني
وهو يقول
إن هذا الكلام بعينه هو كلام الهنود
وهو الذي سار عليه أئمة التصوف .
أقول :
إنَّ الثابتَ مِن الكتب
التي كتبها كثيرٌ مِن المعاصرين عن الصوفية ،
ومِن القدماء:
أنَّ أولَّ مَن أسَّـس التصوف : هم الشيعة ،
وأنَّ هناك – بالذات – رجليْن
كانا لهما دورٌ في ذلك :
الأول : يسمَّى "عبدك" ،
والثاني : يسمَّى "أبو هاشم الصوفي" ،
أو أبو هاشم الشيعي،
فـ "عبدك" ، و"أبو هاشم"
هؤلاء هما اللذان
أسَّـسا دين التصوف .
عندما نريد أن نتحدث عن "عبدك" ،
وعن أبي هاشم :
ننتقل إلى مصدرٍ مهمٍّ جدّاً
مِن مصادر الفِرَق الإسلاميَّة
وهو كتاب "التنبيه والرد"
لأبي الحسين الملْطي الشافعي
رحمه الله.
ومِن المهم جدّاً مِن الناحية الوثائقيَّة
أنْ تعرف أنَّ كتاب الملطي هذا
منقولٌ
عن كتاب الإمام خشيش بن أصرم
- وهذا رجلٌ ، عالِمٌ ، إمامٌ ، ثقةٌ ،
وهو شيخ الإمام أبي داود ، والنسائي ،
وهو مِن الأئمَّة المعاصرين
للإمام أحمد توفى سنة 253هـ - ،
وهذا يعطي كتابَه أهميَّة كبيرة ؛
لأنَّه متقدم في الفترة المبكرة جدّاً
التي لم تكن كلمة صوفي فيها
قد شاعت وانتشرت ،
فماذا قال الإمام خشيش بن أصرم رحمه الله
– كما نقل عنه الملطي- ،
ماذا قال عن هذه الفِرق – عن "عبدك" ،
وعن أبي هاشم ،
وعن جابر بن حيان الذي يقال له جابر الكيميائي –
وهو أيضاً ممن نُسب أنَّه أول مَن أسَّس التصوف
وقد قرأت له مجموعة رسائل
طبعها أحد المستشرفين
يظهر فيها بجلاء أنَّ الرجل شيعي تماماً ،
وقد عاش جابر في القرن الثاني- .
قال أبو الحسين الملطي رحمه الله تعالى :
قال أبو عاصم خشيش بن أصرم
– قال سفر : والإسناد عنه في أول الكتاب -
في افتراق الزنادقة يقول :
فافترقت الزنادقة على خمس فرق ،
وافترقت منها فرقة على ست فرق ..
إلى أن يقول :
ومنهم - أي:من أقسام الزنادقة – "العبدكية" ،
زعموا أنَّ الدنيا كلَّها حرامٌ محرَّم ،
لا يحل الأخذ منها إلا القوت ،
من حين ذهب أئمَّة العدل ،
ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل ،
وإلا فهي حرام ،
ومعاملة أهلها حرام ،
فحِلٌّ لك أن تأخذ القوت من الحرام ،
مِن حيث كان !
وإنَّما سمُّو "العبدكية" :
لأنَّ "عبدك" وضع لهم هذا ،
ودعاهم إليه ،
وأمرهم بتصديقه .
يقول:
ومنهم الرَّوْحانيَّة ،
وهم أصناف ،
وإنَّما سمُّوا "الروحانية" ؛
لأنَّهم زعموا أنَّ أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات ،
وبها يعاينون الجِنان – أي : الجنات –
ويجامعون الحور العين ،
وتسرح في الجنة ،
وسمُّوا أيضاً :
"الفكرية " لأنَّهم يتفكرون – زعموا –
في هذا حتى يصلون إليه ،
فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم ،
ومنتهى إرادتهم ،
ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة
إلى هذه الغاية
فيتلذذون بمخاطبة الله لهم ،
ومصافحته إياهم ،
ونظرهم إليه – زعموا –
ويتمتعون بمجامعة الحور العين ،
ومفاكهة الأبكار ، على الأرائك متكئين ،
ويسعى عليهم الولدان المخلَّدون
بأصناف الطعام ،
وألوان الشراب ،
وطرائف الثمار …إلى آخره .
يقول :
ومنهم صنف مِن الرَّوْحانيَّة زعموا
أنَّ حُبَّ الله يغلب على قلوبهم ،
وأهوائهم، وإرادتهم
حتى يكون حبُّه أغلب الأشياء عليهم ؛
فإذا كان كذلك عندهم :
كانوا عنده بهذه المنـزلة :
وقعت عليهم الخُلة مِن الله
فجعل لهم السرقة ، والزنا ،
وشرب الخمر ، والفواحش كلها
على وجه الخُلة التي بينهم وبين الله
لا على وجه الحلال
– يعني : تحل لهم على وجه أنَّهم أخلاء لله ،
وسيأتي على هذا نقولٌ كثيرةٌ وشواهد
تدل على ذلك عند الصوفية –