والإخلاص
ترك الشرك
وإفراد الله بالعبادة ،
كما في حديث أبي هريرة الآخر:
( إني اختبأت دعوتي
شفاعة لأمتي يوم القيامة،
فهي نائلة – إن شاء الله –
من مات
لا يشرك بالله شيئاً )
متفق عليه.
والإخلاص
ترك الشرك
وإفراد الله بالعبادة ،
كما في حديث أبي هريرة الآخر:
( إني اختبأت دعوتي
شفاعة لأمتي يوم القيامة،
فهي نائلة – إن شاء الله –
من مات
لا يشرك بالله شيئاً )
متفق عليه.
فبهذا وأمثاله تُطلب الشفاعة من الله،
فيطلبها أهل التوحيد
بترك الإشراك
وتحقيق التوحيد،
وبسؤال الله لنبيه الوسيلة،
ولا يطلبها أهل التوحيد
الكارهون للشرك بأصنافه
- الصحابة وأتباعهم إلى يوم الدين-
من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره،
بل يعلمون بدلائل القرآن والسنة
أن من سأله الشفاعة بعد وفاته
فهو خليق بحرمانه
من الشفاعة.
فاتبعوا يا عباد الله المشروع
في سؤال شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم القيامة،
وابتعدوا عن ما لم يفعله رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولا صحابته المقربون.
وإذا لم نسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة
فغيره من الصالحين أولى وأولى،
ودلائل هذا ظاهرة،
فعسى أن تجد قلوباً مهدية،
لم يعلُ عليها هواها،
فالتبصر التبصر،
والاتباع الاتباع.
ثالثاً:
يقال:
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة
لا تطلب منه في الدنيا
لا سيما وهو ميت
وإنما تطلب منه في وقت الحاجة إليها،
وفي حال حياته صلى الله عليه وسلم
في الآخرة
حينما يشتد الحال بأهل الموقف
كما صح في الحديث،
وحينما يريد أهل الجنة دخول الجنة،
وحينما يدخل أهل الكبائر من أمته في النار
أو يؤمر بدخولهم فيها،
كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة،
أما طلبها الآن
فهو طلب قبل أوانه،
ومن تعجَّل شيئاً قبل أوانه
عُوقب بحرمانه.
قال (ص92)
في رده على
أهل السنة والجماعة
الذين يفرِّقون بين ما مكَّن الله العبد منه في الحياة الدنيا،
وبين ما لم يمكنه في الحياة البرزخية.
قال:
(ولنقتصر هنا على هذا السؤال:
أيعتقدون أن الشهداء أحياء عند ربهم كما نطق القرآن بذلك أو لا؟
فإن لم يعتقدوا فلا كلام لنا معهم؛
لأنهم كذبوا القرآن حيث يقول:
{ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ
بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}
[البقرة: 154]،
{ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }
[ آل عمران: 169 ]
وإن اعتقدوا ذلك فنقول لهم:
إن الأنبياء وكثيراً من صالحي المسلمين
الذين ليسوا بشهداء كأكابر الصحابة
أفضل من الشهداء بلا شك) اهـ.
أقول:
يظهر أن الكاتب
لا يعرف معتقد أهل السنة والجماعة،
ولو عرفه
لما فتحَ فاه،
ولا نبسَ بما نبسَبه،
فكتب علماء السنة
وخاصة علماء هذه البلاد،
وتلامذة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
منتشرة مشهورة،
وفيها بيان اعتقادنا
والحمد لله.
فمن ذلك
ما كتبه الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عبد الوهاب
في الاعتقاد لأهل مكة
لما دخلها أتباع الدولة السعودية الأولى
سنة 1218 هـ
فمما قال:
(والذي نعتقده أن
رتبة نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم
أعلى مراتب المخلوقين
على الإطلاق،
وأنه حي في قبره حياة برزخية
أبلغ من حياة الشهداء،
المنصوص عليها في التنزيل،
إذ هو أفضل منهم بلا ريب) اهـ (1) .
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
(1):"الدرر السنية"(1/114).
وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
المتوفى
سنة 1282هـ:
هل النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ؟
فأجاب:
( الله سبحانه وتعالى أخبر بحياة الشهداء،
ولا شك أن الأنبياء أعلى رتبةُ من الشهداء،
وأحق بهذا،
وأنهم أحياء في قبورهم،
ونحن نرى الشهداء رميماً،
وربما أكلتهم السباع،
ومع ذلك هم
{ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُو نَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ }
[ آل عمران: 169،170 ]
فحياتهم حياة برزخية ،
والله أعلم بحقيقتها،
والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات
بنص القرآن والسنة،
ومن شك في موته فهو كافر ) اهـ (1).
(1):"الدرر السنية"(2/165).
فهذا بحمد لله
معتقدنا،
ولو علمه الكاتب
لما حرَّك قلمه بهذه الشبهة،
والقوم يظنون أنهم أفراح
بالدلائل الصحيحة الصريحة
من أهل السنة والجماعة ،
وما صحَّ دليل
إلا وقد نصره
أهل السنة
نصراً بليغاً،
مع النظر في غيره من الأدلة،
والحمد لله رب العالمين.
ثم دخل الكاتب في الأرواح وخصائصها،
وخاض بغير علم
فمما قال (ص93):
(ولا شك أن الأرواح لها من الانطلاق والحرية
ما يمكنها من أن تجيب من يناديها،
وتغيث من يستغيث بها،
كالأحياء سواء بسواء،
بل أشد وأعظم) اهـ.
أقول:
فهلا أتى الكاتب على علمه بالأرواح
من دليل نقلي،
والله سبحانه يقول:
{ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً }
[ الاسراء: 85 ]
أم أنه
كُشف له الغيب
فعلم ذلك !
وهنا أمور يجب تقريرها:
الأول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق
بما يمكن علمه من شأن الأرواح،
وهو لم يعلم صحابته وأمته هذا العلم
من أنها
(تغيث من يستغيث بها
كالأحياء سواء بسواء
بل أشد وأعظم)،
أفكتم هذا العلم
الذي علمه
المفسرون المشركون؟!.
الثاني:
أن الأرواح لا تُعلَم أحوالها وكيف هي،
وقدراتها،
والذي نعلمه قطعاً
أنها لا تجيب من يدعوها،
ولا تغيث من يستغيثها.
فما ظن الكاتب
بدين الجاهلية
دين المشركين ،
أيعبدون أصناماً أحجاراً ؟!
أم أنهم لم يعبدوها
إلا وقد رأوا أثرها من إجابة دعاء، وإغاثة ؟!
إن أعظم فتن الشياطين
هي الشرك،
وبابه القبور
حيث يظهر عمل شياطين الجن
من تمثل بصورة المقبور،
وتكليم الحاضرين،
وربما أجاب سؤالاً،
وغير ذلك.
الثالث:
ومما يتفرع عما أسلفتُ
ما ذكره الشيخ العلَم تقي الدين ابن تيمية
في "الجواب الصحيح
لمن بدّل دين المسيح"
(1/322):
(والشيطان إنما يضل الناس
ويغويهم بما يظن أنهم يطيعونه فيه،
فيخاطب النصارى بما يوافق دينهم،
ويخاطب من يخاطب من ضلال المسلمين
بما يوافق اعتقاده،
وينقله إلى ما يستجيب لهم فيه
بحسب اعتقادهم،
ولهذا يتمثل لمن يستغيث من النصارى بجرجس
في صورة جرجس،
أو بصورة من يستغيث به من النصارى من أكابر دينهم
إما بعض البتاركة،
وإما بعض المطارنة،
وإما بعض الرهبان،
ويتمثل لمن يستغيث به من ضلال المسلمين
بشيخ من الشيوخ
في صورة ذلك الشيخ،
كما يتمثل لجماعة ممن أعرفه في صورتي،
وفي صورة جماعة من الشيوخ
الذين ذكروا في ذلك.
ويتمثل كثيراً في صورة بعض الموتى،
تارة يقول:
أنا الشيخ عبد القادر،
وتارة يقول:
أنا الشيخ أبو الحجاج الأقصري،
وتارة يقول:
أنا الشيخ عدي،
وتارة يقول:
أنا أحمد بن الرفاعي،
وتارة يقول:
أنا أبو مدْين المغربي،
وإذا كان يقول: أنا المسيح أو إبراهيم أو محمد،
فغيرهم بطريق أولى.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من رآني في المنام فقد رآني حقاً،
فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي )،
وفي رواية:
( في صورة الأنبياء )،
فرؤيا الأنبياء في المنام حق،
وأما رؤية الميت في اليقظة
فهذا جني تمثل في صورته.
وبعض الناس يسمي هذا روحانية الشيخ،
وبعض الناس يقول: هي رفيقه،
وكثير من هؤلاء من يقوم من مكانه
ويدع في مكانة صورة مثل صورته،
وكثير من هؤلاء ومن هؤلاء من يقول يُرى في مكانين،
ويرى وافقاً بعرفات وهو في بلده لم يذهب،
فيبقى الناس الذين لا يعرفون حائرين،
فإن العقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد
لا يكون في الوقت الواحد في مكانين.
والصادقون قد رأوا ذلك عياناً لا يشكون فيه،
ولهذا يقع النزاع كثيراً بين هؤلاء وهؤلاء،
كما قد جرى ذلك غير مرة،
وهذا صادق فيما رأى وشاهد،
وهذا صادق فيما دل عليه العقل الصريح،
لكن ذلك المرئي كان جنياً
تمثل في صورة إنسان ) اهـ.
وذكر - رحمه الله -
في " قاعدة في التوسل والوسيلة"
من تفصيل ذلك ما يزيد المؤمنين هدى،
ومما قال
(1/174)
"مجموع الفتاوى":
( وعند المشركين عُبَّاد الأوثان
ومن ضاهاهم من النصارى،
ومبتدعة هذه الأمة في ذلك من الحكايات
ما يطول وصفه.
فإنه ما من أحدٍ يعتاد دعاء الميت والاستغاثة به
نبياً كان أو غير نبي
إلا وقد بلغه من ذلك ما كان من أسباب ضلالة،
كما أن الذين يدعونهم في مغيبهم
ويستغيثون بهم
فيرون من يكون في صورتهم،
أو يظنون أنه في صورتهم،
ويقول: أنا فلان،
ويكلمهم ويقضي بعض حوائجهم،
فإنهم يظنون أن الميت المتسغاث به
هو الذي كلمهم وقضى مطلوبهم،
وإنما هو من الجن والشياطين.
ومنهم من يقول:
هو ملك من الملائكة،
والملائكة
لا تعين المشركين ،
وإنما هم شياطين أضلوهم عن سبيل الله،
وفي مواضع الشرك
من الوقائع والحكايات التي يعرفها من هنالك،
ومن وقعت له ما يطول وصفه ) اهـ.
فقَطْع الكاتب
بأن أرواح الموتى تغيث من يستغيث بها،
كالأحياء بل أشد وأعظم،
من الشرك الذي خدعت الجن والشياطين به
طوائف من الناس،
فتقربوا إلى المقبورين،
وإنما تقربوا في الحقيقة إلى شياطين الجن،
فتشكلت لهم الجن وأرضوهم
حيث أشركوا بهم،
وهذا ما يريده إبليس اللعين،
وقد أطاعه فيه عُبَّاد القبور،
والمنافحون عنهم.
قال الكاتب(ص96)
شارحاً
لمعنى حديث:
( إذا سألت فأسأل الله،
وإذا استعنت فاستعن بالله )
قال:
(هذا الحديث الشريف ليس المقصود به
النهي عن السؤال والاستغاثة بما سوى الله،
كما يفيده ظاهر لفظه،
وإنما المقصود به النهي عن الغفلة
عن ما كان من الخير على يد الأسباب فهو من الله،
والأمر بالانتباه إلى أن ما كان من نعمة
على يد المخلوقات فهو من الله وبالله.
فالمعنى: وإذا أردت الاستغاثة بأحد من المخلوقين
- ولابد لك منها -
فاجعل كل اعتمادك على الله وحده،
ولا تحجبنك الأسباب عن رؤية المسبب
- جل جلاله -،
ولا تكن ممن يعلمون ظاهراً من هذه الارتباطات
والعلاقات بين الأشياء المترتب بعضها على بعض،
وهم عن الذي ربط بينها غافلون) اهـ.
أقول:
هذا التفسير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
بناه الكاتب على مفهوماته للتوحيد
وهو توحيد الربوبية،
وفسره تفسيراً لم ينقله
عن عالم يركن إلى تفسيره وشرحه،
ولا إلى إمام يحتذى حذو فهمه ويتابع عليه.
فإذا كان من عند نفسه
فلا شك أنه لن يُقبل ولن يصار إليه،
والعجب منه كيف جُرُأته
على تحريف مرادات
رسول الله صلى الله عليه وسلم
لنصرة هواه.
ومما يدل على بطلان ما فسره به:
أولاً:
أن هذه الوصية
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس
منقبة لابن عباس،
ولو فُسِّرت
بما فسرها به الكاتب
لكانت غير منقبة،
إذ تفسيره يدل على أن المخاطب
معه أدنى درجات الإيمان والتوحيد،
فهو يحذِّر من الوقوع في براثن رؤية الأسباب،
وحاشا ابن عباس
- رضي الله عنه -
عن ذلك.
الثاني:
أن هذا الشرح
خارج عما قاله الشراح من أهل العلم،
وما كان كذلك
فهو من الهوى
إن لم يقم صاحبه عليه
دليلاً صحيحاً نقلاً ونظراً،
وهو مما ليس في قول الكاتب هنا،
وأنى له ذلك.
قال الحافظ الفقيه ابن رجب
في "شرح الأربعين"
(2/228):
قوله صلى الله عليه وسلم:
( إذا سألت فأسأل الله
وإذا استعنت فاستعن بالله )
هذا منتزع من قوله تعالى:
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
[ الفاتحة: 5 ]،
فإن السؤال لله
هو دعاؤه
والرغبة إليه،
والدعاء هو العبادة،
كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
من حديث النعمان بن بشير
وتلا قوله تعالى:
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
[ غافر: 60 ]
خرجه الإمام أحمد وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه،
وخرج الترمذي
من حديث أنس بن مالك
عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( الدعاء مخ العبادة ).
فتضمن هذا الكلام
أن يسأل الله عز وجل،
ولا يسأل غيره،
وأن يستعان بالله
دون غيره،
فأما السؤال
فقد أمر الله بمسألته
فقال:
{ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِه }
[ النساء: 32 ]،
وفي الترمذي
عن ابن مسعود مرفوعاً:
( سلوا الله من فضله،
فإن الله يُحب أن يسأل )،
وفيه أيضاً
عن أبي هريرة مرفوعاً:
( من لا يسأل الله
يغضب عليه )،
وفي حديث آخر:
( ليسأل أحدكم ربه
حاجته كلها،
حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع ).