وهذا الجواب فيه نظر .
فإن قصد التعميم المحيط
ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم
بهذه الكلمة الجامعة ،
فلا يعدل عن مقصوده
– بأبي هو وأمي
صلى الله عليه وسلم .
وهذا الجواب فيه نظر .
فإن قصد التعميم المحيط
ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم
بهذه الكلمة الجامعة ،
فلا يعدل عن مقصوده
– بأبي هو وأمي
صلى الله عليه وسلم .
فأما صلاة التراويح :
فليست بدعة في الشريعة ،
بل هي سنة ،
بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله ،
فإنه قال :
( إن الله فرض عليكم صيام رمضان
وسننتُ لكم قيامه ) .
ولا صلاتها جماعة بدعة ،
بل هي سنة في الشريعة ،
بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة
في أول شهر رمضان ليلتين ، بل ثلاثاً ،
وصلاها أيضاً في العشر الآواخر في جماعة مرات ،
وقال :
( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف
كُتب له قيام ليلة ) ،
لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح .
رواه أهل السنن .
وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره
على أن فعلها في الجماعة أفضل
من فعلها في حال الانفراد .
وفي قوله هذا ;
ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام ،
وذلك أوكد من أن يكون سنـّة مطلقة .
وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد
على عهده صلى الله عليه وسلم ،
ويقرُّهم ،
وإقراره سنـّة منه صلى الله عليه وسلم .
وأما قول عمر
( نعمت البدعة هذه ) ،
فأكثر المحتجين بهذا
- لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه –
لقالوا ( قول الصاحب ليس بحجة ) ،
فكيف يكون حجة لهم في خلاف
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة
فلا يعتقده إذا خالف الحديث .
فعلى التقديرين :
لا تصلح معارضة الحديث
بقول الصاحب .
نعم يجوز تخصيص عموم الحديث
بقول الصاحب الذي لم يخالف ،
على إحدى الروايتين ،
فيفيدهم هذا حسن تلك البدعة ،
أما غيرها فلا .
ثم نقول:
أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة ;
مع حسنها،
وهذه تسمية لغوية ،
لا تسمية شرعية ،
وذلك أن ( البدعة ) في اللغة :
تعم كل ما فُعل ابتداء من غير مثال سابق ،
وأما البدعة الشرعية :
فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي .
فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته ،
أو دل عليه مطلقاً ولم يعمل به بعد موته ;
ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،
فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته
صح أن يسمى بدعة في اللغة ،
لأنه عمل مبتدأ ،
كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي
صلى الله عليه وسلم
يسمى بدعة ،
ويسمى محدثاً في اللغة .
قالت رسل قريش للنجاشي
عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
المهاجـرين إلى الحبشـة
( إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ،
ولم يدخلوا في دين الملك ،
وجاءوا بدين مُحدَث لا يُعرف ) .
ثم إن ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة
ليس بدعة في الشريعة ،
وإن سُمي بدعة في اللغة ،
فلفظ ( البدعة ) في اللغة
أعم من لفظ ( البدعة ) في الشريعة ،
وقد عُـلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم
( كل بدعة ضلالة )
لم يُرد به كل عمل مبتدأ ،
فإن دين الإسلام بل كل دين جاءت به الرسل ;
فهو عمل مبتدأ ،
وإنما أراد :
ما ابتدئ من الأعمال
التي لم يشرعها هو
صلى الله عليه وسلم .
وإذا كان كذلك ،
فالنبي صلى الله عليه وسلم
قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى ،
وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا :
( إنه لم يمنعـني أن أخرج إليكم
إلا كراهة أن يُـفرض عليكم ،
فصلوا في بيـوتـكم ،
فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ،
فعلـل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ،
فعلم بذلك أن المقتضى للخروج قائم ،
وأنه لولا الافتراض لخرج إليهم .
فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد ،
وأسرج المسجد ،
فصارت هذه الهيئة
– وهي هيئة اجتماعهم في المسجد
على إمام واحد مع الإسراج –
عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل ،
فسمي بدعة ،
لأنه في اللغة يُسمى كذلك ،
وإن لم يكن بدعة شرعية ،
لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح
لولا خوف الافتراض ،
وخوف الافتراض قد زال
بموته صلى الله عليه وسلم ،
فانتفى المعارض .
وهكذا جمع القرآن ،
فإن المانع من جمعه على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
كان أن الوحي كان لا يزال ينزل ،
فيغيّر الله ما يشاء ، ويحكم ما يريد ،
فلو جمع في مصحف واحد
لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت ،
فلما استقر القرآن بموته صلى الله عليه وسلم
واستقرت الشريعة بموته صلى الله عليه وسلم
أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه ،
وأمنوا من زيادة الإيجاب والتحريم ،
والمقتضى للعمل قائم بسنته صلى الله عليه وسلم ،
فعمل المسلمون بمقتضى سنته ،
وذلك العمل من سنته ،
وإن كان يسمى هذا في اللغة بدعة ،
وصار هذا كنفي عمر ليهود خيبر ونصارى نجران
ونحوهم من أرض العرب ،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم عهد بذلك في مرضه ،
فقال:
( أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) ،
وإنما لم ينفذه أبو بكر رضي الله عنه
لاشتغاله عنه بقتال أهل الردة ،
وبشروعه في قتال فارس والروم ،
وكذلك عمر لم يمكنه فعله في أول الأمر
لاشتغاله بقتال فارس والروم ،
فلما تمكن من ذلك ;
فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ،
وإن كان هذا الفعل
قد يسمى بدعة في اللغة ،
كما قال له اليهود
( كيف تخرجنا وقد أقرنا أبو القاسم ؟ ) ،
وكما جاءوا إلى علي رضي الله عنه في خلافته
فأرادوا منه إعادتهم ،
وقالوا ( كتابك بخطك )
فامتنع من ذلك ،
لأن ذلك الفعل من عمر
كان بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وإن كان محدثاً بعده ،
مغيراً لما فعله هو صلى الله عليه وسلم .
وكذلك دفعه إلى أهبان بن صيفي سيفاً ،
وقوله :
( قاتل به المشركين ،
فإذا رأيت المسلمين قد اقتتلوا فاكسره ) ،
فإن كسره لسيفه وإن كان محدثاً
حيث لم يكن المسلمون يكسرون سيوفهم
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولكن هو بأمره صلى الله عليه وسلم .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
( خذوا العطاء ما كان عطاء ،
فإذا كان عوضاً عن دين أحدكم فلا تأخذوه ) ،
فلما صار الأمراء يعطون مال الله لمن يعينهم على أهوائهم
وإن كانت معصية ;
كان من امتنع من أخذه متبعاً لسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،
وإن كان ترك قبول العطاء من أولي الأمر محدثاً ،
لكن لما أحدثوا ما أحدثوه
أحدث لهم حكم آخر بسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
ومن هذا الباب :
قتال أبو بكر لمانعي الزكاة ،
فإنه وإن كان بدعة لغوية
من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً
على إيتاء الزكاة فقط ،
لكن لما قال :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ،
وأن محمداً رسول الله ،
فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهـم وأموالهـم إلا بحقها ،
وحسابهم على الله ) .
وقد علم أن الزكاة من حق لا إله إلا الله ،
فلم يعصم بمجرد قولها من منع الزكاة ،
كما بينه في الحديث الآخر الصحيح :
( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ،
وأن محمداً رسول الله ،
ويقيموا الصلاة ،
ويُؤتوا الزكاة ) ،
وهذا باب واسع .
والضابط في هذا
- والله أعلم-
أن يُقال إن الناس لا يحدثون شيئاً
إلا لأنهم يرونه مصلحة ،
إذ لو اعتقدوه مفسدة لم يحدثوه ،
فإنه لا يدعوا إليه عقل ولا دين .
فما رآه المسلمون مصلحة
نُظر في السبب المحوج إليه ،
فإن كان السبب المحوج إليه
أمراً حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم
لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم
من غير تفريط منا ;
فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه ،
وكذلك تركه
إن كان المقتضى لفعله قائماً على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم
لمعارض قد زال بموته .
وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه ،
أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد ;
فهنا لا يجوز الإحداث .
فكل أمر يكون المقتضى لفعله على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
موجوداً لو كان مصلحة ولم يُفعل ;
يُعلم أنه ليس بمصلحة .
وأما ما حدث المقتضى له بعد موته
من غير معصية الخالق ;
قد يكون مصلحة .
ثم هنا للفـقهاء طريقان :
أحدهما :
أن ذلك يُفعل ما لم يُنـه عنه .
وهذا قول القائلين بالمصالح المرسلة .