بسم الله الرحمن الرحيم
بحث
في
عدد مسحات الرأس في الوضوء
كتبه
محمود رضا محمد هلال
عفا الله عنه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء وخاتم المرسلين وبعد فهذه ورقات جمعتها في اختلاف العلماء في عدد مسحات الراس وبينت فيها الاقوال وادلتها ثم بيان الراجح منها وادلته سائلا المولى عز وجل ان يجعله خالصا لوجهه الكريم مبينا سنة من سنن سيد المرسلين وان ينفعنا الله ومن قراه امين وصلى اللهم وسلم على الامي الامين.

قال تعالى في كتابه الكريم " وامسحوا برؤوسكم "

وأجمع العلماء على أن مسح الرأس فرض في الوضوء واختلفوا في القدر الممسوح وفي عدد المسحات وسأتناول بإذن الله تعالى في هذا البحث عدد مسح الرأس في الوضوء فأقول مستعينا بالله عزوجل : ـــــــ
اختلف العلماء في عدد مسحات الرأس إلى مذهبين : ــــ

المذهب الأول : ـــــــــ

مذهب الجمهور من المالكية والحنفية والصحيح عند الحنابلة
" أن مسح الراس مرة واحده " ولا تمسح أكثر من ذلك وقال الحنفية بكراهة الزيادة على المرة الواحدة .

المذهب الثاني : ـــ

استحباب تكرار المسح
وهو مذهب الشافعي ورواية عن احمد ومذهب ابن سيرين وداوود وابن حزم والصنعاني وظاهر كلام الخرقي كما في المغني ومال إليه ابن الجوزي في كشف المشكل وحكاه ابن المنذر عن انس بن مالك وسعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة رضي الله عنهم .

محل الاتفاق: ــ
أن مسح الرأس مرة واحده هو الفرض الجزيء
محل النزاع : ـــــ
في العدد وهل يجوز المسح أكثر من مرة أم لا وسبب الخلاف هو ورود أحاديث مجمله في

الوضوء عامه وورود أحاديث أخرى مفصلة مختلفة الروايات في بيان عدد مسح الرأس

بعضها مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاث فالجمهور رأى أن أحاديث المرتين و الثلاث ليست

بالقوية ورجحوا أحاديث المسح مرة واحدة وانه في مقام البيان لما ورد مجملا في الأحاديث

الأخرى وغير الجمهور رأى صحة هذه الأحاديث ومال إلى الجمع وانه لا تعارض فيحمل

المجمل على المبين وقبل الزيادة من الثقة وقال ان المسح مرتين وثلاث يفعل للجواز ولا

باس به جمعا بين الأحاديث .

منهج البحث :


سأقوم بذكر أدله القائلين بعدم التكرار وبيان استدلالهم ووجهة نظرهم واعتراضهم على

الرأي الثاني ثم اثني بذكر ادلة من قال بالتكرار ثم الترجيح وأدلة الرأي الراجح سائلا من

المولى عز وجل ان يجعله خالصا لوجهه نافعا مبينا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اولا ً: ـ أدلة القول الأول
وهو القول الماثور عن أبي حنيفة ومالك والصحيح من مذهب احمد وروي عن بن عمر

وابنه سالم والنخعي ومجاهد وطلحة بن مصرف والحكم وأبو ثور وابن راهويه وحماد قال

الترمذي : " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم[1] .

واستدلوا على ذلك بما يلي : ـ

أولا الأحاديث الواردة في مسح الرأس إجمالا أو مرة واحده ومنها ومنها : ـــ

1ـ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ

دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ

ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ

إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى

رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه[2]ِ.


2ـ حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ

شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا

بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ التَّوْرِ فَغَسَلَ

يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ
وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً
وَاحِدَةً ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"[3]

وجه الاستدلال : ـ

1ـ قالوا ليس في شيء من طرق حديث عثمان في الصحيحين ذكر عدد المسح وان أحاديث

عثمان الصحاح كلها تدل على ان مسح الرأس مرة واحده وكذا قال ابن المنذر ان الثابت

عن النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحده .

2 ـ ان الأحاديث الواردة في مسح الراس مرتين وثلاث لم تبلغ درجة الاعتبار حتى يلزم

[4]التمسك بما فيها من الزياده فالوقوف على ما جاء من الأحاديث الثابتة في الصحيحين

وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو المتعين لا سيما بعد تقييده في تلك

الروايات السابقة بالمرة الواحدة ، وحديث من زاد على هذا فقد أساء وظلم الذي صححه ابن

خزيمة وغيره قاضِ بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبي صلى الله عليه وسلم

هذه المقالة. [5]

قال الحافظ في الفتح : ـــ

( ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح ان صحت على إرادة الاستيعاب لمسح الرأس

لا أنها مسحات مستقلة جمعا بين الأدلة[6]

قال ابن قدامه في المغني : ــ

ولنا أن عبد الله بن زيد وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ومسح برأسه

مرة واحده وروي عن علي انه توضأ ومسح برأسه مرة واحده وقال هذا وضوء النبي صلى

الله عليه وسلم ومن أحب أن ينظر الى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا [7]

وقال ابن عبد البر :
ـــــ كلهم يقول مسح الرأس مرة واحده وكذلك وصف عبد الله بن أبي أوفى وبن عباس

وسلمة بن الاكوع والربيع كلهم قالوا " ومسح برأسه مرة " وحكايتهم لوضوء النبي صلى

الله عليه وسلم اخبار عن الدوام ولا يداوم إلا على الأفضل والأكمل ، وحديث بن عباس

حكاية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في الليل حال خلوته ولا يفعل في تلك الحال إلا

الأفضل .


ثالثاً : أنه مسح طهارة فلم يسن تكراره كالمسح في التيمم والمسح على الجبيرة وسائر

المسح ولم يصح من أحاديثهم شيء صريح ،

قال أبو داوود :

" احاديث عثمان الصحاح كلها تدل على ان مسحالراس مرة فانهم ذكروا الوضوء ثلاثا ثلاثا

وقالوا فيها ومسح براسه ولم يذكروا عدداًوورد في روايه اخرى مرة واحده " والتفصيل

يحكم على الاجمال ويكون تفسيرا له ولا يعارضه كالخاص مع العام ،

قالوا : ـ فان قيل يجوز ان يكون مسح مرة للجواز ومسح ثلاثا لبيان الافضل فلا تعارض بين الروايات .
قلنا
الراوي هذا طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على انه طهوره على الدوام ولان

الصحابه انما ذكروا صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه لتعريف سائلهمومن حضرهم


كيفية وضوئه في دوامه فلو شاهدوا وضوئه على صفة اخرى لم يطلقوا هذا الاطلاق الذي

فهم منه انهم لم يشاهدوا غيره لان ذلك يكون تدليسا وايهاما بغير الصواب فلا يظن ذلك بهم

وتعين حمل الراوي لغير الصحيح على الغلط لا غير لان الرواة اذارووا حديثا واحدا عن

شخص واحد فاتفق الحفاظ منهم على صفة واحده وخالفهم فيها واحد حكموا عليه بالغلط

وان كان ثقة حافظا فكيف اذا لم يكن معروفا بذلك .

وقالوا : ـ
لو صح وثبت ما رواه الشافعي فهو محمول على انه فعله بماء واحد وذلك سنة عندنا ( أي الاستيعاب)

رابعا : ـ ان التثليث بالمياه الجديدة تقريب الى الغسل فكان مخلا باسم المسح لان المسح مبني

على التخفيف والتكرار من باب التغليظ فلا يليق بالمسح بخلاف الغسل لان التكرار في الغسل

مفيد لحصول زيادة نظافه ووضاءة لاتحصل بالمرة الواحده ولا يحصل ذلك بتكرار المسح[8]


ادله القول الثاني : ـــــــــ

القائل بجوازالتكرار وانه يسن مسح الراس اكثر من مرة.

وهو راي الشافعي ومذهب داوود وابن حزم وروايه عن احمد وظاهر كلام الخرقي وراي

الصنعاني في السبل [9] وحكاه ابن المنذر عن انس بن مالك وسعيد بن جبير وعطاء وزاذان

وميسرة وهو مذهب ابن سيرين رحمه الله تعالى .

قال الشافعي رحمه الله تعالى : ــ

" واحب لو مسح راسه ثلاث وواحدة تجزيئ[10]

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى :

ونستحب ان يمسح راسه ثلاثا او مرتين وواحده تجزيئ[11]


واستدلوا على ذلك بما يلي : ـــ

1 ـ بما روي من احاديث مجمله بان الرسول صلى الله عليه وسلم توضا مرتين وثلاث

والراس عضو من اعضاء الوضوء يجري عليه ما جرى على بقيه الاعضاء ،

قال الشافعي رحمه الله : اخبرنا ابن عيينه عن هشام بن عروة عن ابيه عن حمران مولى

عثمان بن عفان انه توضا بالمقاعد ثلاثا ثلاثا ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه

وسلم يقول من توضا وضوئي هذا خرجت خطاياه من وجهه ويديه ورجليه "[12]

ووجه الدلاله : ان قوله توضا يشمل المسح والغسل .

وقد منع البيهقي وغيره الدلاله من هذا لانها روايه مطلقه وجاءت الروايات الثانيه في

الصحيح المفسرة مصرحه بانه غسل الاعضاء ثلاثا ثلاثا ومسح الراس مرة فصرحوا

بالثلاث في غير الراس وجاءت روايات صحيحه ثم غسل يده ثلاثا ثم مسح براسه مرة ثم

غسل رجليه ثلاثا فلم يبقى فيه دلاله [13]

2ـ عن عثمان رضي الله عنه انه توضا فمسح بر اسه ثلاثا [14]

رواه ابوداوود بسند حسن وقد ذكر ايضا الشيخ ابو عمرو بن الصلاح انه حديثٌ حسن وربما

ارتفع من الحسن الى الصحة بشواهده وكثرة طرقه فإن البهقي وغيره رووه من طرق

كثيرة غير طريق ابي داوود [15]ومداره على عبد الرحمن بن وردان وقد ضعفه البعض

وقال ابو حاتم (مابه بأسٌ) وقال ابن معين (صالح ) وذكره ابن حبان في الثقات وصححه

الالباني .

وبالقياس على بقية اعضاء الطهارة فيسن تكراره ولانه ايراد اصل على اصل فسن

تكراره وفيه احتراز عن التيمم ومسح الخف .

الرأي الراجح وادلته : ـــــــــــ

اولاً قبل بيان الراجح لا بد من تقرير حقيقة علميه اصوليه وهي " ان الجمع بين الادلة

اذا صحت اولى من دفع احدهما او العمل باحد الادلة وإلغاء البقيه .

ثانيا ً: ـ انه ورد في الصحاح ان الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ مرةمرة[16]

ومرتين مرتين[17] وبعض الاعضاء مرتين وبعضها ثلاث وبعضها مرة وذلك ثابت من

صنيع النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك ان الثلاث هي الاكمل ولا يسن الزياده عليها بل

ذلك مكروه قال ابو عبد الله البخاري في كتاب الوضوء باب ما جاء في الوضوء :

وقول الله تعالى " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ"[18] قال ابو عبد الله : وبين النبي صلى الله عليه وسلم ان فرض الوضوء مرة مرة وتوضأ ايضا مرتين مرتين

وثلاثا ولم يزد على ثلاث وكره اهل العلم الاسراف فيه وان يجاوز فعل النبي صلى الله عليه وسلم .قال : وَهُوَ بَيَان بِالْفِعْلِ لِمُجْمَلِ الْآيَة ، إِذْ الْأَمْر يُفِيد طَلَب إِيجَاد الْحَقِيقَة وَلَا يَتَعَيَّن بِعَدَدٍ ، فَبَيَّنَ الشَّارِع أَنَّ الْمَرَّة الْوَاحِدَة لِلْإِيجَابِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لِلِاسْتِحْبَاب ِ [19]
فعلى ذلك لا خلاف ان الفرض الذي يتحقق به الوضوء هو مسح الرأس مرة قال صلى الله

عليه وسلم بعدما توضأ مرة مرة ، هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وإنما الخلاف في

سنية التكرار أحيانا فالراجح هو الرأي القائل بجواز تكرار مسح الراس مرتين وثلاثا وانه

لاباس به وانه سنه من شانه ان يفعل احياناَ ويترك أحيانا[20] ولا يجوز تركه بالكليه .

وقال الشافعي في الام بعد ذكر حديث عثمان رضي الله عنه انه توضا ثلاثا :

" ... وليس هذا اختلافا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا توضا ثلاثا وتو ضا مرة

فالكمال والاختيار الثلاث وواحدة تجزيء فاحب للمرء ان يوضيء وجهه ويديه ورجليه

ثلاث ويمسح براسه ثلاث ويعم بالمسح راسه [21]"

وقال شارح سنن ابي داوود العظيم ابادي في عون المعبود

" ان التثليث لا باس به "[22]

اذا فلا بد من الاقرار ان الخلاف هو في جواز فعل ذلك ام لا وان الغرض هو عدم اهمال حديث

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنه بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادة

بينها ونقلها عنه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم مرات عديدة بكيفيات مختلفه راى بعضهم

اكثر من كيفيه وطريقه وراى بعضهم البعض ولا شك ان الاكمل والافضل ماداوم عليه الرسول

صلى الله عليه وسلم مع جواز ما صح نقله عن الثقة من اصحابه وصححه اهل العلم ولا

بدعية في مسح الراس اكثر من مرة كما يقول البعض اوكما يلصق في بعض المساجد او على

لسان بعض الدعاه وفق الله الجميع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وردت الاحاديث

التي جاءت في الصحاح (البخاري ومسلم) عن عثمان بن عفان ،ووعبد الله بن زيد رضي الله

عنهما في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عده صححها اهل الفن كما سنبينها ،

بالوضوء ثلاث ا ومسح الراس ثلاثا كما في حديث عثمان في غير البخاري ومسلم وقد

اتفقت طرقه على مسح الراس ثلاثا كما سابينها وجاءت طرق حديث عبد الله بن زيد عند

النسائي واحمد بالمسح مرتين للراس وجاءت عن غيرهما كحديث الربيّع بالمسح مرتين

وقد صححها كثير من اهل الحديث كما سيتضح من خلال العرض فالجمع حينئذِ هو المتعين

عند اهل العلم إعمالا للاحاديث ولا مانع من الجمع وهو ماقاله الحافظ ابن حجر في الفتح

لكنه مال الى أن التعدد للاستيعاب كمذهب المالكيه في ذلك وليست مسحات مستقله ، وقد

قرر النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم بعد ذكر حديث عثمان هذه القاعده الجليله في

الجمع بين الروايات فقال رحمه الله تعالى : ـــــ

هذا الحديث اصل عظيم في صفة الوضوء وقد اجمع المسلمون على ان الواجب في غسل

الأعضاء مرة مرة وعلى ان الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث في غسل الأعضاء مرة مرة

وثلاث وبعض الأعضاء ثلاث وبعضها مرتين وبعضها مرة وقال العلماء فاختلافها دليل

على جواز ذلك كله وان الثلاث هي الكمال والواحدة تجزيء فعلى هذا يحمل اختلاف
الأحاديث ،وأما اختلاف الرواة فيع عن الصحابي الواحد في القضية الواحدة فذلك محمول
على ان بعضهم حفظ وبعضهم نسي فيؤخذ بما زاد الثقة كما تقرر في قبول زياده الثقة الضابط " [23]

ومن هذه الأحاديث الواردة في التكرار : ــــ

1 ـ قال البخاري رحمه الله تعالى (باب الوضوء مرة ) وذكر حديث بن عباس رضي الله

عنهما قال " توضا النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة )[24]

2 ـ وقال ايضا باب الوضوء مرتين مرتين

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ[25]

3 ـ وقال رحمه الله باب الوضوء ثلاثا وذكر فيه حديث حمران عن عثمان رضي الله

عنه في الوضوء ثلاثا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ

أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ

دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ

ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ

إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى

رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[26]

فهذه أحاديث مجملة في الوضوء بكيفيات متعددة لم تتعدى الثلاث وردت بسند صحيح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وورد في بعض طرقها بعض الأعضاء مرة أو مرتين أو ثلاث فهذا دليل مجمل على جواز الوضوء مرة ومرتين وثلاث على الاجمال لكل الأعضاء والرأس أصل من أعضاء الوضوء .

قال الكرماني في الكواكب الدراري : ـ

" قالوا ان الشافعي يحتاج لإثبات كلامه إلى شرح إذ الحديث مجمل ثلاثا ثلاثا قال

والشرح ما ورد في سنن النسائي ا.ه

قال كاتبه عفا الله عنه : اقول بل الشرح ليس في النسائي فقط بل عند الترمذي وابي

داوود واحمد والبهقي وغيرهم كما سيتضح .

فقد جاء في سنن الترمذي باب ماجاء انه يبدأ بمؤخر الرأس حديث رقم 33
عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا

ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا"

وهو عند ابن ماجه وابي داوود والبهقي ومصنف عبد الرزاق ومعرفة السنن والاثار

ومسند الامام احمد كلها مرتين .

وقد قال الجمهور ان في الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مدلس اذا عنعن والظاهر

ان قولها بدا بمؤخر رأسه بيان لقولها مرتين وليستا بمسحتين والحديث فيه دلاله على

البداءة بمؤخر الراس وهو مذهب أهل الكوفة . انتهى كلامهم ِ


الجواب : اما قولهم عبد الله بن محمد بن عقيل مدلس

فقد قال الحافظ ابن حجر في التاريخ قال الترمذي عبد الله بن محمد ب ن عقيل صدوق

وقال الذ هبي فيه لين لكن لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن لا سيما اذا توبع

وقد صحح الحديث الالباني والشيخ احمد شاكر رحمهما الله تعالى .

قال الشيخ احمد شاكر في تعليقه على التر مذي : ـ

حديث الربيع حديث صحيح وانما اقتصر الترمذي على تحسينه ذهابا منه الى انه

يعارض حديث عبد الله بن زيد ولكنهما عن حادثتين مختلفتين فلا تعارض بينهما حتى يحتاج

إلى الترجيح .. واما الشارح العلامة المباركفوري رحمه الله فانه فهم أن الترمذي حسنه

للخلاف في عبد الله بن محمد بن عقيل وليس كذلك لان ابن عقيل ثقة وأيه ذلك ان الترمذي في الباب الآتي صحح حديث الربيع من طريق ابن عقيل وهو نفس هذا الحديث برواية أخرى[27]
اما قولهم أنهما بيان وليستا بمسحتين فأقول ورد الحديث في السنن الكبرى للبيهقي ببيان

المسحتين في باب التكرار في المسح قالت : ثم مسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم

بمقدمه ثم مؤخر رأسه ثم مقدمه ثم مسح بأذنيه .. الحديث[28]


وقال في عون المعبود :

فليستا بمسحتين بدليل أنها لم تقل ويبدأ ..

وا ذا كان كذلاك فيحمل ما ورد في غسل اليدين مرتي ن وثلاث على البيان كذلك

ولامانع
2 ـ ور د أيضا في مسح الرأس مرتين من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه بطر ق

مختلفة عن التي في الصحيحين صححها أهل العلم فقد جاء في النسائي ي بسند صحيح

عنه رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه

مرتين وغسل رجليه مرتين ومسح برأسه مرتين "

وقد صححه الذهبي وشعيب الارنؤوط في تخريج مسند احمد [29]

3 ـ ورد حديث عثمان رضي الله عنه من طرق أخرى بالمسح ثلاثا ومنها ما جاء

في سنن أبي داوود عن حمران قال رأيت عثمان توضأ ...... ومسح رأسه

ثلاثاً[30]قال الألباني حسن صحيح[31]

قال الحافظ في الفتح بعد ذكره لكلام أبي دواوود:

" أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على ان مسح الرأس مرة واحده " ..قال :

انه ورد من طريقين صحح احدهما ابن خزيمه وغيره في حديث عثمان تثليث

مسح الراس والزياده من الثقه مقبولة . [32]

وقال الشارح في عون المعبود بعد ذكر كلام الحافظ في الفتح : ــ

قلت كأنه يشير بقوله صحح احدهما ابن خزيمة إلى حديث عبد الرحمن بن وردان

عن حمران عن عثمان بن عفان فان سنده صحيح وفيه تثليث مسح الرأس ....

قال وقلت التحقيق في هذا الباب أن أحاديث المسح مرة واحده أكثر واصح واثبت
من أحاديث تثليث المسح وان كان حديث التثليث ايضا صحيح من بعض الطرق

ولكن لا يساويها في القوة فالمسح مرة واحده هو المختار والتثليث لا بأس به [33]


4 ــ ورد المسح ثلاثا من طريق غير طريق عبد الرحمن بن وردان عند أبي داوود

عن شقيق بن سلمة قال رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا ومسح

راسه ثلاثا ثم قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا قال الالباني

حسن صحيح [34]

قال في عمدة القاري: ــ

وذكر ابن السكن أيضا عن مصرف بن عمرو وردت أحاديث كثيرة بالمسح ثلاثا

ففي سنن أبي داوود بسند صحيح وحديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران

ومسح رأسه ثلاثا وفي سنن ابن ماجه ما يدل على ان سائر وضوئه صلى الله

عليه وسلم ثلاثا والرأس داخلة فيه ، وفي سنن الدار قطني بسند فيه البيلماني

عن عمر وفي مسند البزار بطريق صحيح ثلاث ثلاث [35] انتهى بتصرف واختصار


فهذه جملة من احاديث صحيحه وردت بالمسح مرتين وثلاث في بيان وضوء

النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه لأصحابه ولا تعارض بينها وبين ما استدل به

الجمهور اذ اختلاف الرواية يحمل على التعدد وجواز فعله لاسيما وقد اقر الاصل

بما هو متفق عليه عند الجميع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه

مرتين وثلاث وبعض الأعضاء مرة ومرتين وثلاث وبعضها على خلافها

قال ابن السمعاني في الاصطلام : ـ

اختلاف الروايه يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا (وتارة مرتين

) فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد ويحتج للتعدد بالقياس على

المغسول لان الوضوء طهارة حكميه ولافرق في الطهارة الحكمية بين الغسل

والمسح [36]

وقد ورد فعله عن السلف بما يدل على انه لا حرج ولا بدعة في فعله ومسح

الرأس أكثر من مرة بل هي السنة المتعينه للجمع بين الأخبار الواردة وقد نقله

ابن ابي شيبه في مصنفه عن انس انه مسح رأسه ثلاثا يأخذ لكل مسحة ماء جدا

واخرجه ايضا عن سعيد بن جبير وعطاء وزاذان وميسرة وورد عن علي في

السنن الكبرى وغيرهم[37]

وقال ابن رشد في بداية المجتهد : ــ

وعضد الشافعي وجوب قبول هذه الزيادة بظاهر عموم ما روي أنه عليه الصلاة

والسلام توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وذلك أن المفهوم من عموم

هذا اللفظ - وإن كان من لفظ الصحابي - هو حمله على سائر أعضاء الوضوء، إلا

أن هذه الزيادة ليست في الصحيحين، فإن صحت يجب المصير إليها، لان من

سكت عن شئ ليس هو بحجة على من ذكره.[38]

قلت : ــ وقد ثبتت فوجب المصير إليها ،

وقال الصنعاني في سبل السلام في شرح حديث علي رضي الله عنه في صفة

الوضوء : ـــ

"هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ اسْتَوْفَى فِيهِ صِفَةَ الْوُضُوءِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ ، وَهُوَ

يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ حَدِيثُ " عُثْمَانَ " ، وَإِنَّمَا أَتَى الْمُصَنِّفُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمَا

لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِي حَدِيثِ " عُثْمَانَ " ، وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ مَرَّةً ، فَإِنَّهُ نَصَّ أَنَّهُ وَاحِدَةً

مَعَ تَصْرِيحِهِ بِتَثْلِيثِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ قَوْمٌ

بِتَثْلِيثِ مَسْحِهِ كَمَا يُثَلَّثُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهَا ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي

الْحَدِيثِ تَثْلِيثُهُ ،وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ذُكِرَ فِيهِ تَثْلِيثُ الْأَعْضَاءِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ

أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ " عُثْمَانَ " فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ ، أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ، صَحَّحَ

أَحَدَهُمَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَذَلِكَ كَافٍ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ السُّنَّةِ" .[39]

وأجيب عن قول الجمهور ان المسح مبني على التخفيف :

بانه قياس في مقابلة نص فلا يسمع كما أن التيمم والمسح على الخفين رخصة

فناسب التخفيف والرأس أصل فإلحاقه بباقي أعضاء الوضوء أولى[40]


فخلاصة القول :

ان مسح الراس مرتين وثلاث سنة ثابته عن النبي صلى الله عليه وسلم

بالأحاديث الصحيحة وأنها بيان لوضوئه صلى الله عليه وسلم في بيان مجمل

الوضوء ومو ضع تعليمه لأصحابه رضوان الله عليهم فوجب المصير اليها جمعا

بين الأحاديث وان كان الأكمل ماداوم عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم

والله اعلى واعلم
محمود رضا محمد هلال









[1] المغني ج1/159ـ التمهيد 20/117 ،بدايه المجتهد جـ1/20 ،حاشيه الدسوقي 1/98 ،بدائع الصنائع1/95 تحفة الاحوذي 1/105، البحر الرائق 1/123 العناية 1/32 ، رد المحتتار 1/118

[2] بخاري 159 ،مسلم 226

[3] بخاري 186،192 ،مسلم 235،ابوداوود 118، ترمذي 32، الننسائي 97 ،ابن ماجه 434





[6] فتح الباري ا/313،314، نيل الاوطار ا/229،توضيح الاحكام 1/173

[7] المغني 1/159،160

[8] بدائع الصنائع 1/97 ، رد المحتار ج1/127 ، المغني 1/162 ،الفتح 1/317 ، شرح النووي 3/18

[9] سبل السلام 1/61

[10] الام 1/192 ،204

[11] المحلى 2/44

[12] البخاري باب الوضوء ثلاثا ومسلم باب فضل الوضوء وابوداوود باب صفة وضوء النبي والنسائي في الطهارة باب المضمضة والاستنشاق

[13] السنن الكبرى

[14] ابوداوود 107 قال الالباني حسن صحيح

[15] المجموع 463/1

[16] ابن عباس بخاري 157

[17] البخاري 158

[18] المائده 6

[19] الفتح جا /282

[20] س بل السلام 1 /61

[21] الام 1/204

[22] عون المعبود 1/226

[23] مسلم 3/81

[24] بخاري 157

[25] بخاري 158

[26] بخاري159

[27] الترمذي تحق يق شاكر 1/48

[28] حديث300 سنن البهقي وابن ماجه 390

[29] سنن النسائي 99 1/141 ومسند احمد 16404 تحقيق شاكر 1/920

[30] ابوداوود 107

[31] صحيح وضعيف سنن ابي داوود

[32] فتح الباري 1/ 313

[33] عون المعبود جـ1 / 126 ،127



[34] سنن ابي داوود 110 ،وسنن الدار قطني 302

[35] عمدة القاري 3/13،14،15 بتصرف

[36] فتح الباري 1/356

[37] فتح الباري 1/356 /عمده القاري 3/12 ،13 ،عون المعبود 1/126

[38] بدايه المجتهد 1/20

[39] سبل السلام 1/61

[40] المجموع 1/465