المستويات اللغوية في :فيها رجلٌ قائمٌ
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية،وتتألف الجملة من المبني عليه والمباني ، والعلاقة بينها تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هوالحال في هاتين الجملتين:
نقول:فيها رجل ٌقائم .
ونقول:فيها رجلٌ قائما.
التركيب الأول قوي ،أما التركيب الثاني فضعيف ،والأصل أن يجري "قائم" نعتا على رجل وإن كان النصب جائزا ،ولكن النعت أقوى ، لأن النكرة تطلب الوصف طلبا حثيثا ، قال سيبويه:إنما كان النصب بعيدا هنا من قِبَل أن هذا يكون من صفة الأول ،فكرهوا أن يجعلوه حالا ،كما كرهوا أن يجعلوا الطويل والأخ حالا حين قالوا:هذا زيد الطويل وهذا عمرو أخوك ،فألزموا صفة النكرة النكرة كما ألزموا صفة المعرفة المعرفة ،وأرادوا أن يجعلوا حال النكرة فيما يكون من اسمها كحال المعرفة فيما يكون من اسمها ،يريد بحال النكرة حكمها ،أي:حملوا حكم النكرة على حكم المعرفة في الامتناع من نقل صفتها إلى الحال ،وقال ابن السراج:إنما ضعف الحال هنا لأن الحال خبر وحمل الصفة على الصفة أقرب من حملها على الخبر كما أن الحال خبر والإخبار عن النكرة لا يفيد ، فلا يأتلف الحال مع النكرة ، فلما أرادوا أن ينصبوا "القائم" على الحال على غير ضعف نقلوه إلى موضع لا يجري فيه على موصوفه ،فقالوا:هذا قائما رجل وفيها قائما رجل ،فقدموه على الموصوف ،إذ لا يصح في النعت أن يجرى على منعوته وهو متقدم عليه لأن من شرط جريانه التأخير عن الموصوف ، فتقدم الصفة يقطع العلاقة المعنوية بينها وبين الموصوف ، ولا يختص هذا الحكم بتقديمه على صاحبه وحده بل يُنصب إذا تقدم صدر الكلام حيث يجوز ذلك ،كقولك:ضاحكا جاءني رجل ،وقائما رأيت رجلا (1)وهكذا نجد أن منزلة المعنى هي المعيار في انتقال الكلام من مستوى إلى مستوى آخر ،وأن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي ،وأن الإنسان يتثقف لغويا ويتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم .
============================== ==
(1)الشاطبي- المقاصد الشافية-ج2ص ص 32-33 بتصرف