قال تعالى:" كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ منه"
تتألف الجملة من المبني عليه والمباني ، والعلاقة بينها تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية سواء أتقدم الكلام أم تأخر، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم كما هو الحال في قوله تعالى":كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ*فَمَ كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* وفي هذه الآيات الكريمة ما يلي:
1-في قوله تعالى:" فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ منه" تعليق لشبه الجملة بالفعل الناقص ،والجملة مبنية على الفعل الناقص ، وتترتب من الأهم إلى الأقل أهمية ، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك وقد جاء تقديم شبه الجملة من أجل الهدف المعنوي وهو تطييب خاطر النبي- صلى الله عليه وسلم- من احتمال تكذيب قومه له ، وشبيه بهذا قوله تعالى:"ولم يكن له كفوا أحد" حيث علق شبه الجملة بالفعل الناقص من أجل نفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه ،وقال تعالى:"أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم "فعلق شبه الجملة بالفعل الناقص من أجل التوبيخ .
2- في قوله تعالى:" فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ* فيه تقديم لوقت البيات على وقت القيلولة لأنه أهم والعذاب فيه أشد ، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك ،وهذا شبيه بمن يدق جرس البيت أو الهاتف ليلا أو وقت القيلولة ،والأول أشد إزعاجا ،وفي الآية الكريمة حُذفت واو الحال من الجملة الثانية لعدم الحاجة المعنوية إليها لأن الكلام مفهوم بدونها ، بينما هي ضرورية في :جاء زيد والشمس طالعة ،أو جاء زيد وهو راكب.
3- في قوله تعالى:" فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ "تذكير لـ"كان" مع الدعوى لأنها بمعنى الدعاء أو التضرع أو لأنها مؤنث مجازي فضعفت العلاقة مع المؤنث فذكَّر الفعل وهذا أجود،و"دعواهم " اسم كان " و"إلا أن قالوا " الخبر ، لأنه إذا لم تكن قرينة لفظية ولا معنوية تبين الفاعل من المفعول وجب تقديم الفاعل وتأخيرالمفعول ، نحو : ضرب موسى عيسى ، وكان وأخواتها مشبهة في عملها بالفعل الذي يتعدى إلى واحد ، فكما وجب ذلك فيه وجب ذلك في المشبه به وهو كان، ودعواهم ، وإلا أن قالوا لا يظهر فيهما لفظ يبين الاسم من الخبرفوجب أن يكون السابق هو الاسم واللاحق الخبر،وهذا الإعراب نابع من منزلة المعنى، والأهمية المعنوية، إذ إن حاجة الفعل للفاعل أشد من حاجته للمفعول ،لأن الفعل يدل على الفاعل بصورة أكبر من دلالته على المفعول ،والفعل لا بد له من فاعل ولكن الفعل قد يكون بلا مفعول.