الأكاديمي الإماراتي طارق عبد الله في حوار لـ"نماء":
التجربة الوقفية ودورها في دعم المشاريع البحثية والتعليمية

مركز نماء
حاوره: ياسر المختوم
قال الأستاذ الجامعي الإماراتي الدكتورطارقعبدالله، إن الوقف في تاريخنا الإسلامي لعب دورا أساسيا في التنمية، وظل نموذجا اجتماعيا واقتصاديا، مشيرا في حوار مع "نماء"، إلى أن العودة اليوم إلى الوقف هي "عودة إلى أحد مكوناتنا الذاتية"، وتوقف الأكاديمي الإماراتي، عند التجربة التاريخية للوقف في العالم الإسلامي، بمختلف المجالات الحيوية، معتبرا أنه إذا كانت التجربة الوقفية الغربية قدمت نماذج عملية عن تطبيق المسؤولية الاجتماعية للاستثمار، فإن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير الأوقاف داخل المجالات التعليمية، تمثل نموذجا متفردا يستوجب التوقف عنده ورصد أهم ملامحه. ويرى الأكاديمي طارق عبد الله، أن المؤسسات الوقفية الأمريكية، وفي مقدمتها جامعة هارفارد، عملت على إذكاء روح التنافس فيما بينها، حول تحقيق عدة مؤشرات كمية ونوعية.في هذا الحوار يميط الأكاديمي الإماراتي طارق عبد الله عن جانب من أهمية الوقف في دعم المشاريع العلمية والبحثية في العالم العربي، ويستعرض بعض التجار بالدولية في هذا السياق ويركز بالخصوص على التجربة الأمريكية وعلى أهمية الوقف في بناء جامعة هارفرد وتوسيع امتداداتها العلمية والبحثية.لماذا اليوم التركيز على الوقف كأحد أهم المشاريع الحيوية الداعمة للنهوض بالتنمية؟قام الوقف في تاريخنا الإسلامي بدور أساسي في التنمية، وهذا سبب واحد فقط، وهناك سبب آخر يتمثل في أن مشاريع التنمية اليوم، تدعو في كثير من أدبياتها، إلى ما يمسى بالتنمية المستدامة والتنمية المتكاملة والتنمية البشرية، وقد حقق الوقف تاريخيا كنموذج اجتماعي واقتصادي، هذه الأبعاد، وبالتالي العودة اليوم إلى الوقف هي عودة إلى أحد مكوناتنا الذاتية، لأنه جزء من تاريخنا، وبالتالي تسليط الضوء على الوقف اليوم، يعني تسليط الضوء على إمكانية ذاتية يمكن أن تقدم لنا الكثير إذا ما استفدنا منها.كيف ترصدون التجربة التاريخية للوقف في مجالي الصحة والتعليم؟في مجال التعليم والصحة، لا تنكر الكتب والمصادر التاريخية، ما للوقف من دور رئيسي في هذين المجالين، والوقف كذلك لابد أن نقول أنه جزء من المجتمع. وبالتالي في وقت كانت الدولة فيه حدودها بسيطة، كان الوقف عماد التعليم والصحة، فانتشرت المدارس والجامعات الوقفية، ونحن اليوم نعلم ماذا تعني جامعة القرويين في المغرب مثلا، بحكم أنها أول جامعة وقفية في العالم تأسست بفضل التبرعات، وهناك نماذج أخرى في العالم الإسلامي، مثل الأزهر والزيتونة، وبالتالي الوقف ساهم في بناء منظومة تعليمية انطلاقا من الكتاب ووصولا إلى الجامعة، والوقف مول العملية التعليمية برمتها، ومول رواتب الأساتذة ومنح الطلبة والبرامج التعليمية، وكذا نسخ الكتب وكل ما يتعلق بالتعليم. فقد كان الوقف رافدا أساسيا للتعليم في بلادنا. ونفس المسألة تتعلق بما يسمى البيماريستانات، أو المؤسسات الاستشفائية التاريخية، وهو المكان الذي كان يتم فيه الاعتناء بالمرضى في العالم الإسلامي، ونشأت البيماريستانات كنتاج عن دعم الوقف لهذه المستشفيات، وبالتالي نتج عن الوقف على هذه المستشفيات، قطاع صحي يهتم بصحة الناس، ومصلحة الأفراد، ويهتم أيضا بالوقاية، وارتبطت أيضا بهذه المستشفيات كليات الطب الأولى.يلاحظ أن الاهتمام بالاستثمار الوقفي بالكويت متقدم جدا بالمقارنة مع الاهتمام المحدود لباقي الدول العربية، لماذا في اعتقادكم؟المسألة تتعلق كذلك بالوعي بالإمكانات التي تحدثنا عنها، الوعي بما يمكن أن نجده من نظم وطرق لا توجد بالضرورة في دول مثل فرنسا وأمريكا، هذه الإمكانات موجودة في تاريخنا ووطننا، وهي جزء من مجتمعاتنا على الأقل إلى وقت قصير، والوعي بقدرتنا على الاستفادة منها، هناك مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالثقافة الوقفية، هذا الوعي الذي يترتب على أن يفهم الأفراد، وتفهم المجتمعات المسلمة ،أن للوقف إمكانيات، وأن هذا الوعي لا يتأتى بشكل عبثي، بل هو نتيجة دخول الوقف في أجندة المفكرين وأجندة الباحثين، وبالتالي أعتقد أنها مسألة وقت وفقط، والصورة بدأت تتغير، بما يدل على أن هناك إعادة التفكير في دور الوقف وإسهامه وخروجه إلى الساحة الاجتماعية والساحة الاقتصادية ليصبح حديث المفكرين ويصبح له وجود في الإعلام.ألا تعتقدون أن المشاريع الوقفية في العالم العربي يمكن أن تكون ذوات أهمية كبرى في المجال العلمي والبحثي؟هذا مما لاشك فيه، نعتقد أن التجارب سواء في بلداننا، أو في واقع العالم الغربي، تبين أن التعليم الوقفي نموذج للتعليم المتقدم كثيرا، وأن التعليم الوقفي هو تعليم نوعي، وأن علاقة الوقف بالتعليم ممكن أن ترفع من مستوى وجودة العملية التعليمية التي نراها اليوم منحصرة بين تعليم حكومي له مشاكله، وتعليم خاص يبتغي الربح السريع في الكثير من الأحيان، وبالتالي في الحالتين، نشهد تراجعا للعملية التعليمية بصفتها عملية معرفة، وليست حشو أدمغة الطلبة والتلاميذ بالمعلومات، وبالتالي للوقف دور أساسي في قيام مشاريع تعليمية نموذجية.ما العناصر الاستراتيجية لإعادة الاعتبار للوقف في العالم العربي؟أعتقد أنه تطرقنا للمسألة الأولى، وهي الوعي بأهمية الوقف، والوعي يتحقق من خلال نشر ثقافة الوقف، ومن خلال التعريف به في المنتديات العلمية والثقافية، وبالتالي لابد من توسيع رقعة النقاش العلمي حول الوقف في منتدياتنا وملتقياتنا،. المسألة الثانية هو الشراكة المتينة بين القطاع الخاص والوقف، لأن القطاع الخاص يفترض أن تكون له مسؤولية اجتماعية، وبالتالي أن ينشأ مكونات القطاع الخاص، أوقاف كبيرة ومهمة، ثالثا، أعتقد أنه من المهم أنتسهل التشريعات والقوانين خروج وظهور قطاع وقفي قوي، وبالتالي لابد لكل من له مسؤولية قانونية أن يقدم الدعم من جانبه، خدمة للأوقاف، وأخيرا المؤسسات الوقفية مسؤولة عن بناء نماذج وقفية يمكن أن تفتح الباب للآخرين، وتتحقق بها شفافية يمكن أن تشجع الآخرين للاستثمار في الأوقاف.وماذا عن التجربة الغربية بخصوص النظام الوقفي؟العمل الخيري في الغرب يعتمد بشكل أساسي على الاستفادة من التغيرات الحاصلة منذ بداية السبعينات في التطوير الإداري والاستثماري ودخول الفكر الاستراتيجي كمعطى أساسي للأعمال الخيرية والوقفية التي أخذت طابعا مؤسساتيا، بعيدا كل البعد عن العفوية والارتجالية. لنتوقف عند التجربة الأمريكية مثلا، الملفت فيها هي المستويات القياسية في حقل التبرع والعمل التطوعي بشكل عام، وبلغ عدد المؤسسات الخيرية بمختلف أنواعها سنة 2011، مليون ومائتان وثمانية وثلاثون ألفا، وتبرع الأمريكيون في نفس السنة بحوالي 316 بليون دولار، أي ما يعادل 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.توقفتم في إحدى دراساتكم حول النظام الوقفي عند الاستثمار الوقفي في النظام التعليمي، يبدو أنكم منبهرون بتجربة جامعة هارفارد الأمريكية؟بالفعل، رسخت الجامعات الوقفية الأمريكية، علاقة وطيدة بين ثقافة التبرع من ناحية، والميادين الأكاديمية وبرامج البحث العلمي من ناحية ثانية، بحيث لا يمكن أن نتصور البنية التحتية العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية بدون الوقف. ولهذا تجتهد كل الجامعات الأمريكية، بما فيها الحكومية، في عمليات مبرمجة ومدروسة لتطوير برامج أكاديمية جديدة، بغرض تمويلها من التبرعات بشكل عام، من هنا كانت استراتيجية المؤسسات الجامعية في تنمية الأصول تعتمد بالدرجة الأولى على الدعوة لإنشاء وقفيات جديدة من خلال التبرعات.وماذا عن تجربة جامعة هارفارد الأمريكية؟إذا كانت التجربة الوقفية الغربية قدمت نماذج عملية عن تطبيق المسؤولية الاجتماعية للاستثمار، فإن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير الأوقاف داخل المجالات التعليمية، تمثل بالفعل نموذجا متفردا يستوجب التوقف عندهورصدأهم ملامحه. لنتوقف عند جامعة هارفارد، التي عملت على إذكاء روح التنافس فيما بينها، حول تحقيق عدة مؤشرات كمية ونوعية، هذه الجامعة، تأسس وقفها في شتنبر 1636، وسميت كلية هارفارد في 13 مارس 1639، لتصبح جامعة هارفارد سنة 1780، وسميت باسم جون هارفارد، القس المهاجر من إنجلترا، الذي أوقف كل ثروته ومكتبته التي تضم 400 مجلد لكلية هارفارد، وفي سنة 1870 تحولت إلى جامعة خاصة تعتمد على الأوقاف، وبلغت أصول أوقافها 34.9 مليار دولار، مكونة من 11 ألف وقف. ثم بالإضافة إلى التبرعات الأمريكية، استطاعت الجامعات الأمريكية أن تمول العديد من الكراسي العلمية من واقفين أجانب، لإنشاء العديد من الكراسي ذات العلاقة بالإسلام.ويمكن أن أقول أن أزيد من 90 بالمائة من الجامعات الغربية تدعم كليا أو جزئيا بأموال الوقف، ويصل حجم الوقف في مؤسسات التعليم العالي الأمريكية 118.6 مليار دولار، وفي جامعة كيوتو فقط في اليابان يصل إلى 2.1 مليار دولار، بينما يبلغ وقف الجامعات الكندية 5 مليارات دولار، بينما يصل الوقف في 10 جامعات بريطانية 30 مليار دولار. ويغطي العائد من الأوقاف في مجال التعليم بالولايات المتحدة الأمريكية، ثلث نفقات تشغيل الجامعة، وهو ما يعني أكثر من 1.1 مليار دولار.