السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخوة الافاضل هذا تفريغ لدرس ، به فوائد مهمة واعتذر عن التاخر في نشره لانني مانتهيت من تفريغه الا الان ..
يقول السائل : السلام عليكم ، كلنا نعلم ان تخصيص الايام بعبادات معينة بدون دليل شرعي هو من قبيل البدع ، ومن فترة ليست بالقليلة كان الجدل بخصوص ليلة النصف من شعبان قد اخذ في الهدوء بعد ما علم الجميع بضعف الاحاديث الواردة في تخصيصها بالعبادات دون غيرها ..
لكن سرعان ما عادت الشبهة تبرز على الساحة لكن باشكال جديدة ، وقد داربيني نقاش وبين اخ من الصوفية وكذلك اخ مالكي المذهب ، فقالوا انهم لا يرون باساً بتخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادات معينة لفضيلتها !!
فقلت لهم ان الاحاديث كلها ضعيفة ، قالوا لي : نعلم انها ضعيفة لكن لنا ادلة اخرى وذكروها ، فقالوا : -

أولاً : جاء حديث صحيح في فضلها وان الله يغفر فيها لجميع خلقه الا مشرك او مشاحن
ثانياَ : ثبت ذلك من فعل السلف الصالح وتابعين اهل الشام
ثالثاً : هناك نصوص عن شيخ الاسلام ابن تيمية تقول بانها ليلة لها فضل ، ويقال انه في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم صرح بانها من المستحبات والسنن !
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..


1 - اما بخصوص الاحتجاج بحديث « إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ »
فلا يصح الاحتجاج به ، لان مجرد ذكر الفضيلة لليوم او للوقت ، لا يعني ان نخصصه بالعبادة ..
فمثلاً : يوم الجمعة وهو خير يوم طلعت عليه الشمس كما في [ صحيح مسلم ] ، وفيه فضائل كثيرة
ومع هذا نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام » [ رواه مسلم ]
فان كان يوم الجمعة وهو خير الايام وصاحب الفضائل الكثيرة لا يجوز تخصيصه ! فكيف بغيره
فنخلص من كل هذا ، ان فضيلة اليوم ليست دليلاً على تخصيصه بالعبادة والله اعلم

2 - وبخصوص احتجاجهم بفعل السلف الصالح من التابعين من اهل الشام
فيجاب عنه ، بان : فعل السلف الصالح لا يكون حجة الا اذا انتشر الامر وتلقاه الجميع بالقبول ولم ينكره احد
اما لو تتبعنا مصنفات اهل العلم فنجد ان فعل التابعين من اهل الشام كان محل انكار من اهل مكة والمدينة ، فلم يتلقاه الجميع بالقبول كما يزعم البعض ..
قال الحافظ ابن رجب : " وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة ، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة ، وهو قول مالك وغيرهم ، وقالوا : ذلك كلّه بدعة " اهـ
وروي باسناد صحيح عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم انه قال : " لم أدرك أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول ولا يرى لها فضلاً على سواها من الليالي ".. !
بل ان اهل الشام انفسهم لم يتلقوا الامر بالقبول ، فقد ثبت ان الاوزاعي كان يخالفهم في ذلك وهو إمام أهل الشام فى زمانه
[ فالخلاصة ] ان احتجاجهم بفعل السلف لا يستقيم الا لو كان هذا محل قبول من الجميع ، وليس محل انكار من الاكثر ، وهو الامر الذي لم ينطبق هاهنا

3 - اما احتجاجهم بكلام شيخ الاسلام ابن تيمية فلا يخلو من ثلاث امور

الاول : كلام له في فضيلتها بوجه عام ، وقد تقدم الرد على هذا بان الفضيلة لا تدل على اباحة تخصيص اليوم بالعبادة
الثاني : كلام له في عذر من خصها بالعبادة من التابعين بانه كان يسير على احاديث محددة ! وليس دليلا صريحاً بل انه بمثابة التماس العذر فقط لصاحب الفعل الخاطئ ! وليس من باب تصحيح فعله ..
الثالث : كلامه في كتاب الاقتضاء والذي يحتجون به هو كلام مبتور ..
فانهم ينقلون كلام شيخ الاسلام ابن تيمية بهذا السياق ، يقولون : قال شيخ الاسلام ابن تيمية :
" ليلة النصف من شعبان، قد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف كان يخصها بالصلاة فيها " أهـ
والجواب ان هذا كلام مبتور بشكل سئ للغاية ، فان كان كلام شيخ الاسلام كالآتي
- اولاً : اورد شيخ الاسلام هذا الكلام في [ فصل الاعياد الزمانية المبتدعة ] فقال : " ومن هذا الباب [ يعني:باب البدع ] ليلة النصف من شعبان، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة " أهـ ، وكلامه هنا صريح في ان ما يحدثه العوام في هذا الباب هو من البدع الصريحة !!
- ثانياً : قول شيخ الاسلام ( روي في فضلها ) يدل على ان ماياتي بعده هو مروي بصيغة التمريض يعني لا يرى صحته
- ثالثاً : قال شيخ الاسلام - بعد كلامه المذكور : " ومن العلماء : من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف، من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، وقال: لا فرق بينها وبين غيرها " اهـ ،
فلماذا يغضون ابصارهم عن تتمة كلام شيخ الاسلام بان اكثر العلماء من السلف والخلف انكروا الامر ؟
- رابعاً : ختم شيخ الاسلام كلامه بالاكتفاء بفضيلة الليلة فقط ، مع ذم تخصيصها بالعبادات ..
فقال : " الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم -على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية .....
فأما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه ... وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف، من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد، وقدر من القراءة لم يشرع، مكروه ..... ولو سوغ أن كل ليلة لها نوع فضل، تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها، لكان يفعل مثل هذه الصلاة ليلتي العيدين، وليلة عرفة " اهـ

اما ما يزعمه بعض الاخوة المالكية من طلاب العلم المعاصرين فينبغي لهم ان يعلموا ان نص الامام مالك هو على ان تخصيص تلك الليلة بالعبادة هو من قبيل البدع ،، وليس الامر بالاجماع عندهم ،
بل قال الامام العلامة الشاطبي ( وهو فخر المالكية ) في كتاب الاعتصام - حين ذكر تعدد اوجه البدع قال : " ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته " اهـ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته