مدخل إلى أدب الأطفال
أ- مفهوم أدب الأطفال:
أدب الأطفال هو جزء من الأدب بشكل عام وينطبق عليه ما ينطبق على الأدب من تعريفات، إلا أنه يتخصص في مخاطبة فئة معينة من المجتمع، وهي فئة الأطفال، وقد يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار تبعًا لاختلاف العقول والإدراكات، ولاختلاف الخبرات نوعصا وكمًا، ولكن الذي لا خلاف فيه أن أن المادة الأدبية لقصص الأطفال (الفولكلورية والتقليدية) والتي ظلت تحكي لأطفال شعب من الشعوب على مر الأجيال من الآف السنين فتستحوذ على عواطفهم وخيالاتهم، لم تكن منعزلت عن التيار العام للخيال والصور أو التفكير في هذا الشعب، بل كانت قصص الأطفال تعبيارت أدبية خالصة صنعها الكبار(1).
إن أدب الأطفال يضعه الكبار، تلك حقيقة، فهل يترتب على ذلك اختلاف مفهوم أدب الأطفال عن مفهوم الأدب بشكل عام؟ هل يستمتع الأطفال بالأدب، وأيّ أنواع الأدب يولّد المتعة في نفوس الأطفال؟ وما طبيعته، وفي أي سن يستشعر الطفل هذه المتعة؟
لنتأمل الأطفال في سن ما قبل المدرسة، وأثناء الدراسة في بيوتهم ومع أسرهم، في ملاعبهم وفي نواديهم، بل وفي مهودهم، وسنرى أن الطفل بطبيعته يعشق الأنغام والألحان، وتلذ له الإيقاعات التي تترنم بها أمه، ويلذ له سماع ما تشدو من أناشيد على مسامعه، فيشعر بالرضا وتسري المتعة في جوانحه فينام قرير العين.
وإذا ما استوقفنا جماعات الأطفال في ملاعبهم، سنتطلع بشوق إلى حركاتهم ونستمتع بلهفة إلى أغانيهم، أنهم يتحركون وينشدون ألحانًا تطربهم، وتجعل يومهم ممتعًا وسعيدًا، وليست ألحانهم سوى أصوات تلائم قفزاتهم ومختلف حركاتهم التي ينوعون بها ألعابهم.
وقد لا نفهم للكلمات التي يرددها الأطفال معنى، كما أن بعضًا منها حير الباحثين في أصل معناها والكثير منا أنشد في طفولته، أو سمع الأطفال ينشدون أناشيد يمكن أن نسميها أناشيد مناسبات.
ففي الشتاء يفرح الأطفال لبواكير الموسم، فينشدون:
شتّي وزيدي .............. بيتنا حديدي
عمنا عبدالله .............. كسر الجره
ورزقنا على الله
أو عندما يأتي العيد:
بكر العيد بنعيد .............. بنذبح بقرة سعيد
سعيد ما له بقره .............. بنذبح بنته هالشقرا
وفي التراث الشعبي المصري يذكرنا الكاتب المعروف توفيق الحكيم في مقدمة مسرحيته "يا طالع الشجرة" كان يسمع الأطفال ينشدون:
يا طالع الشجرة .............. هات لي معاك بقرة
تحلب وتسقيني .............. بالمعلقة الصيني
ولكن دون أن يفهم معنى هذا أحد، إذ كيف يتسنى لمن يطلع الشجرة أن يحضر بقرة؟
ولاشك أن في تراث الشعوب الأخرى مثل هذه الأناشيد التي تمتع الأطفال، فما الذي جعل مثل هذه الأناشيد القصيرة ذوات المعاني الغامضة ملتصقة بحياة الأطفال؟ هل يفهموم معانيها؟ هل تثير خيالهم؟ في ظني أن الموسيقى هي التي تمتعهم، وربما آثار مثل هذا الغموض في أخيلتهم.
إنها أمثلة من واقع الحياة، تثير ذكرياتنا، فتنعقد في سلسلة من الصور الجميلة التي تشرف لنا على عوالم الطفولة المرحة، الرحبة الخصة، فكم لذتنا تلك العوالم عندما كنا صغارًا، وكم يتعبنا أطفالنا لشدة ما يلتذون ويستغرقون في ألعابهم وأغانيهم(2)
أما الاستمتاع بالقصة فيبدأ أيضًا مبكرًا، في الوقت الذي يستطيع فيه الطفل فهم ما يدور من أحداث حوله، ويعي ما يلقي عليه من أخبار، ففي نهاية السنة الثالثة يستطيع الطفل أن يصغي للقصة التي تناسبه ويشغف بسماعها، ويطلب المزيد منها، وأن في أذهان الكثيرين منا صورًا للإطفال الصغار، وهم يلحون على أمهاتهم أو جداتهم أو آبائهم، ليقصوا على مسامعهم الحكايات والقصص يسلونهم بها في جلساتهم، ويريحون بها أعصابهم عند النوم.
والطفل عنده حب التقليد، فالطفلة تقلد معلمتها أو أمها، والطفل يقلد معلمه أو أباه، وهناك ألعاب جماعية يقلدون فيها الكبار مثل "الشرطة واللصوص"، "العسكر والحرامية" ويقضون سحابة النهار وقسمًا من الليل مستغرقين في ألعابهم المتخلفة من أغان وأناشيد.
إن غناء الأطفال وتمثيلهم، والقصص التي يشغفون بسماعها تعتبر البذور الأولى لأرقى الأنواع الأدبية المعروفة وهي الشعر والقصة والمسرحية.
وقد يسأل سائل ما علاقة الأدب بمثل هذه الأنشطة التي يقوم بها الأطفال؟
أن هناك عناصر مشتركة تجمع بين ما يقوم به الأطفال وبين تلك الأنواع الأدبية التي ذكرت. فالحركة عنصر مشترك بين لعبهم التمثيلية وبين المسرحية، والخيال مشترك بين حكاياتهم والقصص الأدبية.

----------------
(1) "في أدب الأطفال" د. علي الحديدي، 1976م.
(2) "أدب الأطفال ومكتباتهم"، هيفاء شرايحة، عمان، 1979م.


المصدر كتاب
أدب الأطفال "دراسة وتطبيق"
د/عبدالفتاح أبو معال