كرم الله الأمة الاسلامية تكريما وفضلها تفضيلا فقال تعالى :( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). ويقول : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ). ولم يكن هذا التكريم والتفضيل لهذه الأمة ذاتيا ،وإنما كان لأمة استقامت على دين الله وحولت الإسلام إلى منهج حياة فى جانب الاعتقادات، والعبادات والمعاملات، والأخلاق والسلوك، وأقامت للإسلام دولة من فتات متناثر،أذلت الأكاسرة ، وأهانت القياصرة ، وغيرت مجرى التاريخ فى فترة لا تساوى فى حساب الزمن شيئاً ..، وفتحت نصف كرة الأرض فى نصف قرن من الزمان.ثم راحت الأمة تبتعد شيئاً فشيئاً عن أصل عزها ونبع شرفها. فخابت وخسرت. وذلت وهانت ونزلت من عليائها. بل واصبحت قصعة مستباحة للذليل قبل العزيز وللضعيف قبل القوى وللقاصى قبل الدانى. كما فى الحديث الصحيح من حديث ثوبان أنه قال: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قيل: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟، قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا وما الوهن؟، قال: حب الدنيا وكراهية الموت).فلا تقل: نحن أمة مختارة، ولا تقل: نحن خير أمة ، لا تقل: نحن الأمة المفضلة، لقد كنا نتصف بالخيرية والتفضيل ، وأنا لا أعمم في قولي لان التعميم من العمى، فالخير في امتى الى يوم القيامة ، لكن هذا الخير وتلك الإيجابيات في الامة لا تكفي كي ننهض. وقد ورد في الصحيحين أن النبي قال): أمَّتي أمتي، فيقال له: لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقا ). لقد حدَث ما حدث،فلا ينفع البكاء على اللبن المسكوب،ولا على الوطن المسلوب انما يجب علينا أن نبحث عن الأسباب التي أوجدت هذا التقَهقر في الامة بعد أنْ كانت لأربعة عشر قرنًا الصدرَ المُقدَّم، والسيِّد المرهوب المُطاع بين الأمم شرقًا وغربًا.فما هي أسباب تخلف المسلمين ؟ 1-ضعف الايمان والعمل الصالح : إن في الناس من يسأل فما بال دول الغرب وهي غارقة في الكفر لا تعاني من تخلف بل تطور ومدنية ورقي ورفاهية وقوة ونفوذ ؟ والجواب : هنالك سُنَّتَان وقانونان سنهما الله تعالى ،أحدهما تجاه عباده المؤمنين والآخر تجاه عباده المعرضين، أما القانون الأول المتعلق بالمؤمنين فهو قوله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَ ّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَ ّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾ أي ليجعلن زمام التطور والمدنية والرقي والرفاهية والقوة والنفوذ في أيديهم وليبعدنَّ عنهم أخطار الأعداء والطغاة ومن ثم فلسوف يعيشون أمناء مطمئنين . لكن لمن هذا الوعد؟ هذا لمن آمن بالله حقَّ الإيمان وعمل صالحاً،فهل التزمنا بهذا الذي ألزَمَنَا الله به؟ الاسلام اليوم عند المسلمين كالوشْم في ظاهر اليد فالمسلمون يؤدون العبادات الشعائرية، ويرمون العبادات التعاملية وراء ظهورهم، لا صدق، ولا أمانة، ولا استقامة، ولا إنصاف، ولا عدل، ولا رحمة بل ظلم واجحاف ظلم أسري وظلم الأزواج لزوجاتهم ، ظلم الآباء لأبنائهم وبناتهم ، ظلم رب العمل لعماله.وأما القانون الثاني المتعلق بالمعرضين فهو قوله سبحانه وتعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي كل من بذل جهداً وعرقا في سبيل الوصول إلى التطور والمدنية والرقي والرفاهية والقوة والنفوذ لابد أن يكرمه الله بتحقيق الغاية التي سعى إليها مؤمناً كان أو كافراً .2-سقوط الخلافة ألإسلامية. والخلافة هي الرئاسة العامة للمسلمين التي تطبق الشرع وتحمي المسلمين وتنشر الاسلام . ومنذ ان بزغ فجر الاسلام والخلافة قائمة يتناقلها خليفة عن خليفة وجيل عن جيل، وأدرك العدو أنه لن تموت هذه الأمة مادام لها أمير للمؤمنين فسلطوا سهامهم وشرعوا أسلحتهم وحاكوا المؤامرات تلو المؤامرات حتى أسقطوا هذه الخلافة قبل تسعين عاما . في الثالث من آذار لعام 1924 وأصبح المسلمون أضيع من الأيتام على مأدبة الطعام.وما كان يتم ذلك لولا ضعف ايمانهم وعبادتهم وتردي سلوكهم .3-فصل الدين عن الدولة: سبب رئيسي للمآسي التي نعيشها، لمَ ؟ لأنه لا يمكن أن يُحكم البشر إلا بشريعة رب البشر.فأوباما في انتخاباته يرفع الإنجيل أمام جمهوره ويقول:(آن الأوان لأن نُحكم بالإنجيل، آن الأوان لعودة حُكم الدين للدولة. والمسلمون يقولون دع ما لله للهِ وما لقيصر ليقصر) . أي لا علاقة بين الدين والسياسة .ومن تخلى عن حُكم الله تخلى الله عنه.(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض)(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فقد استبدل شرع الله بنظم وضعية، وقوانين كفرية وابتليت الأمة، بحكام لا يحكمون بما أنزل الله ، يريدون من الدين ان يكون محصورا في زوايا المسجد .4-الهزيمة النفسية أمام الأعداء.يقول الأمير شكيب أرسلان:(من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء). وهو ما يُسمَّى في علم النفس (عقدة النقص) قد أجمع الأطباء أنَّ القوَّة المعنويَّة هي رأس الأدوية، وأنَّ من أعظم عوامل الشفاء إرادة الشفاء و كل مَن سار على الدرب وصَل ونحن نستطيع الوصول ولدينا في اوروبا لوحدها 45000 عالما مصريا ، ولدينا الثروات. 5-الجهل وتخلف المسلمين في العلوم المادية وخاصة الفيزياء .فأين نحن من البحث العلمي، أن تنمية البحث العلمي يكون بتوفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية . تنفق أمريكا 300 مليار دولارا سنويا على البحث العلمي اي ما يعادل ثلث الناتج القومي .وما يعادل نصف ميزانية العالم العربي .اما العالم العربي كله فينفق 3% من ميزانيته بينما اسرائيل 30% من ميزانيتها على البحث العلمي وبذلك تكون الثالثة في صناعة التكنلوجيا والخامسة عشر في الابحاث والاختراعات وتعد الاولى في العالم قياسا لقلة سكانها . 6-الإفساد بأسم الإصلاح والتطور. وهذا ما يحكيه الله عن المنافقين ويقول عنهم:(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).فأين الاصلاح الاداري والاقتصادي والسياسي ؟ المسلمون ربع سكان العالم، لكن حصتهم من الثروة العالمية 6% . ثلثا فقراء العالم الذين يعيشون في أقل من دولارين يومياً من المسلمين . شركة سيارات يابانية أرباحها السنوية تساوي الدخل القومي لدولة عربية إسلامية تعد سبعين مليونًا مديونية الدول الإسلامية تقدر بمئات المليارات من الدولارات البطالة في العالم بين أربعة وخمسة وستة في المائة ، والبطالة عند المسلمين 20%.اذا اردت ان تخرج جواز سفر في اليابان فانك تحتاج الى دقيقتين تقف امام ماكينة في الشارع وتكتب رقمك واسمك ويخرج جواز السفر .7-اجتماع كلمة الأعداء علينا مع تفرقهم وتشتتهم.(تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى). ولكنهم يجتمعون علينا.الخلاف بين روسيا وأمريكا عريق قديم ولكنهم يتفقون على ما يكون ضد المسلمين، ونحن نختلف في كل شيء إلا في الولاء لأمريكا وأوربا وروسيا إلا من عصم الله. من أبرز ثلاثين نزاعا محتدما في العالم نزاع فلسطين وكشمير ، والسودان، والعراق وليبيا وسوريا ومصر ، ثلاثون نزاعا في العالم ثمانية وعشرون منها في العالم الإسلامي .مجموع ضحايا المسلمين في ثلاثة عقود ثلاثة ملايين، ثلثا المسجونين في العالم من المسلمين، ثمانين بالمئة من أحكام الإعدام في العالم في دول إسلامية، وثمانون بالمئة من اللاجئين في العالم من المسلمين، لا تنزعجوا، هذه الحقيقة، إلى متى نحن غافلون ؟ ونحن مفضوحون أمام العالم، يقتل بعضنا بعضاً، والإعلام الغربي بارع جداً في تشويه صورتنا، نصور عند الغربيين وحوش، جهلاء، متخلفون، قتلة، إرهابيون، لذلك يبيحون لأنفسهم إبادتنا. حقيقة: أن تقول: مَن فعل هذا بنا ؟ إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تتهم جهة أخرى، تارة تقول: استعمار، وتارة تقول: صهيونة، وتارة تقول: امبريالية،و تارة تقول: الموساد، قل: نحن، قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ كن بطلاً وواجه الحقيقة، نحن المخطئون، كل الذي أصابنا من صنع أفسنا، من ضعفنا،من تخلفنا، من فرقتنا، الآخرون أعداء والعدو شأنه أن يستغل الفرص فلماذا نبرر تخلفنا بمؤامرات خارجية؟. أهلنا في فلسطين يموتون من الجوع و الحصار، ليته حصاراً أمريكياً او إسرائيلياً، هو حصار عربي. البطالة عندنا ونحن نجلب الهندي السيخي والفلبيني النصراني ليعمل في الخليج . 8-نشوء العصبيات والقبليات. صرنا نفرق بين المصري والفلسطيني واللبناني بقولنا رابطة الوطنية ثم فرقنا بين المصري وبين الباكستاني بقولهم رابطة القومية ووضعنا قول الحق: " إنما المؤمنون اخوة " خلف ظهورنا ولم يعد لنا علاقة به .9- الانحراف عن أخلاق الإسلام وآدابه، ورحم الله من قال: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.فحاكم بلا خلق هو ذئب جائع شرير مسلط على رقاب الناس وأعراضهم وأموالهم. وعالم بلا خلق هو مصدر هدم، ومعول تدمير للامة .10-غياب الفَهم الحقيقي لكتاب الله: وما أعمقَ قولَ ربِّنا: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ واليك مثالا واحدا لتدرك اننا لا نفهم القرآن : بَسَط القرآن لهذه الأمة صفات اليهود المنطَوِيةَ على الكفر والإجرام، والكذِب والتَّحريف، والخيانة والمُراوَغة، ونَقْض العهود والمواثيق، والتَّحايُل على دين الله، والحسَد والبغضاء والعداوة للذين آمنوا، والذُّل والجُبن، والحِرْص على الحياة،ومع ذلك فلا نلتزم بفهم القرآن فاننا نصالح ونسالم ونعاهد ونساعد ونتعاون مع اليهود . 11- غياب التخْطيط لَدى الأُمَّة: إنَّ الأُمم تخطِّط لِمائة عام مقْبِلة، والمسْلِمون يخطِّطون ليومهم أو لأسبوعهم! أنَّ اليهود عندما اغتَصَبوا فلسطين كانوا قد خطَّطوا لذلك قبل خمسين عامًا فحُكَّام الأمَّة مشغولون بالحفاظ على الكراسي لهم، ولأبنائهم مِن بعدهم، وبالسعي لزيادة أرصِدَتهم في البنوك العالَميَّة، وببناء الأبراج النَّاطحة للسحاب. وأثرياؤُهاينْزِ فون المليارات على مُتَعهم الرَّخيصةفي حين نجد الأغلبية السَّاحقة مِن أبناء الأُمَّة يُضنون أنفسهم في تأمينِ لُقمةِ العيش التي سَرَقها حكامهم! فمَنْ ذا الذي سيخطِّط لهذه الأمة؟ كانت ميزانية ليبيا 36 مليار يصرف منها 32 مليار على السلاح في العالم . الحرب على العراق كلفت أكثر من 2 تريليون دولار، والحرب في سوريا 800 مليار دولارحتى الان . فلو انفقت هذه الاموال في حرب مع اليهود لكان اجدى وانفع ولكنه سوء التخطيط .ومن هنا فإن الرحلة الطويلة لإعادة الأمة إلى الريادة ولإعادة الإسلام إلى أرجاء الأرض .. تبدأ من العودة الى الاسلام وعندها يتمايز الناس إلى فسطاطين. فسطاط إيمان لانفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه. وحيئنذ تخرج الأمة من حالة الغبش، والتذبذب، إلى دينها الحق لنصرته بكل سبيل. فالحياة فى ضوء الإسلام، نظام خلقى، يقوم على إشاعة الفضيلة، واستئصال الرذيلة. ونظام سياسى أساسه إقامة العدل بين الناس بتحكيم دين الله. ونظام إجتماعى نواته الأسرة الصالحة واصله التكافل بين الناس. ونظام اقتصادى لحمته العمل والإنتاج وفق التصور الإسلامى. فالله وعد بالعزة والقوة والنصر والتمكين لعباده المؤمنين والله غير مُخلِفٍ وعدَه، والقرآن لم يتغيَّر، وإنما المسلمون هم الذين تغيَّروا، والله تعالى أنذر بهذا فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾فمتى يرجع المسلمون الى أصل عزتهم وعرين سؤددهم ؟ نسأل الله الخلاص والاخلاص .