فان كلمتنا في هذه الساعة المباركة تدور حول موضوع بعنوان (قذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ (الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ) ونحن في هذا اللقاء على موعد مع الكبيرة السابعة، ألا وهي: ( قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) .
ولقد حمى الإسلام الأعراض وصانها، وحرم الاعتداء عليها بالإيذاء أو النظر أو الاتهام بالزنا وتوعد الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، بالعذاب الأليم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) اتع. انها آية تقسم الظهر وتقول إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فهم لم يتكلموا فيها بالسنتهم وانما احبوا بقلوبهم ما اشيع وارتاحت انفسهم لسماع القصة وسعدوا بهذه الفضيحة أؤلئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أن مجرد محبة إشاعة الفاحشة بين المؤمنين توجب عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فكيف بمن فعل؟! وكيف بمن نشر؟! وكيف بمن دعا وسهَّل؟
وقد لعن الله الذين يتكلمون في أعراض الناس، فقال:(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). إذن: المسألة خطيرة. وهي: حين تسمع خبراً يخدش الحياءَ أو يتناول الأعراض فإياك أنْ تشيعه في الناس وقد قال النبي: (لا تؤذوا عباد اللّه ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب اللّه عورته حتى يفضحه في بيته).
فان اتهام الناس يحتاج الى اثبات : واثبات الزنا لا يكون الا بأحد أمرين الاقرار والشهادة :اولهما الاقرار أي الاعتراف من الزاني أنه ارتكب الجريمة كما اعترف الصحابي ماعز بن مالك والصحابية المرأة الغامدية أمام النبي. بل يحتاج الى تدقيق في الاعتراف لما أتى ماعز بن مالك النبي قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ، ولم يقم عليه الحد الا بعد اعترف اعترافا صريحا بفعلته .
والثاني : البينة ، بأن يشهد اربعة شهودبأنهم قد رأوا الزنا يحصل .لقوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) . ما من حدث يحتاج إلى أربعة شهداء إلا الزنا، ما سوى الزنا يكفي شاهدين، لأنه يمس كرامة الإنسان، ويمس في المرأة أثمن ما تملك، فالمرأة الشريفة الطاهرة أثمن شيءٍ تملكه سُمعتها، وشرفها، وعفَّتها، فإذا اتهمتها بعكس ذلك فهناك شرط قوي جداً، لابدَّ من أن تأتي بأربعة شهداء يشهدون الحادثة الحقيقي. حينما وضع الله هذا القيد أنا لا أقول: قيد تعجيزي، لكن ليس من السهل أن يتوافر هذا الشرط إلا أن تكون المرأة فاجرة! وفرق بين المعصية والفجور، المعصية قد تقترف في حصن في غرف مغلقة، أما الفجور فأن تقترف هذه المعصية على قارعة الطريق كما يجري في العالم الغربي، وقد أنبأ النبي أنه: في آخر الزمان قد تقترف معصية الزنى على قارعة الطريق.
أن إثبات جريمة الزنا بالكاميرا أو الفيديو أوالتسجيل الصوتى أو تحليل البصمة الوراثية ليس دليلا شرعيا لأن الخطأ به وارد ناهيك عن التزوير والتلفيق والقص واللصق ولا سيما في عصر التكنولوجيا والفوتو شوب.وقد يقول قائل وكيف لا نقبل بتحليل البصمة الوراثية فنقول انه لا يرقى إلى مستوى الدليل اليقينى وإنما يتطرق اليه الشك لاحتمال وقوع الحمل بتسرب المني الى الرحم دون الزنا .
فالقذف هو رمي المرأة بالزنا فكان المعنى من أكبر الكبائر رمي المرأة العفيفة البريئة بالزنا . اما الرامي والقاذف فيشترط فيه أن يكون عاقلاً بالغاً مختاراً غير مكره ولا مجبر .
ما هي ألفاظ القذف الموجبة للحد؟«الصريح»: فهو أن يصرح القاذف في كلامه بلفظ الزنى مثل قوله: «يا زاني» أو «يا زانية»، «يا عاهر» أو «يا عاهرة» ويدخل في هذا المعنى كلُّ عبارةٍ تُجْرَى مجرى التصريح كنفي نَسَبِه عنه، كأن يقول لزوجته التي وضعت له مولودًا: «هذا ليس بابني» أو «هذا ابن غيري».
«التعريض»: فمثل أن يقول: «ما أنا بزانٍ ولا أمي بزانية» فهذا تعريض ظاهر بأنه يتهم من يحدثه بأنه كذلك وقد قال تعالى حكاية عن مريم ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء، وعرضوا لمريم بذلك .ولا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا، فلو أن إنساناً اتهم امرأة بأنها تقف على النافذة طوال النهار؛ تتأمَّل الرائحين والغادين، هذا لا يوجب الحد .
عقوق القذف بالزنا : قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ العقوبة الأولى: (جسدية) تنال الجسد والبدن، والثانية: (أدبية) تتعلق بالناحية المعنوية بإهدار كرامته وإسقاط اعتباره، فكأنه ليس بإنسان لأنه لا يوثق بكلامه، ولا يقبل قوله عند الناس، والثالثة: (دينية) حيث إنه فاسق خارج عن طاعة الله، وكفى الله عقوبة لذوي النفوس المريضة والضمائر الميتة.
لو إنسان اتهم شخصاً بالزنا هل يجب عليه الحد؟ هل يُجلد ثمانين جلدة إذا كان بريئاً؟ يُجلد ثمانين جلدة، لأن الأصل أن الإنسان كرامته لا تُجزَّأ ذكراً كان أو أنثى. ولكن إنسان يتباهى بالزنا، يقول: أنا في اليوم الفلاني بالمكان الفلاني كنت مع فلانة، رجل يتباهى بمغامراته النسائية، يتباهى بانحطاطه الخُلقي، يتباهى بشذوذه. فإذا اتهمت هذا الإنسان، أو ذكرته بما قال عن نفسه، هل يعد هذا قذفاً؟ لا.وقالت: إنني في اليوم الفلاني بالمكان الفلاني زنيت مع فلان، فهذه التي صرَّحت بالزنا، وتباهت بالزنا، هل إذا قذفتها بالزنا يجب عليك الحد؟ الجواب: لا.. أن التعبير بالإحصان إشارة دقيقة إلى أن من قذف غير العفيف من الرجال والنساء، لا يحدُّ حدَّ القذف، هذا الفاسق والفاجر لا غيبة له.
حكم اتهام الزوجة بالزنا : فإذا قذَف رجل امرأته بالزنا، وأنكرت ذلك، فإن أحضر الزوج بيِّنة على ما ادَّعاه صُدِّقَ في دعواه، والبيِّنة هنا: أربعة شهود يشهَدُون بزناها شهادة صريحة عن مُعايَنة، فإن لم يستطعْ إقامة البيِّنة فله إسقاطُ حدِّ القذف عنه بالملاعنة، فيقولُ الزوج أربع مرَّات: أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه، ويشيرُ إليها، ويزيد في الشهادة الخامسة: إنَّ لعنة الله عليه إنْ كان من الكاذبين، ثم تقول هي أربع مرَّات: أشهد بالله لقد كذب فيما رَماني به الزنا، ثم تقول في الخامسة: وإنَّ غضب الله عليها إنْ كان من الصادقين
والنتيجة ثُبوت الفرقة بينهما وتحريمها عليه تحريمًا مؤبدًا.
حكم قتل الأهل للزانية : اذا ثبت الزنى في حق الفتاة المحصنة المتزوجة وقتلها اهلها فهنا نقول : الفتاة دمها مهدور ولكن لا يجوز قتلها من الاهل لان الذي ينفذ الحكم هو الحاكم . واما اذا ثبت الزنى في حق البكر الغير متزوجة وقتلها اهلها فقد ارتكبوا خطأ عظيما وجرما كبيرا وهو القتل اذ الحد هو جلد مائة وليس القتل واما من قتلها من الاب او الام فلا قصاص عليه ، فالوالد لا يقاد بولده كما في الحديث: لا يقاد والد بولده. والأم أحد الوالدين فأشبهت الأب و لا يحل للزوج أن يقتل زوجته التي وجدها تزني مرغومة أو غير مرغومة على الزنا وله أن يرجع للقضاء أو يطلقها ومن باب أولى ألا تقتل الزوجة زوجها الذي رأته يزني، ولها أن تطلب الطلاق وترفع أمرها للقضاء . ويؤكد هذا ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلاً فقتلهما؟ فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته " بمعنى يقاد للقضاء للاقتصاص منه .
اللواط : يُعتبر اللِّواط والذي هو جماع الذكر للذكر من أشنع المعاصي و الذنوب و أشدها حرمةً و قُبحاً و هو من الكبائر التي يهتزُّ لها عرش الله جَلَّ جَلالُه ، و يستحق مرتكبها سواءً كان فاعلاً أو مفعولاً به القتل . قال النبي : (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) قال شيخ الإسلام ابن تيمية لم يختلف أصحاب رسول الله في قتله سواء كان فاعلاً أم مفعولا به، ولكن اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم يرجم بالحجارة، وقال بعضهم يلقى من أعلى مكان في البلد حتى يموت، وقال بعضهم يحرق بالنار. فالفاعل والمفعول به إذا كان راضياً كلاهما عقوبته الإعدام بكل حال سواء كانا محصنين أم غير محصنين لعظم جريمتهما وضرر بقائهما في المجتمع. ويثبت اللواط كما يثبت الزنا بالاقرار والاعتراف او بأربعة شهود .