التواضع لا يتجزأ ، فمن رأيته متواضعا في شؤون أو مواقف ، مغرورا في غيرها ، فتواضعه هذا تواضعّ مصطنع !!
لأن التواضع الحقيقي ( والـخُـلُق الحقيقي عموما ) يكون راسخا في النفس ، غالبا على أحوالها غلبةَ العادات والطباع . ومن يتكرر منه غياب التواضع في حالة خاصة ، هذا يدل على اصطناعه التواضع ، وأن هذه الحالة الخاصة هي محكّ حقيقته و مختبر معدنه .
فقد رأيت بعض المتمشيخين يتواضع في لباسه ، وممشاه ، وصوته ، لكنه يتكبر في رأيه ، ويجعل ظنونه يقينيات لا تقبل النقاش !
ورأيت بعض أدعياء التجديد يتواضع مع المعارف الحديثة والمناهج الفكرية العصرية وفيما يتلقاه عن علماء الغرب ، وهو في الوقت نفسه يتكبر على التراث غاية التكبر ، ويتعالى على علوم الإسلام ، ويستسهل فيها الدفع بالصدر ، ويسارع إلى استسخافها ، دون أي قدر من التواضع ، بل بغرور متناهٍ .
فأمثال هؤلاء مُطَصَنّعون ، ما عرفوا حقيقة التواضع ، ولا كان التواضعُ لهم يوما بخُلق . إنما هم :
- قومٌ أرادوا التواضع منقبةً لهم ، يتحسسون في الناس ثناءهم به عليهم ، وينتظرون رؤيته في تراجمهم وسيرتهم وفي كتاب مناقبهم ، ويتلذذون بتوهم رؤيته في المستقبل وصفا لامعا في صحيفة فضائلهم !!
- أو هم قومٌ أرادوا التواضع أن يكون طُعما بصطادون به الجمهور ، يسوقون به لأنفسهم ولآرائهم ، ولكي يحتالوا بالتواضع على الناس ، فيتـقـبّـل الناس منهم غرورَهم وتعاليهم على أنه غَيرةٌ وحميةٌ للحق وحماسٌ في الدفاع عن الدين وغضب لأجل الحقيقة !!

د/حاتم العوني.