الناس .. كيف نجعلهم منتجين للخير ؟ ..

الداعية العاقل ، والمؤمن الحكيم .. علمته تجارب الدنيا ، وطبائع البشر المتباينة : أنَّ التأثير فيهم ، ونقلتهم إلى حياة الإيجاب ، والعمل الفاضل يكون بمعرفة الصالح من الوسائل ، والمعاملة المناسبة لكل فرد ، أو جماعة منهم ، أو بلد ..

ومخاطبة الناس على قدر عقلوهم وفهومهم مطلب شرعي خبري ، وحكمةٌ مسطورة في دروس الحياة ، وحكاية التاريخ المعتبرة ..
والعاقل من أهل التوجيه والتعليم ، والكَــتَبة في شؤون تغيير واقع الناس إلى الحياة الفاضلة : يعلم بذكائه الاجتماعي كيف يوظف الناس في خدمة نُصرة الحق والخير ، وإشاعة الأمن والمحبة والسلام .. وكيف يقلل من استعداء الآخرين له ، إذ من المعلوم تجربةً وتاريخــاً : أنَّ من كثر أعداؤه طرحوه وغلبوه !! ..
وسياسة جعل الناس أحبةً لك ، وناصرين للحق .. سلوك حضاري حكيم ورد به الشرع ، وحاكم العقل .. ففي التنزيل ، يقول تعالى : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ..
ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام في حكمته العملية : سلك أروع الطرق المؤثرة في الآخرين ، وجعلهم أنصاراً لهذا الدين ، وقد حول مداخل الشيطان المفسدة في قلب أصحابة - رضي الله عنهم - إلى إيجابية ناصرة للحق والفضيلة ، والـخُـلُق الحسن ..
ومن ذلك : لـمَّـا وقع في قلوب الأنصار حزناً على شيء من قسمة النبي صلى الله عليهم وسلم لغنائم حنين ، ولم تظهر لهم الحكمة النبوية من تلك القسمة ؛ فوصل حزنهم وقيلهم إليه عليه الصلاة والسلام ، فوقف خطيباً معلماً ، وناصحاً موجهاً ، واختار أسلوب البيان الحكيم ، والكلمة المؤثرة ، فقال : ( يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم ؟ ووجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف بين قلوبكم ؟ ..
قالوا : بل الله ورسوله أمن وأفضل ، قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ . قالوا : وبماذا نجيبك يا رسول الله ، ولله ولرسوله المن والفضل ؟ ، قال : أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فواسيناك .. أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا ؟ < تألفت قوماً ليسلموا ؟ > ووكلتكم إلى إسلامكم ، ألا ترضون يا معشر الأنصار أنْ يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده : إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ..
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا ) ..
والناس : إذا وجودا من المصلح والمعلم : احتراماً لهم ، وتقديراً لأعمالهم وجهودهم .. زاد ذلك في إخلاصهم ، وحبهم لمزيد مِنْ فعل الخير ، والتضحية بضرورات حاجاتهم من أجل الدفاع عن الدين والخلق والفضيلة ..
طريق ذلك كله : اهتمام حكيم ، وعدالة متزنة ، وابتسامة جميلة ، وإيثار باستطاعة ، وحب الخير لهم ، كما يحب الداعي الخير له ولمن يحب ..

حسن الحملي ..