تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 9 من 10 الأولىالأولى 12345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 161 إلى 180 من 186

الموضوع: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

  1. #161
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    أحسن الله إليكم ،، هل يعني (بالناس) في المسجد ؟
    و(بالنساء) في البيت ؟
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  2. #162
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    أحسن الله إليكم ،، هل يعني (بالناس) في المسجد ؟
    و(بالنساء) في البيت ؟
    بالتأكيد ليس الأمر كذلك؛ لأنَّ جَعْلَ عمر رضي الله عنه قارئًا للنساء يدل على أن ذلك كان لعامة النساء، فكن يخرجن من بيوتهن ويجتمعن في المسجد.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #163
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي


    قوله: «في رمضان» لأنَّ التَّراويحَ في غير رمضان بِدْعةٌ، فلو أراد النَّاس أنْ يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البِدع.

    ولا بأس أن يُصلِّي الإنسانُ جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً؛ لفعل الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «فقد صَلَّى مرَّةً بابن عبَّاس ، ومرَّةً بابن مسعود ومرَّةً بحذيفة بن اليمان ، جماعة في بيته» لكن لم يتَّخذْ ذلك سُنَّة راتبةً، ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد...

    ...قوله: «ويوتر المتهجد بعده» . «بعده» أي: بعد تهجُّده، أي: إذا كان الإنسان يحبُّ أنْ يتهجَّدَ بعد التراويح في آخر الليل، فلا يُوتر مع الإمام؛ لأنه لو أوتر مع الإِمام خالف أمرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتراً» ، وعلى هذا يوتر بعد تهجُّده، فإذا قام الإمام ليوتر ينصرف هو، ولا يوتر معه، هذا ما ذهب إليه المؤلِّفُ رحمه الله.

    وقال بعض العلماء : بل يوتر مع الإمام ولا يتهجَّد بعده؛ لأن الصَّحابة لما طلبوا من النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أن ينفِّلَهم بقيَّة ليلتهم قال: «مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» وفي هذا إشارة إلى أن الأَولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام؛ لأنه لم يرشدهم إلى أن يدعوا الوتر مع الإمام، ويصلُّوا بعده في آخر الليل؛ وذلك لأنه يحصُل له قيام الليل كأنه قامه فعلاً، فيكتب له أجر العمل مع راحته، وهذه نِعمة.

    قوله: «فإن تبع إمامه شفعه بركعة» يعني: إذا تابع المتهجِّدُ إمامه فصلَّى معه الوتر أتمّه شفعاً، فأضاف إليه ركعة، وهذا هو الطريق الآخر للمتهجِّد؛ فيتابعُ إمامَهُ في الوِتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وِتراً. فإذاً يتابع الإمام، فإذا سَلَّم الإمام من الوتر قام فأتى بركعة وسَلَّم، فيكون صَلَّى ركعتين، أي: لم يُوتر، فإذا تهجَّد في آخر الليل أوتر بعد التهجُّد، فيحصُل له في هذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف، ويحصُل له أيضاً أن يجعل آخر صلاته بالليل وِتراً، وهذا عمل طيب.


    فإن قال قائل: مِن أين لكم أنَّه يجوزُ أنْ يخالفَ المأمومُ إمامَه بالزِّيادة على ما صَلَّى إمامُه، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتمَّ به» ؟
    قلنا: دليلنا على هذا: أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم لمَّا كان يُصلِّي بأهل مَكَّة في غزوة الفتح كان يُصلِّي بهم ركعتين، ويقول: «يا أهلَ مكَّةَ، أتِمُّوا، فإنَّا قومٌ سَفْرٌ» فكانوا ينوون الأربع وهو ينوي ركعتين، فإذا سَلَّم مِنَ الرَّكعتين قاموا فأكملوا، وهذا الذي دَخَلَ مع إمامِهِ في الوِتر لم ينوِ الوِتر، وإنما نوى الشَّفعَ، فإذا سَلَّمَ إمامُهُ قامَ فأتى بالرَّكعة، وهذا قياسٌ واضحٌ لا إشكال فيه.

    فإنْ قال قائل: ألا يخالفُ هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ قامَ مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتبَ له قيامُ ليلةٍ».
    قلنا: لا يخالفه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: مَنْ قامَ مع الإمام فانصرفَ معه كُتب له قيامُ ليلةٍ، بل جَعل غاية القيام حتى ينصرفَ الإمامُ، ومَنْ زاد على إمامه بعد سلامِهِ فقد قامَ معه حتى انصرفَ.

    قوله: «ويكره التنفل بينها» يعني: أنَّ التنفُّلَ بين التَّراويح مكروه، وهذا يقعُ على وجهين:
    الوجه الأول : أن يَتَنفَّلَ والنَّاس يصلُّون، وهذا لا شَكَّ في كراهته؛ لخروجه عن جماعة النّاس، إذ كيف تُصلِّي وحدك والمسلمون يصلُّون جماعة؟

    فإن قال: أنا لم أُصَلِّ صلاةَ الفريضة، وأريد أنْ أصلِّي العِشاء؟
    نقول: لا مانع، ادخلْ مع الإمام في التَّراويح بنيَّة الفريضة، أي: بنية العشاء، فإذا سَلَّم فَقُمْ وائتِ بركعتين إكمالاً للفريضة، إلا أن تكون مسافراً فَسلِّم معه، ثم ادخلْ معه في التَّراويح بنيَّة راتبة العشاء، إن لم تكن مسافراً، فإذا صَلَّيت راتبة العِشاء ادخلْ معه في التَّراويح، ولا يضرُّ اختلاف نيَّة الإمام والمأموم، أي: يجوز أن ينوي الإمام النَّافلة والمأموم الفريضة، وهذا ما نصَّ عليه الإمامُ أحمد: من أنَّه يجوز أن يُصلِّيَ الإنسان صلاة العشاء خلف من يُصلِّي التَّراويح.
    الوجه الثَّاني: أن يُصلِّي بين التَّراويح إذا جلسوا للاستراحة، فنقول: لا تتنفَّل ولهذا قال: «يُكره التنفُّل بينها» .

    قوله: «لا التعقيب في جماعة» أي: لا يُكره التَّعقيب بعد التَّراويح مع الوِتر، ومعنى التَّعقيب: أن يُصلِّيَ بعدها وبعد الوِتر في جماعة.
    وظاهرُ كلامه: ولو في المسجد.
    مثال ذلك: صَلّوا التَّراويح والوتر في المسجد، وقالوا: احضروا في آخر الليل لنقيم جماعة، فهذا لا يُكره على ما قاله المؤلِّف، ولكن هذا القول ضعيف، لأنه مستندٌ إلى أثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه قال: «لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه...» أي: لا ترجعوا إلى الصَّلاة إلا لخير ترجونه، لكن هذا الأثر ـ إنْ صَحَّ عن أنس ـ فهو مُعَارِض لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اجْعَلوا آخِرَ صَلاتِكم بالليل وِتْراً» فإنَّ هؤلاء الجماعة صَلُّوا الوِتر، فلو عادوا للصَّلاة بعدها لم يكن آخرُ صلاتهم بالليل وِتراً، ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ: أنَّ التَّعقيب المذكور مكروه، وهذا القول إحدى الرِّوايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، وأطلق الروايتين في «المقنع» و«الفروع» و«الفائق» وغيرها، أي: أنَّ الروايتين متساويتان عن الإمام أحمد، لا يُرَجَّح إحداهما على الأخرى.
    لكن لو أنَّ هذا التَّعقيبَ جاء بعد التَّراويح وقبل الوِتر، لكان القول بعدم الكراهة صحيحاً، وهو عمل النَّاس اليوم في العشر الأواخر من رمضان، يُصلِّي النَّاس التَّراويح في أول الليل، ثم يرجعون في آخر الليل، ويقومون يتهجَّدون.

    قوله: «ثم السنن» أي: بعد التَّراويح السُّنَن الراتبة، وفي هذا شيء مِن النَّظر، لأنه مرَّ بنا في أوَّلِ كتابِ التَّطوعِ قولُ المؤلِّفِ: «آكدها كسوف، ثم استسقاء، ثم تراويح، ثم وِتر» ، فجعل الوِترَ يلي التراويح، ويُجاب عن ذلك بأحد وجهين:
    إمَّا أنْ تكون «ثم السُّنَن الراتبة» للتَّرتيب الذِّكري.
    وإما أن يكون العطفُ يلي قوله: «ثم وِتر»، أي: ثم يلي الوِتر السُّنَن الرَّواتب، فتكون السُّنن الرواتب في المرتبة الخامسة.

    تابع/
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  4. #164
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    قوله: «الراتبة...» أي: الدَّائمة المستمِرَّة، وهي تابعة للفرائض: ركعتان قبل الظُّهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، هذه عشر ركعات.
    إذاً؛ صلاةُ العصر ليس سُنَّة راتبة، وهو كذلك؛ لكن لها سُنَّة مطلقة، وهي: السُّنَّة الداخلة في عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «بينَ كُلِّ أذانينِ صلاةٌ» .
    وجَعَلَ المؤلِّفُ الرَّواتبَ عَشْراً؛ استناداً في ذلك إلى حديثِ عبدِ الله بنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: حَفِظْتُ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَشْرَ رَكعات» وذكرها.
    وهذا أحدُ القولين في المسألة.
    والقول الثاني في المسألة: أنَّ السُّننَ الرَّواتبَ اثنتا عَشْرَةَ رَكعةً؛ استناداً إلى ما ثبت في «صحيح البخاري» مِن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يَدَعُ أربعاً قبل الظُّهرِ» وكذلك صَحَّ عنه: «أنَّ مَنْ صَلَّى اثنتي عشرة رَكعةً مِن غير الفريضة بنى اللهُ له بِهنَّ بيتاً في الجنَّة» وذكر منها «أربعاً قبل الظُّهر» والباقي كما سبق.
    وعلى هذا؛ فالقول الصحيح: أنَّ الرَّواتب اثنتا عشرة ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظُّهر بسلامين وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العِشاء.
    وفائدة هذه الرَّواتب: أنها تُرقِّعُ الخَللَ الذي يحصُلُ في هذه الصَّلوات المفروضة.

    قوله: «وركعتان قبل الفجر وهما آكدها» أي: آكد هذه الرَّواتب.
    ودليل آكديتها: قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ركعتا الفَجْرِ خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها» الدُّنيا منذ خُلقت إلى قيام الساعة بما فيها مِن كُلِّ الزَّخارف مِن ذَهَبٍ وفضَّةٍ ومَتَاعٍ وقُصور ومراكب وغير ذلك، هاتان الرَّكعتان خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها؛ لأنَّ هاتين الرَّكعتين باقيتان والدُّنيا زائلة.
    ودليل آخر على آكديتهما: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان لا يدعهما حضراً ولا سفراً» .

    وتختصُّ هاتان الرَّكعتان ـ أعني ركعتي الفجر بأمور ـ:
    أولاً: مشروعيتهما في السَّفر والحضر.
    ثانياً: ثوابهما؛ بأنهما خير من الدُّنيا وما فيها.
    ثالثاً: أنه يُسَنُّ تخفيفهما، فَخَفِّفْهُمَا بقَدْرِ ما تستطيع، لكن بشرط أن لا تُخِلَّ بواجب؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يُخَفِّفُ الركعتين اللتين قبل صَلاةِ الصُّبحِ، حتى إنِّي لأقولُ: هل قَرَأَ بأُمِّ الكتابِ»؟تعني: مِن شدَّة تخفيفه إيَّاهما.
    رابعاً: أنْ يقرأ في الرَّكعة الأُولى بـ: {{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *}} [الكافرون] ، وفي الثانية: بـ: {{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}} [الإخلاص] ، أو في الأُوْلَى {{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}} [البقرة: 136] الآية في سورة البقرة و{{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا}} [آل عمران: 52] الآية في سورة آل عمران[(140)]. فتقرأ أحياناً بسورتي الإخلاص، وأحياناً بآيتي البقرة وآل عمران، وإن كنت لا تحفظ آيتي البقرة وآل عمران، فاقرأ بسورتي الإخلاص والكافرون .
    خامساً: أنه يُسَنُّ بعدهما الاضطجاع على الجَنْبِ الأيمن، وهذا الاضطجاع اخْتَلَفَ العلماءُ فيه:
    فمِنْهم مَن قال: إنَّه ليس بسُنَّةٍ مطلقاً.
    ومِنْهم مَن قال: إنَّه سُنَّةٌ مطلقاً.
    ومِنْهم مَن قال: إنه سُنَّةٌ لِمَن يقوم الليل؛ لأنَّه يحتاج إلى راحة حتى ينشطَ لصلاة الفجر.
    ومِنْهم مَن قال: إنَّه شرط لصحَّة صلاة الفجر، وأنَّ مَنْ لم يضطجع بعد الرَّكعتين فصلاةُ الفجر باطلة. وهذا ما ذهب إليه ابنُ حَزْمٍ رحمه الله، وقال: إِنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذا صَلَّى أحدُكم ركعتي الفجر فليضطجع بعدهما» ، فأمر بالاضطجاع. لكن يُجاب بما يلي:
    أولاً: هذا الحديث ضعيف، فلم يصحَّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم مِن أمْرِه، بل صَحَّ مِن فِعْلِهِ.
    ثانياً : ما علاقةُ هذا بصلاةِ الفَجْرِ! ولكن يدلُّكَ هذا على أنَّ الإنسانَ مهما بلغ في العلم فلا يسلم من الخطأ.
    وأصحُّ ما قيل في هذا: ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو التفصيل، فيكون سُنَّةً لمن يقوم الليل؛ لأنَّه يحتاج إلى أن يستريحَ، ولكن إذا كان مِن الذين إذا وضع جَنْبَهُ على الأرض نام؛ولم يستيقظ إلا بعد مُدَّة طويلة؛ فإنه لا يُسَنُّ له هذا؛ لأن هذا يُفضي إلى تَرْكِ واجب.

    قوله: «ومن فاته شيء منها سُنَّ له قضاؤه» «مَنْ» اسمُ شَرْطٍ، وفِعْلُ الشرط «فاته» ، وجوابُه «سُنَّ له قضاؤه» ، أي: مَنْ فاته شيءٌ مِن هذه الرَّواتب، فإنَّه يُسَنُّ له قضاؤه، بشرط أنْ يكون الفوات لعُذر.
    ودليل ذلك : ما ثَبَتَ مِن حديث أبي هريرة وأبي قتادة في قِصَّة نَوْمِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وهم في السَّفَر عن صلاة الفجر، حيث صَلَّى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم راتبة الفجر أولاً، ثم الفريضة ثانياً.
    وكذلك أيضاً حديث أمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم شُغِلَ عن الرَّكعتين بعد صلاة الظُّهر؛ فقضاهما بعد صَلاة العصر» وهذا نَصٌّ في قضاء الرَّواتب.
    وأيضاً: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاة؛ أو نسيها؛ فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها»وهذا يَعمُّ الفريضةَ والنَّافلةَ، وهذا إذا تركها لعُذر؛ كالنسيان والنوم؛ والانشغال بما هو أَهَمُّ.
    أما إذا تركها عمداً حتى فاتَ وقتُهَا فإنه لا يقضيها، ولو قضاها لم تصحَّ منه راتبة؛ وذلك لأَنَّ الرَّواتب عبادات مؤقَّتة، والعبادات المؤقَّتة إذا تعمَّد الإنسانُ إخراجَها عن وقتها لم تُقبل منه.
    ودليل ذلك: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أمْرُنَا فهو رَدٌّ» ، والعبادةُ المؤقَّتَةُ إِذا أخَّرتَها عن وقتها عمداً فقد عَمِلتَ عمَلاً ليس عليه أمرُ الله ورسوله، لأنَّ أَمْرَ الله ورسوله أنْ تصلِّيها في هذا الوقت، فلا تكون مقبولةً.
    وأيضاً: فكما أنَّها لا تصحُّ قبل الوقت فلا تصحُّ كذلك بعدَه؛ لعدم وجود الفَرْقِ الصَّحيح بين أنْ تفعلها قبل دخول وقتها أو بعد خروج وقتها إذا كان لغير عُذر.
    إذاً؛ قوله: «مَنْ فاتَه شيءٌ منها سُنَّ له قضاؤه» يُقيَّد بما إذا فاته لعُذر، ورُبَّما يُشعر به قوله: «مَنْ فاته شيء» لأن الفوات: سَبْق لا يدرك، والمؤلِّفُ لم يقل: «ومَنْ لم يصلِّها فليقضها» بل قال: «مَنْ فاته» ، ومنه قولهم: «مَنْ فاته الوقوف بعرفة فاته الحجُّ» .

    قوله: «وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار» . اعلمْ أنَّ صلاة التطوُّع نوعان: نوعٌ مطلق، ونوعٌ مقيَّد.

    أما المقيَّد: فهو أفضل في الوقت الذي قُيِّدَ به، أو في الحال التي قُيِّدَ بها.
    فمثلاً: تحيُّة المسجد، إذا دخلته ولو في النَّهار أفضل من صلاة الليل؛ لأنها مقيَّدة بحال مِن الأحوال؛ وهي دخول المسجد، وسُنَّة الوُضُوء ـ إذا توضَّأت فإنه يُسَنُّ لك أن تُصَلِّيَ رَكعتين ـ أفضل من صلاة الليل ولو كانت في النَّهار؛ لأنها مقيَّدة بسبب مِن الأسباب.
    أما المطلق: فهو في الليل أفضل منه في النَّهار، لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ اللَّيل» ، واللَّيلُ يدخل مِن غروب الشَّمس، فالصَّلاة مثلاً بين المغرب والعِشاء أفضل مِن الصَّلاة بين الظُّهر والعصر؛ لأنها صلاة ليل فهي أفضل.
    والمطلق يُسَنُّ الإكثار منه كلَّ وقت؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم للرَّجُل الذي قال: أسألك مرافقتك في الجَنَّةِ؛ قال: أَوَ غَيْرَ ذلك، قال: هو ذاك قال: «فأعنِّي على نفسك بكثرة السُّجود» [(149)].

    قوله: «وأفضلها» أي: أفضلُ وَقْتِ صلاة اللَّيلِ.
    قوله: «ثُلُثُ الليل بعد نصفه» أي: أنك تقسم الليل أنصافاً، ثم تقوم في الثُّلثِ من النِّصفِ الثَّاني، وفي آخر الليل تنام.
    ودليل ذلك: قَولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضلُ الصَّلاةِ صلاةُ داود، كان ينامُ نصفَ الليلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه» وفي «صحيح البخاري» عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ألفاه ـ يعني النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ـ السَّحَر عندي إلا نائماً» أي: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينام في السَّحَر في آخر الليل.
    وهناك تعليل : وهو أنَّ نوم الإنسان بعد القيام يُكسب البدنَ قُوَّةً ونشاطاً، فيقوم لصلاة الفجر وهو نشيط.
    وأيضاً: إذا نامَ سُدُسَ الليلِ الآخرِ؛ نقضت هذه النَّومةُ سهره، وأصبح أمام النَّاس وكأنه لم يقمِ اللَّيلَ، فيكون في هذا إبعاداً له عن الرِّياء.
    إذاً؛ الأفضل ثُلُث الليل بعد النِّصف؛ لينام في آخرِ الليل.

    فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت النُّزول الإلهي؟.
    فالجواب : أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير، فيحصُل المقصودُ، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قال: «أفضلُ الصَّلاة صلاة داود».

    مسألة : ما هو الليلُ المعتبرُ نصفُه؟
    الظَّاهر: أنَّه مِن غروب الشَّمس إلى طُلُوع الفجر، فيكون نصف الليلِ في الشِّتاء بعد مضي سِتِّ ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ ليل الشِّتاء اثنتا عشرة ساعة، ويكون في بعض الأوقات بعد خمس ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ الليلَ يكون فيها حوالي عَشْرَ ساعات، فعُدَّ مِن غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، ونصفُ ما بينهما هذا هو نصف الليل.

    قوله: «وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى» يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في «صحيح» البخاري ومسلم مِن حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً سأل النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: «مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ؛ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى».
    وأما «النَّهار» فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه.
    والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ رحمه الله. وعلى هذا؛ فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم؛ فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحمل الجزئيات عليها. فقول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن صلاة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ»، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل «ثم» التي للترتيب والمهلة. وقد سبقت هذه المسألة.




    الشرح الممتع ( 4 / 60 -77 )
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  5. #165
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    قوله: «وإن تطوَّع» أي: صَلَّى صلاة تطوُّع في النَّهار، أي: لا في الليل.
    قوله: «كالظُّهر» أي: بتشهُّدين، تشهُّد أول وتشهُّد ثاني.
    قوله: «فلا بأس» أي: لا حرج؛ فتصحُّ صلاتُه، واستدلَّ في «الرَّوض» بحديث أبي أيوب: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهر أربعاً لا يفصِلُ بينهن بتسليمٍ . ولكن الحديث ليس فيه أنَّ الأربع تكون بتشهُّدين، ولهذا نرى أنه إذا صَلَّى أربعاً بتشهُّدين فهو إلى الكراهة أقرب، بدليل أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا توتروا بثلاث لا تشبهوا بصلاة المغرب» ، وهو الصَّحيح، وهذا يدلُّ على أن الشَّارع يريد أن لا تلحق النَّوافل بالفرائض، والرَّجُل إذا تطوَّع بأربع وجعلها كالظُّهر بتشهُّدين فقد ألحق النَّافلة بالفريضة.
    وهذا الحديث ـ إن صَحَّ عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنه فَعَلَ هذا ـ فمن المعلوم أنَّ الواجبَ قَبولُه، ويكون مُستثنى مِن الحديث الذي هو قاعدة عامَّة في أنَّ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.

    قوله: «وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة قائم» أي: تصحُّ صلاة القاعد لكنها على النِّصف مِن أجر صلاة القائم، والمراد هنا في النَّفل، ولهذا ساقها المؤلِّفُ رحمه الله في صلاة التطوُّع.
    أما الفريضة؛ فصلاةُ القاعدِ القادرِ على القيام ليس فيها أجر؛ لأنها صلاة باطلة، لأنَّ مِن أركان الصَّلاة في الفريضة القيام مع القدرة.
    وقوله: «أجر صلاة قاعد» مراده إذا كان قاعداً بلا عُذر، أما إذا كان قاعداً لعُذر، وكان من عادته أن يُصلِّي قائماً، فإنَّ له الأجر كاملاً لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ؛ كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً».
    وهذه مِن نِعَمِ الله التي تستوجب على العاقل أن يُكثر من النَّوافل ما دام في حال الصِّحَّة؛ لأن جميع النَّوافل التي يعملها في صحَّته إذا مَرِضَ وعَجِزَ عنها كُتبتْ له كاملة كأنه يفعلها.
    أما إذا كان لغير عُذر فهو على النِّصفِ مِن أَجْرِ صلاة القائم، فإذا كان أَجْرُ صلاة القائم عشرَ حسناتٍ، كان لهذا القاعد خمسُ حسناتٍ، ووَرَدَ في الحديث أنَّ أجْرَ صلاةِ المُضْطجعِ على النِّصفِ من أجْرِ صلاةِ القاعد. لكن هذا الشَّطر مِن الحديث لم يأخذ به جمهورُ العلماء، ولم يروا صِحَّة صلاة المضطجع إلا إذا كان معذوراً.
    وذهب بعضُ العلماء: إلى الأخذ بالحديث. وقالوا: يجوز أنْ يتنفلَ وهو مضطجع، لكن أجره على النصف من أجر صلاة القاعد، فيكون على الرُّبع مِن أجر صلاة القائم.
    ـ وهذا قولٌ قويٌّ؛ لأن الحديث في «صحيح البخاري»، ولأنَّ فيه تنشيطاً على صلاة النَّفل؛ لأن الإنسان أحياناً يكون كسلاناً وهو قادر على أنْ يُصلِّي قاعداً؛ لكن معه شيء مِن الكسل؛ فيُحِبُّ أنْ يُصلِّي وهو مضطجعٍ، فمن أجل أنْ ننشِّطَهُ على العمل الصَّالح نَفْلاً نقول: صَلِّ مضطجعاً، وليس لك إلا رُبع صلاة القائم، ونصف صلاة القاعد، ولهذا رَخَّصَ العلماءُ في صلاة النَّفل أن يشرب الماء اليسير من أجل تسهيل التطوُّع عليه، والتطوُّع أوسع من الفرض.

    قوله: «وتُسَنُّ صلاة الضُّحى» صلاة الضُّحى من باب إضافة الشيء إلى وقته، ولك أن تقول: إنها من باب إضافة الشيء إلى سببه، كما تقول: صلاة الظُّهر؛ نسبة إلى الوقت، والوقت سبب.
    وقوله: «تُسَنُّ» من المعلوم: أن السُّنة ما أُمِرَ به لا على وجه الإلزام.
    وحكم السُّنَّة: أنه يُثابُ فاعلُها، ولا يُعاقبُ تاركُها.
    ودليل ذلك: أَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال للرَّجُلِ الذي عَلَّمَهُ الصَّلوات الخمس حين سأله: هل عَليَّ غيرُهنَّ؟ قال: «لا، إلا أنْ تطوَّع».
    ودليل آخر: حديث مُعاذ بنِ جَبَل لما بَعَثَه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر حياته إلى اليمن قال: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افترضَ عليهم خمسَ صلوات في اليوم واللَّيلةِ» ولم يذكر صَلاة الضُّحى، ولو كانت واجبة لذَكَرها النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم.
    وظاهر قوله: «تُسَنُّ صلاة الضُّحى» أنها سُنَّة مطلقاً.
    ودليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأبي الدرداء، وأبي ذَرٍّ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أوصاهم بصلاة ركعتين في الضُّحى، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاثٍ: ركعتي الضُّحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر» .
    فظاهر هذا أنَّها سُنَّة مطلقاً في كُلِّ يوم.
    وذهبَ بعض أهل العلم: إلى أنها ليست بسُنَّة؛ لأن أحاديث كثيرة وردت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه كان لا يصلِّيها .
    وفصَّلَ بعضُهم فقال: أمَّا مَن كان مِن عادته قيامُ الليل؛ فإنه لا يُسَنُّ له أن يُصلِّيَ الضُّحى، وأمَّا مَن لم تكن له عادة في صلاة الليل فإنها سُنَّة في حَقِّهِ مطلقاً كلَّ يوم.
    والقول الرابع : أنها سُنَّةٌ غيرُ راتبة، يعني: يفعلها أحياناً وأحياناً لا يفعلها.
    والأظهر: أنها سُنَّة مطلقة دائماً، فقد ثبت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يُصبِحُ على كُلِّ سُلامى مِن أحدِكُم صَدَقةٌ...» الحديث.
    وقد صَحَّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنَّ الله خلق ابنَ آدم على ستين وثلثمائة مفصل».
    والسُّلامى: هي العظام المنفصل بعضها عن بعض. فيكون على كُلِّ واحد من النَّاس كُلَّ يومٍ ثلاثمائة وستون صدقة، ولكن هذه الصدقة ليست صدقة مال، بل كُل ما يُقَرِّبُ إلى الله؛ لقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «فكُلُّ تسبيحةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تحميدةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تهليلةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تكبيرةٍ صَدقةٌ، وأمرٌ بمعروف صَدقةٌ، ونَهيٌ عن مُنكرٍ صَدقةٌ، ويجزىء مِن ذلك ركعتان يركَعُهُما مِن الضُّحى» وبناءً على هذا الحديث نقول: إنه يُسَنُّ أن يُصلِّيهما دائماً؛ لأن أكثر النَّاس لا يستطيعون أن يأتوا بهذه الصَّدقات التي تبلغ ثلاثمائة وستين صدقة.

    قوله: «وأقلها» أي: أقلُّ صلاة الضُّحى ركعتان، لأن الرَّكعتين أقلُّ ما يُشرع في الصَّلوات غير الوِتر، فلا يُسَنُّ للإنسان أن يتطوَّع برَكعة، ولا يُشرع له ذلك إلا في الوِتر، ولهذا قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم للرَّجُل الذي دخل وهو يخطب يوم الجُمُعة: «قُمْ فصَلِّ رَكعتين، وتَجَوَّزْ فيهما» ، ولو كان يُشرع شيءٌ أقلُّ من ركعتين؛ لأمره به مِن أجل أنْ يستمع للخُطبة، ولهذا أمره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتجوَّز في الرَّكعتين.
    ودليلُ ذلك أيضاً: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاثٍ: «صيامُ ثلاثة أيام مِن كُلِّ شهر، وركعتي الضُّحى، وأنْ أوتِرَ قبل أن أنام».
    والصَّحيحُ: أنَّ التطوُّع بركعة لا يصحُّ، وإنْ كان بعضُ أهل العلم قال: إنه يصحُّ أنْ يتطوَّعَ بركعة، لكنه قولٌ ضعيف كما سبق.
    قوله: «وأكثرها ثمان» أي: أكثر صلاة الضُّحى ثمانِ ركعات بأربع تسليمات.
    ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم دخلَ بيتَ أُمِّ هانىء في غزوة الفتح حين دخل مَكة فصَلَّى فيه ثماني ركعات، قالوا: وهذا أعلى ما وَرَدَ. وعلى هذا؛ فلو صَلَّى الإنسانُ عشرَ ركعات بخمس تسليمات؛ صارت التاسعة والعاشرة تطوُّعاً مطلقاً لا مِن صلاة ضُحى.
    والصَّحيح : أنه لا حَدَّ لأكثرها؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي الضُّحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله» أخرجه مسلم ، ولم تُقَيِّد، ولو صَلَّى مِن ارتفاع الشَّمس قيدَ رُمْحٍ إلى قبيل الزوَّال أربعين ركعة مثلاً؛ لكان هذا كلّه داخلاً في صلاة الضُّحى، ويُجاب عن حديث أُمِّ هانىء بجوابين:
    الجواب الأول : أن كثيراً من أهل العلم قال: إن هذه الصَّلاة ليست صلاة ضُحى، وإنما هي صلاة فتح، واستحبَّ للقائد إذا فتح بلداً أن يُصَلِّي فيه ثمان ركعات شكراً لله عزّ وجل على فتح البلد؛ لأن من نعمة الله عليه أن فتح عليه البلد، وهذه النِّعمة تقتضي الخشوع والذُّل لله والقيام بطاعته، ولهذا لا نعلم أن أحداً فتح بلداً أعظم من مَكَّة، ولا نعلم فاتحاً أعظم من محمَّد صلّى الله عليه وسلّم، ومع ذلك دخل مكَّة ـ حين فتحها ـ وقد طأطأ رأسه عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو يقرأ قوله تعالى: {{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً *}} [الفتح] يُرجِّعُ فيها، أي: كأنه يردِّدُ الحرف مرَّتين، وهذا من كمال تواضعه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لأن من أكبر النِّعم أن يفتحَ اللهُ بلدَ أعدائِك على يَدِك قال تعالى: {{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ *} {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}} [التوبة: 14 ـ 15] وقال تعالى: {{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}} [التوبة: 52] وما أحلى العذاب إذا كان بأيدينا لأعدائنا!.
    الوجه الثاني : أنَّ الاقتصار على الثَّمان لا يستلزم أنْ لا يزيد عليها؛ لأنَّ هذه قضيةُ عَين، أرأيت لو لم يُصَلِّ إلا ركعتين، هل نقول: لا تزيد على ركعتين؟.
    الجواب : لا؛ لأنَّ قضيةَ العين وما وقع مصادفة فإنه لا يُعَدُّ تشريعاً. وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً، ولهذا لا يستحبُّ للإنسان إذا دفع مِن «عَرفة» وأتى الشِّعبَ الذي حول مزدلفة؛ أنْ ينزلَ فيبول ويتوضأ وضوءاً خفيفاً، كما فَعَلَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما دَفَعَ مِن «عَرفة» في الحَجِّ؛ ووصل إلى الشِّعبِ نَزَلَ فَبَالَ وتوضَّأ وضوءاً خفيفاً لأن هذا وقع مصادفة، فالنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم احتاج أن يبولَ فنزل فبال وتوضَّأ؛ لأجل أن يكون فعلُه للمناسك على طهارة.
    وقوله: «أكثرها» مبتدأ. و«ثمان» خبر تعرب إعراب المنقوص بياء مفتوحة في النَّصب منونة...

    قوله: «ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال» . أي: وقت صلاة الضُّحى، من خروج وقت النَّهي، والمؤلِّف رحمه الله لم يُبيِّنْ وقتَ النَّهي هنا، لكن سيبيِّنَهُ ـ إن شاء الله ـ في آخر الباب.
    ووقتُ النَّهي: من طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفع قِيد رُمحٍ، أي: بعين الرَّائي، وإلا فإن هذا الارتفاع قِيد رُمحٍ بحسب الواقع أكثر من مساحة الأرض بمئات المرَّات، لكن نحن نراه بالأُفق قِيد رُمحٍ، أي: نحو متر.
    وبالدَّقائق المعروفة: حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله ربع ساعة خمس عشرة دقيقة؛ لأنه أحوط فإذا مضى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشَّمس، فإنه يزول وقت النَّهي، ويدخل وقت صلاة الضُّحى.
    وقوله: «إلى قبيل وقت الزوال». «قبيل» تصغير قبل، أي: قبل زوال الشَّمس بزمنٍ قليل حوالي عشر دقائق، لأن ما قبيل الزَّوال وقت نهي ينهى عن الصَّلاة فيه، لأنه الوقت الذي تُسْجَرُ فيه جهنَّم، فقد نهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُصَلَّى فيه، قال عُقبةُ بنُ عَامر رضي الله عنه: «ثلاثُ ساعاتٍ كان رسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم يَنْهانَا أنْ نُصَلِّيَ فيهنَّ، أو أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ موتانا: حين تَطْلعُ الشَّمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرة حتى تميلَ الشَّمسُ، وحين تَضَيَّفُ الشَّمسُ للغُروبِ حتى تَغْرُبَ».
    وقائمُ الظَّهيرة يكون قُبيل الزَّوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قُبيل الزوَّال بعشر دقائق دخل وقتُ النَّهي.
    إذاً؛ وقتُ صلاة الضُّحى مِن زوال النَّهي في أول النهار إلى وجود النَّهي في وسط النهار.
    وفِعْلُها في آخر الوقت أفضل؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الأوَّابينَ حين تَرْمَضُ الفِصَالُ» وهذا في «صحيح مسلم».
    ومعنى «تَرْمَضُ» أي: تقوم مِن شِدَّة حَرِّ الرَّمضاء، وهذا يكون قُبيل الزَّوال بنحو عشر دقائق.



    الشرح الممتع ( 4 / 79 - 88 )
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  6. #166
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَإِلَّا شُرِطَ رُؤْيَةُ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ أَيْضًا وَلَوْ فِي بَعْضِهَا): وَإِن لم يجمعهما – أَي: الإِمَام وَالْمَأْمُوم – مَسْجِد؛ بِأَنْ كَانَا خَارِجين أَو أَحدهمَا عَنهُ وَلَو فِي مَسْجِد آخر شُرط فِي حق مَأْمُوم: رُؤْيَةُ الإِمَام أَو رُؤْيَةُ مَنْ وَرَاءه، مِنْ شِبَّاك وَنَحْوه؛ وَلَو كَانَتِ الرُّؤْيَةُ فِي بَعْضِ الصَّلَاة؛ فَإِنْ لَمْ يَرَ الإِمَامَ أَو مَنْ وَرَاءه، لَمْ يَصح اقْتِدَاؤُهُ وَلَو سمع التَّكْبِير.
    واستدلوا على ذلك بالأثر والنظر:
    فأما الأثر: فقد رُوِي عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ نِسْوَةً صَلَّيْنَ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَالَتْ: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ؛ فَإِنَّكُنَّ فِي حِجَابٍ([1]).
    وأما النظر: فقالوا: لأنه لا يُمكنه الاقتداء به في الغالب.
    قلت: وأُجيب عن الأثر بأنه منكر لا يصح.
    وعن النظر بأنه ما دام يسمع التكبير فإنه يمكنه الاقتداء به.
    والصحيح – وهو رواية عن أحمد - أن الصلاة مع عدم رؤية الإمام ولا مَنْ وراءه، تصح، ما دام أنه يسمع تكبيرات الإمام سواء سمعها منه مباشرة أو عن طريق الْمُبَلِّغ؛ وذلك لعدم وجود الدليل على بطلان صلاته.
    ورجح هذه الرواية: ابن قدامة رحمه الله.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ:
    إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ.
    وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْغَالِبِ.
    وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ.
    قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَبْوَابُ الْمَسْجِدِ مُغْلَقَةٌ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
    وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
    وَقَالَ فِي الْمِنْبَرِ إذَا قَطَعَ الصَّفَّ: لَا يَضُرُّ.
    وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ؛ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ، كَالْأَعْمَى، وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تُرَادُ لِلْعِلْمِ بِحَالِ الْإِمَامِ، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ، فَجَرَى مَجْرَى الرُّؤْيَةِ.
    وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَحَلُّ الْجَمَاعَةِ، وَمَظِنَّةِ الْقُرْبِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ.
    وَلَنَا، أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ أَوْ الْمَانِعَ قَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُكْمِ.
    وَلَا بُدَّ لِمَنْ لَا يُشَاهِدُ أَنْ يَسْمَعَ التَّكْبِيرَ، لِيُمْكِنَهُ الِاقْتِدَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، لَمْ يَصِحَّ ائْتِمَامُهُ بِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ([2])))اهـ.
    قوله: (وَكُرِهَ عُلُوُّ إِمَامٍ عَلَى مَأْمُومٍ ذِرَاعًا فَأَكْثَرَ): أي: سواء أراد الإمام التعليم أو لمْ يُرِد، كُرِه له العلُوُّ على المأمومين ذراعًا فأكثر.
    وطول الذراع: هو ما بين المرفق ورؤوس الأصابع في اليد المتوسطة.
    واستدلوا على ذلك بحديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ أَمَّ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي([3]).
    وفي لفظ: صَلَّى حُذَيْفَةُ عَلَى دُكَّانٍ وَهُمْ أَسْفَلُ مِنْهُ، قَالَ: فَجَذَبَهُ سَلْمَانُ حَتَّى أَنْزَلَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَصْحَابَكَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُمْ أَسْفَلُ مِنْهُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: بَلَى قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي([4]).
    ومفهوم كلام المؤلف رحمه الله أنه إنْ علاهم بأقل من ذراع فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا صُنِع له الْمِنبرُ قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي([5])».
    قالوا: والظاهر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى من الْمِنبر؛ لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول؛ فيكون ارتفاعًا يسيرًا، أقل من ذراع؛ فإنْ كان كذلك فلا بأس به، سواء أراد التعليم أو لم يُرد؛ جمعًا بين فعله صلى الله عليه وسلم وبين النهي الوارد.
    قلت: والصحيح في الجمع بين أحاديث الباب أن يُقال: إنْ كان العلو لأجل التعليم جاز له العلو حتى يتمكن المأمومون من رؤيته - ولو كان هذا العلو أكثر من ذراع - وذلك لأنه ولو سُلِّم لهم قولهم: (والظاهر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى من الْمِنبر؛ لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول)؛ فإنه يقال: لَمَّا كان المقصود من ذلك رؤية المأمومين للإمام، فللإمام أنْ يرتفع بقدر ما يراه الْمَأموم، ولو كان أكثر من ذراع؛ وليس هناك دليل على تحديد ذلك بذراع؛ بل يكون بحسب أداء المصلحة المقصودة.
    وأما إنْ كان العلُوُّ لغير مصلحة فيُكره مطلقًا ذراعًا أو أقلَّ؛ ما دام يُسَمَّى علوًّا.
    قوله: (وَصَلَاتُهُ فِي مِحْرَابٍ يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ): أي: ويُكره للإمام الصلاةُ في جوف المحراب؛ لأنه يستتر عن بعض المأمومين، أشبه ما لو كان بينهم وبينه حجاب؛ فإن كان لحاجة؛ كضيق المسجد وكثرة الجمع لَمْ يُكْره.
    وعنه: لا يُكره مطلقًا كسجوده فيه([6]).
    تنبيه:
    قال المرداوي رحمه الله: ((مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْكَرَاهَةِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ؛ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ؛ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
    وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ يَمْنَعُ مُشَاهَدَةَ الْإِمَامِ؛ فَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ؛ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ الْوُقُوفُ فِيهِ([7])))اهـ.


    [1])) منكر: أخرجه البيهقي في ((المعرفة والآثار)) (5849)، من طريق الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن ليث، عن عطاء، عن عائشة، به.
    قلت: لَيْثٌ؛ هو ابن أبي سُلَيم، قد ضعفه الأئمة، وقال عنه الحافظ في ((التقريب)): ((صدوق، اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك)).
    وإبراهيم بن محمد؛ هو ابن أبي يحيى الأسلمي، قال علي بن المديني عَن يحيى بْن سَعِيد القطان: كذاب.
    وَقَال يحيى بْن سَعِيد: سألت مالكًا عَنه: أكان ثقة؟ قال: لا، ولا ثقة في دينه.
    وقَال بشر بْن المفضل: سألت فقهاء أهل المدينة عنه، فكلهم يقولون: كذاب أو نحو هذا.
    وقال أحمد بْن حنبل: لا يُكتب حديثه، ترك الناس حديثه؛ كان يروي أحاديث منكرة.
    وقال أَحمد أيضًا: كان قدريًّا معتزليًّا جهميًّا، كل بلاء فيه.
    وقَال البُخارِيُّ: جهمي تركه ابن المبارك والناس؛ كان يرى القدر.

    [2])) ((المغني)) (2/ 152، 153).

    [3])) أخرجه أبو داود (598)، بإسناد حسن.

    [4])) أخرجه ابن أبي شيبة (6524).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544).

    [6])) ((المبدع في شرح المقنع)) (2/ 100).

    [7])) ((الإنصاف)) (2/ 298).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #167
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَتَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ الْمَكْتُوبَةِ): أي: ويُكره للإمام أن يصلي النافلة في الموضع الذي صلى فيه المكتوبة؛ لئلَّا يُوصل النافلة بالمكتوبة؛ فإنْ لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام، ويكفي التسبيح.
    ودليل ذلك حديث عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ، فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ([1]).
    قوله: (وَإِطَالَتُهُ الِاسْتِقْبَالَ بَعْدَ السَّلَامِ): أي: ويُكره للإمام أنْ يُطيلَ قعودَهُ بعد السَّلام مستقبلَ القِبْلةِ.
    ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ([2])».
    وقوله: ((لَمْ يَقْعُدْ)): أي: لم يقعد مستقبلًا القبلة.
    وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ([3]).
    وللإمام أن ينصرف عن يمينه أو عن شماله؛ كُلُّ هذا سُنَّة.
    عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ؟ عَنْ يَمِينِي، أَوْ عَنْ يَسَارِي؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ.
    وفي لفظ: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ([4]).
    وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا، لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ؛ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ([5]).
    قال النووي رحمه الله: ((وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا؛ فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِيمَا يَعْلَمُهُ؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
    وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ الَّتِي اقْتَضَاهَا كَلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ أَصْلِ الِانْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ فَإِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُخْطِئٌ([6])))اهـ.
    قوله: (وَوُقُوفُ مَأْمُومٍ بَيْنَ سَوَارٍ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ عُرْفًا): أي: ويُكره وقوف المأموم بين سواري المسجد.
    ودليل ذلك حديث قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا([7]).
    وَعَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْن ِ فَلَمَّا صَلَّيْنَا، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([8]).
    ومفهوم قول المؤلف: (وقوف مأموم بين سوارٍ): أنه لا يُكره ذلك للإمام ولا للمنفرد.
    وهو كذلك؛ لأمور ثلاثة:
    الأول: أن النهي ورد في حق المأمومين، ولم يرد في حق الإمام ولا المنفرد.
    الثاني: أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاته منفردًا بين الساريتين؛ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَبِلاَلٌ فَأَطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ([9]).
    الثالث: أن العلة في النهي عن الصلاة بين السواري هي قطع الصفوف؛ ولا صف للإمام ولا للمنفرد.
    قوله: (إِلَّا لِحَاجَةٍ فِي الْكُلِّ): أي: ويجوز فعل جميع ما تقدم ذكره من المكروهات عند الحاجه إلى ذلك؛ كأن لا يجد الإمام إلا مكانًا عاليًا فيصلي فيه، وكأن يضيق المسجد فلا يستطيع الإمام الصلاة إلا داخل المحراب، وكأن لا يجد الإمام فرجة بعد الصلاة للخروج منها فيصلي مكانه، وكأن يضيق المسجد بالمصلين فلا يجدون أمكنة إلا بين السواري.
    قوله: (وَحُضُورُ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ لِمَنْ رَائِحَتُهُ كَرِيهَةٌ مِنْ بَصَلٍ أَوْ غَيْرِهِ): أي: ويُكره حضور المساجد والجماعات لمن كانت رائحته كريهة من بصل وغيره؛ كَثُومٍ وكراث، أو ما يشربه بعض الناس كالسجائر ونحوها.
    وفي رواية عن أحمد أنه يحرم([10]).
    قلت: وهو ظاهر الأحاديث.
    فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ([11])».
    وفي لفظ لمسلم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ».
    وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا([12])».
    وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنِ الثُّومِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّا، وَلَا يُصَلِّي مَعَنَا([13])».
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلَا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ([14])».
    وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ: الثُّومِ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ»، فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا([15])».
    وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ؛ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ. فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا([16]).
    قلت: فظاهر هذه الأحاديث تحريم حضور المسجد لمن أكل من هذه الشجرات؛ لأن النهي للتحريم، ولأن أذى المسلمين حرام، وهذا فيه أذاهم.
    ويلحق بذلك كل من كانت رائحة فمه كريهة لشرب سجائر ونحوها، أو كانت رائحة جسده أو إبطيه كريهة، تعميمًا للعلة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأما من حمل هذا النهي على الكراهة فَلِما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَكَلْتُ ثُومًا فَأَتَيْتُ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سُبِقْتُ بِرَكْعَةٍ، فَلَمَّا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحَ الثُّومِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا» أَوْ «رِيحُهُ» فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنِّي يَدَكَ، قَالَ: فَأَدْخَلْتُ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصِي إِلَى صَدْرِي فَإِذَا أَنَا مَعْصُوبُ الصَّدْرِ، قَالَ: «إِنَّ لَكَ عُذْرًا([17])».
    قلت: والحديث فيه أبو هلال الراسبي، وهو ضعيف، وقد رجح الدارقطني إرساله.
    ثم لو صح الحديث – وليس بصحيح - فغايته جواز ذلك لصاحب العذر وليس لكل أحد. والله أعلم.



    [1])) أخرجه مسلم (883).
    وقد روى أبو داود (616)، وابن ماجه (1428)، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّ الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ». وهو ضعيف للانقطاع بين عطاء الخرساني والمغيرة بن شعبة.

    [2])) أخرجه مسلم (592).

    [3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (845)، مسلم (2275).

    [4])) أخرجه مسلم (708).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (852)، ومسلم (707).

    [6])) ((شرح صحيح مسلم)) (5/ 220).

    [7])) أخرجه ابن ماجه (1002)، وابن خزيمة (1567)، وابن حبان (2219)، والحاكم (794)، وصححه، ووافقه الذهبي.

    [8])) أخرجه أحمد (12339)، وأبو داود (673)، والترمذي (229)، وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ»، والنسائي (821)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 251).

    [9])) أخرجه البخاري (504).

    [10])) ذكرها في ((المغني)) (9/ 430)، و((الإنصاف)) (2/ 304).

    [11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (854)، ومسلم (564).

    [12])) متفق عليه: أخرجه البخاري (853)، ومسلم (561).

    [13])) متفق عليه: أخرجه البخاري (856)، ومسلم (562).

    [14])) أخرجه مسلم (563).

    [15])) أخرجه مسلم (565).

    [16])) أخرجه مسلم (567).

    [17])) أخرجه أحمد (18176)، وأبو داود (3826)، وقال الألباني رحمه الله في ((الثمر المستطاب)) (2/ 659): «وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي، وهو صدوق فيه لين كما في (التقريب)».
    قلت: وأبو هلال ضعفه البخاري. وقال أبو حاتم: يحول منه. وقال النَّسائي: ليس بالقوي.
    فلا يرتقي هذا الإسناد لمرتبة الحسن. والله أعلم.
    وقد رجح الدارقطني رحمه الله إرساله؛ فقد رُوِي هذا الحديث عن أبي هلال عن أبي بردة مرسلًا، بدون ذكر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
    قال الدارقطني في ((العلل)) (7/ 140): ((وكأنَّ المرسل هو الأقوى)).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #168
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ: مَرِيضٌ): فالعذر الأول لترك صلاة الجماعة: هو المرض؛ فالمريض غير القادر على الذهاب إلى المسجد له أن يصلي في بيته، ولا يلزمه الذهاب إلى المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
    ولما مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ([1])».
    وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ([2]).
    قال ابن المنذر رحمه الله: ((وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَجْلِ الْمَرَضِ([3]))).
    وصلاة الجماعة كغيرها من الواجبات لا تسقط بالمرض الخفيف؛ وإنما تسقط بالمرض الذي يُلْحِق بالمريض مشقة شديدة.
    ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يحرصون مع شدة المرض على صلاة الجماعة.
    وهذا يدل على أهميتها، والحرص على عدم تركها.
    فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرِضَ قَالَ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ([4]).
    وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ؛ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ([5]).
    قوله: (وَمُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ ): والعذر الثاني: مدافعة أحد الأخبثين؛ والأخبثان هما البول والبراز.
    فإذا حَضَرَتْ صلاةُ الجماعة وكان الشخص في حاجة لدخول الخلاء؛ فله أن يتخلف عن الجماعة.
    ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَت: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ([6])».
    وفي ترك الجماعة لمن كان يدافع الأخبثين ثلاثةُ فوائد:
    الفائدة الأولى: الرحمة بهذا الشخص الذي يريد قضاء الحاجة، والرأفة به، وعدم المشقة عليه.
    الفائدة الثانية: عدم تعريض هذا الشخص للضرر؛ لأن احتباس هذه الأشياء الخبيثة في بدن الإنسان فيه ضرر شديد عليه.
    الفائدة الثالثة: أن لا يصلي الإنسان وهو منشغل البال؛ فيخرج عن المقصود من الصلاة؛ وهو الخشوع لله تعالى.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ((المدافعةَ تقتضي انشغالَ القلبِ عن الصَّلاةِ، وهذا خَلَلٌ في نَفْسِ العبادةِ، وتَرْكُ الجماعةِ خَلَلٌ في أمْرٍ خارجٍ عن العبادة؛ لأنَّ الجماعةَ واجبةٌ للصَّلاةِ، والمحافظةُ على ما يتعلَّقُ بذات العبادةِ أَولى مِن المحافظةِ على ما يتعلَّقُ بأمْرٍ خارجٍ عنها؛ فلهذا نقول: المحافظةُ على أَداءِ الصَّلاةِ بطمأنينة وحضورِ قلبٍ أولى مِن حضورِ الجماعةِ أو الجُمعة([7])))اهـ.
    قوله: (وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ): العذر الثالث لترك الجماعة: إذا وُضِع الطعام، وهو يحتاج إليه.
    ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – المتقدم - قَالَت: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ([8])».
    وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ([9]).
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ([10])».
    وفي لفظ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ([11])».
    قوله: (وَخَائِفٌ ضَيَاعَ مَالِهِ، أَوْ مَوْتَ قَرِيبِهِ، أَوْ ضَرَرًا مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ مُلَازَمَةَ غَرِيمٍ وَلَا وَفَاءَ لَهُ، أَوْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ وَنَحْوِهِمْ): هذا هو العذر الرابع لترك صلاة الجماعة؛ وهو: الخوف.
    فيُعذر الخائف على ماله من الضياع؛ فإذا كان عند الإنسان مال يَخشى إذا ذَهَبَ عنه أن يُسرقَ، أو معه دابةٌ يَخشى لو ذهبَ للصَّلاةِ أن تنفلتَ الدَّابةُ وتضيع؛ فهو في هذه الحال معذورٌ في تَرْكِ الجُمُعةِ والجَماعةِ؛ لأنَّه لو ذَهَبَ وصَلَّى فإن قلبَه سيكون منشغلًا بهذا المال الذي يَخافُ ضياعه.
    وكذلك إذا كان يَخشى مِن فواتِه بأن يكون قد أضاعَ دابَّته، وقيل له: إنَّ دابَّتك في المكان الفلاني؛ وحضرتِ الصَّلاةُ، وخَشيَ إنْ ذهب يُصلِّي الجُمعةَ أو الجماعةَ أنْ تذهبَ الدَّابةُ عن المكان الذي قيل إنَّها فيه، فهذا خائفٌ مِن فواتِه، فله أنْ يتركَ الصَّلاةَ، ويذهب إلى مالِه ليدرِكَه.
    ومِن ذلك أيضًا: لو كان يخشى مِن ضَررٍ فيه، كإنسان وَضَعَ الخُبزَ بالتنورِ، فأُقيمت الصَّلاةُ، فإنْ ذهبَ يُصلِّي احترقَ الخبزُ؛ فله أن يَدَعَ صلاةَ الجماعة مِن أجلِ أن لا يفوتَ مالُه بالاحتراق([12]).
    ويُعذر مَنْ كان له قريب يخاف موته ولا يحضره؛ وإن كان له من يمرضه؛ لأنه يشق عليه فراقه، فيتشوش خشوعه، أو يأنس به المريض، أو يُلقنه الشهادتين.
    ودليل ذلك ما رواه نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ، وَاقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الجُمُعَةَ([13]).
    وكذلك يُعذر في ترك الجماعة مَنْ كان خائفًا من سلطان فإِذا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ؛ مثل أنْ يطلبَه ويبحث عنه أميرٌ ظالمٌ له، وخافَ إن خَرَجَ أن يمسكَه ويحبسَه أو يغرِّمه مالًا أو يؤذيه، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يُعذرُ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؛ لأنَّ في ذلك ضررًا عليه؛ أما إذا كان السلطانُ يأخذُه بحقٍّ فليس له أن يتخلَّفَ عن الجماعةِ ولا الجُمُعةِ؛ لأنَّه إذا تخلَّفَ أسقط حقّين: حَقَّ الله في الجماعةِ والجُمُعةِ، والحَقَّ الذي يطلبه به السلطانُ([14]).
    وكذلك يُعذر من خاف ضررًا من مطر ونحوه؛ كريح أو برودة شديدة.
    ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ([15])».
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ([16]).
    وَعَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ... ([17])».
    وإن كان له غريمٌ يطالبُه ويلازِمُه، وليس عنده فلوسٌ، فهذا عُذْرٌ؛ وذلك لما يلحَقَه مِن الأذيَّةِ لملازمةِ الغريمِ له، فإنْ كان معه شيءٌ يستطيع أن يوفي به فليس له الحَقُّ في تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؛ لأنَّه إذا تركهما في هذه الحال أسقطَ حَقَّين: حَقَّ اللهِ في الجماعة والجُمُعةِ، وحَقَّ الآدميِّ في الوفاءِ.
    مسألة: إذا كان عليه دينٌ مؤجَّلٌ، لكن غريمه لازَمه فهل له أن يتخلَّفَ؟
    الجواب: ينظر؛ فإن كانت السُّلطةُ قويةٌ بحيث لو اشتكاه على السُّلطة لمنعته منه، فهو غيرُ معذورٍ؛ لأنَّ له الحَقُّ أن يُقدِّمَ الشَّكوى إلى السُّلطةِ، أما إذا كانت السُّلطةُ ليست قويةً، أو أنها تحابي الرَّجُلَ فلا تمنعه مِن ملازمةِ غريمه، فهذا عُذرٌ بلا شَكٍّ([18]).
    وكذلك إذا كان يخشى فوات رُفْقته في السفر جاز له ترك الجماعة؛ لِما سيقع عليه من الضرر في حال فوات الرفقة، ولأنه لو صلى في هذه الحالة لانشغل فكره كثيرًا عن الصلاة.


    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

    [2])) أخرجه مسلم (654).

    [3])) ((الأوسط)) (4/ 139).

    [4])) متفق عليه: تقدم قريبًا.

    [5])) أخرجه مسلم (654).

    [6])) أخرجه مسلم (560).

    [7])) ((الشرح الممتع)) (4/ 311، 312).

    [8])) تقدم.

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (673)، ومسلم (559).

    [10])) متفق عليه: أخرجه البخاري (5463)، ومسلم (557).

    [11])) البخاري (672)، ومسلم (557).

    [12])) ((الشرح الممتع)) (4/ 313، 314).

    [13])) أخرجه البخاري (3990).

    [14])) ((الشرح الممتع)) (4/ 315).

    [15])) متفق عليه: أخرجه البخاري (666)، ومسلم (697).

    [16])) متفق عليه: أخرجه البخاري (901)، ومسلم (699).

    [17])) متفق عليه: أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33).

    [18])) ((الشرح الممتع)) (4/ 315، 316).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #169
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    فصل
    يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ؛ وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ، وَكُرِهَ مُسْتَلْقِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى جَنْبٍ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ.
    وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَيَجْعَلُهُ أَخْفَضَ؛ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ، وَنَوَى بِقَلْبِهِ؛ كَأَسِيرٍ خَائِفٍ؛ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ، مُسْتَحْضِرًا الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ.
    وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُهَا مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا.
    فَإِنْ طَرَأَ عَجْزٌ أَوْ قُدْرَةٌ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَ وَبَنَى.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #170
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ): ودليل ذلك حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ([1])».
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ - أَوْ فَجُحِشَ - شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا([2]).
    قال ابن المنذر رحمه الله: ((وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ مَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا([3]))).
    قوله: (وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ): أي: والأفضل لمن يصلي على جنبه أن يرقد على شقه الأيمن.
    واستدلوا على ذلك بما رُوِي عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا إِنِ اسْتَطَاعَ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ([4])».
    وهو حديث ضعيف لا يصح.
    ولكن يمكن أن يُستدل على ذلك بحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ([5]).
    فإن لم يكن في الصلاة على جنبه الأيمن مشقة، فالأفضل له أن يصلي عليه.
    قوله: (وَكُرِهَ مُسْتَلْقِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى جَنْبٍ): أي: وَكُرِه له أن يُصلي مستلقيًا على وجهه ما دام قادرًا على أن يصلي على جنب؛ لأنه خلاف السُّنَّة.
    والصحيح – وهو وجه في المذهب – أن الصلاة مستلقيًا لا تصح مع القدرة على الصلاة على جنب؛ لأنه ليس له أن ينتقل من وجه إلى الآخر إلا مع عدم القدرة، كما هو مذكور في الحديث([6]).
    قوله: (وَإِلَّا تَعَيَّنَ): أي: فإن لم يكن قادرًا على الصلاة على جنب تعيَّن عليه الصلاة مستلقيًا؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
    ولقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ([7])».
    قوله: (وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَيَجْعَلُهُ أَخْفَضَ؛ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ، وَنَوَى بِقَلْبِهِ؛ كَأَسِيرٍ خَائِفٍ؛ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ، مُسْتَحْضِرًا الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ): ودليل ذلك قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
    وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
    قوله: (وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُهَا مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا): أي: أن الصلاة تلزم المريض ولو فَقَدَ الحركة والنطق؛ ما دام أنه لم يفقد عقله.
    فالمريض له أربعة أحوال:
    الحال الأولى: مريض فاقد للحركة والنطق والعقل.
    فهذا تسقط عنه الصلاة بالإجماع.
    الحال الثانية: مريض فاقد للحركة والنطق، وليس بفاقد للعقل.
    فهذا تلزمه الصلاة بالنية، وعليه جمهور الحنابلة؛ خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث أسقط عنه الصلاة([8]).
    الحال الثالثة: مريض فاقد للحركة فقط.
    فهذا تلزمه الصلاة بالأقوال؛ فعليه أنْ يُكبِّر ويقرأ، ثم يُكبِّر وينوي الركوع، ثم يقول أذكار الركوع، ثم يُكَبِّر وينوي الرفع، ثم يقول أذكار الاعتدال من الركوع .. إلى آخر صلاته.
    الحال الرابعة: مريض فاقد للنطق فقط.
    فهذا تلزمه الصلاة بالأفعال؛ فعليه أنْ ينوي أنَّه في صلاةٍ، وينوي القيامَ القراءةَ، وينوي الركوعَ والاعتدالَ والسجودَ والقعودَ .. إلى آخره.
    وهناك حالة خامسة – وقد تقدم ذكر حكمها - وهو المريض القادر على بعض الحركة؛ فهذا يصلي قاعدًا أو على جنبه، بحسب استطاعته.
    قوله: (فَإِنْ طَرَأَ عَجْزٌ أَوْ قُدْرَةٌ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَ وَبَنَى): أي: إنْ طرأ على المصلي الصحيح عجز أثناء صلاته فمنعه من القيام – مثلًا – فعليه أن ينتقل إلى القعود، ويبني على ما صلَّى، ولا يستأنف الصلاة مرة أخرى.
    وعكسه؛ إن طرأ على المريض غير القادر على القيام – مثلًا - قدرةٌ على القيام أثناء صلاته، فيجب عليه القيام، ويبني على ما مضى من صلاته، ولا يستأنف الصلاة مرة أخرى؛ لأن ما مضى من صلاته كان على الوجه الشرعي المطلوب منه؛ فلا يبطل بالقدرة الطارئة بعد أدائه.


    [1])) أخرجه البخاري (1117).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1114)، ومسلم (411).

    [3])) ((الإجماع)) (ص42)، و((الأوسط)) (4/ 373).

    [4])) أخرجه الدارقطني في ((سننه)) (1706)، والبيهقي في ((الصغير)) (589)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (558).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268).

    [6])) انظر: ((الشرح الكبير على متن المقنع)) (2/ 87).

    [7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).

    [8])) كما في ((مجموع الفتاوى)) (10/ 440).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #171
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    فصل
    وَيُسَنُّ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ مُبَاحٍ.
    وَيَقْضِي صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَعَكْسُهُ تَامَّةً.
    وَمَنْ نَوَى إِقَامَةً مُطْلَقَةً بِمَوْقِعٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَتَمَّ.
    وَإِنْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ إِقَامَةً قَصَرَ أَبَدًا.
    وَيُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وِالْعِشَائَيْن ِ بِوَقْتِ إِحْدَاهُمَا، وَلِمَريضٍ وَنَحْوِهِ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ، وَبَيَنَ الْعِشَائَيْنِ فَقَطْ لِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ، وَلِوَحْلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ، لَا بَارِدَةٍ فَقَطْ، إِلَّا بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ.
    وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ.
    وَكُرِهَ فِعْلُهُ فِي بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ.
    وَيَبْطُلُ جَمْعُ تَقْدِيمٍ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَتَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وُضُوءٍ خَفِيفٍ وَإِقَامَةٍ.
    وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِأَيِّ صِفَةٍ صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ وَصَحَّتْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ.
    وَسُنَّ فِيهَا حَمْلُ سِلَاحٍ غَيْرِ مُثْقِلٍ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #172
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَيُسَنُّ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ فِي سَفَرٍ).
    القصر في اللغة له معنيان: الأول: النقص. والثاني: الحبس.
    جاء في ((معجم مقاييس اللغة)): الْقَافُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا: يَدُلُّ عَلَى أَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْءُ مَدَاهُ وَنِهَايَتَهُ. وَالْآخَرُ: عَلَى الْحَبْسِ؛ كما قَالَ تَعَالَى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]، وَالْأَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ([1]).
    والقصر في الشرع: رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين.
    وقد دل على مشروعية قصر الصلاة في السفر الكتاب والسُّنَّة والإجماع.
    فأما الكتاب: فقد قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101].
    وقد بيَّنت السُّنَّة أن هذا ليس مختصًّا بالخوف فقط.
    فَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ([2])».
    وأما دلالة السُّنَّة على مشروعية القصر: فَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي! يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]([3]).
    وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ، قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا([4]).
    وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([5]).
    وقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره، حاجًّا، ومعتمرًا، وغازيًا.
    وأما الإجماع: فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الرَّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ([6]).


    [1])) انظر: ((مقاييس اللغة)) (5/ 97).

    [2])) أخرجه مسلم (686).

    [3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1102)، ومسلم (689).

    [4])) أخرجه مسلم (693).

    [5])) أخرجه مسلم (691).

    [6])) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص 41).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #173
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ): أي: لا يُرخص له القصر في السفر إلا إذا كان السفر طويلًا. وهذا هو الشرط الأول.
    والسفر الطويل في المذهب هو أربعة بُرُد، تساوي ستة عشر فرسخًا، وهي ثمانية وأربعون ميلًا هاشميًّا([1])، والميل الهاشمي ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون أصبعًا معترضة معتدلة([2]).
    وإذا حُسِبَتْ بالتقدير الحالي كانت كالآتي: الأصبع يزيد على 2سم بقليل، فيكون الذراع حوالي 50سم، فيكون الميل حوالي 300000سم = 3000م = 3كم × 48= 144كم.
    واستدلوا على تقدير مسافة القصر بما ورد عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ.([3]) ([4])
    قلت: والصحيح – ورجحه ابن قدامة وابن تيمية وابن عثيمين([5]) - عدم صحة التحديد؛ بل كل ما يسمى سفرًا عرفًا، وجب فيه قصر الصلاة؛ وذلك لأن الله تعالى أطلق السفر في كتابه العزيز ولم يحدده بمقدار معين؛ والقاعدة: (أن ما جاء في الشرع ولم يُحدّْ فمرجعه إلى العرف).
    وأما الأثر الوارد عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فلا حجة فيه؛ لأمرين:
    الأول: أنه قد ورد في تحديد مسافة القصر خلاف بين الصحابة؛ بل قد ورد عن ابن عمر وابن عباس ما يخالف الأثر المذكور([6])؛ والصحابة إذا اختلفوا فليس قول بعضهم حجة على بعض.
    الثاني: أنه مخالف للسُّنَّة؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([7]).
    قال ابن قدامة رحمه الله: وَلَا أَرَى لِمَا صَارَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ مُتَعَارِضَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، خِلَافُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا.
    ثُمَّ لَوْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ أَقْوَالُهُمْ امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ؛ لِوَجْهَيْنِ:
    أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي رَوَيْنَاهَا، وَلِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إبَاحَةُ الْقَصْرِ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101]، وَقَدْ سَقَطَ شَرْطُ الْخَوْفِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، فَبَقِيَ ظَاهِرُ الْآيَةِ مُتَنَاوِلًا كُلَّ ضَرْبٍ فِي الْأَرْضِ.
    وَالثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِرَأْيٍ مُجَرَّدٍ؛ سِيَّمَا وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ، وَلَا نَظِيرٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ، إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ([8]).اهـ.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((كُلُّ اسْمٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ؛ فَمَا كَانَ سَفَرًا فِي عُرْفِ النَّاسِ فَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ؛ وَذَلِكَ مِثْلُ سَفَرِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَافَةَ بَرِيدٌ، وَهَذَا سَفَرٌ ثَبَتَ فِيهِ جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ بِالسُّنَّةِ([9])))اهـ.
    قوله: (مُبَاحٍ): أي: من شروط الأخذ برخصة القصر أن يكون السفر مباحًا، وجوازه في سفر الطاعة من باب أولى؛ وأما إن سافر لمعصية؛ كالإباق، وقطع الطريق، والتجارة في خمر، لم يقصر، ولم يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لِمَا فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يَرِد الشرع بذلك([10]).
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلِأَنَّ التَّرَخُّصَ شُرِعَ لِلْإِعَانَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصِدِ الْمُبَاحِ، تَوَصُّلًا إلَى الْمَصْلَحَةِ؛ فَلَوْ شُرِعَ هَاهُنَا لَشُرِعَ إعَانَةً عَلَى الْمُحَرَّمِ، تَحْصِيلًا لِلْمَفْسَدَةِ؛ وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا، وَالنُّصُوصُ وَرَدَتْ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ، وَكَانَتْ أَسْفَارُهُمْ مُبَاحَةً، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَنْ سَفَرُهُ مُخَالِفٌ لِسَفَرِهِمْ؛ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ النَّصَّيْنِ، وَقِيَاسُ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الطَّاعَةِ بَعِيدٌ؛ لِتَضَادِّهِمَا([11])))اهـ.
    قلت: والصحيح – ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين([12]) رحمهما الله - أن المسافر له قصر الصلاة، ولو كان سفر معصية؛ وذلك لأمرين:
    الأول: أن القصر عزيمة، لا رخصة.
    الثاني: أن أدلة الباب عامة ولم تُفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية؛ فوجب حملها على عمومها.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ؛ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ أَطْلَقَا السَّفَرَ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، كَمَا قَالَ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الْآيَةَ، وَكَمَا تَقَدَّمَتِ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَنْقُلْ قَطُّ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ السَّفَرَ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ السَّفَرِ لَكَانَ بَيَانُ هَذَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَنَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ، وَمَا عَلِمْتُ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا([13])))اهـ.


    [1])) قال أبو داود رحمه الله في ((مسائله)) (106، 107): ((سمعتُ أحمدَ، سُئِلَ: فِي كَمْ تَقْصُرُ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا)).
    وقال عبد الله رحمه الله في ((مسائله)) (ص119): ((سَأَلت أبي عَن الصَّلَاة بمنى لمن يُرِيد أن يُقيم للْعُمْرَة يقصر أَوْ يتم؟ قَالَ: لَا يقصر الصَّلَاة إلا فِي أربعة بُرُد؛ وَذَلِكَ ثَمَانِيَة وأربعون ميلًا)).

    [2])) انظر: ((الفروع)) لشمس الدين ابن مفلح، ومعه ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (3/ 81).

    [3])) قال الإمام أحمد رحمه الله في ((مسائل عبد الله)) (ص117): ((يقصر فِي أرْبَع بُرُد؛ والبريد اثْنَا عشر ميلًا، وأربع بُرُد سِتَّة عشر فرسخًا؛ وَكَذَا اتَّفق عَلَيْهِ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي أربعة بُرُد)).

    [4])) أخرجه ابن المنذر في ((الأوسط)) (2261)، والبيهقي في ((الكبير)) (5397)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (568).

    [5])) انظر: ((الشرح الممتع)) (4/ 351)، وسيأتي بعد قليل كلام ابن قدامة وابن تيمية.

    [6])) انظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (4/ 346- 350)، فقد روى آثارًا كثيرة عن ابن عمر وابن عباس وعن الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم في تحديد مسافة القصر.

    [7])) أخرجه مسلم (691).
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله مَنْ خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر؛ ولا يخفى بُعْدُ هذا الحمل، مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد - راويه عن أنس – قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة، يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع؟ فقال أنس فذكر الحديث. فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه))اهـ.

    [8])) ((المغني)) (2/ 190)، مختصرًا.

    [9])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 40، 41).

    [10])) ((الكافي)) (1/ 306).

    [11])) ((المغني)) (2/ 194).

    [12])) ((الشرح الممتع)) (4/ 350).

    [13])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 109).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #174
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَيَقْضِي صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَعَكْسُهُ تَامَّةً): أي: إذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر، أو صلاة سفر فذكرها في الحضر، صلى في الحالتين صلاة حضر.
    فهذان مسألتان:
    المسألة الأولى: نسي صلاة في حضر فذكرها في سفر؛ فهذا عليه صلاة حضر بإجماع أهل العلم، إلا ما نُقل عن الحسن رحمه الله.
    قال ابن المنذر رحمه الله: ((أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْحَضَرِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إِلَّا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ([1]))).
    وذلك لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([2])»؛ أي: يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها.
    المسألة الثانية: نسي صلاة في سفر فذكرها في حضر؛ فالمذهب أن عليه صلاة الحضر احتياطًا.
    والصحيح – ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - أن عليه صلاة سفر.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مثال ذلك: رجل وصل إلى بلده ثم ذكر أنه لم يصل الظهر في السفر، فيلزمه أن يصلي أربعًا؛ لأنها صلاةٌ وجبت عليه في الحضر فلزمه الإِتمام، ولأن القصر من رخص السفر وقد زال السفر فيلزمه الإِتمام.
    هذا هو المذهب، ولكنَّ القول الراجح خلافه، وأنه إذا ذكر صلاة سفر في حضر صلاها قصرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»؛ أي: فليصلها كما هي. وهذا الرجل ذكر أنه لم يصل الظهر وهي ركعتان في حقه، فلا يلزمه الإِتمام، ونقول كما قلنا في التي قبلها؛ فهذه صلاة وجبت عليه في سفر، وصلاة السفر مقصورة فلا يلزمه إتمامها([3])))اهـ.
    قوله: (وَمَنْ نَوَى إِقَامَةً مُطْلَقَةً بِمَوْقِعٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَتَمَّ).
    فهذه ثلاث مسائل:
    المسألة الأولى: مسافر نوى إقامة مطلقة؛ أي: لم يحدها بزمن معين؛ كسفراء الدول مثلًا؛ فهذا عليه إتمامُ الصلاة؛ لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة.
    المسألة الثانية: من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ فهذا – أيضًا - عليه إتمام الصلاة.
    واستدلوا على ذلك بما ورد في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في مكة أربعة أيام، وكان يقصر فيها الصلاة؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم – بلا شك - عازمًا على الإقامة هذه المدة لإتمام فريضة الحج؛ فأما من لم يكن عازمًا فله القصر أبدًا حتى يرجع إلى أهله.
    فإن قيل: ولكن هذه المدة وقعت اتفاقًا لا قصدًا؛ بمعنى أن قدومه صلى الله عليه وسلم إلى مكة صادف يوم الرابع، فمكث إلى اليوم السابع، ثم خرج في اليوم الثامن إلى منى؛ ولو اتُّفق له صلى الله عليه وسلم – مثلًا - القدوم يوم الثالث لَقَصَرَ خمسة أيام؛ إذًا هذه المدة لا ينبني عليها حكم.
    قالوا: هذا صحيح؛ ولكنَّ الأصل أن المسافر إذا أقام أن إقامته تقطع السفر، ولكن سُمِح في الأيام الأربعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقامها وقَصَرَ، فيبقى ما زاد عليها على الأصل؛ وهو المنع من الترخص، ووجوب الإتمام([4]).
    والصحيح – وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله - أن تحديد المدة بأربعة أيام غير صحيح؛ بل للمسافر قصر الصلاة أبدًا حتى ولو نوى إقامة مقيدة؛ كأن ينوي الإقامة حتى ينتهي علاجه، ما دام أنه لم ينو إقامة دائمة أومطلقة؛ فإن نوى الإقامة الدائمة أو المطلقة فليس له القصر.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَأَمَّا مَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ السُّنَّةُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْرَعْ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُحِدَّ السَّفَرَ بِزَمَانٍ أَوْ بِمَكَانِ، وَلَا حَدَّ الْإِقَامَةَ أَيْضًا بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ لَا ثَلَاثَةٍ وَلَا أَرْبَعَةٍ وَلَا اثْنَا عَشَرَ وَلَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ كَمَا كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ يَفْعَلُ؛ حَتَّى كَانَ مَسْرُوقٌ قَدْ وَلَّوْهُ وِلَايَةً لَمْ يَكُنْ يَخْتَارُهَا فَأَقَامَ سِنِينَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ أَقَامَ الْمُسْلِمُونَ بِنَهَاوَنْدَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، وَكَانُوا يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ حَاجَتَهُمْ لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَكْثَرَ، كَمَا أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ يُفْطِرُونَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
    وَإِذَا كَانَ التَّحْدِيدُ لَا أَصْلَ لَهُ فَمَا دَامَ الْمُسَافِرُ مُسَافِرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَوْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ شُهُورًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ([5])))اهـ.
    المسألة الثالثة: مسافر ائتم بمقيم؛ سواء أدرك جميع الصلاة أو أدرك جزءًا منها؛ فهذا – أيضًا - عليه الإتمام.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَافِرَ مَتَى ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّلَاةِ أَوْ رَكْعَةً، أَوْ أَقَلَّ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُسَافِرِ، يَدْخُلُ فِي تَشَهُّدِ الْمُقِيمِينَ؟ قَالَ: يُصَلِّي أَرْبَعًا([6])))اهـ.
    قلت: ودليل ذلك حديث مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا، وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([7]).
    وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([8]).



    [1])) ((الأوسط)) (4/ 368)، و((الإجماع)) (ص42)، وقال في ((الأوسط)) عن قول الحسن: ((وقوله فيمن نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر قول شاذ لا نعلم أحدًا قال به)).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).

    [3])) ((الشرح الممتع)) (4/ 367).

    [4])) انظر: ((الشرح الممتع)) (4/ 373) و(4/ 385).

    [5])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 18).

    [6])) ((المغني)) (2/ 209).

    [7])) أخرجه أحمد (1862)، بإسناد حسن.

    [8])) أخرجه مسلم (694).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #175
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَإِنْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ إِقَامَةً قَصَرَ أَبَدًا): هنا مسألتان:
    المسألة الأولى: مَنْ حُبِس ظلمًا؛ فله القصر أبدًا حتى يرجع إلى بلده.
    ومفهوم كلام المؤلف أن مَنْ حُبِس في حق فليس له القصر.
    والصحيح أنه يقصر مظلومًا كان أو غير مظلوم؛ لأنه مسافر ولم ينو الإقامة؛ وليس هناك ما يدل على استثناء غير المظلوم؛ إلا أن يكون المؤلف خرجها على مسألة سفر المعصية؛ وقد تقدم أن الصحيح أنه يقصر.
    وعدم التفريق بين المظلوم وغير المظلوم هو ظاهر قول ابن قدامة رحمه الله؛ حيث أطلق ولم يُفرق؛ كما سيأتي في كلامه الآتي، وهو ما رجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله([1]).
    المسألة الثانية: مَنْ سافر ولمْ ينو إقامة؛ فهذا له القصر أبدًا حتى يرجع إلى أهله.
    فَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْتُ: مَا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، إِلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كُنَّا بِذِي الْمَجَازِ؟ قَالَ: مَا ذُو الْمَجَازِ؟ قُلْتُ: مَكَانٌ نَجْتَمِعُ فِيهِ، وَنَبِيعُ فِيهِ، وَنَمْكُثُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، كُنْتُ بِأَذْرَبِيجَان َ - لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ - فَرَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ([2]).
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنْ قَالَ: الْيَوْمَ أَخْرُجُ، وَغَدًا أَخْرُجُ، قَصَرَ، وَإِنْ أَقَامَ شَهْرًا؛ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ؛ أَنَّ مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الْإِقَامَةَ فَلَهُ الْقَصْرُ، وَلَوْ أَقَامَ سِنِينَ، مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ يَرْجُو نَجَاحَهَا، أَوْ لِجِهَادِ عَدُوٍّ، أَوْ حَبَسَهُ سُلْطَانٌ أَوْ مَرَضٌ، وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ الْحَاجَةِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، أَوْ كَثِيرَةٍ.
    قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رحمه الله: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ مَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سِنُونَ.
    وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ جَابِرٌ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
    وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ سَعْدٍ بِعَمَّانَ أَوْ سَلْمَانَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي أَرْبَعًا([3])، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
    وَرَوَى سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ سَعْدٍ بِبَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُهَا سَعْدٌ، وَنُتِمُّهَا. وَقَالَ نَافِعٌ: أَقَامَ ابْنُ عُمَرَ بِأَذْرَبِيجَان َ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ. وَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَقَامَ بِالشَّامِ سَنَتَيْنِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَامَهُرْمُزَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ. وَعَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: أَقَمْتُ مَعَهُ سَنَتَيْنِ بِكَابُلَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُجْمِعُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَبِسِجِسْتَانَ السَّنَتَيْنِ، يُجْمِعُونَ وَلَا يَصُومُونَ([4])))اهـ.
    فالمسافر له أربع أحوال:
    الحالة الأولى: أن يُسافر وينوي إقامة دائمة: فهذا ليس له القصر بالإجماع؛ بل عليه الإتمام من وقت نية الإقامة.
    الحالة الثانية: أن يُسافر وينوي إقامة مطلقة لم يحدها بزمن معين؛ كسفراء الدول مثلًا: فهذا – أيضًا - عليه إتمامُ الصلاة؛ لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة.
    الحالة الثالثة: أن يُسافر وينوي إقامة مؤقتة بمدة معينة؛ لقضاء حاجة ونحو ذلك: فهذا له القصر على الراجح، كما تقدم.
    الحالة الرابعة: أن يُسافر ولا ينوي إقامة: فهذا له القصر أبدًا حتى يرجع إلى أهله.
    قوله: (وَيُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وِالْعِشَائَيْن ِ بِوَقْتِ إِحْدَاهُمَا): أي: سواء كان جمع تقديم؛ بأن صلى الظهر والعصر في وقت الظهر، والمغرب والعشاء في وقت المغرب؛ أو كان جمع تأخير؛ بأن صلى الظهر والعصر في وقت العصر، والمغرب والعشاء في وقت العشاء.
    ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ([5]).
    وفي لفظ لمسلم: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ: إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ، يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ.
    وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ؛ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا آخَرَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا([6]).
    وفي لفظ عند أحمد([7]): أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.
    وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ([8]).
    وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – أيضًا - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ([9]).
    وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ([10]).


    [1])) كما في ((الشرح الممتع)) (4/ 383).

    [2])) أخرجه أحمد (6424)، بإسناد حسن.

    [3])) روى ابن المنذر في ((الأوسط)) (2240): قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُوَفِّي فِي السَّفَرِ إِلَّا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ». قلت: وقد ثبت هذا عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما؛ ولكنهما كانا متؤوِّليْنِ.

    [4])) ((المغني)) (2/ 215).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704).

    [6])) أخرجه مسلم (706).

    [7])) (22094).

    [8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1109)، ومسلم (703).

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1805)، ومسلم (703).

    [10])) أخرجه مسلم (705).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #176
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَلِمَريضٍ وَنَحْوِهِ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ): أي: ويُباح الجمع بين الصلاتين لمريض ونحوه؛ ككبير في السن تلحقه بترك الجمع مشقة.
    ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
    وفي لفظ: فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ.
    وفي لفظ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا، وَثَمَانِيًا، الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ([1]).
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ لِمَرَضٍ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا عِنْدِي رُخْصَةٌ لِلْمَرِيضِ وَالْمُرْضِعِ...
    وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ: مَا يَلْحَقُهُ بِهِ بِتَأْدِيَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْمَرِيضُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؟ فَقَالَ: إنِّي لِأَرْجُوَ لَهُ ذَلِكَ إذَا ضَعُفَ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ([2])))اهـ.
    قوله: (وَبَيَنَ الْعِشَائَيْنِ فَقَطْ لِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ): أي: ويباح الجمع بين الصلاتين في المطر؛ ولكن بشرطين:
    الشرط الأول: أن يكون الجمع بين المغرب والعشاء، ولا يصح جمع الظهر مع العصر.
    قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ؟ قَالَ: لَا، مَا سَمِعْتُ([3]).
    واستدلوا على ذلك بأن السُّنَّة لم ترد بالجمع لذلك إلا في المغرب والعشاء؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ([4]).
    وَعنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنَّ مِنَ السُّنَّةِ إذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ([5]).
    قالوا: وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    قلت: والصحيح – وهو قول في المذهب([6]) ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية([7]) والشيخ ابن عثيمين([8]) رحمهما الله– أن الجمع للمطر ونحوه جائز بين الظهر والعصر أيضًا؛ وذلك لأمرين:
    الأول: أن الأحاديث المذكورة – لو صحت – فهي لا تنفي الجمع بين الظهر والعصر؛ وإنما تثبت الجمع بين المغرب والعشاء؛ وهذا الإثبات لا يمنع الجمع في غيره؛ ما دامت العلة المطر والمشقة.
    الثاني - وهو الأهم-: أن السُّنَّة الصحيحة قد وردت بالجمع بين الظهر والعصر أيضًا.
    فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ([9]).
    الشرط الثاني: أن يكون المطر شديد بحيث يبل الثياب وتوجد معه مشقة؛ وأما المطر الخفيف الذي لا توجد معه مشقة فلا يجوز الجمع فيه.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وَفُهِمَ من قول المؤلف أنه لو لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع؛ وهو كذلك.
    فإذا قال قائل: ما مثال المشقة؟ قلنا: المشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو كان يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة.. والمشقات متعددة.
    فحاصل القاعدة فيه: أنه كلما لحق الإِنسان مشقة بترك الجمع جاز له الجمع حضرًا وسفرًا...
    فإذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع بين العشائين، فإن كان مطرًا قليلًا لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز؛ لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة.
    فإن قيل: ما ضابط البلل؟
    فالجواب: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطر منه الماء.([10])



    [1])) جميع هذه الألفاظ عند مسلم (705).

    [2])) ((المغني)) (2/ 204، 205).

    [3])) ((المغني)) (2/ 203).

    [4])) قال الألباني في ((الإرواء)) (3/ 39): ((ضعيف جدًا، وقد وقفت على إسناده؛ رواه الضياء المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق37/ 2) عن الأنصاري: حدثني محمد بن زريق بن جامع المديني أبو عبد الله بمصر، حدثنا سفيان بن بشر قال: حدثني مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
    قلت: وهذا سند واهٍ جدًّا...))اهـ.

    [5])) ذكره ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 202)، وقال: رواه الأثرم.
    قال الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (3/ 41): ((لم أقف على سنده لأنظر فيه, ولا على من تكلم عليه.
    وأبو سلمة بن عبد الرحمن تابعي, وقول التابعي: من السنة كذا. في حكم الموقوف لا المرفوع, بخلاف قول الصحابي ذلك, فإنه في حكم المرفوع))اهـ.
    قلت: قال ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (12/ 212): ((وروى أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: من السنة إذا كان يوم مطير...)) فذكره.
    قلت: وعمر بن أبي سلمة ضعيف؛ عَن يحيى بْن سَعِيد: كَانَ شعبة يضعف عُمَر بْنِ أَبي سَلَمَةَ.
    وعَن علي بْن المديني: تركه شعبة، وليس بذاك.
    وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَنْ يحيى بْن مَعِين: ليس بِهِ بأس.
    وَقَال مرة أخرى: ضعيف الحديث.
    وَقَال أبو حاتم: هُوَ عندي صالح صدوق فِي الأصل، ليس بذاك القوي يكتب حديثه، ولا يحتج بِهِ، يخالف في بعض الشئ.
    وَقَال إِبْرَاهِيم بْن يعقوب الجوزجاني: ليس بقوي في الحديث.
    وَقَال النَّسَائي: ليس بالقوي.
    وَقَال أَبُو بَكْر بْن خزيمة: لا يحتج بحديثه.

    [6])) ((المغني)) (2/ 203).

    [7])) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 30).

    [8])) ((الشرح الممتع)) (4/ 392).

    [9])) أخرجه مسلم (705).

    [10])) ((الشرح الممتع)) (4/ 390، 391) باختصار يسير.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  17. #177
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَلِوَحْلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ، لَا بَارِدَةٍ فَقَطْ، إِلَّا بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ): أي: ويباح الجمع أيضًا لِوَحْل أو ريح، وإن لم يكن مطرًا؛ قياسًا على المطر بجامع المشقة؛ ولكن بشرطين:
    الشرط الأول: أن تكون الريح شديدة.
    الشرط الثاني: أن تكون باردة.
    فلا بد من اجتماع الصفتين؛ إلا لو كانت ليلة مظلمة، فلا يُشترط البرودة؛ لأن المشقة تحصل بالظلمة.
    والصحيح – والله أعلم، وقد رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله([1]) – أنه التقييد بهذين الشرطين فقط أو بالظلمة غير صحيح؛ وإنما في كل وقت وبكل شيء يُحدِث للإنسان مشقة؛ كريح شديدة تحمل ترابًا تسبب مشقة للإنسان، وإن لم تكن باردة، ولم تكن ظُلْمَة.
    قوله: (وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ): أي: لا يقال بأن الأفضل التقديم، أو يقال بأن الأفضل التأخير؛ حيث لم تَرِدْ سنَّةٌ بذلك؛ فيكون الأفضل هو فعل الأرفق بالشخص.
    ودليل ذلك حديث معاذ رضي الله عنه عند مسلم، وأحمد، ولفظ أحمد: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ([2]).
    فتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الأرفق به وبمن معه.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَالْجَمْعُ جَائِزٌ فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرِكِ؛ فَتَارَةً يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا جَمَعَ بِعَرَفَةَ، وَتَارَةً يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَمَا جَمَعَ بمزدلفة وَفِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَتَارَةً يَجْمَعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي وَسَطِ الْوَقْتَيْنِ، وَقَدْ يَقَعَانِ مَعًا فِي آخِرِ وَقْتِ الْأُولَى، وَقَدْ يَقَعَانِ مَعًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ تَقَعُ هَذِهِ فِي هَذَا وَهَذِهِ فِي هَذَا؛ وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَقْتَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مُشْتَرَكٌ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّوَسُّطُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ([3])))اهـ.
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله - أيضًا – في معرض رده على من فضَّل جمع التأخير على جمع التقديم: ((لَيْسَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ بِأَوْلَى مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ؛ بَلْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ؛ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقَوْلَ بِتَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى مَذْهَبِهِ([4])))اهـ.
    قوله: (وَكُرِهَ فِعْلُهُ فِي بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ): أي: ويُكره الجمع بين الصلاتين إن كان سيصلي في بيته لمطر ونحوه؛ لأنه لا مشقة عليه – حينئذ - في فعل الصلاة في وقتها؛ إلا إن كانت هناك ضرورة؛ كمرض تحصل معه مشقة لو فرق ولم يجمع.
    وظاهر كلام المؤلف أنه يجوز له الجمع مع الكراهة.
    والصحيح – وهو وجه في المذهب – أن الجمع إنما يكون لجماعة المسجد، وأما من صلي في بيته أو في عمله لأجل المطر ونحوه فليس له الجمع، ولا تصح صلاته؛ ما لم تكن هناك ضرورة كمرض ونحوه.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمُنْفَرِدٍ، أَوْ مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي ظِلَالٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَطَرِ إلَيْهِ، أَوْ مَنْ كَانَ مُقَامُهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
    أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا وُجِدَ اسْتَوَى فِيهِ حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا؛ كَالسَّفَرِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ الْعَامَّةَ إذَا وُجِدَتْ أَثْبَتَتِ الْحُكْمَ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ، كَالسَّلَمِ، وَإِبَاحَةِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِي الْمَطَرِ، وَلَيْسَ بَيْنَ حُجْرَتِهِ وَالْمَسْجِدِ شَيْءٌ.
    وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ، دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ؛ كَالرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، يَخْتَصُّ بِمَنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ، دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ، كَمَنْ فِي الْجَامِعِ وَالْقَرِيبِ مِنْهُ([5])))اهـ.
    قلت: فأما قياسهم جمع الصلاة على إباحة السَّلَمِ وإباحة اقتناء كلب الصيد والماشية لمن ليس في حاجة إلى ذلك، فقياس غير صحيح؛ وذلك لأن الشرع الحنيف قد أباح هذه الأشياء إباحة مطلقة؛ فكل من تعامل بالسَّلَمِ فمعاملته صحيحة - وإن لم يكن في حاجة إليه – لأن الشرع لم يقيده بالحاجة أو الضرورة. وكذلك كل من أراد الصيد أو كانت عنده ماشية، فله اقتناء كلب لذلك – وإن لم يكن في حاجة للصيد، أو في اقتناء الماشية – لأن نصوص الشرع أباحته إباحة مطلقة، ولم تقيده بالحاجة أو الضرورة.
    وأما الجمع بين الصلاتين فلا يقاس على هذا لأمور ثلاثة:
    الأمر الأول: أن الجمع لأجل المطر قد أُبيح لضرورة رفع المشقة عن الناس، وعدم إحراجهم؛ فلا يباح إلا مع المشقة.
    الأمر الثاني: أن السُّنَّة قد جاءت بالجمع لجماعة المسجد، ولم تأت بالجمع لمن يصلون في البيوت.
    الأمر الثالث: أن هناك نصوص آمرة بأداء الصلاة في وقتها؛ فلا بد من الأخذ بها؛ لأنها الأصل، وما عداها يحتاج إلى دليل، ولا دليل هنا.
    فتبين أن قياس جمع الصلاة في المطر على السًّلًم واقتناء كلب الصيد والماشية، قياس غير صحيح؛ لأن هذا قد أُبيح إباحة مطلقة، وهذا لم تأت نصوص بإباحته إلا في صورة معينة وعلة معينة؛ فإذا انتفت الصورة وانتفت العلة فلا بد من الرجوع للأصل.
    وأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المطر وليس بين حجرته وبين المسجد شيء؛ فهذا دليل على ما ذكرناه مِن أنَّ الجمع إنما يكون لمن يصلي مع جماعة المسجد؛ وإن لم تقع عليه مشقة؛ وهنا يصلح أن يُستعمل قولُهم: ((الْحَاجَةُ الْعَامَّةُ إذَا وُجِدَتْ أَثْبَتَتِ الْحُكْمَ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ)).



    [1])) ((الشرح الممتع)) (4/ 392).

    [2])) تقدم قريبًا.

    [3])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 56).

    [4])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 57، 58).

    [5])) ((المغني)) (2/ 204).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  18. #178
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَيَبْطُلُ جَمْعُ تَقْدِيمٍ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَتَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وُضُوءٍ خَفِيفٍ وَإِقَامَةٍ): أي: ويبطل جمع التقديم إذا فَرَّق بين الصلاتين بصلاة نافلة راتبة، أو ما دون الراتبة؛ لأنه فَرَّقَ بينهما بصلاة فبطل الجمع؛ كما لو صلى بينهما غيرها؛ وكذلك لو فَرَّقَ بينهما بوقت كثير؛ سواء كان التفريق لنوم أو سهو أو شغل أو قصد أو غير ذلك؛ لأن معنى الجمع المتابعة أو المقارنة، والشرط لا يثبت المشروط بدونه، وإن كان يسيرًا لم يُمْنع؛ لأنه لا يمكن التحرز منه.
    وقدَّروا الوقت القليل بمقدار الوضوء والإقامة؛ ورجح ابن قدامة رحمه الله أن مرجع الوقت القليل والكثير إلى العرف؛ لأن ما لم يَرِدِ الشرعُ بتقديره فلا سبيل إلى تقديره، والمرجع فيه إلى العرف([1]).
    ومفهوم كلام المؤلف أن الجمع في وقت الثانية لا يضر فيه التفريق ولو كان كثيرًا.
    ووجه تفريقهم بين الجمع في وقت الأولى والجمع في وقت الثانية: أنه لَمَّا كان التفريق بين الصلاتين يُبطِل الجمع؛ فإنه إنْ فَرَّقَ بينهما في وقت الأولى كانت الصلاة الثانية في غير وقتها فتبطل؛ وأما لو فَرَّقَ بينهما في وقت الثانية كانت الأولى مؤداة على وجه صحيح قبل التفريق، ولَمَّا فرَّقَ كانت الصلاة الثانية في وقتها أيضًا فَلَمْ تَبْطُل.
    والصحيح – وهو قول عن أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – أنه لو فَرَّق بين الصلاتين فإن صلاته لا تبطل؛ سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية، وسواء كان الفصل بينهما قليلًا أو كثيرًا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((مِنْ كَلَامِهِ – أي: أحمد- مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَهُ هُوَ الْجَمْعُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؛ كَالْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ - حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ - جَازَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ أَيْضًا عَلَى نَظِيرِ هَذَا فَقَالَ: ((إذَا صَلَّى إحْدَى صَلَاتَيِ الْجَمْعِ فِي بَيْتِهِ وَالْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ))، وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ هُوَ جَمْعٌ فِي الْوَقْتِ، لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَاصَلَةُ، وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى قُرْبِ الْفَصْلِ؛ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ... وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بِحَالٍ؛ لَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ يُسْقِطُ مَقْصُودَ الرُّخْصَةِ([2])))اهـ.
    قوله: (وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْخَوْفِ): أي: الصلاة التي تُصلى عند لقاء العدو، أو بحضرته؛ فيخاف كلا الفريقين من الأخر.
    وصلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة([3]).
    فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].
    وأما السُّنَّةُ: فستأتي الأحاديث معنا عند ذكر صفتها.



    [1])) ((المغني)) (2/ 206).

    [2])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 52- 54).

    [3])) وهناك إجماع على مشروعيتا، إلا خلافًا شاذًّا حُكي في كتب الفقه عن أبي يوسف؛ حيث قال بأنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم. والمزني؛ حيث قال بأنها منسوخة.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  19. #179
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (بِأَيِّ صِفَةٍ صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم): أي: تجوز صلاة الخوف بأي صفة يختارها الأمام مِنَ الصفات التي صلاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله: كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ.
    وَقَالَ: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٌ يُرْوَى فِيهَا، كُلُّهَا جَائِزٌ.
    وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا؟ قَالَ: أَنَا أَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلَّهَا فَحَسَنٌ([1]).
    قلت: والصحيح أن كل صفة جائزة حسب الحال الذي عليه الجيشان؛ فيتحرَّى المسلمون – بحسب الحال - ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.


    [1])) ((المغني)) (2/ 306).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #180
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قوله: (وَصَحَّتْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ): أي: ستة صفات، وإليك بيانها:
    الصفة الأولى: إذا كان العدو في ظهر المسلمين.
    ففي هذه الحالة يقسم قائدُ الجيش جَيْشَه إلى طائفتين، طائفة تصلِّي معه، وطائفة أمام العدو؛ لئلا يباغته العدوُّ، فيصلِّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام الإمام إلى الثانية نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائمًا، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإِمام الركعة الثانية أكثر من الأولى؛ لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإِمام فيصلِّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإِمام في التشهد فيسلم بهم([1]).
    قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].
    وَعَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ، فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ([2]).
    وفي لفظ: عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ([3]).
    وفي لفظ للبخاري: عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ العَدُوِّ، وُجُوهُهُمْ إِلَى العَدُوِّ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَهُ ثِنْتَانِ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ([4]).
    وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا([5]).
    الصفة الثانية: وهي أيضًا إذا كان العدوُّ في ظهر المسلمين.
    فيصلي الإمام بطائفة من الجيش ركعة، والطائفة الأخرى قائمة في ظهرهم تجاه العدو، ثم تنصرف الطائفة التي صلت معه الركعة - ولا تُسَلِّم- وتقوم تجاه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي معه ركعة، ثم يُسَلِّم الإمامُ، وتقضي هذه الطائفة الأخيرة الركعة التي عليها، ثم تُسَلِّم، وتذهب لتحرس مكان الطائفة الأولى، ثم تأتي الطائفة الأولى فتقضي الركعة([6]).
    عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ رَكْعَةً، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً([7]).
    وفي لفظ للبخاري: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، وَلاَ يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْن ِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْن ِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([8]).
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَقَامُوا صَفَّيْنِ، فَقَامَ صَفٌّ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَصَفٌّ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفِّ الَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامُوا فَذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا([9]).
    الصفة الثالثة: هي مثل الصفة السابقة؛ ولكن في هذه الصفة لا يقضون الركعة الثانية.
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، وَصَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا([10]).
    وَعَنْ مُخْمِلِ بْنِ دِمَاثٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: فَسَأَلَ النَّاسَ: مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ رَكْعَةً، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ، فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُوَاجِهُو الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ([11]).
    الصفة الرابعة: إذا كان العدو أمام المسلمين، في جهة القبلة.
    ففي هذه الحالة يصف الإمامُ الجيشَ صفين، ويبتدئ بهم الصلاة جميعًا، ويركع بهم جميعًا، ويرفع بهم جميعًا؛ فإذا سجد سجد معه الصف الأول فقط ويبقى الصف الثاني قائمًا يحرس، فإذا قام قام معه الصف الأول ثم سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلَّى بهم الركعة الثانية، فيقوم بهم جميعًا، ويركع بهم جميعًا، فإذا سجد سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإِمام بهم جميعًا([12]).
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ، صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ، وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا([13]).
    الصفة الخامسة: أن يقسم الإمام الجيش طائفتين، فيصلي بكل طائفة صلاة منفردة.
    وصورتها: أن يقسم الإمام الجيش طائفتين، فيصلي بطائفة منهم ركعتين، وطائفة تقوم على حراستهم، ثم ينصرف الإمام والذين يصلون، ثم تأتي الطائفة الأخرى التي لم تصلِّ، فيصلي بهم الإمام ركعتين، وتنصرف الأولى للحراسة، فيكون الإمام قد صلى أربعًا، وكل طائفة صلَّت ركعتين.
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ([14]).
    وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ([15]).
    الصفة السادسة: وهي حال المسايفة؛ إذا اختلط الجيشان، واشتد الخوف؛ فيصلون في هذه الحالة فرادى رجالًا أو ركبانًا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها.
    قال ابن قدامة رحمه الله: «أَمَّا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ، فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا كَيْفَمَا أَمْكَنَهُمْ؛ رِجَالًا وَرُكْبَانًا، إلَى الْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُمْ، وَإِلَى غَيْرِهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ، يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، وَيَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَتَقَدَّمُون َ وَيَتَأَخَّرُون َ، وَيَضْرِبُونَ وَيَطْعَنُونَ، وَيَكُرُّونَ وَيَفِرُّونَ، وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا([16])»اهـ.
    ودليل هذه الصفة قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة: 239].
    وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَ ا.
    قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([17]).



    [1])) انظر: «الشرح الممتع» (4/ 408، 409).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4131)، ومسلم (841).

    [3])) البخاري (4129)، ومسلم (842).

    [4])) البخاري (4131).

    [5])) أخرجه البخاري (944).

    [6])) انظر: «فتح الباري» (2/ 430)، و «نيل الأوطار» (3/ 378).

    [7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839).
    قال ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (2/ 431): «وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب؛ وهو الراجح من حيث المعنى؛ وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث بن مسعود...»، وذكر حديث ابن مسعود الآتي.

    [8])) البخاري (4535).

    [9])) أخرجه أحمد (3561)، وأبو داود (1239).

    [10])) أخرجه النسائي (1533)، وصححه الألباني في «صحيح سن النسائي» (1/ 496).

    [11])) أخرجه أحمد (23352)، وأبو داود (1246)، والنسائي (1529)، وصححه الألباني في «الإرواء» (3/ 44).

    [12])) انظر: «الشرح الممتع» (4/ 411).

    [13])) أخرجه مسلم (841).

    [14])) أخرجه مسلم (843).

    [15])) أخرجه أحمد (20408)، وأبو داود (1248)، والنسائي (1551)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/ 342).

    [16])) «المغني» (2/ 309).

    [17])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4535)، ومسلم (839).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •