تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 10 12345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 186

الموضوع: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    كِتَابُ الصَّلَاةِ
    تَجِبُ الْخَمْسُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا صَغِيرٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ إِلَّا مِمَّنْ لَهُ الْجَمْعُ بِنِيَّتِهِ، وَمُشْتَغِلٍ بِشَرْطٍ لَهَا يَحْصُلُ قَرِيبًا، وَجَاحِدُهَا كَافِرٌ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (الصَّلَاة): قال ابن قدامة رحمه الله: الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيِ: اُدْعُ لَهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ([1])»([2]).
    وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٍ بِالتَّسْلِيمِ([3]).
    قوله: (تَجِبُ الْخَمْسُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ): ودليل وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
    وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مَعَ آيٍ وَأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ.
    وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ([4])))اهـ.
    قوله: (مُكَلَّفٍ): فلا تجب على غير المكلف، والمكلف هو البالغ([5]) العاقل، ودليل عدم وجوبها على المكلف؛ حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ([6])».
    قوله: (إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ): فلا تجب الصلاة على الحائض بدليل السنة والإجماع؛ فأما السنة: فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي([7])».
    وعن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا([8])».
    وأما الإجماع: فقد قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمعوا على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض([9]).
    وأما النفساء؛ فعن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا([10]).
    وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا([11]).
    والنفاس في معنى الحيض باتفاق أهل العلم([12]).
    إذًا تبين مما تقدم أن شروط وجوب الصلاة ثلاثة:
    1- الإسلام.
    2- العقل.
    3- البلوغ.
    فلا تجب على غير مسلم، ولا تجب على مجنون، ولا صغير غير بالغ.
    قوله: (وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا صَغِيرٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ): لا تصح الصلاة من مجنون؛ لأنه ليس من أهل النية، والصلاة عبادة يُشترط لها النية.
    ولا تصح - أيضًا – من صبي غير مميِّز؛ لأنه لا يستطيع أن يميز بين العادة والعبادة؛ ولا تنعقد له نية.
    والمميِّز هو من بلغ سِنُّهُ سبع سنين.
    ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ([13])».
    فمن بلغ سبع سنين فهو مميز، تصح منه الصلاة وغيرها من العبادات([14]).
    وقال بعضهم: التمييز لا يتقيد بسِنٍّ؛ وإنما المميِّز هو مَنْ يفهم الخطاب وَيَرُدُّ الجواب، ويميز العادات عن العبادات؛ وأما ابن سبع فهو الذي يفهم ذلك غالبًا([15]).
    قال المرداوي رحمه الله: ((وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي ((الْمُطْلِعِ)): هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ؛ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ. وَقَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي ((مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ)). قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالِاشْتِقَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ ابْنَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ يَفْهَمُ ذَلِكَ غَالِبًا([16])))اهـ.
    قوله: (وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ): ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ([17])».

    [1])) صحيح: أخرجه مسلم (1431).

    [2])) ((المغني)) (1/ 267).

    [3])) ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 263)، و((الإنصاف)) (1/ 388)، و((الإقناع)) (1/ 72).

    [4])) ((المغني)) (1/ 267).

    [5])) قال المؤلف رحمه الله في (باب الحَجْرِ): ((وبلوغ ذكر: بإمْنَاءٍ أوْ بِتمَام خمس عشرَة سنة أوْ بنبات شعر خشن حول قُبُلِهِ، وأنثى بذلك وبحيض وَحملهَا دَلِيل إِمْنَاء)).
    وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله.

    [6])) أخرجه أحمد (956)، وأبو داود (4403)، والترمذي (1423)، وابن ماجه (2042)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (297).

    [7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (320)، ومسلم (333).

    [8])) صحيح: أخرجه البخاري (1951).

    [9])) ((الإجماع)) (37).

    [10])) أخرجه أحمد (26561)، وأبو داود (311)، والترمذي (139)، وابن ماجه (648)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2/ 117).

    [11])) أخرجه الدارمي (997)، وقال حسين أسد: إسناده صحيح.

    [12])) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (21/ 624).

    [13])) أخرجه أحمد (6689)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (247).

    [14])) وصوب هذا القول: برهان الدين ابن مفلح في ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 289).

    [15])) وصوب هذا القول: المرداوي في ((الإنصاف)) (1/ 396).

    [16])) السابق.

    [17])) أخرجه أحمد (6689)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (247).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ): وتحريم تأخيرها إلى خروج وقتها أشد.
    والصلوات التي لها وقت ضرورة في المذهب هي صلاة العصر وصلاة العشاء؛ فلهما وقت اختيار، ووقت ضرورة.
    فأما صلاة العصر؛ فوقت الاختيار لها يبدأ من خروج وقت الظهر؛ وذلك حين يكون ظل كل شيء مثله؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ...([1])»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ لَيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ رَأَى الظِّلَّ مِثْلَهُ ...([2])»، ويستمر وقت الاختيار إلى أن تصفر الشمسُ؛ لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «...فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ...([3])».
    ويبدأ وقت الضرورة لصلاة العصر من حين اصفرار الشمس إلى قُبيل غروبها؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ([4])».
    قال الشوكاني رحمه الله: ((وَحَدِيثُ «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إدْرَاكَ بَعْضِهَا فِي الْوَقْتِ مُجْزِئٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: آخِرُهُ الِاصْفِرَارُ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيّ ُ: آخِرُهُ الْمِثْلَانِ، وَبَعْدَهَا قَضَاءٌ.
    وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ الْإِصْطَخْرِيّ ُ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَفِيهِ: «أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ عِنْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْيَوْمُ الثَّانِي عِنْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِحَمْلِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، لَا لِاسْتِيعَابِ وَقْتِ الِاضْطِرَارِ وَالْجَوَازِ، وَهَذَا الْحَمْلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نَاسِخَةٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ، وَكَذَلِكَ لَا يُصَارُ إلَى تَرْجِيحٍ([5])))اهـ.
    وأما صلاة العشاء؛ فوقت الاختيار لها يبدأ من خروج وقت المغرب، وذلك عند مغيب الشفق الأحمر؛ لِمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ([6]).
    وفي حديث جبريل عليه السلام في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة: ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ فَقَامَ فَصَلَّاهَا([7]).
    والشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ سُقُوطِ الشَّمْسِ([8]).
    قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْحُمْرَةُ، فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَخَرَجْتَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ([9]).
    وينتهي وقت الاختيار لصلاة العشاء عند منتصف الليل؛ لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ([10])».
    وفي لفظ لمسلم أيضًا: «وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ».
    والليل يبدأ من غروب الشمس وينتهي عند طلوع الفجر، فتحديد نصف الليل يكون بحساب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء الاختياري.
    وأما وقت الضرورة لصلاة العشاء، فيبدأ من بعد منتصف الليل إلى قُبَيلِ وقت الفجر، لحديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى([11])».
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما وقت الإدراك والضرورة فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لما روى يحيى بن آدم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال لا يفوت وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر ولا يفوت وقت العصر حتى يدخل وقت المغرب ولا يفوت وقت المغرب إلى العشاء ولا يفوت وقت العشاء إلى الفجر.
    وروى الخلال أيضًا عن ابن عباس: لا يفوت وقت العشاء إلى الفجر.
    وسنذكر إن شاء الله عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وابن عباس أنهم قالوا في الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر: صلت المغرب والعشاء.
    ولم يُنقل عن صحابي خلافه؛ بل وافقهم التابعون على أن العشاء تجب بالطهر قبل الفجر مع قوله في حديث أبي قتادة لما ناموا: «أما أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى» رواه أحمد ومسلم وأبو داود؛ فإنه يقتضي امتداد كل صلاة إلى وقت التي تليها؛ وإنما اسْتُثْنِيَ منه الفجرُ لظهور وقتها، وظاهر القرآن في قوله تعالى: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} وقوله سبحانه: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} وقوله تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} يعم ذلك الجملة.
    وتأخير الصلاة إلى هذا الوقت لغير عذر لا يجوز كما تقدم في صلاة العصر([12])))اهـ.
    وقال الشوكاني رحمه الله: ((فَالْحَقُّ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ وَالِاضْطِرَارِ فَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى إِلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِالْإِجْمَاعِ([13])))اهـ.
    ودليل حرمة التأخير إلى وقت الضرورة؛ حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ؛ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا([14])».
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَارِ([15])، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِمَ ا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ، حَتَّى إذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، أَوْ عَلَى قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، قَامَ، فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» وَلَوْ أُبِيحَ تَأْخِيرُهَا لَمَا ذَمَّهُ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ عَلَامَةَ النِّفَاقِ([16])))هـ.
    وكذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤخر صلاة العصر والعشاء إلى وقت الضرورة.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَا بَعْدَ النِّصْفِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ، الْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ([17]))).
    قوله: (إِلَّا مِمَّنْ لَهُ الْجَمْعُ بِنِيَّتِهِ، وَمُشْتَغِلٍ بِشَرْطٍ لَهَا يَحْصُلُ قَرِيبًا): أي: ويُسْتَثْنَى من تحريم تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة، مَنْ رُخِّص له في الجمع بين الصلاتين لسفر أو غيره. وكذلك مَنْ كان مشتغلًا بتحصيل شرط للصلاة؛ كمن بسُترته خرق، وليس عنده غيرها، واشتغل بخياطته، أو كمشتغل بالوضوء أو الاغتسال، فلا إثم عليه؛ بل ذلك واجب عليه؛ فإن كان تحصيل الشرط بعيدًا بحيث إنه لن يستطيع تحصيله إلا بعد خروج الوقت، صلى على حسب حاله، ولم يؤخر.
    قوله: (وَجَاحِدُهَا كَافِرٌ): لأنه جحد معلومًا من الدين بالضرورة.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا، نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ؛ كَالْحَدِيثِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، عُرِّفَ وُجُوبَهَا، وَعُلِّمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
    وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ؛ كَالنَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، لَمْ يُعْذَرْ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ادِّعَاءُ الْجَهْلِ، وَحُكِمَ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمُسْلِمُون َ يَفْعَلُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، فَلَا يَخْفَى وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ، فَلَا يَجْحَدُهَا إِلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ وَهَذَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ ، فِي الِاسْتِتَابَةِ وَالْقَتْلِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا([18])))اهـ.

    [1])) أخرجه أحمد (7172)، والترمذي (151)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (1696).

    [2])) أخرجه النسائي (502)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (250).

    [3])) صحيح: أخرجه مسلم (612).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (579)، ومسلم (608).

    [5])) ((نيل الأوطار)) (1/ 378، 379).

    [6])) أخرجه البخاري (864).

    [7])) أخرجه النسائي (502)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (250).

    [8])) ((المصباح المنير)) (317).

    [9])) ((الموطأ)) (1/ 12).
    قال ابن فارس رحمه الله ((مقاييس اللغة)) (3/ 197، 198): الشِّينُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ، أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى رِقَّةٍ فِي الشَّيْءِ؛ وَمِنْهُ الشَّفَقُ: الَّتِي تُرَى فِي السَّمَاءِ عِنْدَ غُيُوبِ الشَّمْسِ، وَهِيَ الْحُمْرَةُ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلَوْنِهَا وَرِقَّتِهَا.
    وقال الجوهري في ((الصحاح)) (4/ 1501): ((الشَفَقُ: بقيَّة ضوء الشمس وحُمْرَتِها في أول الليل إلى قريبٍ من العَتَمة. وقال الخليل: الشَفَقُ: الحمرةُ من غُروب الشمس إلى وقت العِشاء الآخِرة، فإذا ذهب قيل: غاب الشفق. وقال الفراء: سمعتُ بعض العرب يقول: عليه ثوبٌ كأنَّه الشَفَقُ، وكان أحمرَ)).
    وقال الفيومي في ((المصباح المنير)) (317): ((وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَغِيبُ وَيَبْقَى الشَّفَقُ الْأَبْيَضُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ سُقُوطِ الشَّمْسِ)).

    [10])) صحيح: أخرجه مسلم (612).

    [11])) صحيح: أخرجه مسلم (681).

    [12])) ((شرح عمدة الفقه)) (1/ 179، 180).

    [13])) ((نيل الأوطار)) (2/ 16).
    وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى أن العشاء لها وقت واحد، إلى منتصف الليل، وليس لها وقت ضرورة.
    قال رحمه الله ((الشرح الممتع)) (2/ 114، 115): ((والدَّليل على أنَّ آخر وقتها إلى طلوع الفجر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ليس في النَّوم تفريط، إنَّما التفريط على من أخَّرَ الصَّلاة حتى يدخل وقتُ الصَّلاة الأُخرى». قالوا: فهذا دليل على أن أوقات الصَّلاة مُتَّصِلة، وإذا كان كذلك فآخِرُ وقتِ العشاء الآخرة وقتُ طلوع الفجر.
    ولكن هذا ليس فيه دليل؛ لأن قوله: «إنما التفريط على من أخَّرَ الصَّلاة حتى يدخل وقتُ الصَّلاة الأُخرى» ، يعني: فيما وقتاهما متَّصل، ولهذا لا يدخل فيه صلاة الفجر مع صلاة الظُّهر بالإجماع، فإن صلاة الفجر لا يمتدُّ وقتُها إلى صلاة الظُّهر بالإجماع. وإذا لم يكن في هذا الحديث دليل؛ فالواجب الرُّجوع إلى الأدلَّة الأخرى، والأدلَّة الأخرى ليس فيها دليل يدلُّ على أن وقت العشاء يمتدُّ إلى طلوع الفجر، بل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث جبريل، يدلاَّن على أن وقت العشاء ينتهي عند منتصف الليل ... فالصَّواب إذًا: أنَّ وقت العِشَاء إلى نصف الليل))اهـ.

    [14])) صحيح: أخرجه مسلم (622).

    [15])) يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ».

    [16])) ((المغني)) (1/ 237).

    [17])) ((المغني)) (1/ 279).

    [18])) ((المغني)) (2/ 329).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    فَصْلٌ
    الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ، وَالْجُمُعَةِ.
    وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا مَنْوِيًّا، مِنْ ذَكَرٍ مُمَيَّزٍ عَدْلٍ، وَلَوْ ظَاهِرًا، وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَجْرٍ.
    وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا، أَمِينًا، عَالِمًا بِالْوَقْتِ.
    وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
    وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ وَسَامِعِهِ: مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا؛ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ، وَفِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ وَالدُّعَاءُ.
    وَحَرُمَ: خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((الْأَذَانُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِعْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ: إِعْلَامٌ، وَقَوْلِهِ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ: أَعْلِمْهُمْ.
    يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا، وَأَذِينًا عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ: إِذَا أَعْلَمَ بِهِ، وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ.
    وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ قُرْبِهِ([1]) بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ.
    وَالْإِقَامَةُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ؛ وَحَقِيقَتُهُ: إِقَامَةُ الْقَاعِدِ.
    وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِالْقِيَامِ إِلَيْهَا بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ؛ كَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ([2])))اهـ.
    قوله: (الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ): ودليل ذلك حديث مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: «ارْجِعُوا، فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ([3])».
    وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ، إِلَّا الإِقَامَةَ([4])».
    فهذان الحديثان فيهما الأمر بالأذان والإقامة؛ فدل ذلك على فرضيتهما.
    والأمر فيهما موجه إلى واحد فقط، وليس لجميع الحاضرين؛ فدل على أنهما فرضا كفاية.
    قوله: (عَلَى الرِّجَالِ): أي: أنهما فرضان على الرجال.
    وخرج به النساء؛ فلا يجب عليهن الأذان بالإجماع، وكذلك لا يصح منهما.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ... وَلِأَنَّ الْأَذَانَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَذَانُ يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمَنْ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْأَذَانُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْإِقَامَةُ([5])))اهـ.
    وكذلك خرج به الصبيان غير البالغين؛ فلا يجب عليهم الأذان؛ لأنهم ليسوا من أهل التكليف.
    وهل يُشرع للمرأة أن تؤذن وتقيم للنساء؟
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهَلْ يُسَنُّ لَهُنَّ ذَلِكَ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: إنْ فَعَلْنَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْنَ فَجَائِزٌ([6]))).
    واستدلوا على جواز ذلك بما ورد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ وَتَقُومُ وَسْطَهُنَّ([7]).
    وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا أُنْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ([8]).
    قوله: (الْأَحْرَارِ): أي: من شروط وجوب الأذان الحرية؛ فلا يجب على العبيد، قالوا: لأنه فرض كفاية، وفرض الكفاية لا يلزم الرقيق؛ لاشتغالهم بخدمة مالكهم([9]).
    وفي رواية عن أحمد أنه يجب على كل رجل عاقل يريد الصلاة([10])؛ فَلَمْ يفرق بين الأحرار والعبيد؛ وهو الصواب؛ لعموم حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه([11]).
    قوله: (الْمُقِيمِينَ): أي: أن الأذان والإقامة فرضان على المقيمين دون المسافرين، قالوا: لأن الأذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت؛ ليجتمع الناس إلى الصلاة، ويدركوا الجماعة؛ وهذا غير موجود في السفر([12]).
    والصحيح- وهو رواية أخرى عن أحمد([13]) – أن على المسافرين أذانًا وإقامةً أيضًا، وهو ما دلت عليه السُّنَّةُ، ورجحه ابن قدامة، وبرهان الدين ابن مفلح([14])، وابن عثيمين([15])، وغيرهم.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ويشرع الأذان في السفر للراعي وأشباهه، في قول أكثر أهل العلم [ ثم ذكر الخلاف في ذلك] ثم قال: ولنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الحضر والسفر، وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه([16]).
    فأمر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مالك بن الحويرث وصحبِه إذا حضرت الصَّلاةُ أن يؤذِّن لهم أحدُهُم، وهم وافدون على الرَّسول صلى الله عليه وسلم مسافرون إلى أهليهم([17]).
    وأدلة ذلك من السُّنُّة – أيضًا -:
    حديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ: بَعْضُ القَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ» قَالَ بِلاَلٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟» قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ» فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى([18]).
    وفي لفظ لمسلم: ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ.
    وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ([19])».

    [1])) المقصود بقوله: (أو قربه): الأذان الأول لصلاة الفجر خاصة، وأما غيره فلا يكون إلا بعد دخول الوقت.

    [2])) ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 272).

    [3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (605)، ومسلم (378).

    [5])) ((المغني)) (1/ 306).

    [6])) السابق.

    [7])) أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (5016)، وابن أبي شيبة (2322)، والحاكم في ((المستدرك)) (730)، والبيهقي في ((الكبير)) (1922)، وقواه الألباني بمجموع طرقه في ((تمام المنة)) (153).

    [8])) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2324)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (1219)، وقال الألباني في ((تمام المنة)) (153): ((إسناده جيد)).

    [9])) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 131).

    [10])) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 275).

    [11])) انظر: ((حاشية الروض المربع))، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي (1/ 430).

    [12])) انظر: ((المغني)) (1/ 303).

    [13])) ذكرها برهان الدين ابن مفلح في ((المبدع)) (1/ 275).

    [14])) السابق.

    [15])) ((الشرح الممتع)) (2/ 44).

    [16])) ((المغني)) (1/ 305).

    [17])) ((الشرح الممتع)) (2/ 44).

    [18])) متفق عليه: أخرجه البخاري: (595)، ومسلم (681).

    [19])) أخرجه أحمد (17312)، وأبو داود (1203)، والنسائي (666)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (214).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    جزاكم الله خيراً يا شيخ محمد
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيراً يا شيخ محمد
    وجزاكم مثله يا دكتور رضا
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    ودليل عدم وجوبها على المكلف
    الصواب: ودليل عدم وجوبها على غير المكلف
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ، وَالْجُمُعَةِ): أي: أن الأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس المؤداة وصلاة الجمعة، وهذا متفق عليه.
    وخرج بهذا الكلام:
    أولًا: بقية الصلوات غير الصلوات الخمس والجمعة؛ فلا يُشرع الأذان والإقامة لمنذورة ولا نافلة، ولا جنازة، ولا استسقاء، ولا تراويح، ولا عيد، ونحو ذلك؛ وذلك لأنه لَمْ يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن وأقام لهذه الصلوات؛ بل نُقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافُ ذلك؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ، غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ([1]).
    ثانيًا: خرج به الصلوات المقضية؛ فلا يجب لها الأذان؛ وإنما يُسَنُّ.
    قال البهوتي رحمه الله: ((وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَسْنُونَانِ لِقَضَاءِ فَرِيضَةٍ مِنَ الْخَمْسِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَامَ، عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ»، قَالَ: ثُمَّ أَمَر بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ([2])))اهـ.([3])
    قلت: والحديث يدل على الوجوب، وليس الاستحباب فحسب، وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
    قال ابن عثيمين رحمه الله: ((والصَّواب: وجوبهما للصَّلوات الخمس المؤدَّاة والمقضيَّة، ودليله: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا نام عن صلاة الفجر في سفره، ولم يستيقظ إلا بعد طُلوع الشَّمس؛ أمر بلالًا أن يُؤذِّنَ وأن يُقيمَ، وهذا يَدلُّ على وجوبهما، ولعموم قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ([4])»، فإنه يشمل حضورَها بعد الوقت وفي الوقت؛ ولكن إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعةٌ في غرفة في البلد؛ ولم يستيقظُوا إلا بعد طلوع الشَّمس؛ فلا يجب عليهم الأذان اكتفاءً بالأذان العام في البلد؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة([5])))اهـ.

    [1])) صحيح: أخرجه مسلم (887).

    [2])) أخرجه أحمد (22480)، وأبو داود (444)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2/ 340).

    [3])) ((كشف القناع)) (1/ 232).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).

    [5])) ((الشرح الممتع)) (2/ 46).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبًا): هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الأذان، أن يكون مرتبًا؛ أي: بحسب الترتيب الذي جاء في الشرع.
    فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدِ رضي الله عنه، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَا أَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ قَائِمٌ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنْهَا بِلَالًا» فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ([1]).
    وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ»، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ([2])».
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ يَخْتَلُّ بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا، لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَذَانٌ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ مُرَتَّبًا، وَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ مُرَتَّبًا([3])))اهـ.
    وقال ابن عثيمين رحمه الله: ((لا يصحُّ الأذان إلا مرتَّبًا؛ والترتيب أن يبدأ بالتكبير، ثم التَّشهُّد، ثم الحيعلة، ثم التَّكبير، ثم التَّوحيد؛ فلو نَكَّسَ لم يجزئ.
    والدَّليل: أنَّ الأذان عبادة وردت على هذه الصِّفة؛ فيجب أنْ تُفعَلَ كما وردت؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»([4])))اهـ.
    وقد أجمعوا على أن الأذان لا يصح إلا مرتبًا([5]).
    قوله: (مُتَوَالِيًا): هذا هو الشرط الثاني، أن يكون متواليًا.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((يعني: بحيث لا يَفْصِلُ بعضَه عن بعض؛ فإن فَصَلَ بعضَه عن بعض بزمن طويل لَمْ يجزئ؛ فلا بُدَّ أن يكون متواليًا؛ لأنَّه عبادة واحدة، فلا يصحُّ أن تتفرَّق أجزاؤها، فإن حَصَل له عُذر مثل إن أصابه عُطاس أو سُعَال، فإنه يبني على ما سبق؛ لأنه انفصل بدون اختياره([6])))اهـ.
    قوله: (مَنْوِيًّا): فالنية هي الشرط الثالث من شروط صحة الأذان؛ لأن الأذان عبادة فلا يصح إلا بنية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»؛ فلو أذن بغير نية لَمْ يصِح أذانه.
    قوله: (مِنْ ذَكَرٍ): هذا هو الشرط الرابع؛ أن يكون المؤذن ذكرًا؛ فلا يصح أذان المرأة، ولا الخنثى؛ لأنه لا يعلم كونه رجلًا([7]).
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ... وَلِأَنَّ الْأَذَانَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَذَانُ يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمَنْ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْأَذَانُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْإِقَامَةُ([8])))اهـ.
    قوله: (مُمَيِّزٍ): هذا هو الشرط الخامس؛ أن يكون المؤذن مميِّزًا؛ فلا يصح الأذان من غير مميِّز بإجماع أهل العلم([9]).
    ولا يُشتَرط له البلوغ؛ بل يكفي التمييز؛ لأن المميز تصح إمامته؛ فمن باب أَوْلى أن يصح أذانه.
    قوله: (عَدْلٍ، وَلَوْ ظَاهِرًا): هذا هو الشرط السادس؛ أن يكون المؤذن عدلًا، ولو في الظاهر؛ وأما السرائر فهي لله تعالى.
    وخرج به الكافر؛ فإنه غير عدل، ولا يصح أذانه؛ لأن الأذان عبادة فلا تقبل من كافر؛ قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]؛ فإن كان الله تعالى لم يقبل منهم النفقات التي نفعها متعدٍّ، فعدم قبول العبادات المحضة من باب أَولى.
    وخرج به – أيضًا – المجنون؛ فالمجنون غير عدل؛ ولا يصح أذانه؛ لأنه مرفوع عنه التكليف.
    وخرج به أيضًا الفاسق الظاهر فسقه؛ فلا يصح أذانه؛ قال البهوتي رحمه الله: لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ([10]).
    فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِين َ([11])».
    وهناك وجه آخر في المذهب([12]) أن الأذان يصح من الفاسق، وظاهر كلام ابن قدامة رحمه الله ترجيح هذا الوجه.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجْهَيْنِ فِي الْفَاسِقِ ... وَلَا خِلَافَ فِي الِاعْتِدَادِ بِأَذَانِ مَنْ هُوَ مَسْتُورُ الْحَالِ؛ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ هُوَ ظَاهِرُ الْفِسْقِ؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَدْلًا أَمِينًا بَالِغًا؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِأَذَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ، فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَاتِ([13])))اهـ.
    وظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ترجيح هذا الوجه أيضًا.
    قال رحمه الله: ((والرواية الثانية عن الإمام أحمد صحَّة أذان الفاسق؛ لأن الأذان ذِكْرٌ؛ والذِّكْرُ مقبولٌ من الفاسق؛ لكن لا ينبغي أن يتولَّى الأذان والإقامة إلا من كان عدلًا([14])))اهـ.
    وأما قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ»؛ أي: مؤتمن على الوقت.
    قوله: (وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَجْرٍ): هذا هو الشرط السابع من شروط صحة الأذان؛ أن يكون بعد دخول الوقت؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ([15])».
    ولأنه شُرِعَ للإعلام بدخول الوقت، وهو حث على الصلاة، فلم يصح في وقت لا تصح فيه؛ لئلا يذهب مقصوده([16]).
    واسْتُثنِيَ من ذلك صلاة الفجر، فلها أذانان: أذان قبل الوقت وأذان بعده؛ ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ([17])».
    ولأنه وقت النوم فيحتاج إلى التأذين قبل الوقت، لينتبه النائم ويتأهب للصلاة، بخلاف سائر الصلوات.
    قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن من السنة: أن يؤذَّن للصلاة بعد دخول وقتها إلا الصبح([18]))).

    [1])) أحرجه أحمد (22124)، وأبو داود (507)، والبيهقي في ((الكبير)) (1838)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2/ 429).

    [2])) صحيح: أخرجه مسلم (379).
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((التلخيص الحبير)) (1/ 495): ((وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الصَّحِيحُ فِي هَذَا تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ، وَقَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ، وَهِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّ فِي الصَّحِيحِ))اهـ.

    [3])) ((المغني)) (1/ 309).

    [4])) ((الشرح الممتع)) (2/ 68).

    [5])) انظر: ((الإنصاف)) (1/ 418).

    [6])) ((الشرح الممتع)) (2/ 69).

    [7])) ((المغني)) (1/ 300).

    [8])) ((المغني)) (1/ 306).

    [9])) انظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 367).

    [10])) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 136)، و((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 236).

    [11])) أخرجه أحمد (7169)، وأبو داود (517)، والترمذي (207)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (217).

    [12])) فقيل: هما وجهان. كما ذكر ابن قدامة. وقيل: روايتان. وذكر ذلك ابن تيمية وغيره، ورجحه المرداوي في ((الإنصاف)) (1/ 424)، قال: ((حكى الخلاف وجهين صاحب الهداية، والمستوعِب، والمذهب والمصنف والمجد، وغيرهم، وحكاه روايتين في الخلاصة، والرعايتين، والحاويين والفروع، والشيخ تقي الدين، وغيرهم، وهو الصواب)).
    وقد جاء في ((مسائل أبي داود)) (43): سمعت أحمد، سُئِلَ عن المؤذن يَسْكَر؟ قال: ينحى.

    [13])) ((المغني)) (1/ 300).

    [14])) ((الشرح الممتع)) (2/ 69).
    وقوله: ((لكن لا ينبغي أن يتولَّى الأذان والإقامة إلا من كان عدلًا))؛ أي لا يعين مؤذنًا راتبًا إلا من كان عدلًا.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 322): ((وأما ترتيب الفاسق مؤذنًا فلا ينبغي قولًا واحدًا)).
    وقال ابن مفلح رحمه الله ((النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية)) (1/ 108): ((قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في ((تعليق المحرر)): وفي أذان الفاسق روايتان؛ أي في الإجزاء؛ فأما ترتيب الفاسق مؤذنًا فلا ينبغي أن يجوز قولًا واحدًا؛ كما قيل في نفوذ حكم الفاسق إذا حكم بالحق: وجهان؛ وإن لم تجز توليته قولًا واحدًا))اهـ.

    [15])) متفق عليه: أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).

    [16])) ((المغني)) (1/ 297)، ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 286)، و((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 242).

    [17])) متفق عليه: أخرجه البخاري (622)، ومسلم (1092).

    [18])) ((الإجماع)) (39). وقوله من السنة؛ أي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وليس المقصود السنة بمعنى المستحب.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا): لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة للأذان لكونه صَيِّتًا([1])، وفي حديث عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك([2])»، ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان([3]).
    قوله: (أَمِينًا): لأنه مؤتمن على الأوقات.
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ([4])».
    وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُون َ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِطْرِهِمْ وَسُحُورِهِمْ([5])».
    قوله: (عَالِمًا بِالْوَقْتِ): فيستحب للمؤذن أن يكون عالمًا بوقت الصلاة.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالمًا به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلًا أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ([6])»، لكن الأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت.
    والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني.
    وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات([7])))اهـ.

    [1])) أخرج أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني، عن أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ، فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْنُ عَنْهُ مُتَنَكِّبُونَ، فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ، نَهْزَأُ بِهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا قَوْمًا، فَأَقْعَدُونَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمُ الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ قَدِ ارْتَفَعَ؟» فَأَشَارَ إِلَيَّ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، وَصَدَقُوا، فَأَرْسَلَ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي، وَقَالَ لِي: «قُمْ فَأَذِّنْ» فَقُمْتُ وَلَا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِمَّا يَأْمُرُنِي بِهِ. فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: قُلِ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» ثُمَّ قَالَ لِي «ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ...».

    [2])) أخرجه أحمد (16478)، وأبو داود (499)، وابن ماجه (706)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (246).

    [3])) انظر: ((المغني)) (1/ 301)، و((الكافي)) (1/ 207).

    [4])) أخرجه أحمد (7169)، وأبو داود (517)، والترمذي (207)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (217).

    [5])) أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (6743)، والبيهقي في ((الكبير)) (1999)، وحسنه الالباني في ((الإرواء)) (221).

    [6])) متفق عليه: أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092)، واللفظ لمسلم.

    [7])) ((الشرح الممتع)) (2/ 52).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ): ودليل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الجمع والقضاء.
    فأما الجمع؛ فقد جاء في حديث جابر رضي الله عنه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: «... ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ([1])».
    وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ؛ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ([2]).
    وأما القضاء؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَمَرَهُ، فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَأَحْسَنَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا([3]).
    قوله: (وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ وَسَامِعِهِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا): ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ([4])».
    وإنما صُرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لِمَا ورد من تركِ النبي صلى الله ترديد الأذان.
    فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْفِطْرَةِ» ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى([5]).
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – بعد ما ذكر الحديث -: ((ولم يُنقل أنه أجابه أو تابعه، ولو كانت المُتابعة واجبة لفعلها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ولنُقِلَتْ إلينا([6]))).
    قوله: (إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ): الحيعلة والحوقلة، مصدران مصنوعان ومنحوتان؛ فالحَوقَلَة مصنوعة من «لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله»، والحيعلة من «حيَّ على الصَّلاة» «حيَّ على الفلاح([7])».
    والفلاحُ، والفَلَحُ لغة: البقاء في الخَير. وفَلاحُ الدَّهْر: بَقاؤه. وحَيَّ على الفَلاح أي: على بقاء الخير؛ أَيْ: هَلُمُّوا وَأَقْبِلُوا وتَعَالَوا مَسْرِعِين([8]).
    ومعنى لا حول ولا قوة إلا بالله: أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأيِّ أمر من الأمور، إلَّا بالله، أي: إلَّا بعونه وتوفيقه وتسديده([9]).
    ودليل قوله: (إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ): حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ([10])».
    وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَإِذَا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ([11])».
    قوله: (وَفِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ): والتثويب يكون فِي أَذَان الْفجْر؛ وهو أن يَقول الْمُؤذنُ بعد حَيَّ على الْفَلاح: الصَّلَاة خير من النَّوم، الصَّلَاة خير من النَّوم.
    ودليل مشروعيته: حديث أبي محذورة رضي الله عنه في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له الأذان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «...فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ([12])».
    وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مِنَ السَّنَةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ([13]).
    وإنما سُمِّيَ تثويبًا؛ من قَوْلك ثاب فلَانٌ إلى كَذَا؛ أَي: عَاد إليه، وثاب إلى فلَان جِسْمه بعد الْعلَّة؛ أَي: رَجَعَ؛ لِأَن الْمُؤَذِّن قَالَ: حَيَّ على الْفَلاح، فَدَعَا النَّاس إلى الصَّلَاة، ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة خير من النَّوم، الصَّلَاة خير من النَّوم؛ فثَوَّبَ؛ أَي: عَاد إلى دُعَائِهِمْ([14]).
    والتثويب مستحب على الصحيح في المذهب.
    قال المرداوي رحمه الله: ((ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين، لا نزاع في استحباب قول ذلك، ولا يجب على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وعنه يجب ذلك جزم به في ((الروضة)) واختاره ابن عبدوس في ((تذكرته))، وهو من المفردات([15])))اهـ.
    ويُسَنُّ أن يقول عند التثويب: (صدقتَ وبرِرت)؛ بكسر الراء الأولى.
    وهذا ليس فيه دليل صحيح أو ضعيف.
    قال الشيخ عبد الرحمن النجدي رحمه الله: ((أي صدقتَ في دعائك إلى الطاعة، وبررت بكسر الراء الأولى وسكون الثانية: دعاء له؛ أي: بر عملك، أو صيرك الله ذا بر؛ أي: خير كثير. وهذا استحسان من قائليه؛ وإلا فليس فيه سنة تعتمد، ولا أصل له، لعدم وروده([16])))اهـ.
    قوله: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ([17])».
    قوله: (وَقَوْلُ مَا وَرَدَ): أي: بعد الأذان.
    عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ([18])».
    وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ([19])».
    وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَام ِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ».
    قَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ" وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ: وَأَنَا([20]).
    قوله: (وَالدُّعَاءُ): أي: الدعاء بعد الأذان، كما هو ظاهر كلامه رحمه الله، وقد يكون يقصد الدعاء بين الأذان والإقامة، وهو ما دلَّ عليه الدليل.
    عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ([21])».
    فدل الحديث على أن الدعاء يكون بين الأذان والإقامة، وليس بعد الأذان.
    قوله: (وَحَرُمَ خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ): أي: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان؛ ودليل ذلك حديث أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([22]).
    ويجوز الخروج لحاجة أو بنية رجوع، ودليل ذلك حديث عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ، لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ([23])».

    [1])) صحيح: أخرجه مسلم (1218).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1673)، ومسلم (1288).

    [3])) أخرجه أحمد (11198)، والدارمي (1565)، والنسائي (661)، وابن خزيمة (996)، وصحح إسناده الألباني في ((الإرواء)) (1/ 257).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (611)، ومسلم (383).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (2943)، ومسلم (382)، واللفظ له.

    [6])) ((الشرح الممتع)) (2/ 82).

    [7])) ((الشرح الممتع)) (2/ 84).

    [8])) ((العين)) (3/ 233)، و ((النهاية)) (1/ 472).

    [9])) ((الحوقلة مفهومها وفضائلها ودلائلها العقدية)) للدكتور عبد الرزاق البدر (63).

    [10])) صحيح: أخرجه مسلم (385).

    [11])) أخرجه أحمد (23866)، والنسائي في ((الكبرى)) (9786)، وصححه الألباني بشواهده ((الصحيحة)) (2075).

    [12])) أخرجه أحمد (15379)، وأبو داود (500)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2/ 412).

    [13])) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2161)، وابن خزيمة في ((صحيحه)) (386)، والدارقطني في ((سننه)) (944)، والبيهقي في ((الكبير)) (1984)، والضياء في ((المختارة)) (2589)، وصحح إسناده البيهقي وابن سيد الناس والأعظمي والأرناؤوط.

    [14])) ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (1/ 137).

    [15])) ((الإنصاف)) (1/ 413).

    [16])) ((حاشية الروض المربع)) (1/ 455).

    [17])) صحيح: أخرجه مسلم (384).

    [18])) السابق.

    [19])) صحيح: أخرجه البخاري (614).

    [20])) صحيح: أخرجه مسلم (386).

    [21])) أخرجه أحمد (12200)، وأبو داود (521)، والترمذي (212)، وقال: ((حسن))، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (244).

    [22])) صحيح: أخرجه مسلم (655).

    [23])) أخرجه ابن ماجه (734)، وصححه الألباني بشواهده، ((الصحيحة)) (2518)، و((صحيح ابن ماجه)) (606).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    فَصْلٌ
    شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ:
    طَهَارَةُ الْحَدَثِ – وَتَقَدَّمَتْ - وَدُخُولُ الْوَقْتِ؛ فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْؤُهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ؛ وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ؛ وَالضَّرُورَةُ إِلَى الْغُرُوبِ؛ وَيَلِيهِ الْمَغْرِبُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ؛ وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ؛ وَالضَّرُورَةُ إِلَى طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ؛ وَيَلِيهِ الْفَجْرُ إِلَى الشُّرُوقِ.
    وَتُدْرَكُ مَكْتُوبَةٌ بِإِحْرَامٍ فِي وَقتِهَا؛ لَكِنْ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا.
    وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْيَقِينِ؛ وَيُعِيدُ إِنْ أَخْطَأَ.
    وَمَنْ صَارَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا بِتَكْبِيرَةٍ، لَزِمَتْهُ وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا.
    وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ فَوَائِتَ مُرَتَّبًا مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ يَنْسَ أَوْ يَخْشَ فَوْتَ حَاضِرَةٍ أَوْ اخْتِيَارِهَا.
    الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجَهَا، وَفِي خَلْوَةٍ وَظُلْمَةٍ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ.
    وَعَوْرَةُ رَجُلٍ وَحُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ وَأَمَةٍ: مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ؛ وَابْنُ سَبْعٍ إِلَى عَشْرٍ الْفَرْجَانِ؛ وَكُلُّ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ.
    وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَفَحُشَ أَوْ صَلَّى فِي نَجِسٍ أَوْ غَصْبٍ - ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةً – أَعَادَ؛ لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ أَوْ غَصْبٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ.
    الرَّابِعُ: اجْتِنَابُ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ.
    وَمَنْ جَبَرَ عَظْمَهُ أَوْ خَاطَهُ بِنَجِسٍ - وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ - لَمْ يَجِبْ، وَيتَيَمَّمَ إِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ.
    وَلَا تَصِحُّ بِلَا عُذْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ وَخَلَاءٍ وَحَمَّامٍ وَأَعْطَانِ إِبِلٍ وَمَجْزَرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ وَقَارِعَةِ طَرِيقٍ وَلَا فِي أَسْطِحَتِهَا.
    الْخَامِسُ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ إِلَّا لِعَاجِزٍ وَمُتَنَفِّلٍ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ.
    وَفَرْضُ قَرِيبٍ مِنْهَا إِصَابَةُ عَيْنِهَا؛ وَبَعْيدٍ جِهَتُهَا.
    وَيُعْمَلُ وُجُوبًا بِخَبَرِ ثِقَةٍ بِيَقِينٍ، وَبِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ.
    وَإِنِ اشْتَبَهَتْ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهَا، وَقَلَّدَ غَيْرُهُ؛ وَإِنْ صَلَّى بِلَا أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ قَضَى مُطْلَقًا.
    السَّادِسُ: النِّيَّةُ؛ فَيَجِبُ تَعْيِينُ مُعَيَّنَةٍ؛ وَسُنَّ مُقَارَنَتُهَا لِتَكْبِيرَةِ إِحْرَامٍ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ.
    وَشُرِطَ نِيَّةُ إِمَامَةٍ وَائْتِمَامٍ.
    وَلِمُؤْتَمٍّ انْفِرَادٌ لِعُذْرٍ؛ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ، لَا عَكْسُهُ؛ إِنْ نَوَى إِمَامٌ الِانْفِرَادَ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ): أي: الأشياء التي لابد أن تتوافر لكي تصح الصلاة، فإن فُقِدت أو فُقِد أحدُها، لَمْ تَصِح.
    والشرط عند الفقهاء والأصوليين، هو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فيلزم من عدم وجود الوضوء عدم الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة ولا صحتها.
    قوله: (طَهَارَةُ الْحَدَثِ): هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الصلاة، وهو الطهارة من الحدث؛ والمقصود بالحدث: الأكبر والأصغر، ودليل شرطية الطهارة لصحة الصلاة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}[المائدة: 6].
    وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ([1])».
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ([2])».
    قوله: (وَدُخُولُ الْوَقْتِ): وهو الشرط الثاني لصحة الصلاة، ودليله قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
    قوله: (فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يبدأ من بداية زوال الشمس؛ وبيان ذلك أن الشمس إذا طلعت من المشرق فإنها تظل ترتفع وتسير حتى تأتي في كبد السماء - وهي حالة الاستواء ووسط النهار - ثم تبدأ بعد ذلك في الزوال عن كبد السماء نحو المغرب؛ فإذا زالت عن كبد السماء ولو بقدر شعرة، فإنه يكون حينها دخل وقت الظهر.
    كيف يُعرف زوال الشمس؟
    إذا طلعت الشمس من ناحية المشرق، فإنه يكون لكل شاخص ظِلٌّ طويل، ناحية المغرب، ثم كلما أخذت الشمس في الارتفاع فإن الظل ينقص، ثم إذا توسطت الشمس في كبد السماء، فإن نقصان الظل يتوقف، ثم إذا أخذت الشمس في الزوال، فإن الظل يبدأ في الزيادة من ناحية المشرق.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْنَى زَوَالِ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ؛ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِطُولِ ظِلِّ الشَّخْصِ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ؛ فَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيُقَدِّرْ ظِلَّ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَصْبِرْ قَلِيلًا، ثُمَّ يُقَدِّرْهُ ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَزُلْ، وَإِنْ زَادَ وَلَمْ يَنْقُصْ فَقَدْ زَالَتْ([3])))اهـ.
    وقال النووي رحمه الله: ((الزَّوَالُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ؛ وَعَلَامَتُهُ: زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ طَوِيلًا مُمْتَدًّا، فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَقَصَ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَقَفَ الظِّلُّ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَادَ الظِّلُّ إِلَى الزِّيَادَةِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ هَلْ زَالَتْ؟ فَانْصِبْ عَصًا أَوْ غَيْرَهَا فِي الشَّمْسِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى طَرْفِ ظِلِّهَا ثُمَّ رَاقِبْهُ؛ فَإِنْ نَقَصَ الظِّلُّ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ، وَلَا تَزَالُ تُرَاقِبُهُ حَتَّى يَزِيدَ؛ فَمَتَى زَادَ عَلِمْتَ الزَّوَالَ حِينَئِذٍ([4])))اهـ.
    قوله: (حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْؤُهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يستمر حتى يتساوى طول الشيء المنتصب مع فيئه([5])، وزيادة فَيْء الزوال.
    وَفَيءُ الزوال هو الظل الذي يكون موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء، عندما تتوقف عن النقصان.
    والمعنى أن وقت الظهر يستمر حتى ترى للشاخص ظلًّا يساوي طوله وزيادة الظل الذي كان موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء؛ وهو ما يُسمى فَيْءَ الزوال، أو ظل الزوال؛ فإنه لا يُحسب ولا يُعتبر؛ لكونه غير منضبط؛ بل يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان؛ فيقصر ظل الزوال في فصل الصيف، وكلما طال النهار قصر الظل، ويطول في فصل الشتاء، وكلما قصر النهار طال الظل، كما أنه يقصر كلما قرب المكان إلى خط الاستواء.
    ومعرفة ذلك أن يضبط الظِّلَّ الذي زالت عليه الشمس، ثم ينظر الزيادة عليه، فإن بلغت طول الشخص فقد انتهى وقت الظهر؛ فلو زالت الشمس – مثلًا – على مقدار 25 سم وكان طول الشخص مترًا ونصفًا، فإنه يُنتظر حتي يكون ظل الزوال 175 سم.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَضْبِطَ مَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَنْظُرَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَدْرَ الشَّخْصِ، فَقَدِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ؛ وَمِثْلُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ بِقَدَمِهِ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، فَإِذَا أَرَدْت اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ بِقَدَمِكَ مَسَحْتَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّوَالِ، ثُمَّ أَسْقَطْتَ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِذَا بَلَغَ الْبَاقِي سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ فَقَدْ بَلَغَ الْمِثْلَ، فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأُوَلُ وَقْتِ الْعَصْرِ([6])))اهـ.
    قوله: (وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ): أي: أن الوقت المختار لصلاة العصر يبدأ بانتهاء وقت الظهر حتى يصير ظل كل شيء مثليه وزيادة ظل الزوال.
    قوله: (وَالضَّرُورَةُ إِلَى الْغُرُوبِ): أي: أن وقت الضرورة لصلاة العصر يبدأ من حين أن يكون ظل كل شيء مثليه - وفي الرواية الأصح عن أحمد من حين اصفرار الشمس؛ وهما متقاربان – إلى ما قُبَيْلِ الغروب.
    وقد تقدم بيان ذلك.
    قوله: (وَيَلِيهِ الْمَغْرِبُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ): أي: أن وقت المغرب يبدأ بانتهاء وقت العصر؛ إذا غربت الشمس، حتى يغيب الشفق الأحمر في السماء.
    وقد تقدم بيان ذلك، وبيان معنى الشفق، في أول كتاب الصلاة.
    قوله: (وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ): أي: ويلي صلاةَ المغرب صلاةُ العشاء، ويستمر الوقت المختار لها إلى ثلث الليل الأول؛ لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ([7])..
    قوله: (وَالضَّرُورَةُ إِلَى طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ): أي: ويبدأ وقت الضرورة لصلاة العشاء من ثلث الليل الأول إلى طلوع الفجر الثاني.
    وقد تقدم في أول كتاب الصلاة بيانُ ذلك.
    قوله: (وَيَلِيهِ الْفَجْرُ إِلَى الشُّرُوقِ): أي: ويلي صلاةَ العشاء وقتُ صلاةِ الفجر، الذي يبدأ من طلوع الفجر الثاني، ويستمر وقتها إلى شروق الشمس.
    والفجر فجران؛ فجر أول، ويُسمى بالفجر الكاذب، ولا يدخل به وقت الفجر.
    وفجر ثانٍ، ويُسمى بالفجر الصادق، وهو الذي ينتهي به وقت العشاء، ويدخل به وقت الفجر.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إجْمَاعًا، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْمَوَاقِيتِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ فِي الْأُفُقِ، وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الصَّادِقَ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَك عَنِ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ لَك، وَالصُّبْحُ مَا جَمَعَ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي لَوْنِهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ أَصْبَحَ، وَأَمَّا الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، فَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَدَقُّ صَعِدًا مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ([8])))اهـ.
    وقال البهوتي رحمه الله: ((الْفَجْرُ الثَّانِي هو الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ؛ وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ يُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الْكَاذِبُ وَهُوَ مُسْتَطِيلٌ بِلَا اعْتِرَاضٍ، أَزْرَقُ، لَهُ شُعَاعٌ ثُمَّ يُظْلِمُ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى: ذَنَبَ السِّرْحَانِ أَيْ: الذِّئْبِ([9])))اهـ.
    وقال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((الْفَجْرِ الثَّانِي هُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ، وَيُسَمَّى الْمُسْتَطِيرَ؛ لِانْتِشَارِهِ فِي الْأُفُقِ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، أَيْ: مُنْتَشِرًا فَاشِيًا ظَاهِرًا، وَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ: الْكَاذِبُ الْمُسْتَطِيلُ بِلَا اعْتِرَاضٍ أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ، ثُمَّ يُظْلِمُ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَهُوَ الذِّئْبُ؛ لِأَنَّ الضَّوْءَ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ، كَمَا أَنَّ الشَّعْرَ يَكُونُ عَلَى أَعْلَى الذِّئْبِ دُونَ أَسْفَلِهِ ([10])))اهـ.
    وأما أدلة مواقيت الصلوات الخمس:
    فَعند مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ إِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرُ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ([11])».
    وفي لفظ عند مسلم أيضًا: «وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ».
    وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعَصْرَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْفَجْرَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ - أَوْ قَالَ: حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ - ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ، وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ لِلْعِشَاءِ، حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ - أَوْ قَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ - فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْفَجْرِ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ([12]).

    [1])) صحيح: أخرجه مسلم (224).

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (6954)، ومسلم (225).

    [3])) ((المغني)) (1/ 270).

    [4])) ((المجموع)) (3/ 24).

    [5])) والفيء هو الظل الذي يكون بعد الزوال؛ وسُمِّي فيئًا، مِنْ فاء يفيء فيئًا، إذا رجع، وذلك إما لأنه يرجع من جانب المغرب - الذي كان فيه قبل الزوال - إلى جانب المشرق، بعد الزوال، أو لأن الشمس التي كانت في جانب المشرق قبل الزوال عادت ظلًّا بعد الزوال.
    قال محمد بن أبي بكر الرازي في ((مختار الصحاح)) (245): ((الْفَيْءُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنَ الظِّلِّ؛ سُمِّيَ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ وَالْفَيْءُ مَا نَسَخَ الشَّمْسَ. وَقَالَ رُؤْبَةُ: كُلُّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَزَالَتْ عَنْهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَظِلٌّ، وَمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ شَمْسٌ فَهُوَ ظِلٌّ))اهـ.

    [6])) ((المغني)) (1/ 271).

    [7])) أخرجه البخاري (864).

    [8])) ((المغني)) (1/ 279).

    [9])) ((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 255).

    [10])) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 306).

    [11])) صحيح: أخرجه مسلم (612).

    [12])) أخرجه أحمد (14538)، والنسائي (526)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (250).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    موضوع مهم مع قرب شهر الصيام ، وهذا تلخيص واختصار للشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله ، مع موضوع كتاب الصلاة من أخصر المختصرات :

    "...فُرضت خمسين صلاة، وهذا يدلُّ على محبَّة الله لها، وعنايته بها سبحانه وتعالى، لكن خُفِّفَت فجُعِلت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان، فكأنَّما صلَّى خمسين صلاة.
    وليس المراد تضعيف الحسنة بعشر أمثالها؛ لأنَّه لو كان المراد الحسنة بعشر أمثالها؛ لم يكن لها مزيَّة على غيرها من العبادات؛ إذ في كلِّ عبادة الحسنةُ بعشر أمثالها، لكن الظَّاهر أنَّه يُكتَبُ للإنسان أجرُ خمسين صلاة بالفعل، ويؤيِّده: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو إمامُ أمَّتِه ـ قَبِلَ فريضة الخمسين وَرَضِيَها، ثم خفَّفها اللَّهُ تعالى فكتب للأمَّة أجرَ ما قَبِلَه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم ورضيَه، وهو خمسون صلاة.

    ويدلُّ لذلك: ما رواه البخاريُّ من حديث أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فراجَعته ـ يعني: الله ـ فقال: هي خمس وهي خمسون»... "


    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    كِتَابُ الصَّلَاةِ
    تَجِبُ الْخَمْسُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا صَغِيرٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ إِلَّا مِمَّنْ لَهُ الْجَمْعُ بِنِيَّتِهِ، وَمُشْتَغِلٍ بِشَرْطٍ لَهَا يَحْصُلُ قَرِيبًا، وَجَاحِدُهَا كَافِرٌ.

    قوله: «تجب» ، أي: الصَّلاة، والمراد بالوجوب هنا أعلى أنواع الوجوب وهو الفريضة.
    وهي في الدِّين في المرتبة الثانية بعد الشَّهادة بالتَّوحيد والرِّسالة، فالإسلام: شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله؛ وأنَّ محمَّداً رسول الله،
    وهذه واحدة، وإِنَّما صارت هاتان الجملتان واحدة؛ لأنَّ كلَّ عبادة لا بُدَّ فيها من إِخلاص تتضمَّنه شهادةُ أنْ لا إله إلاَّ الله، ومتابعةٍ تتضمَّنه شهادةُ أنَّ محمَّداً رسول الله، فلهذا جعلهما النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم شيئاً واحداً. والمرتبة الثَّانية هي الصَّلاة، فهي من أعلى أنواع الفرض.

    وقوله: «على كُلِّ مسلم» ، المسلم هو: الذي يشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، ويقيمُ الصَّلاة، ويؤتي الزَّكاة، ويصومُ رمضانَ، ويحجُّ البيتَ.

    قوله: «مُكلَّف» ... وهو في الشَّرع: إلزامُ مقتضى خطاب الشَّرع.
    والتَّكليف يتضمَّن وصفين هما: البلوغ والعقل. فمعنى مكلَّف أي: بالغ عاقل...

    قوله: «لا حائضاً ونُفساء»... أي: لا تجب عليهما الصَّلاة بدليل أثريٍّ وإجماعيٍّ.
    قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في الحائض: «أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تَصُمْ» والنُّفساءُ كالحائضِ في ذلك بالإجماع، والعلماءُ مجمعون على أنَّ الحائضَ والنُّفساءَ لا تلزمهما الصَّلاة، ولا يلزمهما قضاء الصَّلاة.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    قوله: (الصَّلَاة):...
    وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٍ بِالتَّسْلِيمِ([3]).
    ...قوله: (وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ): ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ([17])»...
    "...أمَّا في الشَّرع: فهي التعبُّدُ للَّهِ تعالى بأقوال وأفعال معلومة، مفتتَحة بالتَّكبير، مختتَمة بالتَّسليم.
    وإن شئت فقل: هي عبادةٌ ذاتُ أقوال وأفعال، مفتتحة بالتَّكبير، مختتمة بالتَّسليم.
    أمَّا قول بعض العلماء: «إنَّ الصَّلاة هي: أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتَّكبير، مختتمة بالتَّسليم»، فهذا فيه قصور، بل لا بُدَّ أن نقول: عبادةٌ ذات أقوال، أو نقول: التَّعبُّدّ لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة، حتى يتبيَّن أنَّها من العبادات."

    "... فإن قلت: إذا لم يجب على الصَّبيِّ صلاة؛ أَفَلَيْسَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قد أوجبَ على الإنسان أن يأمرَ ابنه أو ابنته بالصَّلاة لسبعٍ، ويضربه عليها لعشر؟ وهل يُضرَبُ الإنسان على شيء لا يجب عليه؟
    فالجواب على ذلك أن نقول: إِنَّما أُلزم الوالدُ بأمر أولاده وضربهم؛ لأنَّ هذا من تمام الرِّعاية والقيام بالمسؤولية التي حملها، والأب أهلٌ للمسؤولية. لا لأنَّ الصَّبيَّ تجب عليه الصَّلاة، ولذلك لا يلزمه قضاؤها لو تركها. ولو كان الصَّبيُّ له ستُّ سنوات؛ لكنَّه فَطِنٌ وذكيٌّ، فظاهر الحديث أنَّه لا يأمره؛ لأنَّ الشَّارع حدَّها بالسَّبع؛ لأنَّ الغالب أنه يكون بها التَّمييز، والنَّادر لا حكم له.
    فإن قلنا: إنَّ التَّمييز ليس محدوداً بسنٍّ وإنَّما هو بالمعنى، وأنَّ التَّمييز هو: أن يفهم الخطاب، ويَرُدَّ الجواب، كما يدلُّ عليه الاشتقاق، فهل يجعل الحكم في أمره بالصَّلاة منوطاً به؛ ولو كان دون السَّبع أم لا؟ هذا محلُّ نظر، قد يُقال: إنَّنا نجعل الحكم منوطاً بالتَّمييز، وقد نقول: إنَّه منوط بالسَّبع كما جاء في السُّنَّة. والشَّارع أحكم منَّا، فيتقيَّد أمْرُه بالصَّلاة وضَرْبُه عليها بما جاءت به السُّنة."(1)




    ______________________________ ____________
    (1) المرجع الشرح الممتع لابن عثيمين رحمه الله

    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    قوله: (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ): وتحريم تأخيرها إلى خروج وقتها أشد.
    والصلوات التي لها وقت ضرورة في المذهب هي صلاة العصر وصلاة العشاء؛ فلهما وقت اختيار، ووقت ضرورة.
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
    "... قوله: «وَيَحْرُمُ تأخيرُها عن وَقْتِها» ، وذلك لقوله تعالى: {{إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}} [النساء: 103] ، وإذا كانت مفروضةً في وقت معيَّن فتأخيرُها عن وقتها حرامٌ. وكذلك النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وقَّتَ أوقاتَ الصَّلاة، وهذا يقتضي وجوبَ فعلها في وقتها.
    وقوله: «تأخيرها» يشمَلُ تأخيرها بالكلِّيَّة؛ أو تأخيرَ بعضها، بحيث يؤخِّر الصَّلاة حتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ مقدارُ ركعةٍ صلَّى، فإنَّه حرامٌ عليه؛ لأنَّ الواجبَ أن تقع جميعُها في الوقت.
    وقوله: «عن وقتها» يشمَلُ وقت الضَّرورة ووقت الجواز؛ لأنَّ صلاة العصر مثلاً لها وقتان: وقتُ ضرورة؛ ووقتُ جواز، فوقتُ الضَّرورة من اصفرار الشَّمس إلى غروبها، ووقتُ الجواز من دخول وقتها إلى اصفرار الشَّمس، فيحرم أن يؤخِّرها عن وقت الجواز إلاَّ لعذر. ويُستثنى من ذلك مسألتان:
    إِلاَّ لِنَاوِ الْجَمْعِ، ولمشتغلٍ بشَرْطِها الذي يُحَصِّلُهُ قريباً."
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    جزاكم الله خيرًا على التذكير والمدارسة؛ فلقد ظللت دهرًا لا يشاركني أحد في هذا الموضوع، وذلك لصعوبة الفقه، ولكنه مع صعوبته ضروري جدًّا.
    وهذا المتن ولله الحمد أقوم بشرحه في المسجد عندنا، وقد لاقى قبولًا كبيرًا من طلبة العلم، ولله الحمد والمنة
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات

    قوله: (وَتُدْرَكُ مَكْتُوبَةٌ بِإِحْرَامٍ فِي وَقتِهَا): أي: أن الصلاة تُدرك ولو بإدراك تكبيرة الإحرام قبل خروج وقتها، وفي رواية أخرى عن أحمد أنها لا تُدرك بأقل من ركعة.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهَلْ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
    إحْدَاهُمَا: لَا يُدْرِكُهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ الْإِدْرَاكَ بِرَكْعَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ كَإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ.
    وَالثَّانِيَةُ: يُدْرِكُهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْهَا، أَيِّ جُزْءٍ كَانَ، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْ نِ.
    وَلِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ([1])، وَلِلنَّسَائِيّ ِ: «فَقَدْ أَدْرَكَهَا»؛ وَلِأَنَّ الْإِدْرَاكَ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فِي الصَّلَاةِ اسْتَوَى فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمَا دُونَهَا، كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ، وَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ))اهـ.
    فقد رجح ابن قدامة رحمه الله أن الصلاة تدرك بأقل جزء من الصلاة، واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ».
    وأما ابن تيمية وابن عثيمين رحمهما الله فقد رجحا أن الصلاة لا تدرك بأقل من ركعة.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً»؛ فَالْمُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ التَّامَّةُ كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَةَ التَّامَّةَ تُسَمَّى بَاسِمِ الرُّكُوعِ؛ فَيُقَالُ: رَكْعَةٌ، وَبِاسْمِ السُّجُودِ، فَيُقَالُ: سَجْدَةٌ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ([2])))اهـ.
    قوله: (لَكِنْ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا): أي: لغير عذر؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
    ويجوز له تركها لوقت يسعها.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر وقتها؛ لأن جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ صلى بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليوم الثاني في آخر الوقت([3])))اهـ.
    قوله: (وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْيَقِينِ): قال ابن قدامة رحمه الله: ((إذَا شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَهُ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ؛ مِثْلُ مَنْ هُوَ ذُو صَنْعَةٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِعَمَلِ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَوْ قَارِئٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِقِرَاءَةِ جُزْءٍ فَقَرَأَهُ، وَأَشْبَاهِ هَذَا؛ فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ، أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا قَلِيلًا احْتِيَاطًا، لِتَزْدَادَ غَلَبَةُ ظَنِّهِ، إِلَّا أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ([4])))اهـ.
    قوله: (وَيُعِيدُ إِنْ أَخْطَأَ): أي: إنْ تحرى ثم تبين له أنه أخطأ، فعليه الإعادة إن كان صلى قبل الوقت، وأما إن كان صلى بعد الوقت فلا إعادة عليه.
    قال ابن قدامة رحمه الله: فإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده، أجزأه؛ لأنه صلى بعد الوجوب.
    وإن وافق قبله، لَمْ يجزئه؛ لأنه صلى قبل الوجوب([5]).
    قوله: (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا بِتَكْبِيرَةٍ، لَزِمَتْهُ وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا): كأن يبلغ صبي، أو يسلم كافر، أو يفيق مجنون، أو تطهر حائض أو نفساء.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((أهليَّة الوجوب تكون بالتَّكليف أو بزوال المانع؛ فيصير أهلًا لوجوبها إذا بلغ قبل خروج الوقت، وإذا عَقِلَ قبل خروج الوقت.
    وأما زوال المانع فمثاله: إذا طَهُرت قبل خروج الوقت.
    فمتى صار أهلًا لوجوبها قبل خُروج الوقت بمقدار تكبيرة الإحرام لزمته على المذهب، وعلى القول الثاني لا تلزمه إلا إذا أدرك من وقتها قَدْرَ رَكعة.
    وهذا واضح أنها تلزمه؛ لأنه خُوطبَ بها في الوقت، ولقول الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة».
    ولزمه ما يُجمع إليها قبلها؛ مثال ذلك: إذا أدرك من وقت صلاة العصر قَدْر ركعة أو قَدْرَ التَّحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظُّهر أيضًا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضًا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر؛ لأنها لا تُجمع إلى ما قبلها.
    فإن قيل: ما وجه وجوب صلاة الظُّهر في المثال الأوَّل؛ وصلاة المغرب في المثال الثَّاني؟
    فالجواب: الأثرُ، والنَّظرُ.
    أما الأثر: فإنَّه رُوي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما([6]).
    وأما النَّظر: فلأن وقت الصَّلاة الثانية وقت للأولى عند العُذر الذي يُبيح الجمع، فلما كان وقتًا لها عند العُذر صار إدراك جُزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعًا، وهذا هو المشهور من المذهب.
    وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزمه إلا الصَّلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه.
    وهو القول الرَّاجح؛ واحتجوا بالأثر والنَّظر.
    أما الأثر: فقول الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة»، و«أل» في قوله: «الصَّلاة» للعهد، أي: أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئًا من وقتها، وقد مَرَّ به وقتها كاملًا، وهو ليس أهلًا للوجوب فكيف نلزمه بقضائها؟!
    وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»، ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر.
    وأما النَّظر فقالوا: إن هذا مُقتضى القياس الصَّحيح؛ لأننا متَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهر والعصر عند العُذر والجمع، فما الفرق بين المسألتين؟! كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصَّلاتين وهو ليس أهلًا للتكليف، لكن في المسألة الأولى مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الأُولى، وفي المسألة الثانية مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الثانية، فأنتم إما أن تُلزموه بالقضاء في المسألتين، كما قال به بعض العلماء، وإما ألا تُلزموه فيهما كما قاله أيضًا آخرون، أمَّا أن تُفرِّقوا فلا وجه لذلك.
    فإن قالوا: فَرَّقنا بناءً على الأثر الوارد عن الصَّحابة.
    فالجواب: الأثر الوارد عن الصَّحابة يُحمل - إن صَحَّ - على سبيل الاحتياط فقط؛ خوفًا من أن يكون المانعُ قد زال قبل أن يخرج وقت الأُولى، ولا سيما الحيض، فإن الحيض قد لا تعلم المرأة بطُهْرِها إلا بعد مُدَّة من طهارتها([7])))اهـ.

    [1])) والفظ للبخاري (556).

    [2])) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 332).

    [3])) ((الكافي)) (1/ 195).

    [4])) ((المغني)) (1/ 280).

    [5])) ((الكافي)) (1/ 199).

    [6])) قال محققو ((الشرح الممتع)) ط. ابن الجوزي: ((رُويَ عن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف.
    أما أثر عبد الله بن عباس: فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، كتاب الصلاة: باب الحائض تطهر آخر النهار، رقم (7206) ، والدارمي، كتاب الطهارة: باب المرأة تطهر عند الصلاة أو تحيض، رقم (886) عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس في الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء.
    ورواه ابن المنذر في «الأوسط» (2/243) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/387) وفي «المعرفة والآثار» (2/217) عن يزيد بن أبي زياد، عن طاووس، عن ابن عباس به، أي: إن يزيد يرويه تارة عن مقسم، وأخرى عن طاوُوس.
    وضعَّف إسناده ابنُ التركماني في «الجوهر النقي» بسبب ضعف يزيد بن أبي زياد. ويزيد ضعيف كما في «التقريب»، زِدْ على ذلك أنه اضطرب فيه كما تقدم.
    إلا أنه تابعه ليث بن أبي سليم، عن طاووس وعطاء، عن ابن عباس، فيما رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/378)، وفي «المعرفة والآثار» (2/217).
    وليث بن أبي سليم إضافةً لكونه مختلط قد اختُلِفَ عليه أيضًا؛ فتارة رفعه إلى ابن عباس كما تقدم، وتارة أوقفه على طاوُوس وعطاءَ؛ فيما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، الموضع السابق، رقم (7208).
    وقد ضعَّف هذا الإسناد ابنُ التركماني في «الجوهر النقي».
    أمَّا أثر عبد الرحمن بن عوف، فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، كتاب الصلاة: باب في الحائض تطهر آخر النهار، رقم (7204)، ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (2/243)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/387)، وفي «المعرفة والآثار» (2/217) عن مولى لعبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن نحو أثر ابن عباس.
    قال ابن التركماني: «هذا المولى مجهول».
    رواه عبد الرزاق رقم (1285) عن ابن جريج قال: حُدِّثت عن عبد الرحمن ابن عوف فذكره. وفيه جهالة من حدَّثه أيضًا. فالإسناد ضعيف))اهـ كلامهم، حفظهم الله.

    [7])) ((الشرح الممتع)) (2/ 132- 136)، باختصار يسير.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •