قواعد في التعامل مع المخالف من منظور ابن القيم

رابط الموضوع : http://www.assakina.com/taseel/12887.html#ixzz2ve3flAQs

إِنَّ المتأمِّل للواقع اليوم، وما يجري فيه، من خلاف ونزاع، في مسائل فرعية، أو جزئية بين بعض طلبة العلم الشرعي، وبعض الدعاة إلى الله تعالى، من خلال كثرة الردود والمقالات، المنتشرة بين دفتي الصحف والمجلات، وبعض المواقع الإلكترونية، وتصعيد هذا الخلاف؛ ليصل إلى حد الفرقة والاختلاف، أوقد يصل أحياناً لحد الفجور في الخصومة، والبغضاء والإجحاف، ما هو إلا بسبب ضعف الأهلية في فهم مسائل الخلاف:
وليسَ كُلُّ خِلافٍ جاءَ مُعتبراً * إلا خلافٌ لَهُ حَظٌّ من النظرِ
وعدم إدراك بعض الطرق في التعامل مع المخالف؛ مِن منطلق القواعد الشرعية وفهم السلف الصالح.
ونجد أن علمائنا رحمهم الله قد درجوا منذ القدم على إرساء القواعد في التعامل مع المخالف والرَّدِّ عليه؛ فهذا الإمام أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751هـ) رحمه الله يُقعِّد لنا عدة أصول وقواعد في التعامل مع المخالف؛ ويَضرب لنا أروع المثل في التَّجرُّد للحق، والنزوع إليه؛ فلم يمنعه إكباره للمتقدِّمين من العلماء، وإجلاله لهم، أن يُبيِّن خطأ الواحد منهم، إذا زَلَّت به القدم، أو كَبا به الفهم، بحكم الطبيعة البشرية؛ لأنه قد وطَّن نفسه على أن الحق وحده ودليله؛ هو الواجب اتباعه مطلقاً، بصرف النظر عن قائله.
ولا أَدلَّ على ذلك مِن قوله عن الإمام، شيخ الإسلام، أبي إسماعيل الهروي المتوفى سنة (481هـ) رحمه الله كما في كتابه «مدارج السالكين» (4/352) حيث قال: «شيخ الإسلام حبيبنا، ولكنَّ الحق أحب إلينا منه»، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول عمله خير من علمه وصدق رحمه الله؛ فسيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد أهل البدع لا يُشقُّ له فيها غبار، وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله، وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، وقد أخطأ في هذا الباب لفظاً ومعنى؛ أما اللفظ فتسميته فِعل الله الذي هو حق وصواب وحكمة ورحمة وحكمه الذي هو عدل وإحسان وأمره الذي هو دينه وشرعه تلبيساً؛ فمعاذ الله، ثم معاذ الله من هذه التسمية، ومعاذ الله مِن الرِّضى بها، والإقرار عليها، والذّبِّ عنها، والانتصار لها، ونحن نُشهد بالله أن هذا تلبيس على شيخ الإسلام؛ فالتلبيس وقع عليه، ولا نقول وقع منه، ولكنه صادق لُبِّس عليه، ولعلَّ مُتعصِّباً له يقول أنتم لا تفهمون كلامه؛ فنحن نُبيِّن مراده على وجهه إن شاء الله، ثم نُتبع ذلك بما له وعليه».
ومِن هنا يظهر لنا تعامل الإمام ابن القيم مع كلام الإمام الهروي في تركيزه على القول، وليس على القائل، وهذا ما ينبغي أن يتحلَّى به طلاب العلم، والدُّعاة إلى الله تعالى.
والمتأمِّل لمنهج الإمام ابن قيم الجوزية في مصنفاته يجده يُقرِّر عدة قواعد تَأصيلية في التعامل مع المخالف، ومِنْ أبرزها:
أولاً: الإنصاف:
ونجد أنَّ الإمام ابن القيم رحمه الله بعد إنصافه للإمام الهروي فيما ذكر آنفاً يقول عن الإنصاف في كتابه «إعلام الموقعين» (3/497): «والله تعالى يحب الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلَّى بها الرجل، خصوصاً مَنْ نَصَّب نفسه حكماً بين الأقوال والمذاهب، وقد قال الله تعالى لرسوله: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15]؛ فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل أحدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعة، بل يكون الحق مطلوبة، يسير بسيره، وينزل بنزوله، يدين بدين العدل والإنصاف..».
والرسوخ في الإنصاف: بِحَاجَةٍ مَاسةٍ إلى قَدرٍ كبيرٍ مِن الدِّيانةِ، والعلمِ، والخلقِ الرفيعِ؛ لقبول الشخص المخالف للحق؛ وإلى سعةٍ في الأفق، وبعد في النظر:
ولم تَزل قِلَةُ الإنصافِ قاطعةً * بينَ الرِّجَالِ وإنْ كَانوا ذَوي رَحمِ
ثانياً: التعامل مع الخلاف على كونه جبلة بشرية:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الصواعق المرسلة» (2/519): «ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابُدَّ منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم، وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بَغْي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يُؤدِّي إلى التباين والتحزب، وكل مِن المُختلفينِ قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف؛ فإنه أمر لابُدَّ منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحداً، والغاية المطلوبة واحدة، والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافا لا يضر؛ كما تقدَّم من اختلاف الصحابة؛ فإنَّ الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقصد واحد، وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد، وهو النظر في أدلة القرآن والسنة، وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة».
ثالثاً: إعذار المخالف بجهله، أو اجتهاده:
أو تأوله، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله أثناء توثيقه للمنهال ابن عمرو في كتابه «تهذيب السنن» (7/140): «ورُوي عن شعبة قال:أتيت منزل المنهال، فسمعت صوت الطنبور فرجعت. فهذا سبب جرحه، ومعلوم أن شيئاً من هذا لا يقدح في روايته؛ لأن غايته أن يكون عالماً به، مختاراً له، ولعلَّه متأوِّل فيه، فكيف وقد يمكن أن لا يكون ذلك بحضوره ولا إذنه ولا علمه؟!).
رابعاً: مراعاة اختلاف أحوال وأعراف المخالف:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (3/370): «ومَنْ أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب؛ على اختلاف عُرفهم وعوائدهم، وأزمنتهم وأمكنتهم، وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضلَّ وأضل».
خامساً: اختيار العالم أو الدَّاعية لمسألة مخالفة لا يكون مُسوِّغاً لانتقاصه:
أو اطراحه وغيبته وهجره، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «مدارج السالكين» (2/223-224): «فلو كان كُلُّ مَنْ أخطأ، أو غلط تُرِك جملة؛ وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات؛ والحكم، وتعطَّلت معالمها».
سادساً: عدم التُّعصُّب للمذاهب والمشايخ:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «زاد المعاد» (2/431): «ومثله التَّعصُّب للمذاهب، والطرائق، والمشايخ، وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويُوالي عليه، ويُعادي عليه، ويَزنُ الناس به، كُلُّ هذا مِن دعوى الجاهلية».
سابعاً: حرمة عرض المسلم المخالف:
وأن لا يكون الخِلاف مدعاةً للوقوع في عرضه؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الداء والدواء» (ص:244): «وكم ترى مِن رجل مُتورِّعٍ عن الفواحش والظلم؛ ولسانه يَفري في أعراضِ الأحياءِ والأموات، ولا يُبالي بما يقول».
ثامناً: عدم تكفير وتفسيق المخالف المقلِّد بالجهل:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الطرق الحكمية» (ص:174): «فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام؛ ولكنهم مخالفون في بعض الأصول – كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم – فهؤلاء أقسام:أحدها:الجا هل المقلِّد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يُكَفَّر ولا يُفسَّق، ولا تُردُّ شهادته، إذا لم يكن قادراً على تَعلُّم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين مِن الرِّجال والنساء والولدان الَّذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً، فأولئك عسى الله أن يعفوَ عنهم، وكان الله عفوّاً غفوراً».
تاسعاً: الصبر على أذى المخالف والدُّعاء له:
قال الإمام ابن القيم في الثناء على شيخه الإمام ابن تيمية رحمهم الله جميعاً في كتابه «مدارج السالكين» (3/139-140): «وما رأيتُ أحدا قط أجمع لهذه الخصال مِن شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم، وجئت يوما مُبشراً له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني، وتنكَّر لي، واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزّاهم وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام فَسُرُّوا به، ودعوا له، وعظَّموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه».
عاشراً: قبول الحق من البغيض ورد الباطل على الحبيب:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الصواعق المرسلة» (2/516): «فَمنْ هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحقِّ حيث كان؛ ومع من كان؛ ولو كان مع مَنْ يبغضه ويُعاديه ورَدِّ الباطل مع من كان، ولو كان مع من يُحبُّه ويواليه، فهو مِمَّن هُدي لما اختلف فيه من الحق».
الحادي عشر: عدم إنكار المنكر إذا يُفضي لمنكر أعظم منه:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (3/338-339): «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وان كان الله يُبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يُؤخِّرون الصلاة عن وقتها، وقالوا أفلا نقاتلهم فقال لا ما أقاموا الصلاة، وقال من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينز عن يداً من طاعته، ومَنْ تأَمّل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر فَطلب إزالته فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة، وصارت دار إسلام عَزَم على تغيير البيت، وردِّه على قواعد إبراهيم، ومَنَعه مِنْ ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه مِن عدم احتمال قريش لذلك لقُرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يَأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتَّب عليه مِن وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء».
الثاني عشر: أن المخالف إذا أخطأ عن اجتهاد معفو عن خطئه:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (4/235): «ومَنْ له عِلْم بالشرع والواقع؛ يَعلم قطعاً أنَّ الرجل الجليل، الذي له في الإسلام قَدَم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهَفْوَة والزَّلَّة، هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده؛ فلا يجوز أن يُتَّبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته، وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين». وقال في كتابه «مفتاح دار السعادة» (1/529): «ولكن من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن مَن كثرت حسناته، وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يُحتمل له ما لا يُحتمل لغيره، ويُعفى عنه ما لا يُعفى عن غيره».
الثالث عشر: عدم اطّراح أقوال المخالف جملة وتأثيمه:
يقول الإمام ابن قيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (4/235) بعد ذكره فضل الأئمة: «وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله لا يُوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خَفي عليهم فيها ما جاء به الرسول؛ فقالوا بمبلغ علمهم، والحق في خلافها لا يُوجب اطراح أقوالهم جملة، وتنقُّصهم، والوقيعة فيهم فهذان طرفان جائران عن القصد وقصد السبيل بينهما؛ فلا نُؤثِّم، ولا نَعصم».
الرابع عشر: عدم الإنكار في مسائل الاجتهاد ما لم تُخالف الدليل:
فينبغي عدم الاستعجال في الإنكار على المخالف في المسائل التي يقع فيها الاجتهاد إلا عند مخالفتها دليلاً صحيحاً، وصريحاً في المسألة؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (4/243): «والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يَجب العمل به وجوبا ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه، فيسوغ فيها إذا عُدم فيها الدَّليل الظاهر الذي يَجب العمل به الاجتهادُ؛ لتعارض الأدلة، أو لخفاء الأدلة فيها، وليس في قول العالم إن هذه المسألة قطعية أو يقينية، ولا يسوغ فيها الاجتهاد طَعنٌ على مَنْ خالفها، ولا نسبة له إلى تَعمُّد خلاف الصواب، والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف، وقد تيقَّنا صحة أحد القولين فيها كثير».
الخامس عشر: تخطئة رأي المخالف لا تقتضي الطعن فيه:
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (4/247): «ولهذا صَرَّح الأئمة بنقض حكم مَنْ حكم بخلاف كثير مِن هذه المسائل مِنْ غير طعن منهم على من قال بها».
السادس عشر: إعذار المخالف بعدم القصد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (3/515): «والغلط والنسيان والسهو وسبق اللِّسان بما لا يُريده العبد، بل يريد خلافه؛ والتَّكلُّم به مكرهاً، وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية لا يكاد ينفك الإنسان مِن شيء منه، فلو رَتّب عليه الحكم لحرجت الأمة، وأصابها غاية التعب والمشقة؛ فرَفَع عنها المؤاخذة بذلك كله، حتى الخطأ في اللَّفظ من شدة الفرح والغضب والسكر؛ كما تقدَّمت شواهده؛ وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى، وسَبقُ اللِّسان بما لم يرده، والتَّكلُّم في الإغلاق ولغو اليمين؛ فهذه عشرةُ أشياء لا يُؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها؛ لعدم قصده، وعقد قلبه الذي يُؤاخذه به».
السابع عشر: عدم الرَّدُّ على المخالف بالتقول على الله بغير علم:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إعلام الموقعين» (1/82): «والمقصود أن الله سبحانه حَرّم القول عليه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، والمفتي يُخبر عن الله عز وجل، وعن دينه فإن لم يكن خبره مطابقا لما شرعه كان قائلاً عليه بلا علم».
الثامن عشر: إعذار المخالف القاصد للحق إذا غاب عنه النَّصُّ أو خَفي عليه دلالته:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «الصواعق المرسلة» (1/207): «وقد يكون معنى النص بَيِّناً جلياً؛ فلا تختلف الأمة في تأويله، وإن وقع الخلاف في حكمه لخفائه على مَنْ لم يبلغه، أو لقيام معارض عنده، أو لنسيانه؛ فهذا يعذر فيه المخالف إذا كان قصده اتباع الحق، ويُثيبه الله على قصده، وأما مَنْ بلغه النَّصُّ، وذكره، ولم يَقم عنده ما يُعارضه؛ فإنه لا يسعه مخالفته، ولا يُعذر عند الله بتركه لقول أحد كائناً مَنْ كان».
التاسع عشر: عدم الرّدُّ على المخالف خطأه إذا كان مُطاعاً بين قومه:
وجعل ذلك ابن القيم رحمه الله مِن الفطنة والكياسة فقال في كتابه «الطرق الحكمية» (ص:40): «ومِن دقيق الفطنة أنك لاَ تُردُّ على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نُصرة الخطأ، وذلك خطأ ثانٍ، ولكنْ تَلطَّف في إعلامه به، حيث لا يُشعر به غيره».
وعليه يتضح لنا حرص الإمام ابن قيم الجوزية على إنصاف المخالف، والتعامل معه بهذه القواعد لتحقيق أكبر قَدرٍ مِن التآلف بين أبناء الأمة الإسلامية وعلمائها..