تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: ضوابط الإفتاء عند الأصوليين والفقهاء جمع/رمضان زيدان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    22

    افتراضي ضوابط الإفتاء عند الأصوليين والفقهاء جمع/رمضان زيدان

    ضوابط الإفتاء عند الأصوليين والفقهاء
    جمع/رمضان زيدان
    ----------------------------------
    الجزء الأول :
    الحمد لله ذ ى العلم المكين القائل فى كتابه المبين ( َمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُو اْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) [التوبة : 122]فأبان عن عظيم مكانة الفقيه فى الدين الموقع عن رب العالمــين وأشـهد أن محمـداًعبده ورسـوله الذى وضـــح المنهاج للسالكين فقال ( من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين)([1]) وصلى الله عليه وسلم وعلى آله وعترته أجمعين .

    أما بــعـد:ـ

    فإن الفتوى منصب له خطره لما فيه من تحليل وتحريم وإباحة ومنع وذلك مما تفرد الله سبحانه وتعالى به فقال تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [القصص : 70]
    وتولاه بنفسه فقال سبحانه وتعالى:(وَيَسْتَفْتُونَ كَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ)[النساء : 127]واختار خيرة خلقه ليبلغوا الناس بأحكامه وجعلهم مبشرين ومنذرين فقال تعالى:
    (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ )[البقرة : 213].
    ثم ورث العلماء الأنبياء فى الحكم بين الناس بما أنزل إليهم من ربهم فهم كماقال النبى صلى الله عليه وسلم:( إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .[2]
    ثم قلّ العلماء وتواروا فتصدر قوم لاهم فى العيرولا النفير ونطق الرويبضة فى هذه السنين الخداعة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: [ إن بين يدي الساعة سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة . قال : المرء التافه يتكلم في أمر العامة ] .([3])
    لذلك وجب وضع ضوابط للفتوى لئلا تصبح الفتوى هملاً يطمع فيها كل رويبضة وجاهل.ولما لها من خطر فى حياة الفرد والمجتمع .
    وهذه الضوابط لابد أن تكون واضحة محددة , واجبة التنفيذ والاحترام , ليتحقق لها التأثيرفى حياة المسلمين ، وهذا الوضوح والتحديد والاحترام إنما يتحقق ببنائها على أدلة شرعية متفق عليها .
    وهذا بحث مختصرسميته ضوابط الإفتاء عند الأصوليين والفقهاء بنيته على أدلة شرعية و قسمته إلى أربعة مباحث هى:

    1ـ بيان خطر الفتوى والتشديد فيها.
    2ـ شروط المفتى وصفاته وأحكامه.
    3ـ آداب المفتى .
    4ـ ضوابط الفتوى فى القضايا المعاصرة.

    وهذا أوان الشروع فى البحث . أسأل الله الإعانة والتوفيق.


    أولاً: بيان خطر الفتوى والتشديد فيها:ـ
    -----------------------------------------
    الفتوى توقيع عن رب العالمين وإظهار لمعالم الدين وفصل للحلال عن الحرام. ولهذا عرف النبى صلى الله عليه وسلم حرمتها وعرّف ذلك لأصحابه رضى الله عنهم أجمعين فكان النبى قدوة للصحابة فى التوقف عن الفتوى مالم ينزل عليه من الله بيان وتفصيل ومن ذلك توقفه صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الروح وعندما جاءته خولة بنت ثعلبة تشتكى زوجها فى الظهار،وغيرها من الأقضية التى توقف فيها النبى صلى الله عليه وسلم.
    أما التى سبق فيها البيان فقضى فيها النبى صلى الله عليه وسلم على الفور كما قضى على اليهودى الذى قتل جارية على أوضاح لها كما ثبت فى الصحيحين: أن يهودياً رضَّ رأسَ جاريةٍ بينَ حجريْنِ على أوضاحٍ لها، أى: حُلِىٍّ، فأُخِذَ، فاعْتَرَفَ، فأمررسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رأسُه بين حَجَرَيْنِ.([4])وأمثالها كثير لمن أراد استقصاءً. وهذاهوالغالب على فتاوى الرسول صلى الله عليه وسلم وأحكامه ولذلك كان الصحابة يكثرون من إحالة الفتوى على غيرهم.
    ولإيضاح ما سبق وجب التفصيل الآتى:

    1ـ الترهيب من الفتوى بغير علم:ـ
    -----------------------------------
    تكاثرت الأدلة على تحريم الفتوى بغير علم .وبينت سوء عاقبة الذين يفترون على الله كذباً ، والمحلين لما حرم الله والمحرمين لما أحلّ والمضلين للناس بغير علم. ومن ذلك قوله تعالى (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ )[النحل: 116].
    قال ابن كثير:ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله، أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهِّيه.([5])
    وقوله تعالى:( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف : 33].يقول ابن القيم تعليقاً على الآية:وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم فى الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله فى المرتبة العليا منها.([6])
    وجاء في الحديث: "من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا".([7])
    وقد خوّف النبى r من الإفتاء أو القضاء بغير علم وذلك فيما رواه أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : ( من ولي القضاء أو جعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين)([8]).
    وللفتوى خطورتها إن كانت عن جهل أو غلبة ظن فقد تحل فرجاً محرماً أو تودى بحياة مصونة كما ورد فى حديث جابررضى الله عنه قال: (خرجنا فى سفر
    فأصاب رجلاً منا حجر فشجه فى رأسه ,ثم احتلم, فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لى رخصة فى التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء،
    فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبى r أخبر بذلك, فقال : قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا, فإنما شفاء العيى السؤال , إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصرأو يعصب ـ شك موسى ـ على جرحه خرقة, ثم يمسح عليها, ويغسل سائر جسده).([9])
    وجعل النبى القضاة ثلاثة واحد فى الجنة واثنان فى النار فعن بريدة رضى الله عنه عن النبى r قال:(القضاة ثلاثة:واحد فى الجنة,واثنان فى النارفأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار, ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار).([10])
    ولو لم تكن الفتوى عن علم وعدل كانت سبباً لهلاك صاحبها يوم القيامة.ولو كانت عن علم وعدل فصاحبها موقوف للسؤال يوم القيامة بحيث يتمنى لو أنه لم يقض ولم يفت. فعن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله r يقول ليأتين على القاضى العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين فى تمرة قط.([11])
    وعرف الصحابة ذلك فتحرزوا فى الفتوى واحتاطوا من التسرع فيها . يقول عبد الله بن مسعود: الذى يفتى الناس فى كل ما يستفتونه فيه مجنون.([12])
    وأخرج ابن عبد البرفى الجامع(2 /163) عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله r أراه قال:فى المسجد ـ فما كان منهم محدث إلا ود أنّ أخاه قد كفاه الحديث ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
    وأخرج ابن عبد البر فى الجامع(2/166)عن أبى المنهال قال:سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب رضى الله عنهما عن الصرف.[13]فجعلا كلما سألت أحدهما قال: سل الآخر فإنه خير منى وأعلم .........وأخرج ابن عساكرعن أبى حصين قال:إنّ أحدهم ليفتى فى المسألة ولووردت على عمر بن الخطاب رصى الله عنه لجمع لها أهل بدر. كذا فى الكنز(5/241).([14])

    2ـ وجوب نشر العلم والفتوى لمن استكمل شروطهما:ـ
    ------------------------------------------------
    ولايفهم من الترهيب السابق كتمان العلم والفتوى , فالصحابة إنما فعلواما فعلوه من التحرزوالاحتياط لعلمهم بوفرة العلماء الراسخين .فودوا لو أنهم كفوا مئونة الفتوى لعلمهم بالتشديد فيها,أما لو علموا وجوب الفتوى عليهم لتفردهم بحمل هذا العلم.وضياعه لو كتموه,فإنهم يسارعون بالفتوى ونشر العلم. لما قد علموه من الوعيد الشديد على كتم العلم . فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة : 159] وروى عبد الله بن عمرو أن رسول الله r قال: (من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار).([15]) وممايبين حرص السلف على التثبت فى الفتوى, ما ذكرعن سعيد بن المسيب أنه كان لايفتى فتيا, ولايقول شيئاً إلاقال: اللهم سلمنى وسلم منى.([16])ويبين سحنون بن سعيد ـ صاحب المدونةـ سبب التثبت والامتناع فيقول:إنى لأسأل عن المسألة فأعرفها،وأعرف فى أى كتاب هى، وفى أى ورقة، وفى أى صفحة، وعلى كم هى من سطر. فما يمنعنى من الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدى على الفتوى.([17])





    ثانياًُ: شروط المفتى وصفاته وأحكامه وآدابه :ــــ
    -------------------------------------------
    تكلم كثير من العلماء فى شروط المفتى وصفاته وأحكامه وآدابه.ومن هؤلاء علماء الأصول إذ جعلوا الاجتهاد وشروط المجتهد باباً من أبواب كتبهم , والمجتهد عندهم مرادف للمفتى وفى شروط كلٍ اختلاف طفيف .ومن العلماء مَن خص الإفتاء بمؤلفات منفردة,ومن أبرز هؤلاء:أبوعمروعث ان بن الصلاح الشهرزورى فى كتابه أدب الفتوى وشروط المفتى وصفة المستفتى وأحكامه وكيفية الفتوى والاستفتاء. وأبوزكريا يحيى بن شرف النووى الدمشقى فى كتابه آداب الفتوى والمفتى والمستفتى. وأحمد بن حمدان الحرانى الحنبلى فى كتابه صفة الفتوى والمفتى والمستفتى.وسأحا ل من خلال آراءهم جميعاً تحديد شروط المفتى وصفاته وأحكامه وآدابه.
    1ـ شروط المفتى وصفاته .
    -------------------
    للمفتى مكانة عظيمة فهو منار الهدى للحائرين ، ومرشد التائبين، ومظهر شرع الله فى الأرض للطالبين، يقول ابن القيم فى بيان هذه المكانة: فقهاء الإسلام ، ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام ، الذين خصوا باستنباط الأحكام ،وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام ؛ فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء ، بهم يهتدي الحيران في الظلماء ، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب،قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }(النساء:59)([18])
    يقول ابن الصلاح:أما شروطه وصفاته, فهى أن يكون مكلفاً , مسلماً ,ثقة, مأموناً،متنزهاً من أسباب الفسق ومسقطات المروءة؛لأن من لم يكن كذلك فقوله غير صالح الاعتماد، وإن كان من أهل الاجتهاد ,ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر،صحيح التصرف والاستنباط ،متيقظاً.([19])وفيما يلى تفصيل ما أجمل من شروط و صفات فى قول ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ




    1ـ البلوغ والإسلام والعدل والتكليف :
    ويقول أحمد بن حمدان النمرى الحرانى: ومن صفته وشروطه أن يكون مسلماً عدلاً مكلفاً فقيهاً مجتهداً يقظاً صحيح الذهن والفكر والتصرف في الفقه وما يتعلق به أما اشتراط إسلامه وتكليفه وعدالته فبالإجماع لأنه يخبر عن الله تعالى بحكمه فاعتبر إسلامه وتكليفه وعدالته لتحصل الثقة بقوله ويبنى عليه كالشهادة والرواية.([20])
    ويقول الخطيب البغدادى:أول صفات المفتى الذى يلزم قبول فتواه أن يكون بالغاً؛لأن الصبى لاحكم لقوله، ثم يكون عاقلا؛لأن القلم مرفوع عن المجنون لعدم عقله, ثم يكون عدلاً ثقة, لأن علماء المسلمين لم يختلفوا فى أن الفاسق غير مقبول الفتوى فى أحكام الدين،وإن كان بصيراً بها.([21])
    2ـ الأمانة والتنزه عن الفسق وخوارم المروءة:
    ويقول الإمام النووى: شرط المفتي كونه مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن الفسق وخوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكرصحيح التصرف والاستنباط
    متيقظا سواء فيه الحر والعبد والمرأة والأعمى والأخرس إذا كتب أو فهمت إشارته. ([22])
    وهذه الشروط والصفات مما اختص به أصحاب المؤلفات المستقلة فى الفتوى. وهى صفات فى مجملها خَلقية أوخُلقية وهى صفات مكملة لمن يتأهل لمنصب الإفتاء. تعين صاحبها على تحمل أمانة الإفتاء ومسئوليته العظيمة كما يظهر مما سبق ذكره من النصوص والنقولات .
    3ـ أن يكون المتصدر للإفتاء مجتهداً:
    أما الشروط والصفات الجوهرية المعتبرة التى لا يصح الإفتاء بدونها ,فقد ذكرت فى كتب الأصول كما ذكرت فى الكتب المؤلفة فى الإفتاء خاصة ؛ ويمكن استخلاصها من هذه الكتب والمؤلفات كما يلى :ـ
    يقول ابن الصلاح:وشرطه: أن يكون مع ما ذكرناه قيماً بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس,وما التحق بهاعلى التفصيل. وقد فصلت في كتب الفقه وغيرها فتيسرت والحمد لله عالماً بما يشترط في الأدلة ووجوه دلالتها وبكيفية اقتباس الأحكام منها وذلك يستفاد من علم أصول الفقه عارفا من علم القرآن وعلم الحديث وعلم الناسخ والمنسوخ وعلمي النحو واللغة واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن به من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك عالماً بالفقه ضابطاً لأمهات مسائله وتفاريعه المفروغ من تمهيدها .([23])
    وهذا إجمال من ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ فصلّه غيره من العلماء . مثل الخطيب البغدادى الذى يقول: ثم يكون عالماً بالأحكام الشرعية ، وعلمه بها يشتمل على معرفته بأصولها وارتياض بفروعها وأصول الأحكام في الشرع أربعة : أحدها : العلم بكتاب الله ، على الوجه الذي تصح به معرفة ما تضمنه من الأحكام : محكماً ومتشابهاً ، وعموماً وخصوصاً ، ومجملاً ومفسراً، وناسخاً ومنسوخاً والثاني : العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة من أقواله وأفعاله ، وطرق مجيئها في التواتر والآحاد ، والصحة والفساد ، وما كان منها على سبب أو إطلاق والثالث : العلم بأقاويل السلف فيما أجمعوا عليه ، واختلفوا فيه ، ليتبع الإجماع ، ويجتهد في الرأي مع الاختلاف والرابع : العلم بالقياس الموجب ، لرد الفروع المسكوت عنها إلى الأصول المنطوق بها ، والمجمع عليها ، حتى يجد المفتي طريقاً إلى العلم بأحكام النوازل ، وتمييز الحق من الباطل ، فهذا ما لا مندوحة للمفتي عنه ، ولا يجوز له الإخلال بشيء منه. ثم نقل الخطيب البغدادى قولاً للشافعى ليكون فصلاً فى المسأ لة ؛فقال: قال الشافعي : « لايحل لأحد يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله : بناسخه ومنسوخه ، وبمحكمه ومتشابهه ، وتأويله وتنزيله ، ومكيه ومدنيه ، وما أريد به ، وفيما أنزل ، ثم يكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالناسخ والمنسوخ ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن ، ويكون بصيراً باللغة ، بصيراً بالشعر ، وما يحتاج إليه للعلم والقرآن ، ويستعمل مع هذا الإنصاف ، وقلة الكلام ، ويكون بعد هذا مشرفا على اختلاف أهل الأمصار ، ويكون له قريحة بعد هذا ، فإذا كان هذا هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام ، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي ».([24])وقد سئل الإمام أحمد رضي الله عنه عمن يفتي بالحديث هل له ذلك إذا حفظ أربعمائة ألف حديث فقال أرجو.([25])
    ولهم فى المجتهد والمفتى تفصيل وتقسيم إلى مستقل وغير مستقل عن إمامه . وهذاالبحث لايحتمل التفصيل والتوسع.وأرى أن من استكمل الشروط السابقة استحقّ التصدر للإفتاء. فأين هذا ممن قرأ آيةً أوآيتين ,أوحديثاً أوحديثين, ثم اطّلع على كتيبات فى العلم لا تسمن ولاتغنى فقعد وتصدر وأفتى وتنظر.ثم لم يخش ربه فتقوّل على شرعه ,فضلّ وأضلّ, وصدق فيه ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) .([26])
    ولذلك يقول ابن الصلاح: فمن انتصب في منصب الفتيا وتصدى لها وليس على صفة واحدة من هذه الأصناف الخمسة فقد باء بأمر عظيم ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ومن أراد التصدي للفتيا ظاناً كونه من أهلها فليتهم نفسه وليتق ربه تبارك وتعالى ولا يخدعن عن الأخذ بالوثيقة لنفسه والنظر لها، ولقد قطع الإمام أبو المعالي وغيره بأن الأصولي الماهر المتصرف في الفقه لا تحل له الفتوى بمجرد ذلك ولو وقعت له في نفسه واقعة لزمه أن يستفتي غيره فيها ويلتحق به المتصرف النظار البحاث في الفقه من أئمة الخلاف وفحول المناظرين وهذا لأنه ليس أهلاً لإدراك حكم الواقعة استقلالاً لقصور آلته ولا من مذهب إمام متقدم لعدم حفظه له وعدم اطلاعه عليه على الوجه المعتبر والله أعلم.([27])


    1ـ أخرجه الشيخان البخارى جــ3 صــ1134 ومسلم جـ2 صــ719

    2ـ صحيح الترغيب والترهيب وقال الألبانى:حسن لغيره رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي


    3ـ السلسلة الصحيحة برقم( 2253) وقال الألبانى: صحيح

    4ـ صحيح البخارى جـ6 صـ2522 وصحيح مسلم جـ3 صـ1299

    5ـ تفسير ابن كثير جـ4 صـ609

    6ـ إعلام الموقعين جـ1 صـ31

    7ـ تفسير ابن كثير جـ4 صـ565 .والحديث رواه مسلم والترمذى وأبو داودوأحمد

    8ـ الترغيب والترهيب جـ3 صـ181.وقال الألبانى حسن صحيح ورواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن غريب وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد

    9ـ رواه أبو داود .أنظر عون المعبود شرح سنن أبى داودجـ1 صـ354

    10ـ الترغيب والترهيب جـ3 صـ181 .وقال الألبانى: صحيح لغيره و رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه

    11ـ الترغيب والترهيب جـ3 صـ182 وقال: رواه أحمد وابن حبان فى صحيحه وقال المحقق:إسناده حسن .قاله الهيثمى وزاد فى عزوه للطبرانى فى الأوسط ( المجمع 4 /192)

    12ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد جـ1 صـ437وقال:رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون

    13ـ الصرف : إبدال الذهب بالفضة ويسمى بيع الأثمان

    14ـ حياة الصحابة للكاندهلوى جـ3 صـ190 و191

    15ـ الترغيب والترهيب جـ1 ص97ـوقال المنذرى: رواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم,وقال: صحيح لاغبار عليه.وقال الألبانى:حسن صحيح

    16ـ صفة الفتوى صـ10

    17ـ ترتيب المدارك جـ4 صـ75

    18ـ إعلام الموقعين جـ1 صـ7

    19ـ أدب الفتوى صـ41

    20ـ صفة الفتوى صـ13

    21ـ الفقيه والمتفقه جـ2 صـ156

    22ـ آداب الفتوى صـ19

    23ـ أدب الفتوى صـ42

    24ـ الفقيه والمتفقه جـ2صـ156 و157


    25ـ صفة الفتوى صـ20

    26ـ السلسلة الضعيفة جـ4 صـ294 .وقال الألبانى ضعيف

    27ـ أدب الفتوى صـ55

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    22

    افتراضي ضوابط الإفتاء عند الأصوليين والفقهاء جمع/رمضان زيدان الجزء الثاني

    2ـ أحكام المفتين .
    ----------------
    وفيها مسائل اتفق العلماء على بعضها، واختلفوا فى بعضها. وسأذكر هذه المسائل ببعض الاختصارمبيناً الاتفاق والاختلاف:ـ
    1ـ لايشترط فى المفتى الحرية والذكورة ولا بأس بأن يكون المفتى أعمى، أو أخرس :مفهوم الإشارة، أوكاتباً. ولا بأس بفتوى المرأة. والله أعلم([1])
    2ـ لا تصح فتيا الفاسق، وإن كان مجتهداً مستقلاً وذلك فى المجاهر بفسقه أما المستور فتجوزفتواه. يقول ابن القيم:وكذلك الفاسق إلا أن يكون معلنا بفسقه داعياً إلى بدعته ، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته ، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز ؛ فالواجب شيء والواقع شيء والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته ، لا من يلقى العداوة بين الواجب والواقع ، فلكل زمان حكم ، ([2])
    3ـ من كان من أهل الفتيا قاضياً فهو فيها كغيره. ونقل ابن الصلاح عن أبى بكر ابن المنذر أنه يكره للقاضى أن يفتى فى مسائل الأحكام دون ما لا مجرى لأحكام القضاء فيه, كمسائل الطهارة والعبادات.وقد قال شريح:أنا أقضى ولا أفتى.([3])
    وقد يتساءل القارىء لمالايفتى القاضى وهومن أهل الفتوى.والإفتاء قرين القضاء ؟ يجيب ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن ذلك بقوله: ( لا فرق بين القاضي وغيره في جواز الإفتاء بما تجوز الفتيا به ) ولم يزل أمر السلف والخلف على هذا فإن منصب الفتيا داخل في ضمن منصب القضاء عند الجمهور ، وذهب بعض الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد والشافعي إلى أنه يكره للقاضي أن يفتي في مسائل الأحكام المتعلقة به ، دون الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها ، واحتج أرباب هذا القول بأن فتياه تصير كالحكم منه على الخصم ، ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة ، قالوا : ولأنه قد يتغير اجتهاده وقت الحكومة أو تظهر له قرائن لم تظهر له عند الإفتاء ، فإن أصر على فتياه والحكم بموجبها حكم بخلاف ما يعتقد صحته ، وإن حكم بخلافها طرق الخصم إلى تهمته والتشنيع عليه بأنه يحكم بخلاف ما يعتقده ويفتي به ،([4])
    4ـ الفتوى فرض كفاية، ولكن إذا استفتى المفتى ولم يكن فى الناحية غيره تعين عليه الجواب .وإذا سأل عامى عن مسألة لم تقع لم تجب مجاوبته.([5])
    5ـ إذا أفتى بشىء ثم رجع عنه نظرت : فإن علم المستفتىبرجوعه، ولم يكن عمل بالأول بعد لم يجزله العمل به، وكذلك لو نكح بفتواه أو استمرعلى نكاح ثم رجع لزمه مفارقتها كما لوتغير اجتهاد من قلّده فى القبلة فى أثناء صلاته, فإنه يتحول .وإن كان المستفتى قد عمل به قبل رجوعه فإن كان مخالفاًْ لدليل قاطع لزم المستفتى نقض عمله ذلك و إن كان فى محل الإجتهاد لم يلزمه نقضه . ([6])
    ولابن القيم ـ رحمه الله ـ تفصيل فى ذلك إذ يقول: وعندي في المسألة تفصيل ، وأنه لا يحرم عليه الأول بمجرد رجوع المفتي ، بل يتوقف حتى يسأل غيره ، فإن أفتاه بموافقة الأول استمر على العمل به ،وإن أفتاه بموافقة الثاني، ولم يفته أحد بخلافه ؛ حرم عليه العمل بالأول ، وإن لم يكن في البلد إلا مفت واحد سأله عن رجوعه عما أفتاه به ، فإن رجع إلى اختيار خلافه مع تسويغه لم يحرم عليه ، وإن رجع لخطأ بان له وأن ما أفتاه به لم يكن صوابا حرم عليه العمل بالأول ، هذا إذا كان رجوعه لمخالفة دليل شرعي ، فإن كان رجوعه لمجرد ما بان له أن ما أفتى به خلاف مذهبه لم يحرم على المستفتي ما أفتاه به أولاً إلا أن تكون المسألة إجماعية .([7])
    ورجوع المفتى عن فتواه أمر قد عرف فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وعهدى الصحابة والتابعين رضى الله عنهم. ومما يروى فى ذلك:
    1ـ عن أبيض بن حمال أنه(وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح قال ابن المتوكل الذي بمأرب فقطعه له فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدري ما قطعت له إنما قطعت له الماء العد قال فانتزع منه قال: وسأله عما يحمى من الأراك قال: ما لم تنله خفاف وقال: ابن المتوكل أخفاف الإبل).([8])
    وذكر د/ رفعت فوزى عبد المطلب طائفة كثيرة من الأحاديث والآثار عن النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فى هامش أد ب الفتوى لأبى عمرو بن الصلاح.([9])
    6ـ إذا عمل المستفتى بفتيا المفتى فى إتلافٍ ثم بان خطؤه وأنه خالف فيها القاطع. فعن الأستاذ أبى إسحاق الإسفرايينى أنه يضمن إن كان أهلاً للفتوى ولا يضمن إن لم يكن أهلاً ؛ لأن المستفتى قصّر.والله أعلم.([10])
    ولابن القيم تفصيل فى ذلك إذ يقول: وعلى هذا إذا استفتى الإمام أو الوالي مفتياً فأفتاه ثم بان له خطؤه فحكم المفتي مع الإمام حكم المزكين مع الحاكم ، وإن عمل المستفتي بفتواه من غيرحكم حاكم ولا إمام فأتلف نفساً أو مالاً : فإن كان المفتي أهلاً فلا ضمان عليه ، والضمان على المستفتي، وإن لم يكن أهلا فعليهالضمان ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:{من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن }([11]) وهذا يدل على أنه إذا عرف منه طب وأخطأ لم يضمن ، والمفتي أولى بعدم الضمان من الحاكم والإمام ؛ لأن المستفتي مخير بين قبول فتواه وردها ، فإن قوله لا يلزم ، بخلاف حكم الحاكم والإمام ،([12])
    7ـ لا يجوز للمفتى أن يتساهل فى الفتوى ,ومن عُرف بذلك لم يَجزأن يستفتى.
    والتساهل يكون من المفتى لأغراض كثيرة, مثل أن يتوهم أن الإسراع فى الفتوى براعة وأن الإبطاء عجز ومنقصة؛أويحمله حرصه على إيصال النفع لمن يروم نفعه فيتتبع الحيل ويتمسك بالشبه طلباً للترخص على من يروم نفعه ؛أو التغليظ على من يروم ضره،([13]) وفى ذلك يقول الشاطبى: وقد أدى إغفال هذا الأصل إلى أن صار كثيرمن مقلدة الفقهاء يفتى قريبه أو صديقه بما لا يفتى به غيره من الأقوال اتباعاً لغرضه وشهوته . أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق ولقد وجد هذا فى الأزمنة السالفه فضلاًً عن زماننا كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة . ([14]) وقد شدد العلماء فى تساهل المفتى وتتبع رخص المذاهب.
    يقول الشاطبى رداً على من اعترض على منع تتبع رخص المذاهب: لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيداً بما هو جار على أصولها وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها فما قاله عين الدعوى ثم نقول تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه ومضاد أيضا لقوله تعالى فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول وموضع الخلاف موضع تنازع فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس وإنما يرد إلى الشريعة وهى تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض.([15]) وأما إذا صح قصده فاحتسب في تطلب حيلة لا شبهة فيها ولا تجر إلى مفسدة ليخلص بها المستفتي من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل يشهد له قول الله تبارك وتعالى لأيوب صلى الله عليه وسلم وعلى رآه لما حلف ليضربن امرأته مائةَ {خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }[ص : 44].([16])
    8ـ ليس له أن يفتى فى كل حالة تغير خلقه , وتشغل قلبه وتمنعه من التثبت والتأمل كحالة الغضب أو الجوع أو العطش أو الحزن أو الفرح الغالب أو النعاسأو الملالة أو المرض أو الحر المزعج أو البرد المؤلم أو مدافعة الأخبثين وهو أعلم بنفسه فمهما أحس باشتغال قلبه وخروجه عن حد الاعتدال أمسك عن الفتيا فإن أفتى في شيء من هذه الأحوال وهو يرى أن ذلك لم يمنعه من إدراك الصواب صحت فتياه وإن خاطر بها فالترك أولى.([17])
    9ـ اتفق العلماء على أنه لايجوز أخذ أجرة على الفتوى. لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله فلا تجوز المعاوضة. وذلك إذالم يكن متفرغاً للفتوى، أما إذا ألزمه الحاكم بالفتوى فلا يحرم عليه أخذ الأجرة على الفتوى.
    10ـ اتّباع الدليل ولو خالف المذهب . لأن المقصود من الفتوى إظهار حكم الله ورسوله فى المسألة المستفتى عنها،وليس المقصود إظهار حكم هذاالمذهب أو ذاك .ولذلك قال الشافعى ـ رحمه الله ـ :إذا وجدتم فى كتابى خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا ما قلته.
    11ـ إذا اقتصر في جوابه على حكاية الخلاف بأن قال فيها قولان أو وجهان أو نحو ذلك أن يبين الأرجح فحاصل أمره أنه لم يفت بشيء. وكان الشيخ أبو القاسم بن البزري وهو علامة زمانه في المذهب إذا كان في المسألة خلاف واستفتي عنها يذكر الخلاف في الفتيا ويقال له في ذلك فيقول لا أتقلد العهدة مختاراً لأحد الرأيين مقتصراً عليه وهذا حيد عن غرض الفتوى وإذا لم يذكر شيئاً أصلاً فلم يتقلد العهدة أيضاً ولكنه لم يأت بالمطلوب حيث لم يخلص السائل من عمايته.([18])
    وهذا خلاصة ما أورده العلماء فى أحكام المفتين.
    3ـ آداب المفتى.
    ---------------
    وقد ذكر العلماء آداباً كثيرة للمفتى . وقد رأيت أنه يمكن جمعها تحت عنوانين هما: آداب علمية .وآداب أخلاقية.
    أولاً:الآداب العلمية:
    -------------------
    1ـ يجب على المفتي حيث يجب عليه الجواب أن يبينه بياناً مزيحاً للإشكال ثم له أن يجيب شفاها باللسان وإذا لم يعلم لسان المستفتي أجزأت ترجمة الواحد لأن طريقه الخبر وله أن يجيب بالكتابة مع ما في الفتوى في الرقاع من الخطر.([19])
    والجواب المزيل للإشكال هو الذى لايُحتاج معه إلى مزيد بيان، فلا يقال لمن سأل عن مسألة فى المواريث:يقسم المال بين الورثة على فرائض الله عز وجلّ. فترك السائل أشد حيرة مما جاءه .
    2ـ إذا كانت المسألة فيها تفصيل لم يطلق الجواب ,فإنه خطأ .لأنه يفتح الباب للتمحل والاحتيال الباطل .وإنما عليه الاستفسار والتثبت .كما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما جاءه من فتاوى تحتاج للتفصيل .كما فى حديث ابن أم مكتوم لما سأل النبى هل يجد له رخصة أن يصلى فى بيته؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم:هل تسمع النداء؟ قال :نعم. قال:فأجب .وقد ذكرالاستاذ الدكتور/رفعت فوزى أمثلة كثيرة على ذلك فى تعليقه على أدب الفتوى فلتنظر.([20])
    3ـ ليتأمل رقعة الاستفتاء تأملاً شافياً كلمة بعد كلمة ولتكن عنايته بتأمل آخرها أكثر فإنه في آخرها يكون السؤال, وقد يتقيد الجميع بكلمة في آخر الرقعة ويغفل عنها القارىء لها, وهذا من أهم ما ينبغي أن يراعيه فإذا مر فيها تضمهما سأل عنه المستفتي ونقطه وشكله مصلحة لنفسه ونيابة عمن يفتي بعده وكذا إن رأى لحناً فاحشاً أو خطأ يحيل معنى أصلحه.وإذا رأى بياضاً خط عليه وشغله.([21])
    4ـ ينبغى أن يكتب الجواب بخط واضح, وسط ؛ليس بالدقيق الخافى,ولا بالغليظ الجافى .ويتوسط فى سطوره.وتكون عبارته واضحة صحيحة.وألاًتتفا ت أقلامه.[22]
    5ـ ليختصر جوابه ويكون بحيث تفهمه العامة قال صاحب الحاوي يقول يجوز أو لا يجوز أو حق أو باطل.([23])
    6ـ إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتي العامي بما فيه تغليظ وهو مما لا يعتقد ظاهره وله فيه تأويل جاز ذلك زجرا له كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن توبة القاتل فقال: لا توبة له وسأله آخر فقال: له توبة ثم قال: أما الأول فرأيت في عينه إرادة القتل فمنعته وأما الثاني فجاء مستكينا قد قتل فلم أقنطه . ([24])
    7ـ ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة إذا كانت نصاً واضحاً مختصراً مثل أن يسأل عن عدة الآيسة فحسن أن يكتب في فتواه قال الله تبارك وتعالى {اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ }[الطلاق : 4] أويسأل هل يطهر جلد الميتة بالدباغ فيكتب نعم يطهر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ أيما إهاب دبغ فقد طهر}([25]) وأما الأقيسة وشبهها فلا ينبغي له ذكر شيء منها .([26])
    8ـ ليس له إذ استفتي في شيء من المسائل الكلامية أن يفتي بالتفصيل بل يمنع مستفتيه وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا ويأمرهم بأن يقتصروا فيها على الإيمان جملة دون تفصيل ويقولوا فيها وفيما ورد من الآيات والأخبار المتشابهة إن الثابت فيها في نفس الأمركل ما هولائق فيها بجلال الله وكماله وتقديسه المطلقين و ذلك هومعتقدنا فيها وليس علينا تفصيله وتعيينه وليس البحث عنه من شأننا بل نكل علم تفصيله إلى الله تبارك وتعالى ونصرف عن الخوض فيه قلوبنا وألسنتنا.([27])
    ثانياً: الآداب الخلقية:
    --------------------
    1ـ إذا كان المستفتي بعيد الفهم فينبغي للمفتي أن يكون رفيقاً به صبوراً عليه حسن التأني في التفهم منه والتفهيم له حسن الإقبال عليه لا سيما إذا كان ضعيف الحال محتسباً أجر ذلك فإنه جزيل.
    2ـ يستحب له أن يقرأ ما في الرقعة على من بحضرته ممن هو أهل لذلك ويشاورهم في الجواب ويباحثهم فيه وإن كانوا دونه وتلامذته لما في ذلك من البركة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم آداب الصالحين رضي الله عنهم اللهم إلا أن يكون في الرقعة ما لا يحسن إبداؤه أو ما لعل السائل يؤثر ستره أو في إشاعته مفسدة لبعض الناس فينفرد هو بقراءتها وجوابها والله أعلم.
    3ـ روي عن مكحول و مالك رضي الله عنهما أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا لا حول ولا قوة إلا بالله ونحن نستحب للمفتي ذلك مع غيره فليقل إذا أراد الإفتاء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ففهمنا سليمان الآية رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبحانك اللهم وحنانيك اللهم اللهم لا تنسني ولا تنسني الحمد لله أفضل الحمد اللهم صل على محمد وعلى آله وسائر النبيين والصالحين وسلم اللهم وفقني واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب وأعذني من الخطأ والحرمان آمين فإن لم يأت بذلك عند كل فتوى فليأت به عند أول فتيا يفتيها في يومه لما يفتيه في سائر يومه مضيفاً إليه قراءة الفاتحة وآية الكرسي وما تيسر فإن من ثابر على ذلك كان حقيقاً بأن يكون موفقاً في فتاويه والله أعلم.
    4ـ ليحذر أن يميل في فتياه مع المستفتي أو مع خصمه ووجوه الميل كثيرة لا تخفى ومنها أن يكتب في جوابه ما هو له ويسكت عما هو عليه وغيرها من وجوه الميل والهوى.([28])

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المشاركات
    22

    افتراضي ضوابط الإفتاء عند الأصوليين والفقهاء جمع/رمضان زيدان الجزء الثالث

    4ـ ضوابط الفتوى فى القضايا المعاصرة.
    ----------------------------------------
    الحياة لاتتوقف عن التطور والتغير،وفى عصرنا ارتفعت وتيرة التطور والتغير. واستجدت معاملات لاعهد للمسلمين بها،وظهرت مخترعات تطلبت إظهار أحكام الشريعة فيها وفى استعمالها.واستح ث الأطباء جراحات وعلاجات وجب إجلاء الحق فيها من الباطل.فظهرت المجامع الفقهية،ومجالس الفتوى الجماعية،ونشطت الفتوى الفردية لتعدد منابرها من كتب ومؤلفات إلى أجهزة مرئية ومسموعة وساحات للدرس والفتوىفى المساجد والجمعيات؛هذا مع ضعف الرقابة والتوجيه، وانصراف الحكام عن الدين وأهله. واستباحة حمى الشريعة من الجهال وأنصاف الأميين، وضعف تمييز عوام المسلمين بين العالم والمتعالم، وبين الناصح والغاش.
    دعا كل هذا إلى تعديل بعض الضوابط وإضافة ضوابط أخرى للفتوى. وفيما يلى عرض لبعض هذه الضوابط.

    الضابط الأول:اتصاف المفتى بشروط الإفتاء التى سبق ذكرها.
    ----------------------------------------------------------
    فيشترط فيه الاتصاف بالإسلام وأن يكون بالغاً عاقلاً مكلفاً عدلاً مجتهداً غير متقيد بمذهب سوى الكتاب والسنة ؛ وهو ما أطلق العلماء عليه (المجتهد المطلق). يقول الدكتور/عبدالمجيد السُوسَوه: إن العلماء لم يختلفوا فى صحة فتوى المجتهد المطلق المستقل,ولكنهم اختلفوا فى صحة فتوى مجتهد التخريج ومجتهد الترجيح.([1])وأن يكون ذا أخلاق فاضلة تجلب له الهيبة ولأحكامه الاحترام.

    الضابط الثانى:الانضباط المنهجى.
    ------------------------------
    ينبغى للمفتى أن يسيرفى فتواه وفق منهجية محكمة , سواء أكان ذلك فى فهمه للواقعة المعروضة عليه أم فى فهمه للحكم الذى يجب أن يفتى به، وعلى هذا فإن الانضباط المنهجى الذى يلزم المفتى أن يحرص عليه يأتى على مستويين: مستوى الواقعة, ومستوى الحكم.([2])
    أما الانضباط المنهجى فى فهم الواقعة فيتحقق بجمع المعلومات ومعرفة حقيقة الواقعة وأقسامها ونشأتها وظروفها، وعدم التسرع فى الحكم ومعرفة العادات و التقاليد فقد يكون لها أثر فى فهم الواقعة وتكييفها.ويجب على المفتى أن يسأل أهل العلم فى القضية المعروضة عليه. أما الانضباط المنهجى فى فهم الحكم فيكون بالتمسك بحكم النص.فإن تعددت النصوص فعلى المفتى أن يجمعها ويستنبط العلاقة بينها ليتمكن من الترجيح بينها.وإذا لم يجد نصاً فى المسألة نظر فى الأدلة الأخرى وإن اختلف فيها .ولن تتحقق هذه المنهجية إلا بإدمان النظر فى كتب التفسير
    والحديث والفقه والأحكام والفتاوى قديمها وحديثها.والاطلا المستمر على قرارات المجامع الفقهية ومعرفة ما استحدث من معاملات وآراءالعلماء فيها.
    والقراءة المستمرة للمجلات المتخصصة والنشرات العلمية المختصة بالفتوى .

    الضابط الثالث: مراعاة مصالح الناس فى ظل النصوص.([3])
    ----------------------------------------------------
    جعل الله هذه الشريعة صلاحاً للبشر فى كل زمان ومكان فقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل : 89]
    ثم إن هذه الرسالة المحمدية والشريعة الإلهية رحمة للعالمين وتيسير من رب العالمين كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء : 107]
    ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة ولا كبيرة إلا بينها للمسلمين كما روى عن سلمان أنه{قيل له: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. قال: أجل لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أوبول وأن لا نستنجي باليمين وأن لايستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجارأو يستنجي برجيع أو عظم}([4])
    وعلى المفتى أن يراعى مصالح الناس لئلا يكون سبباً لطعن العلمانيين والكافرين فى الدين.ولئلايوقع المسلمين فى حرج ومشقة.وهذه المصالح إما أن تكون مصالح متغيرة أومستجدة أومما اقتضتها ضرورات العصر وحاجاته,والتطور لعلمى .([5])
    1ـ المصالح المتغيرة: فقد اعترف العلماء بها لأنها من البديهيات العقلية,فابن القيم يقربأهمية المصالح المتغيرة واعتبارها عند الفتوى فيقول:ومن أفتى الناس بمجرد المنقول فى الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضلّ وأضلّ، ([6])
    وقد ذكرد/ عبد المجيد السوسوه أمثلة لمسائل تغير مفهومها بتغير العصر،ومنها:
    التغير فى مفهوم الاحتكارحيث صارمفهومه يتناول حبس ما يضر حبسه,سواء أكان قوتاً أم غيره، والتغيرفى مسألة التسعيرحيث صار أمراً ضرورياً لاغنى عنه
    مما استدعى ترجيح قول من ذهب إلى جوازه لرفع الضررعن الناس.
    2ـ مراعاة المصالح المستجدة:تجدد الحاجات واستحداث ما ييسر التعامل بين الأفراد أمرلاخلاف عليه؛ولاينكره الشرع ،وهذه المستجدات لاتستطاع بمعرفة الفروع الفقهية من الكتب القديمة ,ولاتحلّ بالتشديد والرفض ,وإنما تعرف الفروع بالأصول, فهذه لايحكم فيها إلامن تمرس بعلم الأصول,وأتقن بناء الفروع على الأصول؛ وأبرز مجالات المصالح المستجدة ومراعاتها,مجال المعاملات المالية كالبنوك والنقود الورقية والتأمين وغيره .وتكمن صعوبتها فى عدم وجود المثيل لها فى التراث الفقهى القديم.
    3ـ مراعاة التطور العلمى:فقد شهد العالم تطوراًمذهلاً رجح على ما حققته البشرية خلال رحلتها على الأرض منذ خلق آدم عليه السلام حتى مشارف العصرالحديث فى أواخرالقرن الثامن عشر. وأصبح إصدار الأحكام الجزافية أمراًغير مقبول, إلا أن يبنى على أسس من العلم الحديث وأحكامه القطعية المنضبطة بالأجهزةالدقيقة ، ومثال ذلك مسألة أكثر مدة الحمل. التى اختلف فيها الفقهاء وانضبطت اليوم بتطور علم الطب وأجهزته وقياساته وأدّى ذلك إلى رفض المبالغة المغرقة كقول بعض المالكية أنها خمس سنوات.وأثبت الطب الحديث أن مدة الحمل تسعة أشهر,وتمتد احتياطاً إلى سنة.
    4ـ مراعاة ضرورات العصروحاجاته:وذلك حتى لا تؤدى الفتاوى المتشددة إلى نفور المسلمين عن شريعتهم السمحة الغراء للضرورات الملحة؛ كمسألة التصوير الفوتوغرافى إذ تشدد البعض فحرمها مطلقاً ,ثم اصبح من الضرورى استخدامها لإثبات الشخصية,فالحق تحريم الصور مع إباحتها فى الضرورات.وكذلك مسألة رمى الجمرات فى منى ووقتها.

    الضابط الرابع:جماعية الفتوى.والتشديد على غير المستحقين:
    ---------------------------------------------------------
    ذكر هذا الضابط د/عبد المجيد محمدالسوسوه فقال:يقصد بجماعية الفتوى أن تصدرالفتوى بعد تشاور أهل العلم وتدارسهم للواقعة المعروضة وحكمها؛لتكون الفتوى معبرة عما ينتهون إليه من رأى قائم على تدبر وفهم للكتاب والسنة وقواعد الشريعة ,وتتأكد ضرورة الفتوى الجماعية فى القضايا المستجدة ,وخصوصاً تلك التى لها طابع العموم,وتهم جمهور الناس.([7])
    وهذا الرأى قد يرد باستحالة جمع الآراء جميعاً على فتوى واحدة لاختلاف الأفهام والعقول فى فهم الواقعة وتنزيلها على الدليل,ثم كيف يكون هذا التشاوربين أهل العلم وكيف يمكن تجميعهم،وكيف العمل إذا اختلفوا وقديكون الحق مع الواحد وإن تفرد برأيه.ويمكن اعتبارالجماعية فى الفتوى مع النظرإلى آراء المخالفين وعدم الحجرعليها.كرأى المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء الرسمية فى كل بلد.
    ويتفرع من ذلك الأخذ على أيدى غير المستحقين للتصدرللفتوى,وه ا واجب على الحاكم ونوابه،وفى ذلك يقول ابن القيم:من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ، ومن أقره من ولاة الأمورعلى ذلك فهو آثم أيضا .
    ومن أسوأ هؤلاء المفسدين فى الأرض من غرته نفسه ووسوس له شيطانه, فظن الفتوى مثيلة الدعوة وغرته جموع الجهال وراءه فاندفع فى الفتوى , مستغلاً طمع أصحاب الفضائيات فى استغلال جماهيريته,فضلّ وأضلّ .وهؤلاء يجب منعهم و معاقبتهم من قبل ولى الأمر والتنبيه على خطرهم والدلالة على أعيانهم من قبل العلماء العاملين المخلصين.
    قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله : ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية ، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب ، وليس له علم بالطريق ، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة ، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس ، بل هو أسوأ حالا من هؤلاء كلهم ، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطببمن مداواة المرضى ، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة،ولم يتفقه في الدين ؟.([8])











    الخاتمة:ـ
    ---------
    هذا البحث المختصرمحاولة لتوضيح وبيان أهمية الفتوى وعظيم خطرها؛ وهذا الخطر الذى نبه عليه الأئمة الكبار فى القرون المفضلة يتضاعف فى زمان قلّ فقهاؤه وكثر أدعياؤه ,السوّال فيه كثير والعالمون بالجواب قليل.وما نحن وهم إلا كما قال النبى صلى الله عليه وسلم :
    { إنكم أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه قليل سؤاله كثير معطوه العمل فيه خير من العلم, وسيأتي زمان قليل فقهاؤه, كثير خطباؤه, كثير سؤّاله, قليل معطوه, العلم فيه خيرمن العمل}.[9]
    وهذا يتطلب التشديد على المفتين ومنع غير المؤهلين منهم ومعاقبتهم.والله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن. والله أسأل أن يجعل لهذا الدين أمر رشد يعز فيه أولياؤه ويذل فيه أعداؤه.
    {قل اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 26]

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


















    المراجع والمصادر :ــ
    ------------------
    1- أدب الفتوى وشروط المفتى وصفة المستفتى وأحكامه لأبى عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزورى /ط الهيئة العامة للكتاب – مكتبة الأسرة تحقيق و تعليق د/ رفعت فوزى
    2ـ آداب الفتوى و المفتى و المستفتى لأبى ذكرية يحيى بن شرف النووى الدمشقى /ط ـ دار الفكر/دمشق ـالطبعة الأولى سنة 1408 هـ تحقيق/ بسام عبد الوهاب الجابى.
    3ـ إرواء الغليل فى تخريج أحاديث منارالسبيل للشيخ/محمد ناصر الدين الألبانى /طبعة المكتب الإسلامى ـ بيروت.
    4ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية /ط ـ دار الحديث ـ القاهرة.
    5ـ ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضى عياض السبتى المالكى /ط ـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب.
    6ـ الترغيب والترهيب للحافظ عبد العظيم المنذرى / ط ـ دار الحديث ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى سنة 1415هـ ـ 1994م . تحقيق وتخريج:أيمن صلاح شعبان.
    7- تفسير القرآ ن العظيم لأبى الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشى طـ دار طيبة للنشر و التوزيع طـ الثانية 1420هـ 1999 م تحقيق سامى بن محمد سلامة
    8ـ حياة الصحابة لمحمد يوسف الكاندهلوى /ط ـ دار الحديث ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى سنة 1420هـ ـ 1999م .علق عليه وخرج أحاديثه د/محمد بكرإسماعيل.
    9- السلسلة الصحيحة للشيخ /محمد ناصر الدين الألبانى – مكتبة المعارف ـ الرياض.
    10ـ السلسلة الضعيفة للشيخ/ محمد ناصر الدين الألبانى ـ مكتبة المعارف ـ الرياض .
    11ـ سنن أبى داود ـ لأبى داود سليمان بن الأشعث الأزدى السجستانى/ ط ـ دار الفكرـ بيروت .تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد .
    12- صحيح البخارى للإمام إسماعيل أبو عبد الله البخارى الجعفى – طـ دار أبن كثير ، اليمامة – بيروت طـ الثالثة سنة 1407هـ 1987م تحقيق د/ مصطفى ديب البغا
    13- صحيح الترغيب والترهيب للشيخ ناصرالدين الألبانى/ مكتبة المعارف – الرياض ط الخامسة .
    14- صحيح مسلم . للإمام مسلم بن الحجاج القشيرى النيسابورى ط دار إحياء التراث العربى بيروت تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى .
    15ـ صفة الفتوى والمفتى والمستفتى لأحمد بن حمدان النمرى الحرانى الحنبلى . تحقيق : الشيخ/ محمد ناصرالدين الألبانى /ط ـ المكتب الإسلامى ـ بيروت/الطبعة الثالثةسنة1397هـ
    16ـ ضوابط الفتوى فى القضايا المعاصرة. للأستاذ الدكتور/عبد المجيد محمد السوسوه ـ بحث منشور فى مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ـ الكويت.العدد 62 شعبان 1426هـ.
    17ـ الفقيه والمتفقه لأبى بكر على بن ثابت الخطيب البغدادى /طبعة دار إحياء السنة المحمدية سنة 1395هـ ـ 1975م .
    18ـ الموافقات فى أصول الأحكام لأبى إسحاق الشاطبى /ط ـ دار إحياء الكتب العربية فيصل عيسى البابى الحلبى .
    19ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين على بن أبى بكر الهيثمى /طبعة دار الفكر ـ بيروت سنة 1414هـ ـ 1994م .




    56ـ ضوابط الفتوى فى القضايا المعاصرة صـ246 .والتخريج والترجيح يكونان فى مذهب معين لايتعديانه.

    57ـ ضوابط الفتوى فى القضايا المعاصرة صـ253

    58ـ العنوان مأخوذ من بحث : ضوابط الفتوى د/عبد المجيد محمد السوسوه.

    59ـ سنن أبى داود جـ1 صـ3 وقال الألبانى : صحيح.

    60ـ حسب تقسيم د/عبد المجيد محمد السوسوه .بتصرف.

    61ـ إعلام الموقعين جـ3 صـ78

    62ـ ضوابط الفتوى صـ283

    63ـ إعلام الموقعين جـ4 صـ189

    64ـ مجمع الزوائد جـ1 صـ337 وقال:رواه الطبرانى فى الكبير.وقال الألبانى فى الصحيحة:صحيح.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •