الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله إلى يوم الدين.
هذه خلاصة معتصرة حاولت فيها جهدي الاختصار لترتيب المناظرة على ما وضعه أهل العلم الذين وضعوا علم الجدل وبينوا طرائق الحجاج ومراتب الأدلة والأسئلة ومواضعها،
وكيفية الاعتراض وما جاز منه وما لم يجز …
وقد نظرت في المختصر فرأيت أنه لا يقوى على إدراك جمل كثيرة فيه من ليس له من علم الأصول محصول مستصفى منخول ، ولا في علم المنطق منطق مرونق، ولا في طرائق البحث رؤية أو بحث، ولا في علوم القرآن برهان أو إتقان، ولا في علوم الحديث باعث لنظر حثيث، خاصة مع إخلائي الكلام عن التمثيل، لمكان الاختصار واجتناب التطويل.
فقلت لعل في هذا إعلاما لكل غمر بمحله من العلم، لئلا يدخل فيما لا يحسن، ولا يطلب ما لا يمكن، إن بقيت له بقية من حياء، تمنعه عن الرعونة الجوفاء، فإنا رأينا كثيرا من الأقزام يطلبون مناظرة العلماء، بغير مؤونة ولا بضاعة إلا ما امتاروا به من الأغيلمة السفهاء، فصاروا على ظهور ما هم فيه من اللقلقة، وبيان عوار ما هم واقعون فيه من الشقشقة، شيوخا للعلم مصدرين، فإن أدركتهم الرقة والخشية قالوا = ” طلاب علم ” بزعمهم متواضعين، ولا والله ما ندفع عنهم الضعة ولا لؤم المحتد وخسته، ولكن نطمع أن يعرفوا – وإن لم يدركوا – شرف العلم وقيمته.
فيا من ليس له في العلم قامة، ولا له في طريق النظر شرف ولا هامة، اسمعوا مني فوالله إني لكم ناصح قبل أن يعض كل منكم إبهامه، دعوا عنكم الذب عما تزعمون أنه الحق إلا بالحق، واتركوا عنكم التقشيش والتفتيش والتقميش فيما جل ودق، وانظروا إن كان فيكم رجل رشيد، وباحث عن الحق والتسديد، أهذا ما تتبعونه في نقاشكم وجدلكم، مع غض الطرف عن عجركم وبجركم، أم أنكم في المراء تخوضون، والجدل المذموم تصولون وتجولون ؟
خذ بلا شيء : ترتيب المناظرة:
السؤال في المناظرة على أربعة مراتب:
1- السؤال عن مذهب المناظر
2- السؤال عن دليل المناظر
3- السؤال عن وجه الدلالة في دليل المناظر
4- السؤال الاعتراضي القادح
الجواب في المناظرة على أربعة مراتب:
1- جواب تقرير المذهب وبيانه
2- جواب الاستدلال على المذهب
3- جواب تبيين وجه الدلالة
4- جواب إبطال الاعتراض وإسقاط القدح
المرتبة الأولى : السؤال عن مذهب المناظر وجوابه:
1- إذا كان جواب السؤال لا تفصيل فيه يجيب المسؤول عنه وينتقل إلى المرتبة الثانية.
2- إذا كان السؤال مطلقا أو عاما وكان الجواب عنه مقيدا أو مخصصا لزم المسؤول أحد أمرين :
- إما أن يفصل الجواب ويبين القيود أو المخصصات
- وإما أن يرجع السائل إلى تخصيص سؤاله أو تقييده
3- وإذا أجاب المسؤول عن السؤال المطلق بغير بيان منه للتفصيل الذي عنده كان الخطأ عليه لا على السائل، ويصح للسائل أن يخطئه في الجوابين.
4- إذا كان المناظر ناقلا فلا يطالب بأكثر من تصحيح النقل، فإن كان ملتزما لمضمون الكلام صار مدعيا ويجري عليه ما يجري على صاحب المذهب
وإذا صح جواب المسؤول، انتقل السائل إلى المرتبة الثانية.
المرتبة الثانية: السؤال عن الدليل:
1- إذا كان الدليل مسلما بحجيته بين المتناظرين انتقل إلى المرتبة الثالثة.
2- إذا كان الدليل غير مسلم بحجيته عند السائل، خير المسؤول السائل بين أمرين :
- إما أن يسلم له بحجية دليله
- وإما أن ينتقل موضوع المناظرة إلى حجية الدليل المتنازع فيه.
إذا سلم السائل بحجية دليل المسؤول انتقل إلى المرتبة الثالثة.
إذا لم يسلم السائل بحجية الدليل، وامتنع عن نقل المناظرة إلى الحجية المتنازع فيها، اعتبر منه انقطاعا.
وإنما كان الأمر على ما ذكرناه هنا لأنه لا يلزم المسؤول في المناظرة أكثر من إثبات مذهبه بدليل يصح عنده هو لا عند السائل، فإن نازعه فيه نصر دليله، وعلة ذلك أن المسؤول لا يلزمه أن يعرف مذهب سائله في المناظرة، فلذلك لا تضره مخالفته له ولا تنفعه موافقته.
وأما السائل فهو عارف بمذهب المسؤول لما سبق بيانه من أن أول المراتب هو سؤاله عن مذهب مناظره، فلا يحق له أكثر من أن يقدح في الدليل وينتقل بالكلام إلى موضوع حجيته، أو يسلم.
ولا يحق للسائل أن يعترض في هذه المرتبة من المناظرة بما هو دليل عنده لا يسلم له به المسؤول، وليس له أن ينقل الكلام إلى حجية دليله، لأنه تابع للمسؤول فيما يفرضه بعد أن سأله عن مذهبه ودليله، فليس له أكثر من أن ينظر معه فيما يورده، بعد أن بين له المسؤول ما يذهب إليه ودليله عليه، فإن كان صحيحا سلم له، وإن كان فاسدا بين فساده، ولا يحق له أن ينقل الكلام إلى جهة أخرى، إذ إن كلام المسؤول جواب سؤاله.
المرتبة الثالثة: السؤال عن وجه الدلالة:
1- إذا كان وجه الدلالة من دليل المسؤول جليا في دلالته على المطلوب لم يجز للسائل هذا السؤال، بل ينتقل إلى المرتبة الرابعة، فإن سأل مع ظهوره كان السائل متعنتا أو جاهلا.
2- إذا كانت دلالة الدليل على المطلوب غامضة لزم السائل أن يسأل عنها، فإن تجاوز السؤال في ذلك الموضع اعتبر مسلما بوجه الدلالة ويقع عليه خطأ تسليمه، ولم يجز له بعد ذلك الرجوع للقدح في دلالة ذلك الدليل على ذلك المطلوب.
وجه الدلالة يكون جليا إذا كان نصا أو ظاهرا أو عاما على التفصيل المذكور عند الأصوليين.
تابع.