بسم الله الرحمن الرحيم
اتفقت كلمة أهل السنة والجماعة على أن السنة هي المصدر التشريعي الثاني بعد كتاب الله تعالى ، واتفقت كلمتهم أيضاً على أنها مفسرة ومبينة لمعاني الكتاب العزيز ودلالاته ، واتفقت كلمتهم أيضاً على أنها أغنى مصدر من مصادر التلقي عقيدة ومنهجاً وفقهاً ، واتفقوا على تبديع وتضليل من قال بعد حجيتها وهمش الإعتماد عليها في فهم الإسلام الحنيف .
وبالتالي : فهي دستور عظيم لمن ابتغى إقامة الدين على أصوله الصحيحة السليمة .
هذا من جهة ..
ومن أخرى فقد ماجت موجة التفرق في الأمة دهوراً من الزمن بفرق ذات عجر وبجر ! غث وسمين !! مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم ، وانزوى كثير من علماء أهل السنة في غربة معتمة بنصه صلى الله عليه وسلم أيضاً .
ولأن كثير من نصوص السنة تحتاج إلى تفسير وتعقيب .. ولأن إمكانية التصنيف والنشر عبر النسخ كانت آنذاك في متناول كثير ممن يخالفون أهل السنة والجماعة في المعتقد والمنهج في جزئيات أو كليات .. فقد ظهرت الصبغة العامة على كتب الشروحات الحديثية بألوان لا تتفق وآراء أهل السنة والجماعة تماماً !!
أضف لهذا : أن كثيراً من الكتب لم تقتحم أسوارها بشرح حقيقي ! ولا تزال كتباً عذراء يحير قارئها غير المتخصص !!
ما أكثر ما يصادفني حديثاً في مسند الإمام أحمد وأبتغي له شرحاً أو تعليقاً يوضح توجيهه فلا أجد ! وأبعد منه مسند أبي يعلى .. وغيره ..
ولم المضي ببعد ؟! فهذه الأمهات العروفة بالكتب الستة .. وأنا لم أتقصد للإحصاء لكن :
1 - سنن ابن ماجه : الأغلب في شراحه : الأحناف ! والأشاعرة !! ولا يميزون بين المنتقد من أحاديث الكتاب وبين سليمه !!
2 و 3 - وركن كثير من القوم إلى (عون المعبود) كتوضيح لأبي داؤد و (تحفة الأحوذي) بالنسبة للترمذي !! ومع أن الكتابان فيهما ما لا يستغني عنه طالب علم إلا أنهما لا يخلصان من نقد سني ! عقيدة !! وفقهاً ! والصنعة الحديثية فيهما ليست بصنعة أهل الحرفة !
4 - وأما سنن النسائي فبقي بتطريز السندي والسيوطي برهة من الزمن .. ولولا صنيع العلامة الأثيوبي عليه لكان الكتاب أفقر من سابقيه .. وفي النفس أمنية تكحيل العينين بإكمال شرح العلامة الحويني عليه ..
ومع هذا يبقى سؤال يختلج في النفس : أن جهود القوم صبت على صغرى النسائي دون كبراه !! فهل ستحضى سنن النسائي الكبرى يوماً بشرح سلفي يكشف غوامضها بصنعتي الحديث والفقه !
5 - وحتى صحيح مسلم .. ركن القوم الى شرح النووي .. ومع أن النووي -وهو من هو- قد كتب الله لشرحه القبول في الأرض كما يقولون إلا أن الرجل رحمه الله كان أشعرياً ناصراً لمذهبه الشافعي وبشدة ! ويروق للبعض أن يسمي شرحه على مسلم : بكتاب فقه شافعي وآداب !! وقبل هذا فقد تأول الأسماء والصفات ولم يوفق لكثير من مسائل الأسماء والأحكام كما يعرفه من طالع الكتاب بتمعن أو طالع أحد الكتب التي تعقبته ككتاب الشيخ مشهور بن حسن السلمان ..
6 - وأما صحيح البخاري .. وما أدراك ما صحيح البخاري .. فهنا ألجم نفسي عن الكلام .. ولئلا يظن الظان أني أطعن في شرحه العظيم (فتح الباري) أقول : لم يسبق إلى مثل (الفتح) .. بل هو فتح ! لكن صحيح البخاري لم تظهر سائر مسائله في (الفتح) !! والصحيح لا محالة يستحق جهوداً أكثر .. وأكتف بهذا بالنسبة للصحيح ..
الذي أود بيانه هو :
1 - السنة فيها المتشابه والمحكم كما هو في القرآن على ما ذكره الشاطبي !
2 - كثير من النوازل الفقهية طرأت ولها سقف سني بنصوص موجودة في الأمهات .. وكثير ممن خاض بها غفل عن تلكم النصوص ..
3 - كثير من الكتب فقيرة مما يبينها .. او لها حظ فقير مثلها من الحواشي او شروحات غير أهل السنة .. كسنن الدارقطني .. ومسند الدارمي !!
4 - كثير ممن يحتجون على أهل السنة بتأويلات وتحريفات يحتجون بأقوال شراح السنة أنفسهم !! ولك أن تتخيل ..
لهذا .. ولغيره مما يكثر الكلام به .. نتيجة واحدة تحتاج إلى تفكير قبل الشروع في ردها : ربما .. قد .. لعلنا .. أظن وأتوهم أننا .. قصرنا في جانب من أهم جوانب السنة .. جانب الدراية !
ربما اتهم بعجز الرؤية .. ربما غير ذلك .. لكنها نظرية .. صححوا لي أو عللوا !
ربما عندما تدركون وترون أن نصوص القوانين الوضعية تخضع للشرح والحفظ بعدة طرق تيسيرية وبمرونات معينة ولها شراح كثر تطبع لهم كتبهم وتنشر .. ربما حينئذ تحنون لما أحن إليه وأغار عليه ..
ربما عندما تكونون في موقف يتجادل فيه اثنان حول قضية ما قد تزيد من فوهة افتراق الأمة وفي الباب حديث واحد كل يؤله على مراده ولا نجد له شارحاً عليه من أهل السنة يدعم القول ..
ربما لو ترك باحثونا قليلاً الإعتناء بصغار الكتب الحديثية كأربعين النووي وما أشبهها وتوجهوا إلى الأمهات بجهد وإبداع ..
ربما لو قدمنا شروحا على الاحاديث التي لم يعتنى بشرحها .. ولو على الزوائد ..
ما ضر طالب علم متمكن متخصص في الصنعة الحديثية لو عقد العزم على شرح زوائد ابن حبان للهيثمي .. أو زوائد ابي يعلى له أيضاً ؟!! ..
ما ضر طالب علم متخصص لو عكف على سنن الدارقطني ونقل كلام أهل العلم على أحاديثه .. سنداً ومتناً ..
بل
ما ضر طالب علم لو ارتقى لصحيح مسلم مثلاً .. ونقل كلام شيخ الإسلام على أحاديثه كلٌ في موضعه .. ونقل كلام ابن القيم وابن رجب وسائر من يسر من يقرأ الكتاب الشارح أن يجد له نصاً فيه .. ثم ذكر بعض التخريجات الواقعية المعاصرة بنوازلها واجتهاد أهل الاجتهاد فيها ..
ما ضر ؟
او مثلاً ما الضير في العمود إلى شرح النووي على مسلم مثلا وتطريزه بحاشية لا كحواشي التحقيق المزعوم .. بل بحاشية تشرح غامض كلامه وتصحح توجيه بعض آرائه وفق كلام أهل السنة والجماعة لا الأشاعرة .. على غرار ما كمل به القاضي عياض كتاب المازري .. والإكمالات والتكميلات التي عليه .. ما الضير ؟! لئلا يجد من ينصح بشرح النووي على مسلم في نفسه غصة أن يذكره باجتناب مواضع الأسماء والصفات ونحو ذلك .. ما الضير ؟!
أتراها قصرت الهمم ..
وللحديث بقية ..
ملخصاً بالمعنى
من طليعة كتابي :
( حسن التأثيث بطبقات شراح الحديث )
أبو النور الحنبلي