28-04-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
لهذا الأمر جاء هذا الكتاب ليكون بمثابة مدخل إلى دراسة الاستشراق والمستشرقين، حيث ألقى فيه المؤلف الضوء على مفهوم الاستشراق وتاريخه، ودوافعه ووسائله، ثم أشار إلى ملامح منهج البحث الإستشراقي في الدراسات الإسلامية، ثم ختمه بذكر نماذج من حملات المستشرقين ومفترياتهم على الإسلام.


الاستشراق بين الحقيقة والتضليل (مدخل علمي لدراسة الاستشراق)
تأليف: د. إسماعيل على محمد
الناشر: الكلمة للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 254
ـــــــــــ
إن موضوع الاستشراق والمستشرقين من الموضوعات التي حصل بشأنها تلبيس كثير، وأريد لها أن تفهم على غير وجهها الصحيح، وصاحبها- في بعض الأحيان- تضليل يعمي على الناس حقيقتها.
وقد تبنى أتباع المستشرقين وتلاميذهم في عالمنا الإسلامي والعربي، خط الإسراف والمغالاة في تقدير المستشرقين، وجعلهم فوق مستوى المؤاخذة والشبهات، وحاولوا تضليل الناس وخداعهم بأن الحركة الإستشراقية حركة علمية بريئة من الأغراض والأهواء والنزعات العدائية لعالم الإسلام، وأنها لا علاقة لها البتة بمؤازرة القوى المعادية للإسلام والمسلمين، وحرصوا على رسم صورة مشرقة وضاءة للإستشراق، لا تشوبها أية شائبة. وهذا المسلك خداع عن الحقيقة، وطمس لمعالمها.
وعلى الرغم من وجود نفر قليلين من المستشرقين، ممن حملوا أنفسهم على التزام الموضوعية، والنزاهة والتجرد لوجه الحق، حتى آل الأمر ببعضهم إلى اعتناق الإسلام، والرضا بالله تعالى ربًا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. ولكن هذه القلة النزيهة من المستشرقين لم تحتل- مع الأسف الشديد- موقعا مرموقا في إطار حركة الاستشراق، بل ولم تستطيع أن تشكل تياراً بارزا فيها.
لهذا الأمر جاء هذا الكتاب ليكون بمثابة مدخل إلى دراسة الاستشراق والمستشرقين، حيث ألقى فيه المؤلف الضوء على مفهوم الاستشراق وتاريخه، ودوافعه ووسائله، ثم أشار إلى ملامح منهج البحث الإستشراقي في الدراسات الإسلامية، ثم ختمه بذكر نماذج من حملات المستشرقين ومفترياتهم على الإسلام.
فحاول المؤلف من خلال كتابه أن يجلي حقيقة الأمر في هذا الموضوع الخطير، مدللا على كل قضية يسوقها، أو رأي يذهب إليه.. وجاء هذا الكتاب في مقدمة وخمسة فصول..
جاء الفصل الأول تحت عنوان "مفهوم الاستشراق وتاريخه"، وفيه تحدث المؤلف في نقطتين رئيسيتين، أما الأولى فتحدث فيها المؤلف عن مفهوم الاستشراق والمستشرقين، وأما النقطة الثانية فجعلها المؤلف خاصة بتاريخ الاستشراق.
ومن خلال عرضه لأكثر من تعريف واستقرائه لعدد من المراجع والدراسات التي تناولت هذا الموضوع، أوضح الكاتب أن المستشرق لابد أن يكون غربيا، ولا فرق بين أن يكون نصرانيا أو يهوديا أو مسلما، أو ملحدا ينكر الدين من أصله، وإن كان السواد الأعظم ممن ركب حركة الاستشراق من غير المسلمين، المهم أنه عالم غربي يطلب دراسة علوم الشرق، خاصة الشرق الإسلامي العربي.
وعن الشق التاريخي لظهور الاستشراق، أوضح المؤلف بعد نقله لعدد من الأقوال حول هذا الموضوع أن الاستشراق قديم، إذ يعود إلى فترة وجود العرب بالأندلس، ومع هذا فإن المصطلح نفسه لم يظهر في أوروبا إلا في القرن السابع عشر الميلادي، كما يتضح هذا من كتابات الباحثين المعنيين.
وفي الفصل الثاني ناقش المؤلف الدوافع التي دفعت المستشرقين إلى دراسة علوم المشرق الإسلامي، وفي بداية حديثه أقر الكاتب بخطأ من أفرط في الثناء على المستشرقين، ممن يذهب إلى أن الدافع العلمي كان وراء نشأة الاستشراق، وأن الرغبة في خدمة العلم كانت الحافز للدراسات الإستشراقية، كما خطأ من أفرط في التحامل على المستشرقين، مجردا إياهم من كل قصد نبيل.
ومع ذلك أوضح المؤلف أنه وإن كان هناك من قصد نبيل أو دافع برئ للمستشرقين، إلا أنه يبدو ضئيلا جدا، أو تائها في محيط الدوافع المشبوهة، أو الأهداف المريبة، والمقاصد غير النزيهة، كما يتضح هذا من إنتاج المستشرقين وأعمالهم.
ثم أتبع المؤلف هذا بذكره للدوافع الحقيقية من حركة الاستشراق، وقد قسمها إلى دوافع دينية، وعلمية، واستعمارية، وسياسية، واقتصادية.. وفصل القول في كل دافع على حده.
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان "وسائل المستشرقين"، وفيه بين المؤلف أن المستشرقين قد سلكوا كل طريق ظنوه موصلا إلى غاياتهم، ومحققا لأهدافهم، فعقدوا المؤتمرات وألفوا ونشروا الكتب، وأصدروا الموسوعات والدوريات، وأنشأوا كراسي للإستشراق، ودرسوا في الجامعات واشتركوا في المجامع العلمية، إلى غير ذلك من الوسائل المتنوعة التي سخروها لخدمة أغراضهم على كل صعيد.
وفي الفصل الرابع تحدث المؤلف عن ملامح منهج البحث الاستشراق في الدراسات الإسلامية، وفيه أوضح المؤلف أن منهج المستشرقين في دراسة الإسلام وما يتصل به قد اتسم- للأسف الشديد- بكثير من النقائص، بحيث أنه قد خلا من النزاهة والتجرد، وغدا عاريا من الروح العلمية المنصفة في أكثر بحوثه، وأغلب إنتاجه الفكري، ولا عجب فالعقل الإستشراقي ابن بيئته الغربية، وجزء من الكيان الأوروبي الكاره للإسلام والمتحيز ضده على كل صعيد، وفي كل آن.
وقد لخص الكاتب معالم هذا المنهج في الآتي:
أولا: اعتقاد أمور، وتكوين آراء وافتراضات مقدماً، ثم التماس التأييد لها.
ثانيا: الكتابة عن الإسلام بما يتصوره المستشرقون، لا من واقع ما يعتقده المسلمون.
ثالثا: المكذب وعدم تحري الأمانة في النقل.
رابعا: انتقاء المثالب وتضخيمها، وإهمال الحقائق المنصفة.
خامسا: عدم دراسة الإسلام من مصادره المعتمدة.
سادسا: دراسة الإسلام بعقلية أوروبية مسيحية.
ثم ختم المؤلف كتابه، بفصل عرض فيه لصور من حملات المستشرقين ومفترياتهم على الإسلام، وفيه لم يعول المؤلف كثيرا على ما نسجه المستشرقون القدامى من مفتريات وأباطيل في العصور الوسطى، وإنما ركز على آراء ومفتريات المستشرقين المحدثين، وهذا لغرض مقصود حيث يدعي البعض أن المستشرقين المحدثين الذين جاؤوا في العصر الحديث، قد تحرروا من تلك الروح العدائية التي هيمنت على الاستشراق فيما مضى، ولكن الحقيقة غير ذلك، فإن مستشرقي اليوم هم مستشرقو الأمس، وإن الحملات العدائية التي شنها الاستشراق على الإسلام قديما، لا تزال أخواتها تشن على الإسلام اليوم.
ومن هذه المفتريات:
- النيل من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وصم النبي صلى الله عليه وسلم بالشهوانية.
- النيل من مبدأ عالمية الدعوة الإسلامية.
وختاما نسأل الله أن يجزي الكاتب خيرًا على هذه الإطلالة المفيدة على واقع الاستشراق والمستشرقين، وأهم ما يؤخذ عليهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.