بسم الله وبعد:
فيتضمن هذا البحث إثبات المكان لله تعالى، وهو مكان عال غير محصور، لأن الله تعالى عظيم كبير لا يحصره شيء، بل هو المحيط بكل شيء، وأن جهة مكانه جل في بهائه، فوق سمائه، على عرشِه، عالٍ على خلقه، لا ندّ له، ولا محيط به، وقد قسمت بعون ربي هذا البحث إلى خمسة مطالب:
المطلب الأول: ذكر الأدلة المرفوعة على إثبات المكان لله تعالى:
المطلب الثاني: ذكر إثبات المكان لله تعالى عن السلف الطيب من أصحاب القرون المفضلة:
المطلب الثالث: ذكر كلام السلف من أهل الحديث والتفسير:
المطلب الرابع: ذكر الإجماع على إثبات المكان لله تعالى:
المطلب الخامس: القول في الجهة لله تعالى:
المطلب الأول: ذكر الأدلة المرفوعة على إثبات المكان لله تعالى:
الدليل الأول: قال الدارقطني في الرؤية والنزول: حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة وعبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الهمداني قالا: ثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني ثنا محمد بن إسماعيل الجعفري ثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا لثلث الليل فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له، ألا مقتر عليه فأرزقه، ألا مظلوم يستنصر فأنصره، ألا عان يدعوني فأفك عنه ، فيكون ذلك مكانهحتى يصلى الفجر ثم يعلو ربنا عز وجل إلى السماء العليا على كرسيه"، قال ابن حجر في الفتح: هو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة بن أسلم وفيهما مقال"، قلت: أما الجعفري فقد وثقه ابن حبان ولم يطعن فيه أبو حاتم، وأما عبد الله بن سلمة فقد قال عنه أبو زرعة وهو من المتشددين: منكر الحديث، بينما قال ابن ماكولا: في حديثه لين"، وهو الصواب لما خرجه الخطيب في الكفاية عن محمد بن إسماعيل الجعفري حدثني عبد الله بن سلمة بن أسلم قال: ما كنا نتهم أن أحدا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدا، حتى جاءنا قوم من أهل المشرق فحدثوا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا عندهم بأحاديث لا نعرفها ، فالتقيت أنا ومالك بن أنس فقلت : يا أبا عبد الله، والله إنه لينبغي لنا أن نعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هو ، وعمن أخذناه ، فقال : صدقت يا أبا سلمة ، فكنت لا أقبل حديثا حتى يسند لي، وتحفظ مالك .. فحدثته ـ عبد الله ـ بعض ما حفظت فعجب له وقال : أصبت يا ابن أخي ، فزادني في ذلك رغبا "، فعلم أنه يُقبل في المتابعات وهي موجودة :
الدليل الثاني:قال أبو بكر الحطابي في الغنية عن الكلام وأهله أخبرنا أبو محمد المخلدي حدثنا أبو العباس الثقفي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر قال أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى هذه السماء ثم أمر بأبواب السماء ففتحت فقال هل من سائل فأعطيه هل من داع فأجيبه هل من مستغفر فأغفر له هل من مضطر أكشف عنه ضره هل من مستغيث أغيثه فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا"، هذا حديث صحيح من رواية الثقات والمعدلين، فأبو محمد المخلدي هو الحسن بن أحمد بن محمد العدل الحافظ صاحب كتاب الفوائد والأمالي، وأبو العباس الثقفي هو السراج محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحافظ، والبقية معروفون،
الدليل الثالث: قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/527 حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة في قصة فرض الصلوات، وفيه قول موسى لنبينا عليه السلام:" إن أمتك لا تستطيع ذلك ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت إلى جبريل عليه السلام كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتي إلى الجبار وهو مكانه، فقال يا رب خفف فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات.."، هذا حديث صحيح مشهور، قد صححه ابن خزيمة وأدرجه في كتابه الذي اشترط فيه الصحة من رواية الثقات، وقد رواه الناس عن شريك، وخرجه البخاري في صحيحه 7079 بلفظ:" فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات.."، والضمير في: هو مكانه، يعود على الله تعالى كما بينت ذلك رواية ابن خزيمة السابقة وكذلك هي سائر الروايات:
فقد أشار إليه مسلم في صحيحه وخرجه 162 من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال حدثني شريك بن عبدالله بن أبي نمر قالسمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص"، وقد بين ذلك غير مسلم:
فخرجه أبو عوانة في مستخرجه الصحيح على مسلم من طريق ابن وهب به بلفظ:" فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك وأشار إليه أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى إلى الجبار وهو في مكانه، فقال : يا رب خفف عنا.."، وكذلك خرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم بلفظ:" فعلا به حتى أتى الجبار وهو مكانه فقال يا رب خفف عنا.."،
وقال ابن منده في الإيمان 2/716، 719 أخبرنا محمد بن يعقوب بن يوسف ثنا الربيع بن سليمان ثنا عبد الله بن وهب أنبأ سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد حول الكعبة.... فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار عز وجل وهو مكانه ، فقال : يا رب ، خفف عنا ، فإن أمتي لا تستطيع هذا ، فوضع عنه عشر صلوات"، ثم قال ابن منده : رواه حرملة وغيره، وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد، قال: أنبأ محمد بن أحمد ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران ثنا هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب بإسناده مثله، وقال ابن منده أنبأ خيثمة بن سليمان ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا عبد العزيز الأويسي أنبأ سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك الأنصاري ح وأنبأ علي بن محمد بن نصر وأحمد بن إسحاق بن أيوب ثنا الحسن بن زياد الرازي ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله أبو بكر عن سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك:" فعلا به حتى أتى الجبار وهو مكانه، فقال: يا رب خفف عنا.."، قال ابن منده: رواه عبد العزيز الأويسي وغيره عن سليمان، ورواه عبد العزيز الدراوردي وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن شريك".
وكذلك خرجه الطبري حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا ابن وهب به بلفظ:" .. فعلا به جبريل حتى أتى إلى الجبار وهو مكانه ، فقال: « يا رب، خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا"،
الدليل الرابع: خرجه مسلم في الصحيح 537 عن معاوية بن الحكم السلمي .. قال:" وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها أين الله ؟ قالت في السماء قال من أنا ؟ قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة"، ومن المعلوم لغة أن لفظة: أين الله ، ظرف مكانٍ وسؤال عنه، وظرف المكان في لغة العرب نوعان: ظرف مكان محصور، فهذا لا يليق بذات الله تعالى، ومكان غير محصور فهو المُثبَت لله تعالى، وبإثبات المكان لله تعالى قال السلف الطيب، فنقل ابن خلدون في مقدمته عن جماعة من السلف وأهل الحديث فقال:" وكذلك يحتجون على إثبات المكان بحديث السوداء، وأنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " أين الله؟ وقالت: في السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة"، وإن كان ابن خلدون قد تعقبهم فإنه بناءا على مذهبه في التفويض والتأويل،
وقال الإمام الدارمي في نقضه على المريسي الجهمي (1/509):" فقد أخبر الله العباد أين الله وأين مكانه، وأيَّنَه رسول الله في غير حديث"، وقال (1/511):" فلو لم يوصف بأين كما ادعيت أيها المعارض لم يكن رسول الله يقول للجارية أين الله فيغالطها في شيء لا يؤين وحين قالت هو في السماء لو قد أخطأت فيه لرد رسول الله عليها وعلمها، ولكنه استدل على إيمانها بمعرفتها أن الله في السماء، وكذلك روي لنا عن ابن المبارك، حدثناه الحسن بن الصباح ثنا علي بن الحسن الشقيقي قال قيل لابن المبارك: بأي شيء نعرف ربنا؟ قال: بأنه في السماء على العرش بائن من خلقه، قلت: بحد؟ قال: بحد"، قال الدارمي: فهذا القرآن ينطق بأن الله تعالى يوصف بأين، وهذا رسول الله قد وصفه وعليه درج أهل المعرفة من أهل الإسلام، فمن أنبأك أيها المعارض غير المريسي أن الله لا يوصف بأين فأخبرنا به، وإلا فأنت المفتري على الله الجاهل به وبمكانه"،
وقال الدارمي في رده على الجهمية 47:" وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله؟ تكذيب لقول من يقول: هو في كل مكان، ولا يوصف ب أين، لأن شيئا لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال أين هو، ولا يقال أين إلا لمن هو في مكان يخلو منه مكان، ولو كان الأمر على ما يدعي هؤلاء الزائغة لأنكر عليها رسول الله قولها وعلمها، ولكنها علمت به فصدقها رسول الله وشهد لها بالإيمان بذلك، ولو كان في الأرض كما هو في السماء لم يتم إيمانها حتى تعرفه في الأرض كما عرفته في السماء"، ثم قال الدارمي في رده على الجهمية 202:" ونكفرهم أيضا أنهم لا يدرون أين الله ولا يصفونه ب أين، والله قد وصف نفسه ب أين، ووصفه به الرسول صلى الله عليه وسلم.. ثم ذكر الأدلة فقال:" فهذا كله وصف ب أين، ووصفه رسول الله أين فقال: للأمة السوداء أين الله؟ قالت: في السماء"،
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في فتاويه 4/287:" وفي حديث الجارية من صفات الله: إثبات المكان لله وأنه في السماء.
وقال ابن عثيمين 10/1131:"..إن الله في جهة العلو؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « قال للجارية: (أين الله؟) » وأين يستفهم بها عن المكان؛ فقالت: في السماء".
دليل خامس: قال البغوي في تفسير قوله تعالى:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرّياني أنا حميد بن زنجويه أنا أبو الأسود أنا ابن لهيعة عن درَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الشيطان قال: وعزتِك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"، ابن لهيعة فيه لين، إلا أن قتيبة بن سعيد ممن كان ينتقي من حديثه وقد رواه عنه، فقال البيهقي في الصفات 1/ 221:" أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا جعفر بن محمد ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الشيطان قال: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم - يعني في أجسادهم - قال الرب عز وجل : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني » ، هذا حديث قريب من الحسن ليس عنه ببعيدٍ لما ذكرت، وقد استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية على إثبات المكان، فقال في بيان تلبيس الجهمية 2/113 :" ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون أنه مستو عليه أو مستقر أو متمكن عليه، والذين لا يقولون ذلك، أن العرش مفتقر إلى الله، والله غني عن العرش، بل هم متفقون على أن الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات، هذا مع ما جاء في الآثار من إثبات مكانه تعالى كالحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ان الشيطان قال: وعزتك يارب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت ارواحهم في أجسادهم، فقال الرب تعالى: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال اغفر لهم ما استغفروني"، ثم قال ابن تيمية: وفي شعر حسان ... تعالى علوا فوق عرش الهنا ... وكان مكان الله اعلا وارفعا
دليل خامس: قال ابن القيم في اجتماع الجيوش 198:" قول العباس بن مرداس السلمي، وكذلك ذكره الذهبي في العلو 49، وخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو 68 من طريق محمد بن المرزبان ثنا أبو عبد الرحمن الجوهري ثنا عبيد الله بن الضحاك أنبأ الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال:" لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء اليه فأقاموا ببابه أياما... وفيه:" فدخل عدي على عمر فقال يا أمير المؤمنين، الشعراءُ ببابِك وسهامهم مسمومه وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي مالي وللشعراء، قال: أعز الله امير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدح فأعطى ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنه، فقال: كيف؟ قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي، فأعطاه حلة قطع بها لسانه، قال: أَوَ تَرْوِي من قوله شيئا؟ قال: نعم، فأنشده: ... تعالى علوا فوق عرشٍ إلهُنَا ... وكان مكانُ الله أعلى وأعظما...ثم ذكر بقية الخبر"،
وقد نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى حسان بن ثابت، فقال في منهاج السنة 2/356:" ومن هذا قول حسان بن ثابت رضي الله عنه ... تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما .. قال ابن تيمية:" مع علم حسان وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله غنى عن كل ما سواه وما سواه من عرش وغيره محتاج إليه وهو لا يحتاج إلى شيء وقد أثبت له مكانا"، وقال ابن تيمية في درء التعارض 2/297:" وأيضا فهو سبحانه خلق ذلك المكان العالي والجهة العالية والحيز العالي إذا قدر شيئا موجودا كما لو جعل ذلك اسما للعرش وجعل العرش هو المكان العالي كما في شعر حسان: تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما". قال: فالمقصود أنه خلق المكان وعلاه وبقوته صار عاليا.
ذكر أدلة أخرى شديدة الضعف: قال الطبراني في الكبير 12/145 ر12719 حدثنا عبيد بن كثير التمار ثنا محمد بن الجنيد ثنا عياض بن سعيد الثمالي عن عيسى بن مسلم القرشي عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" يقول الله عز و جل : من عادى لي وليا فقد ناصبني بالمحاربة، وماترددت عن شيء أنا فاعلة كترددي عن موت المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، وربما سألني وليي المؤمن الغنى فأصرفه من الغنى إلى الفقر، ولو صرفته إلى الغنى لكان شرا له وربما سألني وليي المؤمن الفقر فأصرفه إلى الغنى ولو صرفته إلى الفقر لكان شرا له، إن الله عز و جل قال: "وعزتي وجلالي وعلوي وبهائي وجمالي وارتفاع مكاني لايؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا أثبتت أجله عند بصره وضمنت السماء والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر "، قال قال الهيثمى (10/270): رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم"، عيسى بن مسلم الطهوي قال عنه أبو زرعة: كوفيّ لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وعياض قال عنه العقيلي: مجهول، والتمار قال عنه الدارقطني: متروك، وفي الباب أحاديث أخرى باطلة،
منها ما خرجه البيهقي في شعبه 3/343 وابن حبان في المجروحين من طريق محمد بن [عبد العزيز] يحيى الأزدي حدثنا أصرم بن حوشب حدثنا محمد بن يونس الحارثي عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة..، وفيه قول الله: وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم.."، وقد تفرد به محمد بن يحيى عن أصرم بن حوشب وأصرم متهم بالوضع متروك، وفي الباب كذلك ما خرجه ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عيسى العطار نا إسحاق بن بشر أبو حذيفة أخبرني جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن آدم عليه السلام طلب التوبة مائتي سنة حتى أتاه الله الكلمات ولقنه إياها...، وفيه:" فقال الله عز وجل: انطلق يا جبريل إلى ادم فقل يا ادم ألم أخلقك بيدي قال بلى يا رب قال ألم أنفخ فيك من روحي قال بلى يا رب قال ألم أسجد لك ملائكتي قال بلى يا رب قال ألم أسكنك جنتي قال: بلى يا رب، قال: ألم آمرك فعصيتني؟ قال: بلى يا رب، قال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا ادم قد سبقت رحمتي غضبي"، أبو حذيفة وضاع وجويبر مجروح،
وفي الباب ما خرجه الديلمي عن أبي سعيد قال موسى النبي: يا رب إنك تغلق على عبدك المؤمن الدنيا، ففتح الله له بابا من أبواب الجنة ، فقال: هذا ما أعددت له ، قال : وعزتك وجلالك وارتفاع مكانك..."، فالله أعلم به، وإن كان قد ورد ذلك عن السلف الطيب:
المطلب الثاني: ذكر إثبات المكان لله تعالى عن السلف الطيب من أصحاب القرون المفضلة:
الأثر الأول: قول الخليفة الراشد عمر: قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: { سلام قولا من رب رحيم }: حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب حدثنا حَرْمَلة عن سليمان بن حُمَيد قال: سمعت محمد بن كعب القُرَظِي يحدّث عن عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في كتاب الله {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } فيقول: سلوني. فيقولون: ماذا نسألك أيْ ربّ؟ قال: بلى سلوني. قالوا: نسألك أيْ رب رضاك. قال: رضائي أحلكم دار كرامتي. قالوا: يا رب، فما الذي نسألك، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم، لا ينقصنا ذلك شيئًا. قال: إن لديَّ مزيدًا. قال فيفعل ذلك بهم في درجهم، حتى يستوي في مجلسه. قال: ثم تأتيهم التحف من الله عز وجل، تحملها إليهم الملائكة.."، قال الطبري: حدثنا ابن سنان القزاز ثنا أبو عبد الرحمن ثنا حرملة نحوه، وقد تابعهما بشر بْن مُوسَى ومحمد بْن مسلمة قالا: نا حرملة عن سليمان بْن حميد نحوه، وقال أبو يعلى: هؤلاء ثقات عدول لا نعلم أحدا طعن عليهم وَلا قدح فِي عدالتهم وَلا امتنع من الرواية عنهم".
الأثر الثاني: قول شيخ التابعين والمفسرين مجاهد: قال أبو الشيخ في العظمة 2/690: حدثنا الوليد حدثنا محمد بن عمار حدثنا يحيى حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: (وقربناه نجيا)، قال: « بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب: حجاب نور، وحجاب ظلمة، وحجاب نور، وحجاب ظلمة ، فما زال موسى عليه السلام يقرب حتى كان بينه وبينه حجاب ، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم، قال: ( رب أرني أنظر إليك)"، توبع يحيى:
فقال البيهقي في الصفات 824 وأخبرنا أبو عبد الله ثنا أبو العباس ثنا محمد بن إسحاق أنا روح ثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال: أراه عن مجاهد، ( وقربناه نجيا) قال: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، حجاب نور، وحجاب ظلمة، وحجاب نور ، وحجاب ظلمة ، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب واحد ، فلما رأى مكانه وسمع صرير القلم قال: رب أرني أنظر إليك)"، وقد صححه الألباني كما في مختصر العلو.
الأثر الثالث: قول شيخ المحدثين حماد بن زيد: قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي 229 :" وقال سليمان بن حرب سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء : ينزل الله إلى السماء الدنيا يتحول من مكان إلى مكان ، فسكت حماد ، ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء"، وقد ورد متصلا صحيحا، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية (5/376):" قال الخلال فى كتاب السنة حدثنا جعفر بن محمد الفريابى ثنا أحمد بن محمد المقدمى ثنا سليمان بن حرب قال سأل بشر بن السرى حماد بن زيد فقال: يا أبا اسماعيل الحديث الذى جاء" ينزل ربنا الى سماء الدنيا" يتحول من مكان الى مكان؟ فسكت حماد بن زيد ثم قال:" هو فى مكانه يقرب من خلقه كيف شاء"، قال ابن تيمية: ورواه ابن بطة فى كتاب الابانة فقال حدثنى ابو القاسم حفص بن عمر الاردبيلى حدثنا ابو حاتم الرازى حدثنا سليمان بن حرب قال سأل بشر بن السرى حماد بن زيد فقال يا أبا اسماعيل الحديث الذى جاء" ينزل الله الى سماء الدنيا" أيتحول من مكان الى مكان؟ فسكت حماد بن زيد ثم قال:" هو فى مكانه يقرب من خلقه كيف شاء... ثم قال شيخ الإسلام:" وهذه والتى قبلها حكايتان صحيحتان رواتهما أئمة ثقات فحماد بن زيد يقول هو فى مكانه يقرب من خلقه كيف شاء .."، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (5/385:" قال عبد الرحمن ـ ابن منده ـ :"ومن زعم أن حماد بن زيد وسليمان بن حرب أرادا بقولهما يقرب من خلقه كيف شاء أرادا أن لا يزول عن مكانه فقد نسبهما الى خلاف ما ورد فى الكتاب والسنة"، ثم ذكر بسند ابن منده أثر الفضيل الآتي:
الأثر الرابع: قول شيخ الزهاد والسلف الفضيل: ثم قال شيخ الإسلام في المجموع 5/377:" ونظيره ما رواه أبو بكر الاثرم فى السنة قال حدثنا ابراهيم بن الحارث يعنى العبادى قال حدثنى الليث بن يحيى سمعت ابراهيم بن الاشعث يقول سمعت الفضيل بن عياض يقول:" اذا قال الجهمى انا أكفر برب يزول عن مكانه فقل أنا أومن برب يفعل ما يشاء.."، ومن طريق الأثرم خرجه ابن بطة في الإبانة 3/205 فقال: ثنا الحسين بن مهران حدثني أبو بكر الأثرم ثنا إبراهيم به بلفظ:" إذا قال لك الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا لا أكفر برب يفعل ما يشاء"، وقد علقه الإمام البخاري في خلق أفعال العباد 36 فقال:" وقال الفضيل : إذا قال لك جهمي أنا أكفر بربّ يزول عن مكانه، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء"،
الأثر الخامس: قول إمام المغازي والسير ابن إسحاق: قال أبو الشيخ في العظمة 2/475 :" حدثنا محمد بن الحسين الطبركي حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال: ... وقد وصف الله عز وجل ذلك من علوه تبارك وتعالى في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بصفة صدق وحق ، فقال وهو يذكر غرة الجاهلين به ، وعظم شأنه ، وعلو مكانه : ( سأل سائل بعذاب واقع ) أي دعا داع بعذاب واقع ( للكافرين ليس له دافع) إلى قوله: ( فاصبر صبرا جميلا) فسبحان ذي الجلال والإكرام ، لو سخر بنو آدم في مسافة ما بين الأرض إلى مكانه الذي به استقل على عرشه ، وجعل به قراره...:"،
المطلب الثالث: ذكر كلام السلف من أهل الحديث والتفسير: قد مر أثناء البحث طائفة من أقوالهم وهذه الآن طائفة أخرى:
قال الطبري في تفسير قوله تعالى:{وهو العلي العظيم}:" وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم"، فنقل إثبات المكان عن السلف من المفسرين وارتضى تفسيرهم رحمهم الله تعالى.
وقال الإمام الدارمي في نقضه على المريسي 1/509:" وقال الله:{الرحمن على العرش استوى} فقد أخبر الله العباد أين الله وأين مكانه وأينه رسول الله في غير حديث فقال:" من لم يرحم من في الأرض لم يرحمه من في السماء"،
وقال الدارمي في نقضه على المريسي الجهمي (1/229) : وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدُّوه بذلك إلا المريسي الضال وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء يرفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها فكل أحد بالله تعالى وبمكانه أعلم من الجهمية"، وقال 1/449:" ويحك هذا المذهب أنزه لله من السوء، أم مذهب من يقول فهو بكماله وجلاله وعظمته وبهائه فوق عرشه فوق سمواته وفوق جميع الخلائق في أعلى مكان وأطهر مكان، حيث لا خلق هناك من إنس ولا جان، فتكفر أي الحزبين أعلم بالله وبمكانه وأشد له تعظيما وإجلالا"، وكذلك نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية وأقره (ص 142).
وقال الدارمي في نقضه على الجهمي 1/215:" وأما دعواك أن تفسير القيوم الذي لا يزول من مكانه ولا يتحرك، فلا يقبل منك هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله أو عن بعض أصحابه أو التابعين، لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك كل حي متحرك لا محالة وكل ميت غير متحرك لا محالة، ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة"،
قال الدارمي في نقضه على المريسي 1/225:" ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله، ولمكانه أيضا حد، وهو على عرشه فوق سماواته فهذان حدان اثنان، وسئل ابن المبارك بم نعرف ربنا قال بأنه على العرش بائن من خلقه، قيل: بحد؟ قال: بحد"، ثم قال الدارمي: فمن ادعى أنه ليس لله حد فقد رد القرآن وادعى أنه لا شيء لأن الله حد مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال:{ الرحمن على العرش استوى}.. قال: فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد"، وكذلك أُعجِب الإمام أحمد بكلام ابن المبارك وارتضاه، وفيه إثبات الحد لله تعالى، بمعنى أنه بائن عن خلقه، ومن نفى الحدّ فإنما أراد نفي الحدّ المحصور لأننا لا نعلم كيفية هذا الحد لله تعالى.
وقال شيخ الإسلام في المجموع (6/165):" قال ابن حامد: فإذا تقرر هذا الأصل فى نزول ذاته من غير صفة ولا حد، فإنا نقول إنه بانتقال من مكانه الذى هو فيه، إلا أن طائفة من أصحابنا قالت: ينزل من غير انتقال من مكانه كيف شاء، قال: والصحيح ما ذكرنا لا غيره"،
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في فتاويه 4/287:" وفي حديث الجارية من صفات الله: إثبات المكان لله وأنه في السماء.
المطلب الرابع: ذكر الإجماع على إثبات المكان لله تعالى: قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية 2/113 :" ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون انه مستو عليه او مستقر أو متمكن عليه والذين لا يقولون ذلك ان العرش مفتقر الى الله والله غني عن العرش، بل هم متفقون على أن الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات، هذا مع ما جاء في الآثار من إثبات مكانه تعالى كالحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ان الشيطان قال: وعزتك يارب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في اجسادهم، فقال الرب تعالى: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا ازال اغفر لهم ما استغفروني"، قال ابن تيمية: وفي شعر حسان ... تعالى علوا فوق عرش الهنا ... وكان مكان الله اعلا وارفعا"،
ومن خالف الإجماع وأنكر المكانَ للهِ العظيم، فإنه لاحق بالجهمية أعداء الدين، مخالف لدين المرسلين، كما قال الإمام الدارمي في رده على الجهمية 214:" ولكنا نكفرهم بما تأولنا فيهم من كتاب الله عز وجل، وروينا فيهم من السنة ، وبما حكينا عنهم من الكفر الواضح المشهور، الذي يعقله أكثر العوام، وبما ضاهوا مشركي الأمم قبلهم بقولهم في القرآن ، فضلا على ما ردوا على الله ورسوله من تعطيل صفاته ، وإنكار وحدانيته ، ومعرفة مكانه ، واستوائه على عرشه بتأويل ضلال.."، نعوذ بالله من متابعة الجهمية الكفار، والله ولي السلف الأبرار.
المطلب الخامس: القول في الجهة لله تعالى:
وأما عن لفظ الجهة وإن لم يوجد عليها دليل منطوق، فإنها من باب الإخبار عن مكان الله تعالى، وهي مأخوذة من الأدلة بدلالة اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وأن الجهة الثابتة التي تليق بذات الله تعالى هي الجهة العليا الغير محصورة، وأن الجهة المنفية هي المحصورة، لأن الله تعالى لا يحصره شئ، فهو بكل شئ محيط،
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع 3/41 عن لفظ الجهة:" فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحدا على إثبات لفظه أو نفيه حتى يعرف مراده، فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطلا رُدّ...، قال: فيقال لمن نفى الجهة أتريد بالجهة أنها شىء موجود مخلوق فالله ليس داخلا فى المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات، وكذلك يقال لمن قال الله فى جهة أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد به أن الله داخل فى شىء من المخلوقات، فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثانى فهو باطل"، ولا ريب أن السلف متفقون على إثبات هذا المعنى الصحيح، وأن الله تعالى في جهة العلو فوق العالم، لا يحويه شئ، بل هو المحيط بكل شئ،
قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: قول الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه ، وقال في كتابه الغنية:" أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد، إلى أن قال: وهو بجهة العلو مستو على العرش"، وكذلك نقله أحمد بن إبراهيم في شرح قصيدة ابن القيم 1/433: قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو محمد عبد القادر فذكره.
وقال أحمد بن إبراهيم في شرح قصيدة ابن القيم 1/434:" وقال الناظم ـ ابن القيم ـ في كتابه إغاثة اللهفان 2/258 :" قال أبو الوليد ابن رشد في كتاب الكشف عن مناهج الأدلة (ص 66 ):" القول في الجهة، أما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر بثبوتها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشاعرة...، إلى أن قال:" "وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفق جميع الشرائع على ذلك، ثم ذكر تقرير ذلك بالمعقول وبين بطلان الشبهة التي لأجلها نفتها الجهمية ومن وافقهم، إلى أن قال:" فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وأن إبطاله إبطال الشرائع كلها"،
هذا وقد ذكر القرطبي في أحكامه من تفسيره لقوله تعالى:{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، أن المتكلمين هم من أنكر الجهة والمكان لله تعالى ثم نقل اتفاق السلف على القول بهما، فقال:".. ويلزم على المكان والحيزِ الحركةُ والسكونُ للمتحيز، والتغير والحدوث، هذا قول المتكلمين، وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة"،
وقال الشيخ ابن باز كما في فتاويه 1/257 :" قال جماعة من المفسرين في هاتين الآيتين:ـ { أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}ـن إن (في) للظرفية, وأن السماء المراد بها: العلو, واحتجوا بذلك على أن الله سبحانه في جهة العلو فوق العرش".
وقال الشيخ ابن عثيمين 10/1131:" فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيا وإثباتا فلا نقول به ؛ لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، ولكن نفصل ، فنقول : إن الله في جهة العلو؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « قال للجارية: (أين الله؟) » وأين يستفهم بها عن المكان؛ فقالت: في السماء.
كتبه أبو عيسى الزياني الجزائري