الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد فان الدفاع عن اهل العلم والذب عنهم واجب على كل قادر على ذلك لان هذا من التناصح والتعاون على الخير قال تعالى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَة " قِيلَ: لِمَنْ؟ قَالَ: " لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " ومما شاع وانتشر وفشى و اشتهر بين الخاصة من اكثر طلبة العلم والعلماء فضلا عن عامتهم ان مذهب الظاهرية مذهب جامد لا يعتني بالمقاصد و الحكم وينظر الى النصوص بسطحية ومع هذا يلغي القياس و الادلة التبعية و يتشدد في الاجماع ولا ياتي الا بكل شاذ ومطروح من المسائل والاقوال حتى اصبح بعض من ينتسب الى العلم لا يذكر لهذا المنهج - وهذا هو الاولى لان الظاهرية منهج وليست مذهب على تفسير المتاخرين من المقلدة فهم في الحقيقة ليس لهم زعيم يصدرون عن اقواله ويخرجون عليها وليس عندهم روايات ولا وجوه ولا اصحاب الامام و لا اصحاب الوجوه و لا غير ذلك مما يدندن به المقلدة والمتعصبة في كل زمان ومكان وهذه ليست دعوى لطرح اقوال اهل العلم بل دعوى لترك التعصب فانه منتن مقرف بل لا يصدرون ولا يخرجون الا من كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم ولا يتعصبون لاحد كائنا من كان الا له ومع ذلك فهم يحرمون التقليد فكيف يصح ان يطلق على هذا المنهج اسم المذهب بتفسير المتاخرين – الا مسالتين للتنكيت والسخرية مسالة البول في الماء الذي لا يجري ومسالة استئذان البكر في النكاح فهل هذا من العدل هل هذا من النصح قال تعالى (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) فهذا لا يكاد يفقد في مذهب من المذاهب فالعصمة انتهت بموته صلى الله عليه وسلم ولكن العدل عزيز وانا اليوم لن اتكلم كثيرا حتى لا يقال متعالم او جامد دافع عن جامد بل سادع الساحة لابن القيم والذهبي شيخا الاسلام لاقامة الحجة وفصل الخصام قال ابن القيم رحمه الله مبينا سلف اهل الظاهر من الصحابة وَقَدْ اجْتَهَدَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ، كَمَا أَمَرَهُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاجْتَهَدَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ سُرْعَةَ النُّهُوضِ، فَنَظَرُوا إلَى الْمَعْنَى، وَاجْتَهَدَ آخَرُونَ وَأَخَّرُوهَا إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلَّوْهَا لَيْلًا، نَظَرُوا إلَى اللَّفْظِ، وَهَؤُلَاءِ سَلَفُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهَؤُلَاءِ سَلَفُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي وَالْقِيَاسِ. اقول فما بالنا اليوم نعنف ونتهكم وقال وَكَيْفَ يُقَدَّمُ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الَّذِي قَدْ ظَهَرَ كُلَّ الظُّهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ؟ بَلْ قَدْ يَقْطَعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ ظَهَرَ بَلْ قَدْ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَكَيْفَ يُنْكَرُ عَلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ مَنْ يَسْلُكُ هَذَا؟ وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ إيرَادِ الظَّاهِرِيَّةِ ؟ فَإِنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ تَمَسَّكُوا بِأَلْفَاظِ النُّصُوصِ وَأَجْرَوْهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا حَيْثُ لَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ خِلَافُهَا، وَأَنْتُمْ تَمَسَّكْتُمْ بِظَوَاهِرِ أَلْفَاظِ غَيْرِ الْمَعْصُومِينَ حَيْثُ يَقَعُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ خِلَافُهَا، فَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَعْذَرُ مِنْكُمْ بِكَثِيرٍ، وَكُلُّ شُبْهَةٍ تَمَسَّكْتُمْ بِهَا فِي تَسْوِيغِ ذَلِكَ فَأَدِلَّةُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي تَمَسُّكِهِمْ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ أَقْوَى وَأَصَحُّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِنْصَافَ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ حِلْيَةٍ تَحَلَّى بِهَا الرَّجُلُ، خُصُوصًا مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ حَكَمًا بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] فَوَرَثَةُ الرَّسُولِ مَنْصِبُهُمْ الْعَدْلُ بَيْنَ الطَّوَائِفِ وَأَلَّا يَمِيلَ أَحَدُهُمْ مَعَ قَرِيبِهِ وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ وَمَتْبُوعِهِ، بَلْ يَكُونُ الْحَقُّ مَطْلُوبَهُ، يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَنْزِلُ بِنُزُولِهِ، يَدِينُ دِينَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَيُحَكِّمُ الْحُجَّةَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي قَدْ شَمَّرَ إلَيْهِ، وَمَطْلُوبُهُ الَّذِي يَحُومُ بِطَلَبِهِ عَلَيْهِ، لَا يَثْنِي عَنَانَهُ عَنْهُ عَذْلُ عَاذِلٍ، وَلَا تَأْخُذُهُ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَلَا يَصُدُّهُ عَنْهُ قَوْلُ قَائِلٍ.
وقال كَيْفَ يُنْكِرُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ الْمُتَمَسِّكِي نَ بِظَوَاهِرِ كِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ حَيْثُ لَا يَقُومُ دَلِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ ثُمَّ يَتَمَسَّكُ بِظَوَاهِرِ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَأَقْوَالِهِمْ حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَاطِنَ وَالْقَصْدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ؟
و يعلم الجميع انه لم يبقى من مصنفات الظاهرية وكتبهم الا كتب ابن حزم ولهذا حاول المتعصبة الطعن في ابن حزم لينشروا مذهبهم الباطل لان ابن حزم تصدى لهم وفضحهم فتارة يرمونه بشدة العبارة و تارة بمخالفة الجمهور وتارة بالجهل الى غير ذلك قال الذهبي ابْنُ حَزْمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدٍ القُرْطُبِيُّ *
الإِمَامُ (1) الأَوْحَدُ، البَحْرُ، ذُو الفُنُوْنِ وَالمعَارِفِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ حَزْمِ بنِ غَالِبِ بنِ صَالِحِ بنِ خَلَفِ بنِ مَعْدَانَ (2) بنِ سُفْيَانَ بنِ يَزِيْدَ الفَارِسِيُّ الأَصْلِ، ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ اليَزِيْدِيُّ مَوْلَى الأَمِيْر يَزِيْدَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - المَعْرُوف بيَزِيْد الخَيْر، نَائِب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَر عَلَى دِمَشْقَ،... الفَقِيْهُ الحَافِظُ، المُتَكَلِّمُ، الأَدِيْبُ، الوَزِيْرُ، الظَّاهِرِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ وَفِيْهِ دِينٌ وَخير، وَمقَاصدُهُ جمِيْلَة، وَمُصَنّفَاتُهُ مُفِيدَة، وَقَدْ زهد فِي الرِّئَاسَة، وَلَزِمَ مَنْزِله مُكِبّاً عَلَى العِلْم، فَلاَ نغلو فِيْهِ، وَلاَ نَجْفو عَنْهُ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ قَبْلنَا الكِبَارُ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي (1) :وَجَدْتُ فِي أَسْمَاء الله تَعَالَى كِتَاباً أَلفه أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيّ يَدلُّ عَلَى عِظَمِ حَفِظه وَسَيَلاَن ذِهنه.
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو القَاسِمِ صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ أَجْمَعَ أَهْل الأَنْدَلُس قَاطبَة لعلُوْم الإِسْلاَم، وَأَوسعَهم مَعْرِفَة مَعَ تَوسعه فِي عِلم اللِّسَان، وَوُفور حَظِّه مِنَ البلاغَة وَالشّعر، وَالمَعْرِفَة بِالسير وَالأَخْبَار؛ أَخْبَرَنِي ابْنُه الفَضْل أَنَّهُ اجْتَمَع عِنْدَهُ بِخَط أَبِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ تَوَالِيفه أَرْبَعُ مائَةِ مُجَلد تَشتمِل عَلَى قَرِيْب مِنْ ثَمَانِيْنَ أَلفِ وَرقَة (2) .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ (3) :كَانَ ابْنُ حَزْمٍ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ وَفقهه،مُسْتنبط اً لِلأَحكَام مِنَ الكِتَاب وَالسُّنَّة، مُتَفَنِّناً فِي عُلُوْمٍ جَمَّة، عَامِلاً بِعِلْمه، مَا رَأَينَا مِثْلَه فِيمَا اجْتَمَع لَهُ مِنَ الذّكَاء، وَسُرعَةِ الحِفْظ، وَكَرَمِ النَفْس وَالتَّدين، وَكَانَ لَهُ فِي الأَدب وَالشّعر نَفَس وَاسِع، وَبَاعٌ طَوِيْل، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يَقُوْلُ الشِّعر عَلَى البَديهِ أَسرعَ مِنْهُ، وَشِعره كَثِيْر جَمَعتُه عَلَى حُرُوف المُعْجَم...وَقَ ْ حَطَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِي عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ (القوَاصم وَالعوَاصم (2)) وَعَلَى الظَّاهِرِيَّة، فَقَالَ: هِيَ أمة سخيفَة، تَسَوَّرتْ عَلَى مرتبَة لَيْسَتْ لَهَا، وَتَكلمت بكَلاَمٍ لَمْ نَفْهمه (3) ، تَلَقَّوهُ (4) مِنْ إِخْوَانهم الخَوَارِج حِيْنَ حكَّم عليّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَوْمَ صفِّين، فَقَالَتْ: لاَ حُكْمَ إِلاَّ للهِ.
وَكَانَ أَوّلَ بدعَة لقيتُ فِي رحلتِي القَوْلُ بِالبَاطِن، فَلَمَّا عُدتُ وَجَدْت القَوْل بِالظَّاهِر قَدْ ملأَ بِهِ المَغْرِبَ سخيفٌ كَانَ مِنْ بَادِيَة إِشْبِيلِية يُعْرَفُ بِابْنِ حَزْم، نشَأَ وَتعلَّق بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، ثُمَّ انْتسب إِلَى دَاوُد، ثُمَّ خلع الكُلَّ، وَاسْتقلَّ بِنَفْسِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إِمَام الأُمَّة يَضع وَيَرفع، وَيْحَكم وَيَشرع، يَنْسِبُ إِلَى دين الله مَا لَيْسَ فِيْهِ، وَيَقُوْلُ عَنِ العُلَمَاء مَا لَمْ يَقولُوا تَنفِيراً لِلقُلُوْب مِنْهُم، وَخَرَجَ عَنْ طَرِيْق المُشبِّهَة فِي ذَات الله وَصِفَاته، فَجَاءَ فِيْهِ بطوَامَّ، وَاتَّفَقَ كَوْنُهُ بَيْنَ (1) قَوْم لاَ بَصَرَ لَهم إِلاَّ بِالمَسَائِل، فَإِذَا طَالبهم بِالدليل كَاعُوا (2) ، فَيَتَضَاحكُ مَعَ أَصْحَابه مِنْهُم، وَعَضَدَتْهُ الرِّئَاسَةُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَدب، وَبشُبَهٍ كَانَ يُورِدُهَا عَلَى المُلُوْك، فَكَانُوا يَحملونه، وَيَحمُونه، بِمَا كَانَ يُلقِي إِلَيْهِم مِنْ شُبه البِدَع وَالشِّرْك، وَفِي حِيْنَ عَوْدي مِنَ الرّحلَة أَلفيتُ حضَرتِي مِنْهم طَافحَة، وَنَارَ ضلاَلهم لاَفحَة، فَقَاسيتهم مَعَ غَيْر أَقرَان، وَفِي عدمِ أَنْصَار إِلَى حسَاد يَطؤون عَقِبِي، تَارَة تَذْهَب لَهم نَفْسِي، وَأُخْرَى يَنكشر (3) لَهم ضِرسِي، وَأَنَا مَا بَيْنَ إِعرَاضٍ عَنْهم أَوْ تَشغِيبٍ بِهِم، وَقَدْ جَاءنِي رَجُلٌ بِجُزء لابْنِ حَزْم سَمَّاهُ (نكت الإِسْلاَم) فِيْهِ دوَاهِي، فَجردت عَلَيْهِ نوَاهِي، وَجَاءنِي آخر برِسَالَة فِي الاعْتِقَاد، فَنَقَضْتُهَا برِسَالَة (الغُرَّة (4)) وَالأَمْرُ أَفحش مِنْ أَنْ يُنقض.
يَقُوْلُوْنَ: لاَ قَوْلَ إِلاَّ مَا قَالَ اللهُ، وَلاَ نَتْبَعُ إِلاَّ رَسُوْل اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمر بِالاَقتدَاءِ بِأَحد، وَلاَ بِالاَهتدَاء بِهَدْيِ بشر.
فِيجب أَنْ يَتحققُوا أَنَّهم لَيْسَ لَهم دَلِيل، وَإِنَّمَا هِيَ سَخَافَة فِي تَهويل، فَأُوصيكُم بِوَصِيَّتَيْنِ : أَنْ لاَ تَسْتدلُوا عَلَيْهِم، وَأَن تُطَالبوهم بِالدَّليل، فَإِنَّ المُبْتَدِع إِذَا اسْتدللت عَلَيْهِ شَغَّبَ عَلَيْك، وَإِذَا طَالبته بِالدليل لَمْ يَجِدْ إِلَيْهِ سَبِيلا.
فَأَمَّا قَوْلهُم: لاَ قَوْلَ إِلاَّ مَا قَالَ اللهُ، فَحق، وَلَكِنْ أَرنِي مَا قَالَ.
وَأَمَّا قَوْلهُم: لاَ حُكْمَ إِلاَّ للهِ، فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الإِطلاَق، بَلْ مِنْ حُكْمِ الله أَنْ يَجْعَلَ الحُكْمَ لغَيْرِهِ فِيمَا قَالَهُ وَأَخبر بِهِ.
صَحَّ (1) أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَلاَ تُنْزِلْهم عَلَى حُكْمِ الله، فَإِنَّكَ (2) لاَ تَدْرِي مَا حُكْمُ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهم عَلَى حُكْمِكَ (3)) .
وَصَحَّ أَنَّهُ قَالَ: (عَلَيْكُم بِسَنَّتِي وَسُنَّة الخُلَفَاء ... ) الحَدِيْث (4) .
قُلْتُ: لَمْ يُنْصِفِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللهُ - شَيْخَ أَبِيْهِ فِي العِلْمِ، وَلاَ تَكَلَّمَ فِيْهِ بِالقِسْطِ، وَبَالَغَ فِي الاسْتخفَاف بِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ فَعَلَى عَظمته فِي العِلْمِ لاَ يَبْلُغُ رُتْبَة أَبِي مُحَمَّدٍ، وَلاَ يَكَاد، فَرحمهُمَا الله وَغفر لَهُمَا.
قَالَ اليَسَعُ ابْنُ حَزْمٍ الغَافِقِيّ وَذَكَرَ أَبَا مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَمَا مَحْفُوْظُهُ فَبحرٌ عَجَّاج، وَمَاءٌ ثَجَّاج، يَخْرُج مِنْ بحره مَرجَان الحِكَم، وَيَنبت بِثَجَّاجه أَلفَافُ النِّعم فِي رِيَاض الهِمم، لَقَدْ حَفِظ علُوْمَ المُسْلِمِيْنَ، وَأَربَى عَلَى كُلّ أَهْل دين، وَأَلَّف (الْملَل وَالنحل) وَكَانَ فِي صِبَاهُ يَلْبَس الحَرِيْر، وَلاَ يَرْضَى مِنَ المَكَانَة إِلاَّ بِالسَّرِيْر (5) ...
قال الذهبي قُلْتُ: وَمِنْ تَوَالِيفه: كِتَاب (تَبديل اليَهُوْد وَالنَّصَارَى لِلتَّورَاة وَالإِنجيل (8)) ، وَقَدْ أَخَذَ الْمنطق - أَبعدَهُ الله مِنْ عِلمٍ - عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَذْحِجِيّ، وَأَمعَنَ فِيْهِ، فَزلزله فِي أَشيَاء، وَلِي أَنَا مَيْلٌ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ لمَحَبَّته فِي الحَدِيْثِ الصَّحِيْح، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أُوَافِقُهُ فِي كَثِيْرٍ مِمَّا يَقولُهُ فِي الرِّجَالِ وَالعلل، وَالمَسَائِل البَشِعَةِ فِي الأُصُوْلِ وَالفروع، وَأَقطعُ بخطئِهِ فِي غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ، وَلَكِن لاَ أُكَفِّره، وَلاَ أُضَلِّلُهُ، وَأَرْجُو لَهُ العفوَ وَالمُسَامحَة وَللمُسْلِمِيْن َ.
وَأَخضعُ لِفَرْطِ ذكَائِهِ وَسَعَة علُوْمِهِ...
اما دعوى ان ابن حزم فيه شدة فهذه طريقة معروفة مشى عليها ائمة السلف
قال المعلمي في التنكيل عن خيثمة قال: كان سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في نفر فذكروا علياً فشتموه فقال سعد: مهلاً عن أصحاب رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فقال بعضهم فوالله إنه كان يبغضك ويسميك الأخنس، فضحك سعد حتى استعلاه الضحك ثم قال أليس قد يجد المرء على أخيه في الأمر يكون بينه وبينه ثم لا تبلع ذلك أمانته ... » قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» وأقره الذهبي.
وفي الصحيحين وغيرهما عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال «ما سمعت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع أبويه إلا لسعد بن مالك (هو سعد بن أبي وقاص) فإني سمعته يقول يوم أحد: يا سعد ارم فداك أبي وأمي» .
وتروى عن كلمات أخرى من ذا وذاك وكان سعد قد قعد عن قتال البغاة فكان علي إذا كان في جماعة يخشى أن يتبعوا سعداً بالقعود ربما أطلق غير كاذب كلمات توهم الغض من سعد وإذا كان مع من لا يخشى منه القعود فذكر سعداً ذكر فضله. ومنه ما يقع في كلام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكاً من إطلاق كلمات فيها غض من مالك مع ما عرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك، وقد روى حرملة عن الشافعي أنه قال «مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين» كما يأتي في ترجمة مالك إن شاء الله تعالى.
ومنه ما نراه في كلام مسلم في مقدمة صحيحه مما يظهر منه الغض الشديد من مخالفه في مسألة اشتراط العلم باللقاء، والمخالف هو البخاري، وقد عرف عن مسلم تبجيله للبخاري.
وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد.
اقول وليس ابن حزم فقط من عرف عنه هذا بل توجد هذه الشدة عند الكثير وما ابن العربي عنك ببعيد لكن التهويل والتحذير لم يمس الا ابن حزم وذلك من عمل خصومه و لقوة حجته خافوه فابعدوا الناس عن كتبه بمثل هذا قال ابن قدامة في المغني وَجَعَلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَخْبَارِ. وقال ابن المنذر في الاوسط ذكر لأحمد بن حنبل حديث عاصم عن أبي رزين في المرتدة قال: هذا رواه أبو حنيفة.
قال عبد الرحمن: قيل لسفيان: سمعت حديث المرتدة؟ قال: أما من ثقة فلا. قال أبو عبد الله: إنما سمعه من أبي حنيفة. كتب إلي بعض أصحابنا، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا المؤمل، قال: ذكر أبو حنيفة عند الثوري فقال وهو في الحجر: غير ثقة ولا مأمون. وقال حدثني أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا محمد بن كثير قال: سمعت سفيان وحدث بحديث فقال له رجل: يا أبا عبد الله سمعته على غير ما حدثت. قال: من حدثك؟ قال: أبو حنيفة، قال: أحلتني على غير مليٍّ
وقال: حدثني (أحمد بن القهزاد)، حدثني أبو إسحاق إبراهيم ابن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: كان الثوري إذا رأى إنسانا مماريا مكابرا يماري الناس ويكابرهم بغير علم قال: أبو حنيفة والله.
وقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن سنان، أنه قال لابن المبارك يوما: أبو يوسف كان أعلم أم محمد بن الحسن؟ فقال: لا تقل أيهما أعلم وقل: أيهما أكذب.
وكتب إلي أبو العباس السراج: حدثنا العباس بن أبي طالب، حدثنا شيبان بن فروخ، عن رجل قال: ربما حضرنا أيوب السختياني فيمر بالحديث فيقول: عن من ذي؟ فنقول: عن أبي حنيفة، فيقول بيده: دعوه.
وقال: حدثنا الجوهري، قال: حدثنا إبراهيم بن شماس، قال: كنت مع ابن المبارك في السفينة لما انصرف من الثغر، فكان يحدثنا فيمر على شيء من حديث أبي حنيفة فقال: اضربوا على حديث أبي حنيفة، فإني قد ضربت على حديث أبي حنيفة ورأيه.فما الفرق بين شدة ابن حزم وشدة هؤلاء الائمة الاعلام وربما اعتذر ابن حزم ولم يعتذروا وابن حزم لم يرد الا المتعصبة لذا قال وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمُهُ بَيْنَ حُكْمِ السَّرَاوِيلِ وَبَيْنَ حُكْمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ، خَطَأٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا الْمَلَامَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ وَخَالَفَهُ لِتَقْلِيدِ رَأْيِ مَالِكٍ.واما ترك القياس فابن حزم اعمل قياس العلة المنصوصة خلافا للظاهرية الاوائل و اما غير ذلك فقد تصدى لكل قياس مبني على الراي واثبت الفارق وابطله عقلا ونقلا كما هو مبسوط في المحلى واما الادلة التبعية فقد ردها الشافعي قبله ويمكن ان يستغنى عنها بالعمومات فالمصالح المرسلة مثلا تدخل تحت قوله تعالى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ قال ابن حزم مَسْأَلَةٌ: دِينُ الْإِسْلَامِ اللَّازِمُ لِكُلِّ أَحَدٍ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا بِرِوَايَةِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، وَإِمَّا بِنَقْلِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ نَقْلُ الْكَافَّةِ. وَإِمَّا بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَاحِدًا عَنْ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا مَزِيدَ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وفي هذا تفصيل مطول في كتابه الاحكام في اصول الاحكام الذي ماشممت رائحة العلم حتى طالعت فيه ويكفي ابن حزم ان كتب الاعلام المحققين عمرت بالنقل عنه و يكفيه ان يثني عليه شيوخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي ومن المعاصرين الشيخ مقبل و الالباني رحم الله الجميع والسلام عليكم .