الطُّبُوليات < مدرسة الجدل العقيم > ..
الطبوليات .. مسائل الشذوذ والانفراد ، وغرائب الافتراع في تضاعيف نتاج الفكر الإنساني ، قصتها : بلا وجود ولا حقيقة ، إلا عند نابتة مدرسة الجدل والمغالبة للآخرين ، قاصدين بها التميز في غير بابه ، والنبوغ في غير وقته وزمانه ..
وظيفتهم في الحياة : البحث عن غرائب المسائل ، وإحياء الخلاف - تلذذاً - من أجل الخلاف ، لا من أجل البحث عن الحق والصواب ؛ إذ إعمال الخلاف : هو بحثه للوصول إلى الراجح عملاً وفعلاً ، لا جعل الخلاف دليلاً مانعاً من الأخذ بالأدلة الراجحة ، والحجج المعتبرة ..
وهؤلاء < الأصوات المطبلة > : يشتغلون في ساحة البحث والنظر : بفضول العلم ، والجدل الذي لا يُــوجِد محبةً وألفةً ، وأمةً منتصرةً على < زحف الكــيد الحمـــر والأبيـــض !! > ؛ فهم علــةٌ سوداء مفرقةٌ لجماعة المسلمين ، مُـمَكِّـنَةٌ لأعداء الدِّيانة والصلاح ..
وهذا النوع الإنساني الغريب : قَـصَدهم أَعْـلامُ الإسلامِ بالنصح والإرشاد ، ولهم - رحم الله جمعهم الكريم - أقوالٌ فيها دُرر الـحِـكَـمِ ، والكشف والبيان .. :
يقول الإمامُ عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله - : ( لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشّاذ من العلم، ولا يكون إماماً في العلم من روى عن كل أحد، ولا يكون إماماً في العلم من روى كل ما سمع ) ..
والنجم مالك إمام دار الهجر - رحمه الله - .. يقرر في تاريخ تجربة حياته العلمية والدعوية : أصلاً وجب التزامه عند أهل الحزم والعلم من الطلبة ..
يقول - رحمه الله - : ( شرّ العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس) ..
ويخبر أبو طالب المكي بحقيقة تميز بها الإمام مالك ، وغير من أهل العلم والفضل ، بقوله :
( كان مالك - رحمه الله - أبعد النّاس عن مذاهب المتكلمين، وأشدّهم نقضاً للعراقيين، وألزمهم لسنّة السّالفين من الصّحابة والتّابعين ) ..
بل كان يرى الإمامُ مالك - رحمه الله – والسابقون من هُداة الأئمة : أنّ سببَ ظهور الأهواء والأقوالِ الباطلة والشاذة ، والفرقة والخلاف ، وتراجع الأمة عن الريادة .. : الجهلُ وقلةُ العلم بآثار السّلف الصّالح ..
قال إسماعيل بن أبي أويس : سمعت مالكاً يقول : ( ما قلّت الآثار في قومٍ إلا ظهر فيهم الأهواء ، ولا قلّت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء ) ..
وروى عبدُ الله بن وهب عنه : ( إن حقاً على كل من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعاً لأثر من مضى من قبله) ..
وبهذا المنهج صار الإمامُ مالك إماماً، يضرب الناسُ أكباد الإبل ، ويقطعون الفيافي للأخذ عنه والاستفادة منه ..
قال الحافظ ابنُ عبد البر رحمه الله في التمهيد (1/65 ) : ( معلوم أنّ مالكاً كان من أشد الناس تركاً لشذوذ العلم ، وأشدهم انتقاداً للرجال، وأقلهم تكلفاً، وأتقنهم حفظاً، فلذلك صار إماماً ) ..
ومن ضمائم القول وأشباهه ، قول ذاك الإمام الرباني ابن قيم الجوزية ، منبهاً عن الأدب الجم ، والعلم المؤصل ، والطريق الموصل للطالب ، والنصح الأكمل .. قوله - رحمه الله - < الفوائد ص93 > : ( وأخسّ همم طلاب العلم قصر همته على تتبع شواذ المسائل، وما لم ينزل، ولا هو واقع، أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس، وليس همه إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال، وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه ) .. والله الهادي والموفق لا رب سواه ..

حسن الحملي ..