قال أسامة بن منقذ في كتابه الاعتبار ص 142:
"ومن عجائب القلوب أن الأنسان يخوض المغامرات ويركب الأخطار ولا يرتاع قلبه من ذلك، ويخاف ممن لا يخاف منه الصبيان والنسوان.
ولقد رأيت عمي عز الدولة أبا العساكر سلطان رحمه الله وهو من أشجع أهله له مواقع المشهورة والطعنات المذكورة، وهو إذا رأى الفأرة تغيرت صورة وجهه ولحقه كالزمع من نظرها وقام من الموضع الذي يراها فيه.
وكان في غلمانه رجلاً شجاع معروف بالشجاعة والأقدام اسمه صندوق يفزع من الحية حتى يخرج عقله.
فقال له والدي رحمه الله وهو واقف بين يدي عمي يا صندوق أنت رجل جيد معروف بالشجاعة ما تستحي تفزع من الحية؟
قال يا مولاي أي شيء في هذا من العجب؟
في حمص رجل شجاع بطل من الأبطال يفزع من الفأر ويموت - يعني مولاه. فقال عمي رحمه الله قبحك الله يا كذا وكذا.
ورأيت مملوكاً لولدي يرحمه الله يقال له لؤلؤ، وكان رجلاً جيداً ومقداما.
وقد خرجت ليلة من شيزر ومعي بغال كثيرة وبهائم أريد احمل عليها من الجبل خشباً قد قطعته هناك لناعورة لي، فسرنا من ظاهر شيزر ونحن نظن أن الصبح قد دنا، فوصلنا إلى قرية يقال لها دبيس، وما تنصف الليل.
فقلت أنزلوا ما ندخل الجبل في الليل.
فلما نزلنا واستقرنا سمعنا صهيل حصان فقلناالإفرنج!
فركبنا في الظلام وأنا أحدث نفسي ان أطعن رجل واد منهم وآخذ حصانهم ويأخذون دوابنا والرجل الذي مع الدواب، فقلت للؤلؤ وثلاثة من الغلمان تقدمونا اكشفوا هذا الصهيل.
فتقدمونا يركضون فلقوا أولئك وهم في جمع وسواد كثير، فسبق إليهم لؤلؤ وقال تكلموا وإلى قتلتكم كلكم وهو رام جيد، فعرفوا صوته وقالوا حاجب لؤلؤ؟
قال نعم.
وإذ هم عسكر حماة مع الأمير سيف الدين سوار رحمه الله قد أغار على بلاد الإفرنج وعاد
وكان هذه أقدامه على ذلك الجمع، وإذا رأى في بيته حية خرج منهزماً وقال لامرأته دونك والحية!
فتقوم إليها تقتلها."