" الأندلس من الفتح للسقوط(1) "من المفيد جدًّا أن نتعرَّف على حالة أوربا والوضع الذي كانت عليه -وبخاصة بلاد الأندلس- عند الفتح الإسلامي، وكيف تغيَّر هذا الوضع وهذه الحال بعد دخول أهل هذه البلاد في الإسلام؟
" الأندلس قبل الإسلام""
كانت أوربا في ذلك الوقت تعيش فترة من فترات الجهل والتخلُّف البالغ، فكان الظلم هو القانون السائد؛ فالحكَّام يمتلكون الأموال وخيرات البلاد، والشعوبُ تعيش في بؤسٍ شديد، واتخذ الحكَّام القصور والقلاع والحصون؛ بينما عامة الشعب لا يجدون المأوى ولا السكن، وإنما هم في فقر شديد، بل وصل بهم الحال إلى أن يُباعُوا ويُشتَرَوا مع الأرض، وكانت الأخلاق متدنِّية، والحرمات منتهكة، وبَعُدَ حتى عن مقومات الحياة الطبيعية؛ فالنظافة الشخصية -على سبيل المثال- مختفية؛ حتى إنهم كانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يُهَذِّبونها، وكانوا -كما يذكر الرحَّالة المسلمون الذين جابوا هذه البلاد في ذلك الوقت- لا يستحمُّون في العام إلاَّ مرَّة أو مرَّتين، بل يظنُّون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحَّة لهذا الجسد، وهي خير وبركة له !
وكان بعض أهل هذه البلاد يتفاهمون بالإشارة، فليست لهم لغة منطوقة؛ فضلاً عن أن تكون مكتوبة، وكانوا يعتقدون بعض اعتقادات الهنود والمجوس من إحراق المتَوَفَّى عند موته، وحرق زوجته معه وهي حيَّة، أو حرق جاريته معه، أو مَنْ كان يُحِبُّه من الناس، والناس يعلمون ذلك ويُشاهدون هذا الأمر، فكانت أوربا بصفة عامَّة قبل الفتح الإسلامي يسودها التخلُّف والظلم والفقر الشديد، والبُعد التامُّ عن أي وجه من أوجه الحضارة أو المَدَنية .
ودامت همجية أوربا البالغة زمنًا طويلاً من غير أن تشعر بها، ولم يبدُ في أوربا بعض الميل إلى العلم إلاَّ في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر الميلاديين .
كانت إسبانيا قبل الفتح الإسلامي تشكو الاضطراب والفساد الاجتماعي، والتأخُّر الاقتصادي وعدم الاستقرار؛ نتيجة السياسة ونظام المجتمع السائد، والسلطة الفاسدة، لكن هذا لا يعني أن هذه السلطة لم تكن قادرة على الدفاع، كما لا يعني انعدام قوتها السياسية والعسكرية؛ بل كان بإمكانها أن تصدَّ جيشًا مهاجمًا وتُحاربه وتقف في وجهه؛ فقد أقام القوط في إسبانيا دولة اعْتُبِرَتْ أقوى الممالك الجرمانية حتى أوائل القرن السادس الجرماني، وبقيت بعد ذلك تتمتَّع بقوة عسكرية مُدَرَّبة وقوية، تقارع الأحداث وتقف للمواجهات