ابن دقماق وأراء العُلماء عصره فيهِ
واغفال المحققين لشيوخه وتلامذته .

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاة والسلام رسولِ اللهِ محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي،وآلهِ الطيبين، وأَصحابهِ المُختارين، وعلى من سار دَرّبِهم إلى يوم الدين وبعد:
مما لاشكَ فيه أن إبن دقماق كان من أَبرز مؤرخي عصره، نظراً لوفرة تصانيفهِ في كتابة التأريخ، وتنوع موضوعاتهِ التي أبدع فبها.
إكتسبَ المؤرخ صارم الدين ابن الدقماق (ت808هـ/1409م )، مكانةً مرموقة ومتميِّزة، بين العلماء والمؤرخين في عصره ومن بعده ، لِكثرةِ مولفاتهِ التأريخية في التراجم والطبقات والحوليات على تأريخ الحوادث([1])،وشهرتها، والتي عُدتْ موارد مهماً ومعيناً للمؤرخين المعاصرين له والذين أَتوا من بعدته، في كتاباتهم الجليلة في التأريخ ،فنال الثناء الحسن والتقدير،لإنتاج ه الوفير وغزارتها.
فهذا ابن حجر العسقلاني(ت852هـ/1448م)) ينعتهً بـ(مؤرخ العصر)([2])،أي مؤرخ عصرهِ للدولة التركية المملوكية، وهو لقب عظيم صادر من مؤرخ عظيم مؤلفاته هي في صدارة الكتب المصدرية المُعتبرة في شتى صنوف المعرفة التأريخية والفكرية الإسلامية والتي لازالتْ مصدراً مهماً ومعينناً لا ينضب لكل الباحثين والمؤرخين ،وما كانَ نال لينال هذا اللقب، لولا رصانة مؤلفاتهِ التأريخية ([3])، كما أكدَ إطلاق لقب أخر عليهِ هو( مؤرخ الديار المصرية)([4])
أشار المقريزي(ت845هـ/1442م)،فيما نقله عنهُ ابن تغري بردي(774هـ/1469م)، والسخاوي(902هـ/1496م) ، قد صحب ابن دقماق مدة وتجاوا السنتين إلى أَنهُ، كان عارفاً بأمور الدولة التركية(المملوك ة)، مُذكراً بِجُملة أَخبارها ، مُستحضراً لتراجم أمرائها، ويشارك في أَخبار غيرها مشاركة جيدة)([5])،كما أشار (ابن حجر العسقلاني) من أَنهُ إِجتمع بابن الدقماق كثيراً،وغالباً ما ينقلهُ من أنباء من خطهِ،عنه([6]).
وأجمع جميع من ترجم لابن الدقماق، بأنه (كانَت تصانيفه جيدةً مفيدة، وإطلاعهِ كثير، وأعتقاده حسن، لم يكن عنده فُحش في كلامه ولا في خطه، وأنه كانَ جميل العشرة كثير الفُكاهة، وحسن الود، قليل الوقيعة في الناس)([7])وذكره ابن حجر العسقلاني ،من جملة شيوخه الذين أخذ عنهم ومن خطهِم([8])،وأنهُ قد إجتمع كثيراً بهِ،وغالباً ما كان ينقل منه،قال ابن حجر(ولصارم الدين ابراهي بن دقماق ،وقد إجتمعتُ به كثيراً وغالباً ما أَنقاه من خطه)([9]) .
كما ذكر المقريزي عن صحبتهِ لابن دقماق ومجاورته لهُ سنين كثيرة،حيث جاء في دائرة المعارف الإسلامية (أَنَ المقريزي قد تتلمذ على يد ابن دقماق ،ولم يستطع أن يستفيد من مصنفات إستاذهِ، وأن ابن دقماق قد إستفاد من مصادر أَهم من المصادر التي إعتمد عليها المقريزي)([10]) ،لأنه كان غزير الإطلاع ومعروفاً بالإنصاف في تواريخه([11])
قُدرَ لصارم الدين ابن دقماق الإطلاع الغزير والمطالعة الحثيثة لكتبِ من سبقه من العلماء والمؤرخين،مما أثر كل ذلك بسعة إطلاعه، وشمولية فكره المعرفي في علم التأريخ ،مما أهلهُ في الإبداع الفكري في علم التأريخ ،وما وفرتهُ له بيئتهِ الثقافية والعلمية ،التي كانتْ سمة ملازمة لعهود دولة المماليك ،من تشجيعٍ وتوفيرِ للمناخ الملائم من كثرة شيخ العلم والمدارس ودعم السلاطين وتشجيعهم ،ساعد لإحداث النهضة العلمية المعرفية في شتى مجالاتها، سَّبما أَنَ مؤرخنا ابن دقماق كان محط عناية وإحترام وتقدير كبار المورخين المعاصرين له والذين أتوا من بعده،كما مربنا، ويكفي بأن نذكر من المُعاصرين من أساطين الفكر التأريخي العلمي والنقدي الموسوعي والمورخ الناقد المقريزي( ت845هـ/ذ442م)وابن حجر العسقلاني(ت852هـ/1448م)،وغيرهم،في مؤلفاتهم الجليلة التأريخية ،ممن رسخوا ووثقوا أصول المعرفة التأريخية النقدية، ليس فقط لتأريخ العصور الوسطى التي عاشوها، بل تناولوا التأريخ سواء كان حولياً، أو عاماً، أو في علم الطبقات والتراجم الحضارة العربية الإسلامية منذ مبعث أنوار الهداية الربانية ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم)والعهود الزاهرة التي تلته، كالعهد الراشدي والأموي والعباسي، وعصره في العهد المماليكي، حيث وثقوا لتأريخ عصرهم بكل ثقة وجدارة، مما بينوا للآجيال اللاحقة عظمة العطاء الحضاري المتميّز للعرب والمسلمين حتى في أحلك الظروف والنوازل .
ومؤرخ جليل غزير التصنيف والمُنوّع لشتى صُنوف المعرف الإنسانية، التأريخية، والذي لقبه ابن حجر العسقلاني(ت852هـ/1448م) بـ(مؤرخ العصر)و(مُؤرخ الدِّيار المصرية) كما مربنا ،لابد كان له تلاميذ أَخذوا منه ونشره علمه وكتبهِ ،ولكن الغرب والأغرب أن من ذكر ابن دقماق وأشار إليه في مصنفاتهِ من المورخين وكتاب التراجم والوفيات والطبقات ،غفلوا وبشكل عجيب ذكر تلاميذهِ و رواوته بذكر شيء يسير جداً عنه، كما أغفلوا من قبلُ الإشارة بالتخصيص في ذكر شيوخية الذين تتلمذ عليهم ،رغم أنَ جُل مؤلفاتهِ في التأريخ كانتْ من موَارد رئيسية لمُفردات أُولئك المُؤرخين المُبرزين في عهد سلطنة المَماليك.
وسار على نفس النمط في عدم ذكر تلاميذهِ ورواته محققي كُتب ابن دقماق المَطبوعة، خلال دراستهم له ، رغم مجهوداتهم العلمية المَبذول في تحقيقاتهم([12]).
ويكفي أن نُشير أن المؤرخ اللامع الموسوعي ابن حجر العسقلاني(ت852هـ/1448م )،المعاصر له، قد أشار صراحةً على تتلمذهِ والرواية عن ابن دقماق،في كتابه الذين جمع فيهِ جملة من شيوخهِ وممن روا عنهم، وذكر أسامي الشيوخ الذين أخذ عنهم بالرواية والدراية وبمذاكرة الأقران(المشيخة) فذكر ابن دقماق من جملتهم([13])،وتتلمذ على ابن دقماق وأخذ عنه ،مؤرخ مصر اللامع المقريزي)(ت854هـ/1442م)،المعاصر له أيضاً،الذي ذكر تلميذه السخاوي (ت902هـ/1496م ) مانصه(أن شيخه –المقريزي- ذكر أنه نقل من خط ابن دقماق الشيء الكثير)([14]) .












([1])السيوطي،الحافظ جلال الدين عبدالرحمن(ت 911هـ/ )حسن المحاضرة في تأريخ مصر والقاهرة،ط1،تحق ق محمد ابو الفضل،دار إحياء الكتبو البابي الحلبي وشركائهِ،القاهر ة،1387هـ ـ1967م،ج1ص556 .

([2])المجمع المؤَسسْ للمُعجم المُفهرس،ج3ص17 .

([3])المنهل الصافي،ج1ص199 .

([4])ابن حجر العسقلاني،ابي الفضل شهاب الدين احمد بن علي(ت852هـ/1449م)،ذيل الدُرر الكامنة،تحقيق عدنان درويش،المنظمة العربية للثقافة والعلوم،معهد المخطوطات العربية،(القاهر ،1412هـ ـ1992م)،ص182،في معرض ترجمتهِ برقم(274) .

([5])المنهل الصافي،ج1ص139-140 ؛ المجمع المؤسس،ج3، ص17-18 .

([6])نقلاً عن،ابن الدقماق ،الجوهر الثمين في سيرة الملوك والسلاطين،مقدمة المحقق ،ص8 .

([7])ابن حجر العسقلاني،إِنبا ء الغمر،ج2ص360؛ المؤلف نفسه،المجمع المؤسس،ج1ص12 ؛ ابن تغري بردي،المنهل الصافي،ج1ص360 ؛السخاوي ،الضوء اللامع،ج1ص145 ،المتولي،الطبقا ت السنية،ج1ص262 .

([8])المجمع المؤسس،ص17-18 .

([9])ابناء الغمر،ج1ص4 .

([10])ينظر،دائرة المعارف الإسلامية،ج1ص61 .

([11])الزركلي،خير الدين،الأعلام قاموس التراجم،دار العلم للملايين،(بيروت 1998م)،ج1ص65 .

([12])كما في تحقيقهم لمؤلفات ابن دقماق (الجوهر الثمين) و (نزهة الأيام)،رغم الجهد العلمي الحثيث المبذول في تحقيق تلك المخطوطتين، إلا أن المحققين أغفلوا تماماً من سيرة ابن دقمان تلك المسأئل.

([13])المجمع المؤسس للمعجم المفهرس ،ج3ص17-18 .

([14])الضوء اللامع ،ج1ص145 .