تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تمام حسّان رحمه الله.. سراج علماء العربية المعاصرين!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    1,334

    افتراضي تمام حسّان رحمه الله.. سراج علماء العربية المعاصرين!

    تمام حسّان رحمه الله.. سراج علماء العربية المعاصرين!
    بقلم: د. خالد فهمي
    (1) مدخل: زهد في الحضور وفي الغياب!
    مؤلم جدًّا أن يعيش مثله بين أظهرنا لا يشعر به أحد، ولا يتنبه لفضله، وقيمته أحد، ثم مؤلم جدًّا أن يرحل هكذا من دون أن يشعر بهذا الرحيل المحزن أحد أيضًا، ومن دون أن يحس أحد بحجم هذا الفراغ الرهيب الذي خلفه بهذا الرحيل.
    الصورة غير متاحة
    د. خالد فهمي
    مؤلم جدًّا، ومحزن جدًّا، ومرعب جدًّا أن يعيش بيننا نحوًا من أربع وتسعين سنة عاكفًا على خدمة اللسان العربي، وعلى خدمة الذكر الحكيم من أصرح طريق لخدمته، وهو طريق فحص لغته، واكتشاف ما دقَّ من سرائرها، ومن غاب من قوانين نظامها، وما استتر من خفي معاني بعض ألفاظها على مدر نحو من ستين سنة متواصلة، أو يزيد، ثم يرحل فلا تتوقف الأمة لفحص آثار هذا الرحيل الذي كان ينبغي أن يكون نبؤه مدويًّا، ووقعه صادمًا.
    رحل تمام حسان وهو في قمة شموخه، وفي عنفوان عطائه، رحل جبل علم شامخ صلب.
    رحل بعد حياة حافلة مديدة لا بعد السنين، وإنما بعد الثمرات التي قذفها في عقل هذا العالم الرحيب. رحل زاهدا غير مزهود فيه، كما عاش زاهدًا، وهو قادر على أن يحوز بملكاته جزءًا كبيرًا من هذه الدنيا.
    رحم الله العلامة الجليل تمام حسّان، وأسبغ عليه وابل رحمته، وأحسن إليه الإحسان الذي يليق بجلال المسئول سبحانه.
    (2) تمام حسّان: سيرة حياة موجزة:
    وُلد تمام حسّان عمر داود في 27 يناير1918م، بقرية الكرنك، من أعمال محافظة قنا، إحدى محافظات صعيد مصر العامر.
    وكانت حياته التي لم تدم طويلاً هناك مستقرة في القاهرة، وفي بدايتها الأولى مر بما يلي:
    أ- أتم حفظ القرآن الكريم 1929م.
    ب- وحصل على الشهادة الابتدائية 1934م.
    ج- وحصل على الشهادة الثانوية 1939م.
    د- ثم على ليسانس دار العلوم، يوم كانت مدرسة عليا 1943ه.
    ثم خدم في الجيش المصري ضابطًا برتبة ملازم ثان 1942م، متزامنًا ذلك مع دراسة العربية، ثم حصل على إجازة التدريس 1945م.
    ه- وسافر مبعوثًا إلى جامعة لندن 1946م دارسًا لعلم اللغة، ليحصل من معهد الدراسات الشرقية والإفريقية 1949م على درجة الماجستير في علم اللغة العام عن رسالته التي عنوانها: (لهجة عدن في جنوب بلاد العرب: دراسة صوتية وفونولوجية).
    ثم عاد إلى مصر لينتظم في سلك وظائف التدريس منذ 1952م، وقد تدرج الدكتور تمام حسان فعمل في الوظائف الجامعية التدريسية جميعًا في الدرجات التالية:
    - مدرس 1952م، ثم أستاذ مساعد (مشارك) 1959م، ثم أستاذ 1964م.
    - وتولى رئاسة قسم النحو والصرف ووكيل الكلية 1965م، ثم عين عميدًا 1972م.
    وقد درَّس الراحل الكريم في جامعات متعددة منها جامعة محمد الخامس بالمغرب، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الخرطوم، وجامعة جنوب الوادي (بقنا).
    وقد انتخب مرتين لعضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1980م- 1988م، ثم لما عاد إلى مصر 1996م أعيد انتخابه مرة ثانية 2003م إلى أن رحل عن عالمنا، ويحسب للراحل الكريم تأسيسه للجمعية المصرية اللغوية 1972م، وكان أول رئيس لها.
    وتوج هذا السعي بحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات اللغوية في دورة 2005م.
    (3) تمام حسّان تاريخ من الإنجازات والأوليات!
    توزع إسهام تمام حسان في مجال خدمة اللغة العربية على محورين أساسيين هما التأليف والترجمة:
    أولا- المؤلفات:
    أ- مناهج البحث في اللغة، القاهرة 1955م، ثم الدار البيضاء 1992م.
    ب- اللغة بين المعيارية والوصفية، القاهرة 1958م، ثم الدار البيضاء 1992م.
    ج- اللغة العربية: معناها ومبناها، القاهرة 1973، ثم 1979م.
    د- الأصول: دراسة إبستمولجية لأصول الفكر اللغوي العربي، القاهرة 1982م.
    ه- التمهيد في اكتساب اللغة العربية لغير الناطقين بها، مكة المكرمة 1984م.
    و- مقالات في اللغة والأدب (مجلدان) مكة المكرمة 1985م، ثم القاهرة 2006م.
    ز- البيان في روائع القرآن، القاهرة 1993م، ثم القاهرة 2009م.
    ح- الخلاصة النحوية، القاهرة 2000م.
    وهذه هي الكتب المؤلفة التي رصدتها الترجمة التي جاءت في افتتاح الكتاب التذكاري الذي صدر 2002م، تكريمًا له بإشراف الصديق العزيز الدكتور عبد الرحمن حسن العارف بعنوان: تمام حسّان: رائدًا لغويًّا.
    وقد استمر عطاؤه التأليفي في خدمة العربية فأنتج بعدها:
    ط- خواطر من تأمل لغة القرآن الكريم، عالم الكتب، القاهرة، 2006م (172ص)
    ى- اجتهادات لغوية، عالم الكتب، القاهرة، 2007م (399 ص).
    ك- مفاهيم ومواقف في اللغة والقرآن، عالم الكتب، القاهرة 2010م (454ص).
    ل- الفكر اللغوي الجديد، عالم الكتب، القاهرة 2012م، صدر بعد وفاته رحمه الله تعالى.
    م- حصاد السنين من حقول العربية، القاهرة، 2012م (246ص).والملاحظ على هذه القائمة الممتدة ما يلي:
    أولاً- حرصه على التجديد، والمراجعة لمقولات التراث اللغوي، ولا سيما في الكتاب الذي اعتبره الكثيرون: الكتاب الجديد، أو أوفى مصدر تجديدي اختط لنفسه منهجية جديدة بعد الكتاب لسيبويه.
    ثانيًا- حرصه على الإصلاح، وهو الملمح الذي لاحظه كثير من الدارسين الذين فحصوا منجزه العلمي، ولاسيما في الجانب النحوي منه.
    ثالثًا- حرصه على الضبط المنهجي؛ ذلك أنه انطلق في تأليفه من منهجية صارمة منضبطة، قنن لها في كتابه مناهج البحث وطبقها في بقية مصنفاته.
    رابعًا- الجمع بين التنظير والتطبيق، بمعنى أنه صدر في عدد من كتبه عن نظريات تهدف إلى ضبط الأقسام والتفاصيل، ثم عاد وطبّق هذه التقاسيم في أعمال علمية أخرى، ولعل في كتابه العربية معناها ومبناها بما هو تأصيل نظري لدعوته الجديدة للغة العربية، وابتكاره لأقسام الكلمة فيه، ثم ما توافر عليه تطبيقيًّا في كتابه الخلاصة النحوية، نموذجًا دالاًّ على ما نقرره من أمر جمعه بين النظرية والتطبيق.
    خامسًا- عكوفه من نحو عشرين عامًا على التفرغ شبه الكامل لفحص لغة القرآن الكريم، والكشف عن أسراره اللغوية، وتوظيف المقولات العلمية المختلفة لإعادة تأمل لغة الذكر الحكيم، وهو الأمر الذي مكنه من اكتشاف حقائق قرآنية من مثل: نبوة رجل قوم فرعون، واكتشاف معانٍ جديدة لألفاظ قرآنية لم تنص عليها المؤلفات القديمة من مثل دلالة المهيمن الظاهرة من لفظ الرحمن في بعض السياقات إلخ.
    وهو الأمر الذي قاد إلى إنجاز: البيان في روائع القرآن، وخواطر من تأمل القرآن، ومفاهيم ومواقف في اللغة والقرآن وغيرها.
    ثانيًا- الترجمات:
    وبجانب ما قدّمه من مؤلفات رائده خادمة للسان العربي نظريًّا وتطبيقيًّا، قدّم تمام حسّان رحمه الله عددًا من الترجمات الكاشفة عن وعيه بطبيعة مكانة الفكر العربي عمومًا والفكر اللغوي خصوصًا، وهذه الترجمات هي:
    أ- مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب، لديلاس أوليري، القاهرة 1957م، ثم 2010م، (وهي أقدم ترجمات الكتاب في العالم العربي).
    ب- أثر العلم في المجتمع لبرتراند آرثر وليم رسل، القاهرة 1958م.
    ج- اللغة في المجتمع، لموريس ميكابيل لويس، القاهرة 1959م.
    د- الفكر العربي ومكانه في التاريخ، لديلاس أوليري، القاهرة 1961م، ثم 1997م، ثم 2010م، (وهي أقدم ترجمات الكتاب في العالم العربي).
    ?- النص والخطاب والإجراء، لروبرت دي بوجراند، القاهرة 1998م.
    (وهذه الكتب الخمسة هي التي توقف عندها الكتاب التذكاري).
    ملاحظات على ترجماته:
    يظهر من هذه القائمة التي ترجمها الراحل الكريم الدكتور تمام حسّان مجموعة من العلامات المهمة يمكن إجمالها فيما يلي:
    أولاً- توزع اهتمامات الراحل الكريم ودورانها في دوائر انتماء تخصصه الدقيق وهو علم اللغة، والعطاء والأخذ في مجال بناء الحضارة العربية، وفي مجال العلم عمومًا.
    وهو وجه دال على انفتاح أفق مفهوم العالم خدمة للثقافة الوطنية.
    ثانيًا- متابعة الجديد في ميدان التخصص، فترجمته لكتاب دي بوجراند، وهو أعظم متون علم لغة النص في الغرب، ودليل على حضور الرجل ومتابعته لتطور المعرفة في مجال علم اللغة.
    ثالثًا- يوحي ما ترجمه على وعي ظاهر بأن الحضارات تؤسس على قبول الآخر وتقدير منجزه الذي قدّمه للإنسانية.
    رابعًا- وقد استمرت ترجماته فأخرج أيضًا:
    1- لغويات النص، المنقول عن الموسوعة اللغوية المنشورة بواسطة كريستين والكماير، بكامبيردج 1991م، وقد ألحق هذه الترجمة بآخر كتابه: اجتهادات لغوية، القاهرة 2007م (ص361- 384)، وهو عبارة عن معجم موجز لمصطلحات علم لغة النص.
    - نظرة سيميوطيقية للنصوص، لفلويد ميريل، ترجمها وألحقها بكتابه: اجتهادات لغوية، 2007م (ص385- 399).
    ثالثًا- المقالات:
    يعلم المتابعون للدرس اللغوي حاجته إلى التأمل، والفحص المتأني لعدد من قضاياه ومسائله وهو ما يظهر عادة في صورة بحوث، وأوراق عمل، وفصول تشبه الكراسات التي كان ينجزها العلماء العرب في التراث الإسلامي تغطية لبعض المسائل الصغيرة والعميقة.
    وهذا الأمر هنا الذي يفسر- عادة- عناية العلماء اللغويين بالمقال العلمي. وقد ترك تمام حسّان عددًا وافرًا من البحوث والمقالات العلمية الرصينة الكثيرة الممتدة منذ بدايات الانشغال بالبحث العلمي في مجال العلوم اللغوية والثقافة بوجه عام.
    والمقالات التي تركها الراحل الكريم ثروة وافرة تحتاج إلى من يجمعها ويدرسها.
    وقد توزعت مقالاته على المجلات التالية:
    مجلة الأزهر، ومجلة منبر الإسلام، وحوليات كلية دار العلوم، ومجلة المجلة، بمصر.
    ومجلة اللسان العربي، ومجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة محمد الخامس، بالمغرب.
    ومجلة فصول، ومجمع اللغة العربية بمصر، ومجلة بحوث لغوية وأدبية بمكة المكرمة، ومجلة معهد اللغة العربية بأم القرى، والحصاد بالكويت، ومجلة الدراسات القرآنية بلندن، والكتاب ببغداد، والمحاضرات بجدة.
    رابعًا- الأوليات:
    وفي الترجمة التي افتتح بها تلميذه الصديق الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العارف وقف أمام ملمح مهم يمكن أن يحمل عنوانًا مهما هو: ماذا يتبقى من تمام حسّان، وهو ما سماه المترجم بأوليات تنسب إليه، ويقصد بهذا التعبير ما ابتكره وكشف عنه الراحل الكريم في رحلته العلمية الطويلة.
    وفيما رصد لتجديدات تمام حسّان كما رصدها عبد الرحمن العارف في ترجمته له (ص30):
    أ- يرى عبد الرحمن العارف أن تمام حسّان أول من استنبط موازين التنغيم في اللغة العربية، أو ما يسمى نماذج التنغيم في أول كتبه (مناهج البحث في اللغة).
    ب- أول مَن أعاد تقسيم الكلمة، ورآها سبعة أقسام في مقابل التقسيم الثلاثي الشائع في التراث النحوي عند العرب.
    ج- أول من أوجد بديلاً لفكرة العامل النحوي الذي لجأ إليه النحاة العرب لتفسير التغييرات التي تصيب الكلمات في الجملة، وهذا البديل سماه تضافر الأدلة على المعنى أو تضافر القرائن في البنية أو المعنى والعلاقات إلخ.
    وهنا ينبغي تصحيح حكم عبد الرحمن العارف الذي رأى في إنجاز تمام حسّان أولية إبطال فكرة العامل؛ ذلك أن هذه الأولية هي لابن مضاء القرطبي تاريخيًّا؛ فهو أول من سخر من فكرة العامل في كتاب أعيد العناية به في العصر الحديث على يد الدكتور/ محمد إبراهيم البنا، ثم على يد الدكتور شوقي ضيف رحمه الله، وهو كتاب (الرد على النحاة).
    ومن هنا فإن أولية تمام حسّان ظاهرة في إيجاد بديل تفسيري يقوم مقام العامل أولية التفسير والشرح لا أولية التأسيس والوضع.
    د- أول من فرّق بين الزمن الصرفي البسيط والزمن النحوي المعتمد على السياق، وتوصل إلى تقسيم للزمان وصل به إلى ستة عشر زمنًا، وأرسى مفهومًا يعين على تعدد الزمن النحوي.
    (4) رحلة في إنجاز تمام حسّان اللغوي:
    إن تأمل منحز الدكتور تمام حسّان في العلوم اللغوية أمرٌ تحيط به صعوبات متعددة ولكن ذلك لا يعني الدلالة على رءوس أقلام تشير مجمل علاماته، وخصائصه.
    وفي هذا السياق سألجأ إلى واحد من أهم الأصوات الأكاديمية في المجال العربي اليوم، وهو العلامة الجليل الدكتور/ سعد عبد العزيز مصلوح الذي يرى إنجاز تمام حسّان كما يلي: يقول سعد مصلوح وهو بصدد استشراف المستقبل-: "ويقف في الصدارة من هذه المحاولات كتاب أستاذنا تمام حسّان: (اللغة: معناها ومبناها)، وهو كتاب له ما بعده، أو هكذا ينبغي أن يكون إذ هو جهد بصير يباين في جوهره جميع ما سبقه من جهود.. بيد أنه مؤهل ولا سيما بنظريته في القرائن النحوية والتعليق لأن يكون منطلقًا رصينًا موفقًا لارتياد آفاق جديدة يكون فيها النحو قطب الطرق التحليلية في دراسة النص".
    وهذا النص الذي افتتح به سعد مصلوح مراجعته للمذهب النحوي عند تمام حسّان من نحو الجملة إلى نحو النص في كتابه (في اللسانيات العربية المعاصرة: دراسات ومثاقفات، عالم الكتب، القاهرة 2004م، ص203) ظاهر الدلالة على مكانة الرجل.
    وحسبنا فيه أن يرى من هو في قامة سعد مصلوح منجز تمام حسّان معينًا على استشراف آفاق جديدة تنمو بالدرس اللغوي للعربية في العصر الحديث؛ لدرجة حملته على أن ينعاه بجملة تراه سراجًا في هذا الزمن العصيب.
    ولم يكن صوت سعد مصلوح هو الصوت الوحيد الذي ثمن منجز تمام حسّان في ميدان درس العربية وإنما يمكن أن يضاف إليه بعض أسماء العلماء من مثل: محمود أحمد نحلة ومصطفى غلفان وحلمي خليل ومجيد الماشطة ومحمد صلاح الدين الشريف، وعبد الوارث مبروك سعيد.
    وفحص كتاب واحد من الكتب الحديثة التي صدرت قبل رحيله رحمه الله تعالى يمكن أن يقف بنا على بعض ملامح تجديد تمام حسّان في الدرس اللغوي للعربية.
    وقراءة كتاب: مفاهيم ومواقف في اللغة والقرآن (القاهرة2010م) بما هو مثال رائع على فكر الرجل، وتأملاته، واجتهاداته، يمكن أن تحملنا على استنباط التجديدات التمامية التالية في صورة حقائق لغوية أنجزها الراحل الكريم:
    أ- ليس للصوت اللغوي دلالة في ذاته (ص154).
    ب- حاجة القول بانحصار الزيادة في الحروف العشرة المجموعة في قولهم (سألتمونيها) إلى المراجعة، لوجود تحقق للزيادة بغير هذه الأحرف العشرة (ص158).
    ج- نظام المعجم محكوم بمعيارين هما: المناسبة/ والمفارقة (158).
    د- سهمة الصوتيات في البناء المعرفي للبلاغة العربية أمر ثابت، وإن لم يكشف عنها حتى اليوم (ص179).
    ه- للفاصلة القرآنية غرض جمالي في الأساس (ص274).
    و- لقد صارت المصطلحات العلمية مثل: (س، ص) في الجبر، مجرد رموز على كمية مجهولة (ص276).
    ز- القرآن فوق قواعد النحاة، فهو يسع النحو ولا يسعه النحو.
    ولعل أخطر ملمح مائز في جهد الراحل الكريم كامن في العودة من جديد إلى النص وفحصه، وتأمله في ظل قوانين تضافر الأدلة، أو القرائن وهو الملمح الذي قاد إلى اكتشافات تمام حسّان، وتجديداته.
    (5) القرآن فوق قواعد اللغويين!
    يقف المعنيون بدراسة لغة القرآن الكريم، وفحص أسرارها أن الوصول إلى القانون الذي تصدر هنا عنوانًا جانبيًّا، وهو: القرآن فوق قواعد اللغويين يوشك أن يبلغ درجة التواتر الحقيقي والمعنوي معًا؛ بمعنى أن هذه الحقيقة هي قمة ناتج فحص لغة هذا الكتاب المعجز.
    لقد سبق من محمد عبد الله دراز مثلاً أن يرى في القرآن معجزة لغوية بامتياز، وأن يرى رمضان عبد التواب: أنه لولا القرآن ما كانت العربية!
    وهذان مثالان فقط على ما توصل إليه أمر العكوف على دراسة العربية من جانب، ودراسة عربية القرآن الكريم من جانب آخر.
    ولعل الدكتور تمام حسّان بما عكف عليه مدة طويلة تزيد على ثلاثة عقود تقريبًا تكاد تكون خالصة له- يكون أكثر علماء العربية المعاصرين تدليلاً على أن القرآن يسع النحو ولا يسعه النحو، وهو المعنى الذي أراده العلامة الراحل رمضان عبد التواب عندما كان دائم الإلحاح على أن القرآن حاكم على العربية.
    وقد استطاع تمام حسّان أن يصل إلى أمور جديدة سبق إليها ولم يسبق أحد من علماء العربية إليها قبله، وهي التي حملته على أن يصل هذا الحكم الذي سبق من أن القرآن الكريم يسع النحو ولا يسعه النحو.
    وفيما يلي بعض مما توصل إليه من حقائق نتجت بسبب من اجتهاداته وتأملاته، وفحص للقرائن المتضافرة في نصوص آيات الذكر الحكيم:
    أولاً- الرحمن بمعنى المهيمن، حيث يرى الراحل الكريم أن اللفظ الجليل (الرحمن) في مثل قوله تعالى: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن) (مريم: من الآية 45)، فهو وإن لم يشرح سر هذا الاستنباط، إلا أنه بما هو معروف عنه من تحكيم القرائن اللفظية والمعنوية المختلفة ظاهر من العلاقات الجامعة بين/ (عذاب) و(من الرحمن) وهو ما ينصرف بنا بعيدًا عن أن تكون دلالة الرحمن مبالغة من الرحمن، وإنما تدور حول الهيمنة والسطوة.
    ثانيًا- تعديل معنى "إلاّ" من الاستثناء إلى الاستدراك في قوله تعالى: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) (الأعراف: من الآية 20)، فيقول: ولا يفهم مقصد الشيطان إلا بتحويل "إلا" من الاستثناء إلى الاستدراك فيكون المعنى: إن الله لم ينهكما عن الشجرة لذاتها ولكن لأنه جعلكما خلفاء في الأرض، وهذا المعنى جديد لم يذكره أصحاب المصنفات النحوية المشغولة بحروف المعاني.
    ثالثًا- اقتراح معنى الأفضل للفظ الأوسط في قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)) (القلم)، وهذا المعنى الذي يقترحه تفسير اللفظة القرآنية الكريمة جاء ناتج مراقبة حركة اللفظة في السياقات القرآنية المختلفة؛ مما يدعم هذا التفسير ما جاء في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: من الآية 143).
    وقوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (المائدة: من الآية 89)، فاللفظ في جميع ما نرى جانحة نحو دلالة التفضيل والارتقاء، وارتباط القائل بالمنظومة الإيمانية والأخلاقية تحمله على أن يقترح معنى أفضل لمعنى أوسط.
    رابعًا- اقتراح معنى الميمون للفظ الأيمن في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ) (القصص: من الآية 30) اعتمادًا على حقيقة يقول في التعبير عنها بأن الوادي ليس له يمين أو يسار، ومن هنا أمكن صرف المعنى من الجهة إلى معنى اليمين والبركة والقدسية.
    (6) هل يمكن تصنيف تمام حسّان؟!
    ليس هذا السؤال غريبًا في مقام المراجعات والتقييم لمنجز الأعلام الراحلين؛ ذلك أن تعيين المرجعيات أمر مهم في قراءة الإسهام الفكري المتميز لأعلام الأمة.
    ذلك أمر مهم ولعله أهم بكثير من رصد التفصيلات الصغيرة؛ إعمالاً للقاعدة الأصولية التي تقرر أن الفروع غير منحصرة.
    وتمام حسّان ابن بار للفكرة الإسلامية، طامح إلى التمكين لها، والتدليل على عظمتها، يؤسفه تراجع ملامح قوتها.
    ولا يصعب على متابع إنجازه أن يرى ذلك صريحًا، ويكفي في هذا السياق أن تشير إلى علامات تقرر أن تميز تمام حسّان العلمي والإنساني ناتج انتماء غير خافٍ للمناخ الذي خلقه الفكر الإسلامي المعاصر كما يلي:
    أولاً- لقد سمعت من تمام حسّان أنه لم يندم في حياته على شيء قدر ندمه على عدم مشاركته في الجهاد ضد الكيان الصهيوني 1948م، وأنه يثمن ويغبط شباب الإخوان الذين خاضوا غمار الجهاد من أجل فلسطين.
    ولقد كان الرجل مبعوثًا إلى جامعة لندن في هذا التاريخ.
    ثانيًا- ولقد سمعت منه أيضًا أنه يتوق إلى اللحظة التي يتوحد فيها العرب جميعًا، لأن هذه الوحدة هي سبيلهم إلى الترقي والتقدم.
    ثالثًا- ومن العجيب المدهش أن يظل تمام حسّان على وفائه لقضايا الوجود الإسلامي المعاصر، فقد جاء في آخر ما صدر له في كتابه (حصاد السنين في حقول العربية)، (ص135) أنه يتوق للحظة التي تعود فيها الأرض الإسلامية إلى راية الإسلام، يقول في التعليق على قوله تعالى: (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا) (الإسراء: من الآية 8): "وقد تحقق هذا الوعيد في صور مختلفة كالغزو الروماني مرة، وأن الله قطعهم في الأرض أممًا أخرى، وأنه ضرب عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس (الأمريكيين في زماننا!) وقد أفسدوا، وسفكوا دماء الفلسطينيين ولم يبق إلا أن يحقق الله وعيده مرة أخرى، ونحن في الانتظار"
    وهذا يظهر الوعي التام والمستمر بقضية علو الأمة المسلمة، والوعي بما يتهددها.
    والعمل العلمي الداعم لقضيتها الكبرى في العصر الحديث ضد تغوّل الصهيونية.
    رابعًا- العكوف شبه المنقطع لفحص لغة القرآن الكريم، صوتيًّا وصرفيًّا ونحويًّا، والكشف عن سراره، وتأمله بما هو وحدة كلية متعالية عن كل كلام بشري، وبما هو نص لا تحده القوانين التي اكتشفها اللغويون والنحاة، بما يعني ضرورة استمرار فحص هذا النص، وخدمته.
    هذه العلامات جميعًا تعيد تصنيف تمام حسّان رائدًا من رواد الحركة الإسلامية في الميدان اللغوي.
    وهو الأمر الذي يظهر من جديد وهو يملك القدرة البالغة على تفسير مناطق التميز على خريطة العلم في العصر الحديث في البلدان العربية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى عكوف صابر على تلمسه وفحصه.
    رحم الله تمام حسّان، وعفا عنه، ونفع الأمة بما أنجزه، وجعله في موازين حسناته.
    ------------
    مراجع للاستزادة:
    1- تمام حسّان، رائدًا لغويًّا، عالم الكتب، القاهرة 1423ه، 2002م.
    2- المذهب النحوي عند تمام حسّان: من نحو الجملة إلى نحو النص، ضمن في اللسانيات العربية المعاصرة: دراسات ومثاقفات، عالم الكتب، القاهرة 1425ه/2004م، ص201- 248).
    3- الترتيب المعجمي في كتاب الأصول للدكتور تمام حسّان وأصوله التراثية، للدكتور خالد فهمي، ضمن مجلة: تراثيات، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة ع13 لسنة 2009م (ص31- 45).
    ---------
    * كلية الآداب- جامعة المنوفية
    وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    رحمه الله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •