عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا([1])».
قال ابن حجر رحمه الله: ((وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ لِلثَّيِّبِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَكِنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بَلْ تَجْعَلُ أَمْرَهَا إِلَى رجل فيزوجها؛ حَكَاهُ ابن حَزْمٍ عَنْ دَاوُدَ، وَتَعَقَّبَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمَرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا، فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا([2])))اهـ.
وقال النووي رحمه الله: ((وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ أَنَّ الْمُرَادَ: أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ من عقد وغيره كما قاله أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا؛ أَيْ: لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْبِكْرِ، وَلَكِنْ لَمَّا صَحَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ تعين الاحتمال الثاني، وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ أَحَقُّ هُنَا لِلْمُشَارَكَةِ مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفُؤًا وَامْتَنَعَتْ، لَمْ تُجْبَرْ، وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفُؤًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ، فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي([3])))اهـ.
[1])) أخرجه مسلم (1421).
[2])) ((فتح الباري)) (9/ 194).
[3])) ((شرح مسلم)) (9/ 204).