( موسوعة شعراءالعربية)
شعراء النهضة العربية
بقلم- فالح الحجية
33
حمزة شحاتة -
شاعرالحجاز
ولد حمزة شحاته في مكة المكرمة سنة\ 1910 يتيم الاب
نشأ وتربى في مدينة (جدة) الساحلية على البحرالاحمر لدى جاره العم والمربي محمد نورجمجوم، درس في مدارس الفلاح النظامية في ( جدة ) وكان متفوقاً في دروسه ومتقدماً على سنه فيها ، وقد أثّرت أجواء هذه المدينة المتفتحة في شخصية شحاتة كما فعلت مع بقية أبناء جيله من الشباب في تلك الفترة،
ثم درس لكبار كتاب التيارات التجديدية والرومانسية العربية التي انتشرت في البلاد العربية والمهجر، وقد تأثر كثيراً بجبران خليل جبران، وايليا أبوماضي وجماعة الديوان.
رحل إلى الهند، واقام بها مدة سنتين، مبعوثا لمباشرة الأعمال التجارية لإحدى البيوتات التجارية في جدة وزتشكل هذه الرحلة منعطفا تاريخيا في حياته، حيث انكب فيها على تعلّم اللغة الإنجليزية والتزود بالمعارف والاطلاع على الإنتاج الأدبي البريطاني الغربي ، فكانت رافداً أساسيا في تكوين شخصيته الفكرية ونزعته التجديديةاوجدت رؤيا فلسفية حكيمة في النتاج الشعري والنثري له الذي كان في زمن بعيد عن واقع العالم من حوله، نظم خلال هذه الفترة قصيدته المشهورة ( جدة) يتجول بكلماته الشعرية بين تأملاته لمكان ولد وعاش فيه وسط أناس لم يقدروا فكره، ولذلك لم تكن مجرد مقطوعة شعرية تجسدت في شخصية الشاعر وكانت معشوقة الفيلسوف الغامض كما وجده الكثيرون، فهي قصيدة حملت دلالات فلسفية وقد قال عنه احد اصدقائه إنه (قمة عُرفت ولم تُكتشف).
وقصيدة (جـدة) التي أطلقت عنانها غربة قاسية من نفحات ذاكرة رجل ولد داخلها عام 1328هـ، وعاش راكضا بين أزقتها وتنقلت طفولته بين رائحة حاراتها العتيقة.. الشام.. اليمن.. البحر.. المظلوم.. لتكون بكل ذلك جسدا غضا لامرأة عذراء مراهقة ساحرة القوام، تتلحف ببحرها، المطرز بالزرقة، كما وجدها شحاتة منذ أول رحلة له في صباه إلى الهند لمزاولة العمل لعدة سنوات، والتي تركت أثرها في نفسه، و تقول ابنته الصغرى زلفى (رحلته إلى الهند كانت منعطفا ثقافيا في حياته)
عاد من الهند شابا فارع الطول مرتب الهندام وطامحا مكافحا وسيما وصاحب ثقافة دسمة استطاع تكوينها من ولعه بالقراءة التي لا يتوقف عنها أبدا في أي مكان يكاد يصله، تقول زلفى (إنه مولع بها بشكل كبير، وليس ذلك فحسب، لقد كان واجبنا اليومي الذي إن لم نفعله نعاقب عليه، وما زلت أتذكر كلماته رغم صغر عمري: ستقرؤون.. ستقرؤون.. الآن بعد قليل.. ستفعلون ذلك).
ذاع صيت شحاتة في المشهد الثقافي بالحجاز في محاضرة مطولة وشهيرة ألقاها في خمس ساعات متواصلة في جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة في عام 1938م، حيث قام بتغيير عنوان هذه المحاضرة الى(الرجولة عماد الخلق الفاضل) بدلا من (الخلق الفاضل عماد الرجولة) الذي اختارته جمعية الاسعاف الخيري عنوانا لمحاضرته ولم يتقيد به مما أثار به فضول واندهاش شيوخ ومثقفي مكة من بلاغته ونمط تفكيره، دلل على أبعاد فكرية ومضامين فلسفية واجادات لغوية جاءت باكرة في حياة شاب في الثلاثين من عمره .
احب المطالعة وكان يستمتع كثيرا بالقراءة والموسيقى التي كان يعزفها بالفطرة على العود رغبة منه في التحليق لعوالم ما وراء الحياة في نتاجه الفكري فكان شبيهه بأبي العلاء المعري الشاعر الضرير الذي رأى العالم من حوله بقلبه وعقله ولم يره بعينيه
حمزة شحاتة شاعر الحجاز وأديب مكة وفيلسوف الحرية في الجزيرة العربية، وطليعة الخطاب النهضوي والأخلاقي فيه. انه قمة الحجاز التي لم تكتشف، والصرخة الأخلاقية التي سبقت زمانها، وارهاصة الشعرالحديث في ثوبها الريادي على مستوى الحجاز والسعودية، والجزيرة العربية أجمع.
عتبر حمزة شحاتة من رواد الشعر الحديث في الحجاز وناثرٌ بمضامين فلسفية عميقة، وخطيب مفوّه بانطلاقات أخلاقية وأفكار نهضوية.
وعازف على العود وملحن وموسيقي بارع.
عرف بنفوره الاضواء و الشهرة وحريص على العزلة في المشهد الثقافي على الرغم من إجماع أقرانه على ريادته وعبقريته وتقديمهم له. عُد شعره ونثره -من قبل النقاد في طليعة الأدب الحجازي، ضمن الر عيل الاول اذ قد ترك من خلفه مدرسة أدبية وفكرية عريضة في الحجاز،.
رحل إلى القاهرة ساخطاً على أحوال البلد عام 1944م، وهو ذات التاريخ الذي توقف فيه توقفا تاماً عن نشر أي إنتاج أو أدب، كما لم يشأ قط التواصل مع أدباء مصر على رغم عز الأدب في مصر في تلك الفترة، ورغم كل المحاولات التي قام بها عبد الله عبد الجبار وعبد المنعم خفاجي من تقديمه لأدباء مصر. إلا أن الاباء كان سمة من سمات الشحاتة الواضحة. عاش في مصر منعزلاً في شقته صارفا اهتمامه في آخر سنواته إلى تربية بناته الخمس وتعليمهن والكتابة والتلحين دون نشر أو تسجيل. فقد البصر قبل وفاته. توفي عام 1972م في القاهرة، ودفن في مكة المكرمة في مقبرة المعلاة، عن عمر يناهز ال62 عاما.
من مؤلفات ومنتجات الشحاتة
الرجولة عماد الخلق الفاضل- محاضرة أخلاقية ونهضوية 1940 - نشرتها دار تهامة عام 1401.
رفات عقل- نثر فلسفي رائد.
حمار حمزة شحاتة - نثر فلسفي.
المجموعة الشعرية الكاملة أو ديوان حمزة شحاتة - وقد جمعها محمد علي مغربي وعبد المجيد شبكشي، .
غادة بولاق- ملحمة شعرية كتب مقدمتها الناقد المصري مختار الوكيل.
شجون لا تنتهي - من مطبوعات دار الشعب / القاهرة.
إلى ابنتي شيرين- تحفة في أدب الرسائل الرومانسية.
إضافة إلى العديد من القصائد والأعمال النثرية الفلسفية والآراء الفكرية التي لا تزال مخطوطة، كانت موزعة لدى أشخاص محمد نور جمجوم وعبد الحميد مشخص ومحمد علي مغربي ومحمد سعيد بابصيل، وقد تعهدت ابنته مؤخراً بطباعتها.
من أجود شعر الشحاتة قصيدة بعنوان (المعاناة).. وقصيدة شهيرة في وصف مدينة جدة، وتتزين إحدى ميادينها بمطلع القصيدة الذي يقول:

النهى بين شاطئيك غريق
والهوى فيك حالم ما يفيق

ورؤى الحب في رحابك شتى
يستفز الأسير منها الطليق

كُتب في مسيرة الشحاتة النضالية والريادية العديد من التراجم لعل أشهرها كتاب عزيز ضياء (حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف)، وكتاب (حمزة شحاتة.. ظلمه عصره) للأديب عبد الفتاح أبو مدين. كما امتلأت المكتبة النقدية بالدراسات النقدية حول شعره وخصائصه، مثل كتاب (الخطيئة والتكفير) والمنشور عام \ 1983م، إضافة إلى كتاب الدكتور عاصم حمدان (قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري) والذي كتب مقدمته رائد النقد الحديث بالسعودية الأديب عبد الله عبد الجبار، إضافة إلى العديد من الدراسات والمقالات النقدية. كما كرمه مؤخراً (عام\ 2006) الملتقى السادس لقراءة النص بنادي جدة الأدبي الثقافي تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد مدني، في احتفالية وظاهرة نقدية كبيرة امتدت إلى خمسة أيام. وتتجه الجهات الثقافية الرسمية إلى اعادة طباعة منتوجه الفكري والأدبي.
من أقوال حمزة شحاتة من خطبته الشهيرة (الرجولة عماد الخلق الفاضل)
(الرذيلة لا تنتصر إلا متى كان صوتها قويا، وصوتها لا يكون قويا إلا إذا نفخت في بوق الفضيلة).
(كانت القوة في الرجل مصدر الإعجاب والتقديس، والقوة ما تعرف الهوادة في تأمين سبيل حياتها ومطالبها).
و من قصيدة (سطوة الحسن) مطلع قصائد ديوان حمزة شحاتة
هذه الابيات \

وتهيأت للسلام ولم تفعل
فأغريت بي فضول رفاقي

هبك أهملت واجبي صلفا
منك فما ذنب واجب الأخلاق

بعد صفو الهوى وطيب الوفاق
عزّ حتى السلام عند التلاقي

يا معافى من داء قلبي وحُزني
وسليماً من حُرقتي واشتياقي

هل تمثَّلتَ ثورة اليأس في وجهي
وهول الشقاء في إطراقي؟

ويقول:

سطوة الحسن حللت لك ما كان
حراما فافتن في إرهاقي

أنت حر والحر لايعرف القيد
فصادر حريتي

واختم البحث بقصيده للشاعر حمزه شحاته رحمه الله:

مــالــي أراهــــا لا تـــــرد ســلامـــي
هــل حـرّمـت عـنــد الـلـقـاء كـلامــي

أم ذاك شـــأن الـغـيـد يـبـديـن الـجـفـا
و فـؤادهــن مــــن الـصـبـابـة دامــــي

يـــا قـلــب ويـحــك إن مـــن علـقـتـهـا
رأت الـوفـا فــي الـحـب غـيـر لـزام ِ

هـــي لا تـبـادلـك الــغــرام فـنـاجـنـي
لـمـا أنـــت فـــي أحضـانـهـا مـتـرامـي

مـا كـان يبكـي يـومـه كــي تضحـكـي
مـــا كـــان يـسـهــر لـيـلــه لـتـنـامـي

بل كـان ينشـد فـي هـواك سعـادة
فجعلتـهـا حلـمـا مـــن الأحـلا م ِ

يـــا ربّـــة الـطــرف الكـحـيـل تـذكــري
عهـدي وخافـي الله فـي استسلامـي

لـــولا رجـائــي فــــي ودادك و الــوفــا
لكرهـت عيشـي فـي الهـوى ومقـامـي

أصـبـحــت عــبــدا فــــي هـــــواك
و إنني لسليل قوم ماجدين كرام ِ

روحــي فـداك إذا ملـكـتـي تـرفـقـي
لا تـتـركـيـنـي فــريــســة الــلــوّام ِ


اميرالبيـــــــ ان العربي
د. فالح الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز


****************************** ****