تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حقيقة تحقيق الكتب عند الإمام الإبراهيمي. ورأيه في تحقيقات المستشرقين.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    116

    افتراضي حقيقة تحقيق الكتب عند الإمام الإبراهيمي. ورأيه في تحقيقات المستشرقين.

    إلى الأستاذ عبد العزيز الميمني
    أنا أحمل لأخي الفاضل العلّامة الشيخ عبد العزيز الميمني من الإكبار لقدره بعد الاجتماع به أضعاف ما كنتُ أحمل من الشوق إليه قبل رؤيته، ذلك أنني كنت أعرف من آثاره المكتوبة، وآثار المرء هي بعضه لا كلّه، هي أجزاء من نفسه تمليها قريحة ويعبّر عنها لسان ويسطّرها قلم، أما الآن فقد عرفت الميمني كلّه، عرفت منه ما وراء القريحة واللسان والقلم، عرفته وعرفني فكانت معرفته بي مكمّلة لمعرفتي به، لأن مناقلة الحديث ومنازعة الرأي وإدارة البحث على فكرة تجلي الجوانب النفسية التي لا يصوّرها القلم ولا تسجّلها الصحيفة ولا يقعقع بها البريد، وتفضي إلى اشتراكية روحية جميلة أين منها هذه الاشتراكية المادية التي تلوكها الألسنة لفظًا وترشح بها الأقلام كتابةً.
    ما زلتُ منذ قرأت آثار أخي الميمني واطلعت على أعماله الجليلة لتاريخنا العلمي، أشهد أنه منقطع النظير في سعة الاطلاع على تراثنا الذي تشتت ومزقته الأحداث، فلم تبق منه إلّا صبابة، ولم يبق من العارفين بها إلا عصابة، ولم يبق من وسائل إحيائها وربط أجزائها إلّا ما يكثر فيه الخطأ وتقل الإصابة.
    وأخي الميمني- ولا أحابيه- يرجع مع سعة الاطلاع إلى ذهن مشرق، ورأي في تصحيح النصوص سديد، وحافظة هي رأس المال لمن يتعاطى هذه الصناعة، وحظ من لغة العرب مفرداتها وأساليبها يندر أن يتاح لمن نشأ مثل نشأته، فهذه هي الأصول التي بوأته بين علمائنا المنزلة التي اعترف بها كل منصف، والمنصفون هم الناس وإن قلّوا. وأصل الأصول في نفس أخينا الميمني إخلاص في خدمة العلم عامة، وافتنان بلغ حدّ التتيم بما أثل علماء الإسلام للحضارة الانسانية، وغيرة بلغت أقصى حدّها على بقايا هذا التراث، أن يضيعها الورّاث، كما أضاعت ما قبلها الأحداث، ثم حرص شديد- ولا حرص الفقير الحانق، في المحل الخانق، على الفلس والدانق- على وصل ما انقطع وربط ما انتشر من هذا التراث النفيس الذي كان أهله عونًا مع الزمان عليه، فكان من آثار هذه الخلال فيه أن رأيناه يطوف الآفاق وينقّب المكاتب للحصول على كتاب عربي غفل الزمان عن نسخة يتيمة منه ليولد منها ثانية يردّ بها غربة الكتاب إلى تأهيل وغرابته إلى تأنيس ولبسه إلى توضيح، وله في هذا الباب المناقب الكبر التي عجز عن تحصيلها غيره، فهو يشبه محمد بن اسماعيل البخاري حين تفرقت الأحاديث في الأمصار فرحل إليها كلها، ليجمع منها ما شت، ويصل من حبالها ما انبت.
    وهذا الفن الذي أصبح أخونا الميمني إمامًا فيه وعلَمًا من أعلامه فن قديم، وضع أصوله الأولى أسلافنا فيما كانوا يحرصون عليه من معارضة نسخهم من الكتاب بنسخته الأصلية، وبما كانوا يلتزمونه من كتابة السماعات وإن كثرت على نسخهم مع شهادة مؤلف الكتاب بخطه أو بخط مَن يرويه عنه مباشرة، ومن دقّتهم في باب المعارضة أنهم يكتبون عن الكلمة التي انتهى بها المجلس هذه الجملة (بلغ مقابلة أو سماعًا)، وكانوا لا يجيزون الأخذ من كتاب ليس عليه هذه الشهادات، كما كانوا يرجعون في الخلاف إلى الأصول القديمة، وحكاية المعرّي مع شيوخ بغداد معروفة، حينما روى كلمة (يوح) بالياء وعارضوه بروايتها بالباء واستظهروا بنسخ جديدة من كتاب للسكيت أو لغيره، فقال لهم هذه نسخ جديدة رواها أشياخكم على الغلط فارجعوا بنا إلى النسخ القديمة بدار العلم فوجدوها كما قال[تجد القصة في شرح أدب الكاتب للبطليوسي]. وهذا أصل له فروع منها عنايتهم بتصحيح التصحيف وتأليفهم المؤلّفات الخاصة فيه، ولو أن باحثًا تتبّع هذه الأصول واستقصاها في كتاب لكان ذلك إسكاتًا لهؤلاء المتبجّحين من الغربيين الذين يزعمون أن هذا الفن الذي يطلقون عليه (فن خدمة النصوص) هو من مبتكراتهم ومن خصائص حضارتهم العلمية الحاضرة، وأنا فما انطوت نفسي على ثقة بهؤلاء المستشرقين حين يتكلمون عن كتبنا ولغتنا وآثار أسلافنا، ولعلنا نتفق جميعًا على عدم الثقة بهم حين يحكمون آراءهم في ديننا وتاريخنا وآدابنا وشؤوننا الاجتماعية، وإن كنت لا أنكر أن لبعضهم جهودًا مشكورة في إحياء بعض كتبنا، وهذا أيضًا ليس له كبير شأن، فإن القوم متعاونون كل شيء ميسر لهم، وكل شيء يطلبونه من المراجع يجدونه منهم على طرف الثمام، ومن ورائهم جمعيات ومجامع تمدّ وتسعف، ولو كنا نجد عشر العون الذي يجدونه وعشر التسهيلات التي تهيّأ لهم من المال والمكاتب الزاخرة الميسرة الأسباب، لصنعنا العجائب في هذا الباب.
    ومن التحذلق الغالب على معظمهم أنهم يعدون من أمانة النقل إبقاء الخطأ الصريح على حاله، فكلمة "غير" مثلًا لا تحتمل غير معناها في مقامات الاستثناء مثل استعمالها في جملة:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}، وقد يسهو ناسخ فيترك الغين بلا نقط، فيجدها جرمقاني من هؤلاء الجرامقة فيكتب في التعليق عليها (في نسخة أخرى: عير)، ويعدّ هذا من الفنّ، ولا يكون هذا من الفن إلّا إذا كان الخطأ من الفن وكان الجهل من الفن، وما أُتي هؤلاء إلا من سطحيتهم في العربية وقلّة محصولهم منها، أما العربي فلا يحكم على كلمة (عير) في مثالنا إلّا أنها خطأ يصحّح، لا احتمال يضعف أو يرجح.
    وعلى ذكر حظ هؤلاء الجرامقة من العربية أقول: إنني تقصّيت أخبار الكثير من مشهوريهم فلم أجد واحدًا منهم برع في العربية كما يبرع العربي في لغات الغرب نطقًا وكتابة، بل جميعهم لُكْنُ الألسنة والأقلام، وإنما ينْبُه شأنهم عند أقوامهم وحكوماتهم لأنّ لهم فيهم مآرب أخرى، ولا أعتقد أن مستشرقًا غربيًا ينبغ في العربية ولو ركب الصعب، وشرب في القعب، وادّعى الولاء في بني كعب.
    وقد وُجد في عصرنا هذا جماعةٌ من أبناء العرب والإسلام اشتغلوا بهذا الفن وكانت لهم فيه مقامات محمودة، ونشروا كتبًا لأسلافنا على طريقة العرض والمقابلة بين النسخ والمراجع، فاستولى بعضهم على الأمد الأقصى من الدقّة والضبط، ولكن هذه الطبقة قليلة العدد، وسدّد بعضهم في الإحسان وقارب، وتطفلتْ جماعات على هذه المائدة فلم يأتوا بسديد ولا بمفيد، ولم يزيدوا على أن زاحموا التجّار الجاهلين، ونراهم يقلّدون سخفاء المستشرقين في طريقة (غير وعير)، ويسترون نقصهم بهذا التقليد الذي لا يصلح مواتًا من الكتب، ولا يحصي أمواتًا من المؤلفين. ونشر الكتب كنشر الأموات، يجب أن يكون إشاعة للحياة في جميع أجزاء الكتاب، ومن المحزن أن الظروف وفساد الأخلاق ساعدت على ظهور طائفة جمعتْ ضيقَ الذرع إلى جفاف الضرع، ولم يكتف أحدهم بطبع الكتاب حتى يعلق عليه افتتانًا بهذا اللقب الجديد الذي يفيده قولهم: (نشره فلان وعلّق حواشيه)، وقرأنا فوجدنا التعليق، أصعب على القارئ المغرور من التحليق، ووجدناهم في تلك الحواشي، أشبه بحالة الطواشي، ذكر ولا آلة، وعائل وهم عالة، ومن عجيب أمر بعضهم أنهم يبنون آراءهم في الحق على أسس من الباطل، ويبنون استنتاجات سخيفة على تناسب الألفاظ وتجانسها في الحروف والأوزان، ولو أن نسّابة زعم أن الأقباط من الأسباط لِتَشابُهِ اللفظين، وان ذارعين من نصر بن قعين لِتجانس الفقرتين، لما كان أسخف مما تبض به هذه الأذهان العقيمة القاحلة، ومن غريب أمر بعضهم أنهم يخوضون في تعليقاتهم في الأنساب- أنساب الأشخاص وأنساب الآراء وأنساب الأبيات- فيقعون في تخليط يلحق البيتَ بغير قائله، والابن بغير ناجله، كل ذلك لأنهم أتوا هذا الأمر من غير استعداد له ولا استكمال لأدواته، ومن أيسر أدواته معرفة المظان والصبر على مكاره التنقيب والبحث عنها، ونراهم حين يرمون بنسخ الكتاب الذي ينشرونه إلى السوق يروّجون له بالدعاية والإعلان، وأنه بتحقيق فلان،فيكون حظ الناشر من الدعاية أكبر من حظ المنشور، والبضاعة الثمينة لا تباع بالمناداة، وسيان عندي في السخافة والضعة مَن نشر من هؤلاء كتابًا وسمّى عمله فيه تحقيقًا ومَن طبع كتابًا من كتب المعرّي وكتب على ظهره (حقوق الطبع محفوظة لذرية المؤلف من صُلبه)....انتهى المراد

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    116

    افتراضي رد: حقيقة تحقيق الكتب عند الإمام الإبراهيمي. ورأيه في تحقيقات المستشرقين.

    كان الشيخ رحمه الله شديدا على المستشرقين وكان المستشرق المعروف لويس ماسنيون من أشد أعدائه.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •