تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: فتنة الإجازات؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    116

    افتراضي فتنة الإجازات؟

    سلام الله عليكم وبعد، فقد رأيت الناس يتهافتون على الإجازات تهافتا غريبا مشرّقين ومغرّبين، وإن كثيرا منهم -ممن أعرفهم- لم يحصلوا من العلوم ما يعتد به، فتمنيت لو أنهم أكملوا طلب العلم على الشيوخ مع الاحتفاظ بما جمعوا من إجازات لما بعد مرحلة الطلب، لكني رأيتهم تصدروا وتشيخوا والحجة أن فلانا وعلانا ووووو... قد أجازوهم...
    فهل هذه ظاهرة سليمة؟ أو أنا من أخطأ في تقدير الأمور؟
    قلت ذلك لأني أرى بعض المشايخ المحدثين يعقدون دروسا لشرح أمات الكتب وترى فيها من التحقيق والتحرير ما لا تكاد تجد كثيرا منه في الكتب، ثم لا ترى في مجلسه إلا ثمانية أو تسعة من طلاب العلم، في حين رأيت في مجالس الاجازات السريعة المتكررة المئات منهم، وانظر مواقع الاستجازة هنا على الشبكة؟
    ثم إني قرأت للإمام العلامة الحافظ الإبراهيمي الجزائري كلمة في الموضوع فأحببت إفادة الأفاضل بها، ورجوت أن أفتح بهذه الكلمة موضوعا للنقاش لتنضبط الإجازة.مع ملاحظة الفرق بين من يتحدث عنهم وهم من هم وبين حصارم(جمع حِصرم) الزمان.
    يقول الشيخ في جملة رد له على المحدث الكبير عبد الحي الكتاني رحمه الله وغفر له: ..
    وعبد الحي (الكتاني) محدّث بمعنى آخر، فهو راوية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، تتصل أسانيده بالجن والحن ورتن الهندي، وبكل من هبّ ودبّ. وفيه من صفات المحدّثين أنه جاب الآفاق، ولقي الرجال، واستوعب ما عندهم من الإجازات بالروايات، ... وهمّه وهمّ أمثاله من مجانين الرواية حفظ الأسانيد، وتحصيل الإجازات، ومكاتبة علماء الهند والسند للاستجازة، وأن يرحل أحدهم فيلقى رجلًا من أهل الرواية في مثل فُواق الحالب، فيقول له: أجزتُك بكل مروياتي ومؤلفاتي إلى آخر (الكليشي) (الشريط بالفرنسي وهي جارية في عامية أهل الجزائر)، فإذا عجز عن الرحلة كتب مستجيزًا فيأتيه علم الحديث بل علوم الدين والدنيا كلها في بطاقة ... أهذا هو العلم؟ لا والله. وإنما هو شيء اسمه جنون الرواية.
    ولقد أصاب كاتب هذه السطور مسٌّ من هذا الجنون في أيام الحداثة، ولم أتبيّن منشأه في نفسي إلا بعد أن عافاني الله منه وتاب عليّ، ومنشأُه هو الإدلال بقوّة الحافظة، وكان من آثار ذلك المرض أنني فُتنت بحفظ أنساب العرب، فكان لا يُرضيني عن نفسي إلا أن أحفظ أنساب مضر وربيعة بجماهرها ومجامعها، وأن أنسب جماهر حمير وأخواتها، وأن أعرف كل ما أثر عن دغفل في أنساب قريش، وما اختلف فيه الواقدي ومحمد بن السائب الكلبي؛ ثم فُتنت بحفظ الأسانيد، وكدت ألتقي بعبد الحي في مستشفى هذا الصنف من المجانين بالرواية، لولا أن الله سلّم، ولولا أن الفطرة ألهمتني: أن العلم ما فُهم وهُضم، لا ما رُوي وطُوي.
    زرت يومًا الشيخ أحمد البرزنجي- رحمه الله- في داره بالمدينة المنوّرة وهو ضرير، وقد نُمي إليه شيء من حفظي ولزومي لدور الكتب، فقال لي بعد خوض في الحديث: أجزتُك بكل مروياتي من مقروء ومسموع بشرطه ... الخ. فألقى في روعي ما جرى على لساني وقلت له: إنك لم تعطني علمًا بهذه الجمل، وأحر أن لا يكون لي ولا لك أجر، لأنك لم تتعب في التلقين وأنا لم أتعب في التلقّي؛ فتبسّم ضاحكًا من قولي ولم يُنكر، وكان ذلك بدء شفائي من هذا المرض، وإن بقيت في النفس منه عقابيل، تَهيج كلما طاف بي طائف العُجْب والتعاظم الفارغ إلى أن تناسيته متعمّدًا، ثم كان الفضل لمصائب الزمان في نسيان البقية الباقية منه؛ وإذا أسفت على شيء من ذلك الآن فعلى تناسيّ لأيام العرب، لأنها تاريخ، وعلى نسياني أشعار العرب، لأنها أدب.
    وحضرت بعد ذلك طائفةً من دروس هذا الشيخ في صحيح البخاري على قلّتها وتقطّعها؛ وأشهد أني كنت أسمع منه علمًا وتحقيقًا؛ فقلت له يومًا: الآن أعطيتني أشياء وأحرِ بنا أن نوجَر معًا، أنت وأنا؛ فتبسّم مبتهجًا وقال لي: يا بنيّ، هذه الدراية وتلك الرواية. فقلت له: إن بين الدراية والعلم نسبًا قريبًا في الدلالة، تُرادفه أو تقف دونه؛ فما نسبة الرواية إلى العلم؟ وقطع الحديث صوت المؤذّن وقال لي: بعد الصلاة حدّثني بحديثك عن نسبة الرواية إلى العلم، فقلت له ما معناه: إن ثمرة الرواية كانت في تصحيح الأصول وضبط المتون وتصحيح الأسماء، فلما ضُبطت الأصول وأُمن التصحيف في الأسماء خفّ وزن الرواية وسقطت قيمتها، وقلت له: إن قيمة الحفظ- بعد ذلك الضبط- نزلت إلى قريب من قيمة الرواية، وقد كانت صنعة الحافظ شاقةً يوم كان الاختلاف في المتون، فكيف بها بعد أن تشعّب الخلاف في ألفاظ البخاري في السند الواحد بين أبي ذرّ الهروي، والأصيلي، وكريمة، والمستملي، والكشميهي، وتلك الطائفة، وهل قال حدثني أو حدّثنا أو كتاب أو باب؛ إن هذا لتطويل ما فيه من طائل.
    ولا أراه علمًا بل هو عائق عن العلم، وقلت له: إن عمل الحافظ اليونيني على جلالة قدره في الجمع بين هذه الروايات ضرب في حديد بارد، لا أستثني منه إلا عمل ابن مالك، وإن ترجيح ابن مالك لإعراب لفظة لأدلّ على الصحة في اللفظ النبوي من تصحيح الرواية، وقد يكون الراوي أعجميًّا لا يقيم للإعراب وزنًا، فلماذا لا نعمد إلى تقوية الملكة العربية في نفوسنا، وتقويم المنطق العربي في ألسنتنا، ثم نجعل من ذلك موازين لتصحيح الرواية؛ على أن التوسّع في الرواية أفضى بنا إلى الزهد في الدراية، وقلت له: إنك لو وقفت على حلق المحدّثين بهذا الحرم، محمد بن جعفر الكتاني ومحمد الخضر الشنقيطي وغيرهما لسمعتَ رواية وسردًا، لا دراية ودرسًا، وإن أحدهم ليقرأ العشرين والثلاثين ورقة من الكتاب في الدولة الواحدة (6). فأين العلم؟ وقلت له: إن مَن قَبْلنا تنبّهوا إلى أن دولة الرواية دالت بضبط الأصول وشهرتها فاقتصروا على الأوائل، يعنون الأحاديث الأولى من الأمهات وصاروا يكتفون بسماعها أو قراءتها في الإجازات، وما اكتفاء القدماء بالمناولة والوجادة إلا من هذا الباب.
    قلت له هذا وأكثر من هذا، وكانت معارف وجهه تدلّ على الموافقة ولكنه لم ينطق بشيء، وأنا أعلم أن سبب سكوته هو مخالفة ما سمع لما ألف- رحمه الله.
    ولقيت يومًا الشيخ يوسف النبهاني- رحمه الله- بباب من أبواب الحرم فسلّمت عليه فقال لي: سمعت آنفًا درسك في الشمائل، وأعجبني إنحازك باللوم على مؤلّفي السيَر في اعتنائهم بالشمائل النبوية البدنية، وتقصيرهم في الفضائل الروحية، وقد أجزتُك بكل مؤلّفاتي
    ومروياتي وكل مالي من مقروء ومسموع من كل ما تضمّنه ثبتي ... إلخ. فقلت له: أنا شاب هاجرت لأستزيد علمًا وأستفيد من أمثالكم ما يكملني منه، وما أرى عملكم هذا إلا تزهيدًا لنا في العلم، وماذا يفيدني أن أروي مؤلفاتك وأنا لم أستفد منك مسألة من العلم؛ ولماذا لم تنصب نفسك لإفادة الطلّاب، فسكت، ولم يكن له- رحمه الله- درس في الحرم، وإنما سمعت من خادم له جَبَرْتي أنه يتلقّى عنه في حجرته درسًا في فقه الشافعية.
    وكان بعد ذلك يُؤثر محلي على ما بيننا من تفاوت كبير في السن، وتباين عظيم في الفكرة. رحم الله جميع من ذكرنا وألحقنا بهم لا فاتنين ولا مفتونين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    116

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    وإن كنت لا أوافق الشيخ الرأي في قضية حفظ الأسانيد وتعليله، ولا يخفى أثر الحفظ في النقد، والظاهر أن الشيخ يرى التصحيح والتضعيف قد ذهب زمانه أو أهله.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    بارك الله فيك ، موضوع جميل ومفيد ، وأرى أن هوس الإجازات وليد حب الشهرة ، واستعجال الظهور في معظم الأحيان.
    لا يبلغ طالب العلم ما يصبو إليه من المكانة والرفعة بتحرير المسائل ، وحل معضلات، فينصرف إلى ما هو أخف مؤنة وأسرع في تحصيل الشهرة ، ويكون كل هم أحدهم أجازني الشيخ الفلاني بمروياته ، وحقيقة حاله أنه لا يحسن قراءة هذه الكتب قراءة صحيحة ، والله المستعان .
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي أحمد عبد الباقي مشاهدة المشاركة
    وحقيقة حاله أنه لا يحسن قراءة هذه الكتب قراءة صحيحة ، والله المستعان .
    بل منهم من لم يمسك الكتاب المجاز فيه بيديه
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    نفع الله بك .
    أتى إلي بعض الأشخاص ، وطلب مني إجازة في الكتب الستة وغيرها ، فقلت له: أنت لم تحضر لي روسا إلا قليلا ، ولا أعرف شيئا عن علمك ، ولم تقرأ علي شيئا ، فلا أستطيع أن أجيزك بشيء ، فلم أره ثانية . والله المستعان .
    وأعرف بعض الأشخاص لا هم له إلا الإجازات ، وانشغل بذلك عن العلم الحقيقي . وإن جمع بين العلم والإجازة فحسن .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    المشاركات
    535

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    الإجازات فيما مضى كانت من ملح العلم ، واليوم جعلها بعض الجهلة والمتعالمين من أهم المهمات، حتى انقطع البعض لها ، بين سفر واتصال على المشايخ، ومكاتبة ، ويجمع لها بهوس، ثم بعد أيام يعقد لنفسه مجالس سماع ! تنقلها الغرف الصوتية، وتخلع ألقاب المحدث المسند العلامة ..! ويرفع الجاهل ويترك العالم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2011
    المشاركات
    234

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    وإذا كان قد رأى الكتاب فلا يحسن قراءته، اللهم عافنا ومن ابتلي من هذا المرض

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2011
    الدولة
    الجزائر العميقة ولاية الجلفة
    المشاركات
    494

    افتراضي رد: فتنة الإجازات؟

    بارك الله فيكم الإجازة مطية العجب ومركب للظهور الذي يقسم الظهور وما إن تلقى أخا ويدور الحديث بيننا حتى يفاجئك بإني مجاز من الشيخ الفلاني ليت شعري فتراه يعقد الحلق والدروس وهو في حداثة السن حتى أصبح أمثاله حديث المجالس وسخرية أقرانه وحيرة العقلاء منه ولكن إلا من رحم ربك من أخذ الإجازة بحق والله المستعان

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •