تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الإسكندرية - مصر
    المشاركات
    110

    Post تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وتابعيه بإحسان إلى يوم الدين

    أما بعد ,,,


    إن عبارة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف" هي عبارة مستحدثة لم ترد في أقوال السلف وهي فخ نصب للمسلمين للتبرؤ من جهاد الطلب والآيات والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك من أجل الرد على أعداء الإسلام

    إن أعداء الإسلام يمكرون الليل والنهار لتفريغ الإسلام من محتواه فتراهم يطعنون في بعض الأمور المحكمة و المعلومة من الدين بالضرورة يرهبون بذلك المسلمين إما أن نستمر في الطعن في دينكم و سب أسلافكم وإما أن تجدوا مخرجا لتحريف هذه الايات الواضحة و الأحاديث الصحيحة وتتبرءوا من معانيها

    وبالفعل ركن إلى هؤلاء بعض قليلي العلم وضعيفي الإيمان من المسلمين فأخذ يتبرأ من بعض الأصول والأحكام يريد بذلك الدفاع عن الإسلام من هذه الهجمة الشرسة عليه من أعداءه ظنا منه أنه بذلك يحببهم في الإسلام وهو في الحقيقة يحببهم في دين آخر غير دين الإسلام
    دين ليس فيه ولاء للمؤمنين وبراءة و بغض و عداوة للكافرين
    دين ليس فيه تكفير لأحد فحتى اليهود والنصارى وصل الحال بالبعض لرفضه تسميتهم كفار
    دين ليس فيه جهاد في سبيل الله جهاد لطلب الإسلام من الكفار والمشركين بل فيه "مقاومة" لل "محتل" فقط وترك كل الملل تقيم شعائرها كما تشاء
    دين ليس فيه ضرب الجزية والصغار على اليهود والنصارى بل فيه فقط "ضريبة" يدفعها "غير المسلمين" للدولة مقابل حمايتهم وإعفاءهم من دخول الجيش
    دين ليس فيه فرض زكاة على المسلمين والقتال عليها كما عزم النبي على قتال بني المصطلق لما جاءه من ادعى أنهم رفضوا دفعها وكما قاتل الصديق مانعي الزكاة و سموا مرتدين بل فيه فقط تخيير الشعب الذي يريد أن يدفع الزكاة يدفع والذي لا يريد لا نجبره
    دين ليس فيه حد الردة , دين فيه أن النصارى طالما مقيمين بين أظهر المسلمين فهم "أهل ذمة" حتى لو لم يدفعوا الجزية ولم يلتزموا بأحكام الإسلام مع المسلمين حتى لو سبوا نبينا و أنتهكوا الأعراض و تحالفوا مع أعداء الخارج و حرقوا المصاحف والمساجد
    دين فيه أن من يبدل شريعة هذا الدين و يحكم بشريعة غيره فيحل الحرام ويحرم الحلال من أجل الخوف على مصالح الدنيا ويجعل التشريع للشعب من دون الله مسلم لم يخرج من الإسلام
    دين فيه أن التشريع يمكن أن يكون لله وللشعب في نفس الوقت
    دين فيه نوعان من المنتمين إليه - بخلاف جميع الأديان الأخرى - "مسلم" و "إسلامي" , المسلم هو الذي صدق بقلبه أن الله واحد لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله حتى لو ضرب بكل الأحكام عرض الحائط ورفض التحاكم لشرع الله ورفع الصليب و سجد للقبور , وأما الإسلامي فهو الذي رضى بالإسلام عقيدة و عبادات و معاملات قلبا وقولا وفعلا

    فنصيحة لكل من يتصدر للدعوة والرد على الكفار لا يكون كل هدفك أن تجعل الآخر يحب كــــــلـــــــ ـــــمـــــــــ ــــــــة (إسلام)

    بل لابد أن يكون هدفك أن تجعله يقبل الإسلام الحقيقي كما هو بكل ما فيه مما نعلم حكمته وما لا نعلمها , سواء سهل علينا أم شق علينا , بما فيه من جانب التسامح والرفق وجانب الشدة و الزجر وجانب القتال والدم كل في مقامه , خاضعا راضيا راجيا فيما عند الله من الثواب خائفا مما عنده من العقاب
    فمن قبل بذلك فقد أفلح و نجا ومن أعرض فإن الله غني عن العالمين والإسلام غني عنه فقد اختار لنفسه سبيل جهنم

    وظيفة الداعي هي التبليغ وليست الإقناع
    قال تعالى لنبيه "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"

    نعم الأصل في الدعوة وخصوصا من ندعوه للمرة الأولى هو الرفق و اللين في القول لكن ليس من اللين رد الأحكام أو تغيير المصطلحات الشرعية هذه تسمى مداهنة و ركون للظالمين
    قال تعالى "وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا"

    وبالعودة إلى موضوع "أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف"
    ننظر في أقوال علماء السلف لنعرف هل هذه العبارة صحيحة أم تدليس

    قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263) :
    "فالمقصود أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه ، وهكذا قال الله تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ

    وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص 18) :
    ( وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي ، والسيف الناصر ، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه . . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ .

    وهذه بعض أدلة الكتاب والسنة والتي تدل دلالة بينة واضحة على أن السيف كان من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام :

    1- قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج /40 . وقال : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة /251 .

    2- وأمر الله تعالى بإعداد العدة لمجاهدة الكفار وإرهابهم ، قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) الأنفال /60 .

    فلو كان الإسلام لا ينتشر إلا بالدعوة السلمية فقط ، فمم يخاف الكفار ؟ أمن كلام يقال باللسان فقط ؟ وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) وهل يرعب الكفار أن يقال لهم أسلموا ، فإن لم تسلموا فأنتم أحرار فيما تعتقدون وتفعلون . أم كان يرعبهم الجهاد وضرب الجزية والصغار . مما يحملهم على الدخول في الإسلام لرفع ذلك الصغار عنهم .

    3- قال تعالى "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة: 5)
    فإن شرط التوقف عن قتالهم كما بينت الآية هو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يعني دخولهم في الإسلام وهو ما يعرف في الاصطلاح الفقهي بجهاد الطلب أي طلب الإسلام من الكفار فإن استجابوا وإلا ضربت عليهم الجزية - إن كانو أهل كتاب - أو قُتِلوا
    وليس شرط التوقف عن قتالهم هو فقط أن يتوقفوا عن قتالنا كما يُفهم من قوله تعالى في سورة البقرة "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ"
    وإن كان حتى هذه الآية تنازع العلماء بالمقصود بقوله تعالى "فإن انتهوا" هل هو الإنتهاء عن القتال أم عن الشرك والقول الراجح بأنه الإنتهاء عن الشرك وذلك لأسباب أهمها قوله تعالى "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ" فإن هذا صريح في أن سبب قتالهم هو إظهار الدين ووأد فتنة الكفر , كذلك قوله تعالى "وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" أجمع المفسرون بأن الفتنة المقصودة هنا هي فتنة الشرك أو الكفر
    ولكن لتجنب ما أمكن من الجدال فإن آية سورة التوبة دلالتها أظهر في بيان المراد بأن الله سلط سيفا على المشركين إن لم يدخلوا في الإسلام طواعية بعد دعوتهم وبلوغ الحجة لهم


    4- وقال تعالى " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ"
    مرة أخرى الأمر بقتال أهل الكتاب ليس لأنهم يقاتلون بل لضرب الجزية والصغار عليهم إن لم يدخلوا في الإسلام

    5- وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى"

    6- وروى مسلم (3261) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا ، وَلا تَغُلُّوا ، وَلا تَغْدِرُوا ، وَلا تَمْثُلُوا ، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ . . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ
    ففهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمراءه أن يدعو الكفار إلى الإسلام وهم يرفعون السيوف فوق رؤوسهم ، فإن أبوا الإسلام دفعوا الجزية وهم أذلة صاغرون ، فإن أبوا فما لهم إلا السيف ( فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ) .


    7- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام دعوة مقرونة بالسيف ، ويأمر بذلك قواده، لعل الناس إذا رأوا القوة وجد المسلمين في الدعوة إلى دينهم تزول عنهم الغشاوة .

    روى البخاري (3009) ومسلم (2406) عن سَهْل بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الراية . فَقَالَ : أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقَالَ : انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ .

    فهذه دعوة إلى الله سبحانه مقرونة بقوة السلاح .

    8- وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) .

    وكون السيف والقوة من أسباب انتشار الإسلام ، هذا لا يعيب الإسلام ، بل هو من مزاياه ومحاسنه أنه يلزم الناس بما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة ، وكثير من الناس يغلب عليهم السفه وقلة الحكمة والعلم، فلو تُرِك وشأنه لعمي عن الحق ، ولانغمس في الشهوات ، فشرع الله الجهاد لرد هؤلاء إلى الحق ، وإلى ما فيه نفعهم ، ولا شك أن الحكمة تقتضي منع السفيه مما يضره ، وحمله على ما فيه نفعه .

    وروى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قَالَ : خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ [أي كنتم أنفع الناس للناس] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وهل يؤتى بالناس في السلاسل من غير جهاد ؟*!

    وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم ، فعلى الانهزاميين ( أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين ، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام . نعم ، إنه دين السلم والسلام ، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله ، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله ، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله . إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر . فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه ، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد . . . ) فقه الدعوة (217-222) . بتصرف يسير .

    وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) : "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له ، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره ، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ .

    وحتى نزيل الريب عند البعض في هذا نقول

    أن الإسلام يطلق ويراد به الإيمان الباطن والظاهر
    ويطلق ويراد به إلتزام الأركان الظاهرة فقط
    و يطلق ويراد به الحكم بما أنزل الله في كتابه وسنة نبيه

    فالذي لم ينتشر بالسيف هو الإيمان الباطن لأن هذا لا يطلع عليه إلا الله , و بالنسبة لأهل الكتاب يضاف على ذلك أيضا أنه لم ينتشر بالسيف إلتزام الأركان الظاهرة كالصلاة والزكاة طالما دفعوا الجزية وضرب عليهم الصغار والتزموا بعقد الذمة

    أما الإسلام من حيث كونه الحكم بما أنزل الله فهذا لا شك السيف كان مساعدا وهاما في نشره
    كذلك إلتزام الشعائر الظاهرة على أهل القبلة فهذا أيضا لا شك أن السيف هاما في انتشاره بدليل أن تارك الصلاة يقتل بعد استتابته , ومانع الزكاة يقاتل عليها حتى تؤخذ منه قهرا أو يقتل

    وأجمع العلماء على أن الطائفة الممتنعة عن التزام شعائر الإسلام الظاهرة تقاتل على ذلك (وهذا القتال بالطبع يكون بالسيف لا بالورود)

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (أجمع علماء الأمة على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضة أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر والزنا والميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها والتي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا عند العلماء)

    و الله الموفق وهو يهدي السبيل

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    بارك الله فيك ، ونفع بك .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الإسكندرية - مصر
    المشاركات
    110

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    وفيك بارك الله أخي الفاضل أبو مالك وجزاك الله خيرا على مرورك الكريم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2014
    المشاركات
    30

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    الدعوة إلى الله تعالى تكون بالعلم والحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتي هي أحسن واللين والرفق والتدرج والمرحلية والتيسير والتبشير والتعليل العلمي والعقلي والمنطقي بالحجج والبراهين والحقيقة العلمية وخاطب الناس على قدر عقولهم والتفريق بين الأسلام كدين مقدس وعلماءالمسلمين المجتهدين الذين إختلفوا في كثير من المسائل وأتباع المذاهب والطوائف والنحل والملل الذين يمكن أن يصدر منهم الخطأ

  5. #5

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    نعم كلامك سليم لكن هناك مع ذلك يجب أن يحرص على عدم تغيير سلامح الدين لإقناع الخصم

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    المشاركات
    23

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    الأمر ليس على إطلاقه.بل يختلف بحسب كل موقف.وهذا يقيمه العاقلون.
    والحجة أقوى من السيف عند ذو الفطرة الحسنة.
    أما السيف فعلى من كابر وعاند بعد أن عرف واستكبر إلا في موقف فرعون فهو عرف وعاند واستكبر ولكن القوة كانت معه والغلبة له لذلك المصلحة كانت تقتضي مجانبته بالسيف ودعوته باللين ...((قولا لينا....)) الآية.....
    وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبن سالم مشاهدة المشاركة
    والحجة أقوى من السيف عند ذو الفطرة الحسنة.
    أما السيف فعلى من كابر وعاند بعد أن عرف واستكبر....
    قال ابن القيم في الهدي : الدّينَ إنّمَا قَامَ بِالْوَحْيِ وَأَمّا السّيْفُ فَلِمَحْقِ أَهْلِ الضّلَالِ وَالشّرْكِ

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    المشاركات
    23

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    ما شاء الله.الحمد لله على موافقة قولي لقول الامام ابو بكر بن القيم رحمة الله عليه.
    وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    951

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    نعم لكن الإسلام لم ( يُعتنق ) من قبل الناس بحد السيف ، لكنه انتشر بالجهاد وبالسيف والرمح لكن أبدا لم يجبر أحد على الدخول في الإسلام !! أما شرع الله فيجب إقامته بأيسر الطرق والسيف له مجال واسع في تطبيق شرع الله في البلاد .

  10. #10

    افتراضي رد: تقييم مقولة "الإسلام لم ينتشر بحد السيف"

    و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا
    فما داموا يقاتلوننا بالسيف و غيره قاتلناهم بالسيف وبما يقاتلون من الاسلحة و القوة
    و الحرب خداع
    و بوعد الله اجهاد قائم إلى قيام الساعة لا ريب و لا شك بعز عزيز و بذل ذليل
    غز يعز به الإسلام و ذل يذل به الكفر فلا تخافوا و لا تحزنوا
    و أبشروا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبن سالم مشاهدة المشاركة
    الأمر ليس على إطلاقه.بل يختلف بحسب كل موقف.وهذا يقيمه العاقلون.
    والحجة أقوى من السيف عند ذو الفطرة الحسنة.
    أما السيف فعلى من كابر وعاند بعد أن عرف واستكبر إلا في موقف فرعون فهو عرف وعاند واستكبر ولكن القوة كانت معه والغلبة له لذلك المصلحة كانت تقتضي مجانبته بالسيف ودعوته باللين ...((قولا لينا....)) الآية.....
    وقال ابن القيم رحمه الله أيضا في "الفروسية" (ص 18) :
    ( وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي ، والسيف الناصر ، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه . . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    هل انتشر الإسلام بالسيف؟


    الحمد لله

    سبق في السؤال رقم (34830) أن الجهاد نوعان : جهاد طلب ، وجهاد دفع .
    ولا شك أن جهاد الطلب كان له أثر كبير في نشر الإسلام ، ودخول الناس في دين الله أفواجالأنه يزيل العقبات التي تمنع الناس من النظر والتفكير والاطلاع على محاسن الإسلام ، ولذلك ملئت قلوب أعداء الإسلام رعباً من هذا الجهاد .
    جاء في مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية : إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي ، ولهذا الخوف أسباب منها أن الإسلام منذ ظهر بمكة لم يضعف عددياً بل دائما في ازدياد واتساع . ثم إن الإسلام ليس ديناً فحسب ، بل إن من أركانه الجهاد اهـ .
    وقال روبرت بين : إن المسلمين قد غزوا الدنيا كلها من قبل وقد يفعلونها مرة ثانية اهـ .
    وقد أراد المستشرقون الطعن في الإسلام بأنه انتشر بالسيف .
    وألف المستشرق توماس أرنولد كتابه (الدعوة إلى الإسلام) يهدف منه إلى إماتة الروح الجهادية عند المسلمين ، وبرهن بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة .
    وقد وقع المسلمون في الفخ الذي نُصِبَ لهم ، فإذا سمعوا من يتهجم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف من المستشرقين ، قالوا : أخطأتم واسمعوا الرد عليكم من بني جلدتكم ، فهذا توماس يقول كذا وكذا .
    وخرج الانهزاميون من المسلمين يدافعون عن الإسلام ، وأرادوا تبرئة الإسلام من هذه الفرية على زعمهم ، فنفوا أن يكون الإسلام انتشر بالسيف ، ونفوا مشروعية الجهاد في الإسلام إلا على سبيل الدفاع فقط ، وأما جهاد الطلب فلا وجود له عندهم . وهذا خلاف ما قرره أئمة الهدى علماء المسلمين ، فضلا عن مخالفته للقرآن والسنة .
    قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263) :
    "فالمقصود أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه ، وهكذا قال الله تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ .
    وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص 18) :
    ( وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي ، والسيف الناصر ، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه . . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ .
    وهذه بعض أدلة الكتاب والسنة والتي تدل دلالة بينة واضحة على أن السيف كان من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام :
    1- قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج /40 . وقال : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة /251 .
    2- وأمر الله تعالى بإعداد العدة لمجاهدة الكفار وإرهابهم ، قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) الأنفال /60 .
    فلو كان الإسلام لا ينتشر إلا بالدعوة السلمية فقط ، فمم يخاف الكفار ؟ أمن كلام يقال باللسان فقط ؟ وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) وهل يرعب الكفار أن يقال لهم أسلموا ، فإن لم تسلموا فأنتم أحرار فيما تعتقدون وتفعلون . أم كان يرعبهم الجهاد وضرب الجزية والصغار . مما يحملهم على الدخول في الإسلام لرفع ذلك الصغار عنهم .
    3- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام دعوة مقرونة بالسيف ، ويأمر بذلك قواده، لعل الناس إذا رأوا القوة وجد المسلمين في الدعوة إلى دينهم تزول عنهم الغشاوة .
    روى البخاري (3009) ومسلم (2406) عن سَهْل بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الراية . فَقَالَ : أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقَالَ : انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ .
    فهذه دعوة إلى الله سبحانه مقرونة بقوة السلاح .
    وروى مسلم (3261) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا ، وَلا تَغُلُّوا ، وَلا تَغْدِرُوا ، وَلا تَمْثُلُوا ، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ . . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ . . . الحديث .
    فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمراءه أن يدعو الكفار إلى الإسلام وهم يرفعون السيوف فوق رؤوسهم ، فإن أبوا الإسلام دفعوا الجزية وهم أذلة صاغرون ، فإن أبوا فما لهم إلا السيف ( فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ ) .
    4- وقال صلى الله عليه وسلم : ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) .
    وكون السيف والقوة من أسباب انتشار الإسلام ، هذا لا يعيب الإسلام ، بل هو من مزاياه ومحاسنه أنه يلزم الناس بما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة ، وكثير من الناس يغلب عليهم السفه وقلة الحكمة والعلم، فلو تُرِك وشأنه لعمي عن الحق ، ولانغمس في الشهوات ، فشرع الله الجهاد لرد هؤلاء إلى الحق ، وإلى ما فيه نفعهم ، ولا شك أن الحكمة تقتضي منع السفيه مما يضره ، وحمله على ما فيه نفعه .
    وروى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قَالَ : خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ [أي كنتم أنفع الناس للناس] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وهل يؤتى بالناس في السلاسل من غير جهاد ؟*!
    وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم ، فعلى الانهزاميين ( أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين ، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام . نعم ، إنه دين السلم والسلام ، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله ، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله ، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله . إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر . فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه ، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد . . . ) فقه الدعوة (217-222) . بتصرف يسير .
    وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) : "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له ، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره ، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ .
    تنبيه :
    يجب أن يعلم أنه ليس معنى الجهاد في سبيل الله لدعوة الناس إلى الإسلام وإزالة معالم الشرك من الوجود ، ليس معنى هذا أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه ، كلا ، فإن الله تعالى يقول : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256 .
    ولذلك من رفض من المشركين الدخول في الإسلام تُرِكَ ودينَه ، ولكن بشروط نعقدها معه ، وهو ما يسمى بـ "عقد الجزية" أو "عقد الذمة" .
    فلليهودي أن يبقى على يهوديته في دولة الإسلام ، وكذلك النصراني وغيرهم من أهل سائر الأديان .
    وتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام من غير أن يكرهوا على تغيير دينهم . وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم .
    قال المستشرق الألماني أولرش هيرمان:
    " الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي،فقد كان متسامحاً جداً تجاه المسيحيين .
    إن المسيحية لم تمارس الموقف نفسه تجاه الإسلام " انتهى .
    (العالم) ، العدد 290، السبت 2 سبتمبر 1989م .
    وقال هنري دي كاستري (مفكر فرنسي) :
    "قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك" انتهى .
    وقال ول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي) :
    "كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم" انتهى .
    وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان :
    "إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم" انتهى .
    وأما إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم ، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك ، فشواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان ، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع .
    ونسأل الله تعالى أن يعز دينه ، ويعلي كلمته .
    انظر : "التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل ، "الإسلام خواطر وسوانح" .
    والله تعالى أعلم .



    https://islamqa.info/ar/43087

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •