بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , اللهم صلى على محمد و آله و أصحابه و تابعيه بإحسان إلى يوم الدين.

الإسلام و الإيمان إذا افترقا إجتمعا و إذا اجتمعا افترقا

و المعنى أنه إذا افترقا في مجلس الحديث اجتمعا في المعنى و إذا اجتمعا في نفس الحديث أو الجملة افترقا في المعنى.

فإذا أطلق الإسلام بمفرده هكذا أريد منه الإيمان أيضا لأن المسلم الحقيقي لابد أن يكون مؤمنا بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و القدر , فالله تعالى أطلق اسم الإسلام على أنبياءه و هم أفضل المؤمنين

قال تعالى "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"

و قال تعالى "فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين

و كذلك إذا ذكر الإيمان بمفرده أريد به الإسلام لأن المؤمن لا يصح إيمانه إلا إذا شهد الشهادتين و أقام الصلاة و آتى الزكاة فالايمان ليس فقط اعتقاد بل هو اعتقاد و قول و عمل اعتقاد بالجنان و قول باللسان و عمل بالأركان
قال تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" يعني المسلمون أخوة فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري و غيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"

و كل آية فيها "يا أيها الذين آمنوا" فالمسلمون هم المخاطبون بها

لكن متى يفترق المعنى , إذا اجتمع ذكر الإسلام مع الإيمان هنا يكون فيه فارق
و هنا يكون الفرق أن الإيمان أخص من الإسلام بمعنى أن كل مؤمن مسلم و ليس كل مسلم مؤمن
و هذا الخصوص يكون من أحد وجهين:

الوجه الأول:
===============
أن الإسلام يتحقق بالنطق بالشهادتين و باقي أركان الإسلام , فيحكم لمن قام بالأركان ظاهرا أنه مسلم و يحرم ماله و دمه , لكن قد لا يصاحب ذلك تصديق بالقلب كما هو حال المنافقين و من أسلم فقط حتى يعصم دمه و ماله بالأركان أو بعضها فقط بلا عقيدة
و دليله قوله تعالى
" قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ "
فهؤلاء لهم حكم الإسلام على انقيادهم الظاهر لأحكام الإسلام لكنهم ليسوا مؤمنين

أما المؤمن فهو الذي آمن ظاهرا و باطنا

و للحديث الصحيح المشهور عن عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ثم قال:
يا محمد أخبرني عن الإسلام
قال "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت
فعجبنا إليه يسأله ويصدقه ثم قال:
أخبرني عن الإيمان
قال "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر كله خيره وشره" قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"


الوجه الثاني:
===============
أن إسم الإسلام يتحقق بالنطق بالشهادتين و باقي أركان الإسلام مع الإعتقاد بالقلب لكن قد يكون مع ذلك تفريط في الواجبات و السنن الأخرى و قد يصاحبه أيضا فعل الكبائر دون الكفر
أما إسم الإيمان المطلق فهو الذي يكون فيه مع الإسلام أداء كل الواجبات و السنن الأخرى و البعد عن الكبائر
قال تعالى "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ وَالْمُتَصَدِّق َاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا"

فالإيمان درجات يزيد و ينقص
يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و يتفاضل أهله فيه
و لذلك نشأ مصطلحا
الإيمان المطلق
و مطلق الإيمان

الإيمان المطلق: هو الإيمان الكامل الذي يقوم صاحبه بكل الواجبات و يحافظ على السنن و يبتعد عن كل الكبائر فهذا مؤمن كامل الإيمان و إن أتى بالصغائر لقوله تعالى " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَم

مطلق الإيمان: هو أصل الإيمان الذي لا يصح إيمان الشخص إلا به من التصديق بالقلب و الشهادتين و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و لم يرتكب ناقضا من نواقض الإسلام لكنه مع ذلك قد يرتكب الكبائر ـ دون الكفر ـ كشرب الخمر و السرقة و قد يترك بعض الواجبات فهذا يحكم عليه أنه مؤمن فاسق ناقص الإيمان
فلا يعطى اسم الايمان مطلقا ولا يسلب مطلق الاسم
يعنى لا يقال عنه "مؤمن" باطلاق هكذا أو يوصف بأنه كامل الإيمان فهذا فعل المرجـئـة بل لابد أن يقترن اسم إيمانه بالنقص و الفسق حتى يتميز عن المؤمن "كامل الإيمان"
ولا يسلب أيضا أصل الايمان لأن هذا معناه الحكم بكفره فهذا فعل الخوارج يكفرون بالكبيرة و هذا لا يصح لأن مرتكب الكبيرة التي دون الكفر لا يكفر و هذه الدرجة أي درجة البقاء على أصل الإيمان مع نقصه و ارتكاب الكبائر أو ترك بعض الواجبات هي التي يطلق على صاحبها مسلما و ليس مؤمنا فيتميز بها الإسلام عن الإيمان من هذا الوجه ,
فيكون من هذا الوجه:
المسلم هو مؤمن وإن كان فاسق ناقص الايمان
و المؤمن هو من كان كامل الإيمان

و لله الحمد و المنة.