قراءة في الفصل الأوّل من كتاب تاريخ الدولة الصفوية للأستاذ الدكتور محمّد سهيل طقّوش ص 36 - 38


من الوسائل المعينة على التصدي للمكيدة الصفوية في إختراق التجمعات السنية هو إثبات أنّ منشأ هذه الفكرة في العصر الحديث هو منشأ سياسي صرف كان هدفه الحفاظ على ملك الأسرة (الصفوية) باستغلالها للترسبات الفكرية والثقافية في لاوعي الشعب الإيراني المقصود بالدعوة يومها ذلك أنّ غايتها كانت سياسية محضة توظّف الحقائق الموضوعية لخدمة الهدف النهائي ، ويتمّ ذلك بإسقاط دعوى إنتساب الصفويين لآل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وكشف زيف هذه الدعوى ، مع بيان أنّ هذه الأسرة قد إستغلّت التشابه الحاصل بين :

1 - دعوى حقّ أهل البيت في الخلافة وفقا لنظرية الإمامة عند الشيعة
2 - فكرة حقّ ملوك إيران وفقا لنظرية الفرس القائلة بالحقّ الإلهي لهؤلاء

وهذا الإنسجام والتوافق بين الفكرتين قد مهّد لحالة التلبّس والإنصهار بينهما لتصير الفكرة العرقية العصبية فكرة دينية عقدية لها وقعها الكبير وأثرها العميق في الوجدان الشيعي في إيران فلابدّ لمن أراد التصدي لمثل هذه الدعوة تسليط ظوء الحقيقة التاريخية وتوثيق الأحداث وتفكيكها في مسار منهجي علمي واضح يفهمه القاريء البسيط وكشف دوافع هذه الفكرة وتجليّاتها ودحض مقدماتها وشبهها ببيان الأصول الوثنية اليهودية والمجوسية لكلتا الفكرتين وبهذا تسقط المقدمات الأساسية التي قامت عليها دولة الصفويين وبالتالي دعوتها وهذه الطريقة المنهجية تسمح للقاريء بعقد مقارنات بين ظروف نشأة الدولة الصفوية والشروط الموضوعية لقيامها والمقومات الأساسية لنجاحها وبين الوسائل والأساليب المعاصرة التي تقوم عليها مؤسسات التخطيط الإستراتيجي في إيران وهذا العنصر (الفهم) يعدّ أوّل خطوة في مواجهة الخطر الصفوي على البلاد الإسلامية
لقد أرجع الباحث في كتابه ، بدايات تسرّب الأفكار الشيعية بين (الصفويين السنة) ، إلى بداية إنتشار التصوّف في إيران وهذا ما يدفعنا إلى التفكير بعمق في أوجه العلاقة بين التصوّف والتشيع وبيان أثر ذلك في تسهيل إنتشار التشيّع في الأوساط الصوفية ممّا يجعل التصوّف قنطرة التشيع فقد لاحظ كثير من الباحثين المتخصصين في الفرق خطورة هذه الجزئية وأثرها المدمّر فقال الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله في كتابه (التصوف المنشأ والمصدر) ص 82 : (وكان هناك مصدر هام له تأثير قوي في تكوين التصوف وتشكيله , وتحوير منهجه وتطويره , وترويج الأفكار الأجنبية البعيدة عن الإسلام وتعاليمه فيه , غير هذه المصادر التي ذكرناها , وهو : التشيع الذي وضع نواته اليهود , وساهمت في تنشئته وتنميته الديانات الفارسية .

ولكن لما لهذا المصدر من أهمية كبيرة وتأثير كبير لتغيير وجهة التصوف ومجراه , وتخليق أفكار غريبة فوق الغرابة التي وجدت فيه من المصادر الأخرى ربما تصطدم بنصوص صريحة للقرآن والسنة لا تحمل التأويل وتقضي على تعاليمها .

ولفارق آخر وهو أن مصادر التصوف الأخرى أخذ منها التصوف أفكارها , واقتبس منها آراءها دون أن يكون لتلك المصادر قصد ورغبة , وهدف وغرض , ولتلقين المتصوفة تعاليمها وفلسفاتها , ونشرها بينهم , غير أن التشيع بثّ أفكاره ودسّ معتقداته , وروجّ نظرياته بين الصوفية عن قصد وعمد لتشويش المسلمين في عقائدهم ومعتقداتهم وتبكيت أهل السنة عن الاعتراض على التشيع وزيغه وضلاله , وإلزامهم السكوت بإبراز طائفة تنتمي إليهم , وتحسب عليهم , وتحمل نفس المعتقدات التي تشتمل عليها هي , وهذا أمر خطير في تاريخ الطوائف والفرق , والملل والنحل
) .
ليس الغرض في هذا السياق هو دراسة هذه الجزئية وتتبع أقوال العلماء والباحثين فيها ولكن الغاية هي لفت الإنتباه إلى أهميّتها وضروررة إفراد المقالات في بيانها وكشفها ذلك أنّ الصوفية تعدّ مكونا رئيسيا من مكوّنات التركيبة البشرية للتجمعات السنية في البلاد الإسلامية وهذا ما يحتّم علينا التطرّق لمثل هذه المواضيع بالبيان
وقد أرجع الباحث أسباب إنتشار التصوّف بين المسلمين - يومها - في إيران إلى كونه مجرّد ردّ فعل إجتماعي على حالة الفساد الذي تفشّى في البلاد جرّاء ممارسات الحكّام .
فالفساد السياسي يدفع الحكام إلى إهمال شأن الرعية وهذا ما يفسح المجال للأفكار المنحرفة فتتسرّب إلى طبقات المجتمع في غفلة من أصحاب القرار الغارقين في شهواتهم مع حنق وغضب الفقراء وشعورهم بالظلم وهذا ما يهيّيء البيئة المناسبة لنشأة المعارضة السياسية خصوصا إذا كان مذهبها مغايرا لمذهب فقهاء السلطان وجلسائه ومنادميه .
كما أشار الباحث إلى ظاهرة تأخّر الإعلان الصريح عن إلتزام الدولة وخدمتها للمذهب الشيعي رغم إدراك أحفاد الشيخ صفي الدين ل [ مدى الإستفادة السياسية من واقع تحويل الدعوة المذهبية إلى حركة سياسية تعتمد في وجودها على الأعداد الضخمة من المريدين ] - أو لعلّهم أخّروا الإعلان إلى غاية تحقيق مثل ذلك الإنتشار - وقد قال الباحث : [ يبدوا أنّ هذا التحوّل إلى المذهب الشيعي كان يهدف إلى إستقطاب الشيعة في إيران وتوسيع قاعدتهم الشعبية وبخاصة السربداريين المعارصين للحكم الإيلخاني ] وهذه الملاحظة من الباحث تجعلنا نشعر بخطورة أثر فكرة (المظلومية) السياسية وقدرتها على تجييش أصناف المعارضين - ولو عن غير قصد من أغلبيتهم - وتوليف جهودهم في خدمة المشروع الصفوي وإستعمالهم كبيادق يسهل توظيفها في عملية الإختراق .
ففكرة (المظلومية) كحقيقة وجودية وقاسم مشارك بين أطراف حانقة وأخرى حاقدة يحلّ عقدة (الشعار) أو (الرمز) عند دعاة التشيّع خصوصا في البلاد التي تعيش حالة من الحساسية الشديدة تجاه الأفكار الوافدة فوجب على دعاة الحقّ من النظر بموضوعية لمثل هذه الأمور وعدم عدّها مشاكل ثانوية يسهل علاجها بجرعات التخدير الفكري للغضب الإجتماعي المتّقد فإنّ لها أثرا مدمّرا إن لم تجد ما ينفّس عنها من سياسيات رشيدة ونزع حكيم لفتيل الثورة ولهذا قال الباحث : [ وأدى ذلك إلى تحوّل الصفويين من التوجّه الصوفي المحض إلى العمل السياسي والذي توّج بتأسيس دولة صفوية شيعية المذهب على يد إسماعيل الصفوي ]


.............................. .................... .............................. ..

ما بين [ .... ] من كلام الأستاذ الدكتور محمّد سهيل طقوش