النصيحة المأمونة


في الردِّ على فتوى شيخ (جامع الزيتونة)

بمخالفته الصواب-في مسألة(النِّقاب)-.





... بَعِيداً عَن خِلاَفَاتِ الفُقَهَاءِ، وَنَأْيَاً بِأَنْفُسِنَا عَن تَفْرِيعَاتِ مُطَوَّلاَتِ مُصَنَّفَاتِ العُلَمَاء: فَإِنَّ القَدْرَ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ-من كافة المذاهب الفقهية الأربعة-وغيرِها-فِي حُكْمِ (النِّقَاب): الاسْتِحْبَابُ الشَّرْعِيُّ..

ثُمَّ اخْتَلَفُوا -قَدِيماً وَحَدِيثاً- فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِهِ، أَو القَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهِ ...
مِن ذلك:
* ما قاله الإمامُ أبو بكرِ بن العَرَبيّ (المالكيّ)-رحمه الله- المتوفى سنة (543هـ) -عند تفسيره لقولِه تعالى-: ﴿ وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ مِن وراء حجاب :
«و المرأة -كلُّها- عورةٌ ؛ بدنها وصوتها ؛ فلا يجوز كشفٌ ذلك إلا لضرورة ، أو لحاجة - كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها-».
* وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- المتوفى سنة ( 728هـ):
« وكشفُ النساء وجوهَهنّ -بحيث يراهنّ الأجانبُ-: غيرُ جائز.
وعلى وليِّ الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن هذا المنكر وغيره- .
ومَن لم يرتدع؛ فإنه يعاقَب على ذلك بما يزجرُه » .
وَثَمَّةَ -بِالمُقَابِلِ- زَعْمَانِ غَرِيبَان، بَعِيدَانِ عَن مَسَالِكِ العِلْمِ الأَمِين، وَطَرَائِقِ الفِقْهِ الصَّحِيحِ فِي الدِّين:
أَوَّلُهُمَا:
زَعْمُ بَعْضِ (الصُّحُفِيِّين! ) أَنَّ (النِّقَابَ) = (بِدْعَةٌ) فِي الدِّين!!
جَاهِلاً نُصُوصَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَمُتَجَاهِلاً أَحْكَامَ الفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّي ن، وَرَافِضاً قَوَاطِعَ السِّيرَةِ وَالتَّارِيخ...
وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ -يَوْمَهَا-وَذَلِكَ قَبْلَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ- عَدَدٌ مِنَ الكُتَّابِ الغَيُورِين؛ فَأَجَادُوا وَأَفَادُوا..
أَمَّا ثَانِيهما وَأَقْرَبُهُما زماناً-:
فَهِيَ هَذِهِ (الفَتْوَى!) الجَدِيدَة = (الشَّدِيدَة!)، الصِّادِرَةُ عَنْ شَيْخِ جَامِعِ الزيتونة-في تونُسَ-ِ حُسين العُبيدي المالكي-سَدَّدَهُ الله إِلَى هُدَاه-:
لَمَّا أَفْتَى -قَرِيباً- بِأَنَّ (النِّقَابَ) ليس مشروعاً في الإسلامِ!بل جاءنا مِن اليهود والنّصارى!!
هكذا زعم!وهو زعمٌ باطلٌ-جداً-.

فَأَقُولُ -مُنَاقِشاً، وَرادّاً-:

ليس مع هذا الشيخِ أيُّ دليلٍ على هذه الدعوى الباطلة!

ولو سلّمْنا بما ادّعاه هذا الشيخُ-ولا نسلّم-؛ فإنّ الإسلامَ لا يعارضُ ما جاءنا مِن عند أهل الكتابِ مّما لا يتعارضُ مع الشرع الحكيم:
فقد روى البخاريّ ومسلم مِن حديث ابنِ عبّاسٍ-رضي الله عنهما-أنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كان يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ.
وقد قال الحافظُ ابنُ حجَر في«فتح الباري»-شارحاً-:
«أي: فيما لم يخالف شرعَهُ؛ لأن أهل الكتاب-في زمانه- كانوا متمسِّكين ببقايا مِن شرائع الرسل، فكانت موافقتُهم أحبَّ إليه من موافقة عُبَّاد الأوثان».
فكيف وما ادّعاه الشيخُ المذكور-على فرض التسليم بأصل دعواه!-مِن أنه (مِن اليهود والنّصارى!) : يلتقي-تماماً-ما جاءنا في الشرع الإسلاميّ الحكيم ؛ مؤتلفاً-غيرَ مختلف- مَعَ (لِبَاسِ التَّقْوَى)-الذي هو خيرٌ وأفضلُ-ديناً ودُنيا-؛ الَّذِي حَضَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ الحَكِيم، وَسَعِدَ بِهِ المُجْتَمَعُ الصَّالِحُ الأَمِين..
لَقَدْ كَانَ الأَجْدَرُ بِحضرة الشيخِ-أيَّدَهُ اللهُ بِتَقْوَاه- أَنْ يُعْمِلَ مُعاوِلَ هَدْمِهِ-هذه-والتي أَبعَدَ فيه النُّجْعَةُ!-: فِي العَادَاتِ القَبِيحَة، وَفِي السُّفُورِ الوَاضِح، وَفِي الاخْتِلاَطِ المُشِين، وَفِي السُّلُوكِ المُهِين...
وليس بخافٍ على ذي إنصافٍ :أنَّ مَقَاصِدَ الشَّرِيعَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي نَنْتَسِبُ إِلَيْهَا جَمِيعاً -يَا حضرةَ الشَّيْخِ- تُلْزِمُنَا بِأَخْذِ الأَحْوَطِ فِي الدِّين! وَدَفْعِ مَا يُشْتَبَهُ بِهِ مِنَ الأَحْكَام!! وَرَدِّ مَا نَسْتَرِيبُ مِنْهُ مِنَ الأَقْوَال!!! وَلَيْسَ العَكْسَ!!!!
فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِهَذِهِ الحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ -الَّتِي لاَ يَكَادُ يَخْتَلِفُ فِيهَا عَاقِلاَن-رَدًّا أَوْ قَبُولاً-:
هَلْ نُحاربُ مَعَالِمَ العِفَّةِ وَالطُّهْر-وننفّرُ منها!-؟!! قَابِلِينَ -أَوْ سَاكِتِينَ (عَلَى الأَقَلّ!)- عَن مَسَالِك السُّفُورِ وَالفُجُور؟!!
أَمْ نَقْبَلُ -أَوْ نَسْكُتُ (عَلَى الأَقَلّ!)- عَن مَسَالِك السَّتْرِ وَالتَّقْوَى-وهي الأنقى..والأبقى ..والأتقى-؟! مَانِعِينَ مَعَالِمَ الفِسْقِ وَالتَّهَتُّكِ؟ !

﴿
فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون..

يقول الإمام ابن عطيّة (المالكي)
المتوفى سنة ( 541 ه* ) في تفسيره «المحرَّر الوجيز»:
«...ويَظْهَرُ لي-في محكم ألفاظِ الآية-: المرأةُ مأمورةٌ بأن لا تُبدِيَ ، وأن تجتهدَ في الإخفاء لكلِّ ما هو زينةٌ....
...ويقوّي ما قلناه: الاحتياطُ ، ومراعاةُ فسادِ الناس.
فلا يُظَنُّ أن يُباحَ للنساء مِن إبداء الزينةِ إلا ما كان بذلك الوجهِ-والله الموفق-».
... مَعَ التَّوْكِيدِ -بِدْءاً وَانْتِهاءً- عَلَى:
1- شَرْعِيَّةِ السِّتْر، وَمَشْرُوعِيَّة ِ (النِّقَاب)-بل استحبابِه، وأفضليّتِه-حَدًّا أَدْنَى-.
2-وَأَنَّ الأَهْوَاءَ (!) عِنْدَمَا تَصْطَرِعُ بِأصْحَابِهَا: تَضِيعُ الأَوَّلِيَّاتُ وَالأَوْلَوِيَّ ات، وَتَغِيبُ أَمَامَها المُقَدِّمَاتُ وَالأَبْجَدِيَّ ات!!

فالزعمُ بأنّ [
(النِّقَابَ) ليس مشروعاً في الإسلامِ!بل جاءنا مِن اليهود والنّصارى!! ]:باطلٌ- جداً جداً-!

وَاللهُ الهَادِي...

منقول من الشيخ أبي الحارث .