هجوم كاسح على المُغِير
قال تعالى في حوار إبراهيم عليه السلام مع قومة وجداله لهم (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).

ـ إنه حوار هاديء لمن تصدر لمشهد الإصلاح وتحمل تبعاته وأراد إحياء الناس وإخراجهم من التبعية والعادة إلى العبادة والقيادة والتصدر للصدع بالحق ...
ـ إنه حوار مقنع ومثمر مطلوب تطبيقه اليوم ونزع العادة والتقليد الأعمى والمشي وراء الانهزامية والسلبية والركون إلى الدنيا وترك بيع النفس لله تعالى من أجل الاهتمام وتفضيل الأهل والمال والولد على ذلك ...
ـ إن المصلح للمجتمع عندما يحاور ويجادل الناس يجد في باديء الأمر القبول منهم والاقبال عليه حينما يعرض لهم الآيات والأحاديث وكلام العلماء والسلف وضرورة التغيير وحتمية إصلاح الأمة ... فتجدهم يقبلون ويفرحون بكلامه وبكتاباته وبلقاءاته ... ثم ماذا بعد ذلك ...
يفرح المصلح بإقبالهم عليه والاهتمام بكلامه ولكن ...
ـ حينما ينتظر منهم التطبيق العمليّ لكلامه وتحفيزه وتشجيعه والنهوض بهم من السلبية إلى الإيجابية والطريق نحو الإصلاح يجد الأمر على خلاف ما يتوقعه ...
ـ يصرح له الناس بأن كلامه غير واقعيّ ، بل يؤولون له الآيات والأحاديث وهم قد استمعوا منه لكلام العلماء والسلف في معناها ، لكن يؤولونها حسب أهوائهم لعدم مقدرتهم وعجزهم عن تطبيقها ... ويتحججون بالدنيا والأبناء والأزواج والمال والحياة والبلاء وما قد يترتب عليه من أذى ومرض بل وقتل في بعض الأحيان ... وينقلون إليك الأعذار والحجج ، ويجبرونك على الاعتراف والرضى بالسلبية وأنها واقعية لا تقبل التغيير ... وينقلون إليك فترة اضطهاد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم على أنها فترة تخفي والرضا بالظلم ووجوب الإسرار بالدعوة إلى ما لا نهاية ... مع أنهم فرحوا واستبشروا بالخير والتغيير عندما سمعوا منك الكلام المحفز على النهوض والمضي نحو الإصلاح لكن ...
ـ لما أنهم تربوا على الذل والسلبية ، لم يقدروا على تركها وكسر العادة المذمومة والنهوض نحو طريق الإصلاح ...
ـ ولما أنهم رجعوا إلى مشايخهم وعرضوا عليهم الكلام في التغيير لم يعترف به مشايخهم وألقوه في اليم ، بل لم يترفعوا عن نسفه وإبطاله والاعراض عنه والمضي نحو العادة والسلبية والاختفاء طلبا للسلامة من الأذى ...
ـ ... وما فعل المصلح إلا أنه حاول تفعيل الآيات والأحاديث وكلام العلماء والإيجابية والجرأة على الصمود والصدع بالحق ...لكن ... تربية الذل استقرت ، وعدم اتخاذ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلا في التغيير انعدمت ، والتخويف من البلاء والاضطهاد والمرض والموت شاعت وعمت ... ولكن ...
يا ليتهم عمموا ذلك ، لكن تارة وتارة ...
فيفرحون بالسفر لأداء الحج والعمرة وانفاق الأموال وترك الذرية والأولاد والزوجة ، ويفرحون بالسفر للعمل الدنيوي وجمع الأموال ويتركون الذرية والزوجة ... وماذا لو كتب الله عليهم الجهاد في سبيله ودخل العدو عليهم في بلادهم ... فماذ سيفعلون ، وهل سيتحججون بالأولاد والزوجة والمال والحياة !!

قليل من الانصاف والتدبر والتأني ... أنه لا بد من النهوض للتغيير والصبر والاحتساب بما قد يترتب عليه من مضار ... قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ).
والله المستعان .
د/ أبو مسلم خالد مصطفى الوكيل .