بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة الوسلام على محمد وآله الطاهرين.
كثيرا ما تتردد على الألسن عبارات بهذا المعنى (النحو متأثر بالمنطق والفلسفة)، وعادة ما تقال استنكاراً على النحاة ومنهجهم، لكن عند التأمل نجد أن الصحيح هو ما جرى عليه النحاة؛ لأن المنطق ما هو إلا علم يحتوي على مجموعة قوانين تعصم الذهن - عند المراعاة – عن الخطأ في التفكير، وقواعد المنطق لم تأت من فراغ أو من خيال، بل أتت من خلال الرجوع إلى بديهيات العقل، وإلى تحليل كيفية تفكير الإنسان ووصوله للنتائج، فأخذ الفقيه من المنطق ما يحتاجه، وكذا عالم الاعتقادات، وكذا النحوي، و...
فأخذ النحوي قانوناً بديهياً لا يقبل الخطأ وهو (كل شيء له سبب)، ولا ينكر هذا الأمر إلى مستخف بعقله، فكانت نظرية العامل النحوي، التي نشأت عندما رأى النحاةُ العربَ ترفع تارة وتنصب أخرى وتجر وتجزم، فتساءلوا عن سبب هذا؛ بناءً على القانون المتقدم - لكل شيء سبب -، فوجدوا أن المتكلم واحد، فلا بد من وجود أمر آخر يؤثر في هذه الظاهرة، فرأوا أن الفعل يأتي بعده مرفوع، فاستنتجوا أن الرفع يأتي من اجتماع أمرين - على أقل تقدير - هما المتكلم والفعل، كما أن الاحراق يحتاج إلى النار واتصالها بالخشبة - مثلا - وعدم رطوبة الخشبة، فكل من المتكلم والفعل جزء علة، أي: له تأثير في هذه الظاهرة - الرفع - لكنه لا يؤثران مستقلين، بل يجب اجتماعهما، فكان الصحيح أن يكون العامل هو (المتكلم + الفعل) لكن بما أن المتكلم واحد، نسبوا العمل للفعل وأهملوا ذكر المتكلم؛ لوضوحه، إذ لا كلام بدون متكلم، لكن قد يوجد رفع بلا فعل، ومن هنا أتت نظرية العامل التي بقيت صامدة لأكثر من ألف سنة، ولا عيب في أنها متأثرة بالمنطق، لكن العيب هو الحكم عليها قبل فهمها بالشكل المطلوب، والحمد لله رب العالمين.