الحمد لله الغفور الغفار، الذي يغفر الذنوب مهما بلغت بالليل والنهار، والصلاة والسلام على أبرّ الأبرار، المُكثر من الاستغفار نبيِّنا محمد، وبعد:
فقد جرت سنة الله تعالى على إعزاز الطائعين ورفعة المؤمنين وإكرام المحسنين، وجرت أيضًا على خفض الكافرين وإهانة المُفرطين، ومن يُهن اللهُ فما له من مُكرِم.
لذلك كان الطائع لربه يشعر بسعادة ما بعدها سعادة، وحلاوة ما بعده حلاوة، فقد ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبمحمد رسولا، وثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار.
والطائع أيضًا يحيا في جنة الدنيا التي من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، وهذه الجنة هي القرب من الله بالطاعة، ويحيا - أي الطائع - حياة طيبة هادئة، فقد قال الله تبارك وتعالى: "من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة"، فالطائع قلبه مطمئن، فهو يذكر الله في جميع أحواله، وقد قال الله سبحانه: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وهذا الشعور لا يعرف حلاوته ولذته وجماله إلا من ذاق الطاعة، وعرف الله، واغترف من ذلك المعين الصافي المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما العاصي الذي أسرف على نفسه من غير توبة ولا رجعة؛ فإنه يشعر بحزن وكآبة في قلبه، وحسرة تعتريه من أخمص قدمه إلى ناصيته، فهو يشعر كأنه غارق في ظلمات بعضها فوق بعض إذا بحث عن قلبه لم يكد يراه، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، أينما ذهب عايش ضنكًا، وكيف لا وقد أعرض عن طاعة ربه وذكره، قال الله تعالى: "من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا"، فهو يعيش معيشة نكرة كما جاءت في الآية، معيشة لا قيمة لها ولا وزن، وذلك لأنه ترك طريق السعادة، والله لا يظلم الناس شيئًا.
والخارج عن طاعة الله يشعر بضعف كلي في بدنه وقلبه وجوارحه وبالطبع في روحه التي أتعبها جريًا وراء إشباع حاجات البدن، ونسي إشباع حاجات روحه بالقرب من ربه وباتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك الإنسان يتمنى أن يموت وفي الوقت نفسه لا يريد، لا يجد فائدة من حياته، لا يكاد يثبت على الطريق الموصلة إلى الله، إذا نظر في المرآة أحس أن وجهه مظلم، يجد قلوب الناس نحوه تغيّرت، وأنظارهم تبدّلت، يشعر أن روحه مسجونة في بدنه لا تستطيع التحرر، وكيف لا وقد حرمها قوتها ورزقها.
وما مرّ لا يشعر به كل العاصين، فهناك من أصبح لا يشعر بقسوة في قلبه، ولا يحزن لعصيانه ربه، وهذا عليه أن يبحث عن قلب جديد غير قلبه الذي مات ودُفن، فعليه أن يُحييه بنور الوحييْن، ثم يعالجه بالذكر، ثم يحافظ عليه بالتزكية وبالبعد عن المعاصي، وعليه أن يدعو ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا يأتيه به.
ومن رحمة الله على المذنبين أن يشعروا بهذا الشعور الذي يجعل العبد يراجع نفسه ويحاسبها على النقير والقطمير من الأفعال، ويجعله أيضًا يبحث عن طريق السعادة المتمثلة في عبادة الله والعلم به والدعوة إليه واتباع نبيه باطنًا وظاهرًا.
وعلى الطائع ألا يغتر فهو يسبح في بحر جود الله وفضله ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا حول عن المعصية ولا قوة على الطاعة إلا بالله، وعلى المذنب ألا يقنط من رحمة الله، فقد قال الله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا أنه هو الغفور الرحيم"، وعليه أن يُكثر من دعاء الله، فمن لم يسأل الله يغضب عليه، لأنه إما قانط أو مُستكبر.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وصرّف قلوبنا على طاعتك، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.