كتب: ياسر أنور >>العالم المسلم عبد الرحمن الصوفى أول شخص فى التاريخ يتحدث عن كروية الأرض
>>صدق أو لا تصدق: الصحابة والمفسرون يطرحون أفكارا تتوافق مع أحدث النظريات الحديثة
>>اكتشاف خريطة إسلامية قديمة تضم المحيط الأطلنطى وأمريكا!
>>جناية واضعى المناهج الدراسية على الأمة العربية والإسلامية
بعد أن أشرنا فى أعداد سابقة إلى الدور البارز الذى قامت به الحضارة الإسلامية فى إحداث صدمة علمية وثقافية فى العالم الغربى، والتى كان لها الأثر الأكبر فى إيقاظه من حالة التخلف والجمود والخرافة التى سيطرت عليه لعدة قرون حتى كان يطلق على تلك الحقبة فى العالم الغربى العصور المظلمة أو dark ages فى الوقت الذى كان فيه العالم الإسلامى يعيش أزهى عصوره علما وثقافة وحرية ومساواة حتى أطلق على الحقبة نفسها فى الأدبيات الغربية العصر الذهبى للحضارة الإسلامية أو the golden age of the Islamic civilization، وعلى الرغم من أن هناك بعض المنصفين من الباحثين والعلماء الغربيين الذين يقرون بتأثير الحضارة الإسلامية على العقل الغربى فإن التيار السائد فى العالم الغربى يصر على أن يمارس عادته فى السطو واللصوصية على ممتلكات وثروات بل وأفكار الآخرين. فالشخصية الغربية بطبيعتها وسلوكيتها تميل إلى ازدراء الآخر بل ونهبه واستغلاله، ولهذا كانت الهجمة الاستعمارية الكبرى على شعوب العالم وبخاصة فى نهاية القرن الخامس عشر وما تلاه من قرون من أجل استنزاف ثرواته وتسخير أفراده واعتبارهم عبيدا يقومون على خدمته ولم يكن اكتشاف أمريكا أو العالم الجديد إلا بهذا الدافع الاستعمارى لا العلمى، ولذلك ظن كولمبوس أن الذى يزعم العالم الغربى أنه أول مكتشف لأمريكا، ظن نفسه هو ومن كان معه أنهم فى بلاد الهند، فأطلقوا على السكان الأصليين اسم الهنود الحمر، لكن فى حقيقة الأمر أنهم لم يكونوا هنودا حمرا، بل هم عرب وأفارقة وأجناس أخرى.
وقد أشار إلى ذلك العالم الأمريكى ليو وينر أو Leo Wiener فى كتابه المعنون بـ أفريقيا واكتشاف أمريكا أو Africa and the discovery of America وقد ذكر فيه المؤلف معلومات ووثائق تشير إلى الوجود الإسلامى فى أمريكا قبل مجيء كولمبوس، بل إن كولمبوس نفسه قد أشار إلى ذلك فى مذكراته. ويبدو أن كثيرا من الباحثين قد ضاق ذرعا بتلك الأسطورة المزيفة عن العبقرية الغربية، فبدؤا فى مراجعة كثير مما كنا نظن بأنه حقائق أو مسلمات، لنكتشف أننا أمام عملية سطو ممنهج على أفكار الآخرين، فقد أصدرت الباحثة البريطانية باتريشيا فارا Patricia Fara المحاضرة فى تاريخ وفلسفة العلوم بجامعة كامبردج كتابا بعنوان العلم، وتاريخ أربعة آلاف سنة Science:A four thousand Year History سخرت فيه من الزعم الغربى الذى يقصر البداية الحقيقية للعلم على العلماء الغربيين، وأعادت الاعتبار للحضارات القديمة ودورها فى تطور الأفكار العلمية، كما أشادت بالحضارة الإسلامية ودورها البارز فى المسيرة العلمية مستدلة باهتمام المسلمين ببناء المستشفيات والمكتبات الكبرى والمراصد الفلكية وغيرها. وقد أشارت المؤلفة إلى أن كثيرا من الاكتشافات العلمية لم تكن بدافع علمى خالص، بل بسبب التنافس السياسى والحربى بين الدول، وتعرضت لحياة كثير من العلماء مركزة على عيوبهم وأخطائهم وغشهم وخداعهم.وهو ما يجعلنا نتساءل فى حزن وحسرة عن تفريطنا فى تاريخنا العلمى الباهر، وكيف أننا استسلمنا كالعميان ليس للعالم الغربى فى ادعاءاته وسرقاته ليس فقط فى النظريات العلمية، ولكن أيضا فى مسيرة تاريخ العلم عبر التاريخ، فلا تذكر المناهج الدراسية العربية أن أول شخص تحدث عن كروية الأرض فى التاريخ هو العالم المسلم عبد الرحمن الصوفى، ولا تذكر أن المسلمين اكتشفوا أمريكا قبل كولومبوس، وتتجاهل كثيرا من إسهمات علماء الإسلام فى وضع أسس المنهج العلمى بطريقة متعمدة تجعلنا نضع كثيرا من علامات الاستفهام. ومن الأمور البدهية أن علماءنا الأوائل قد استفادوا من المنهج العلمى الذى وضعه القرآن القائم على البحث والنظر والتجريب ووضع الأدلة والبراهين. بل إن فكرة كروية الأرض نفسها والتى كان العلماء المسلمون أول من تحدث عنها ما هى إلا نتيجة للإشارات القرآنية المختلفة مثل رب المشارق والمغارب، ورب المشرقين ورب المغربين، بل إن أحدث النظريات الجغرافية والأكثر قبولا الآن فى المجتمع العلمى والتى تقول بأن قارات العالم كانت كلها كتلة واحدة متلاحمة تلك الفكرة التى تنسب للعالم الغربى أيضا والتى طورها ألفريد فجنر Alfred Wegener حيث قدم أدلة على أن أفريقيا وأمريكا كانتا جزءا واحدا، وأنه بالنظر إليهما على الخريطة يمكن أن تجميعهما بطريقة التداخل أو التعشيق حيث إن كل بروز فى إحداهما يقابله فجوة فى الأخرى، هذه الفكرة هى فكرة إسلامية بالأساس والقرآن الكريم قد أشار إليها فى قوله تعالى: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حى. فهذا الفتق استنبط منه المفسرون ومنهم مجاهد أن الأرض كانت كتلة واحدة ثم حدث هذا الفتق وخرج منه ماء البحار والمحيطات. لقد تحدث القرآن بطريقة بنائية متناسقة عن مراحل الخلق بدءا من سورة فصلت ثم الأنبياء وبعد ذلك النازعات بترتيب محكم ومدهش لم يتوقف أمامه علماء الإعجاز وتعاملوا مع الآيات بطريقة منفصلة دون رابط، ما أدى إلى تشوه كثير من الأفكار حتى تتوافق مع بعض النظريات العلمية غير المستقرة. وفى الختام، فإنه ينبغى على الباحثين وواضعى المناهج أن يعيدوا الاعتبار لتاريخ الأفكار العلمية عبر التاريخ الإسلامى وأن تترجم إلى اللغات المختلفة، بل وينبغى أن تضاف مادة دراسية جديدة إلى المناهج تتحدث عن دور العلماء العرب والمسلمين فى وضع الكثير من النظريات والمناهج العلمية حتى تستعيد الأجيال الجديدة الثقة فى تاريخها وأجدادها، وحتى ننفض عن أنفسنا وهما كبيرا يسمى العبقرية الغربية