قلت: المصدر لم يجز أن يقع خبرا عن جثة لعدم دلالته بصيغته على فاعل وزمان
بخلاف الفعل المقدر به فإنه لكونه دالا على الفاعل والزمان يجوز الإخبار به عن الجثة
وبهذا يظهر الفرق بين المصدر والفعل المؤول به
وإن ذَكَرَ بعض أصحاب الحواشي بُعْدَ الفرقِ بينهما حتى قال بعضهم: لولا القائل السيد الشريف لرددته[1]،
فاحفظ هذه فإنها من الحُور المقصورات.
قال: فلماذا ذكرت أن جملة (يبقى شيء): لا محل لها من الإعراب صلة الحرف الموصول (أَنْ)
قلت: لأن (أَنْ) موصول حرفي وهو يحتاج إلى صلة كالموصول الاسمي
وجملة الصلة لا محل لها من الإعراب كما قال ابن هشام: "الجملة السادسة (أي من الجمل التي لا محل لها من الإعراب): الواقعة صلة لاسم أو حرف فالأول نحو: (جاء الذي قام أبوه) فـ (الذي) في موضع رفع والصلة لا محل لها ... والثاني نحو: (أعجبني أن قمت) أو (ما قمت) إذا قلنا بحرفية (ما) المصدرية وفي هذا النوع يقال: الموصول وصلته في موضع كذا لأن الموصول حرف فلا إعراب له لا لفظا ولا محلا [2].
قال: إذا كان الموصول الاسمي والحرفي يحتاجان إلى صلة فما الفرق بينهما؟
قلت: الفرق أن الموصول الاسمي يحتاج إلى عائد بخلاف الموصول الحرفي
قال: فهل هناك موصول حرفي غير (أَنْ) المصدرية؟
قلت: نعم، الموصول الحرفي عند الجمهور ثلاثة: (أَنَّ) المفتوحة، و(أَنْ)، و(ما) المصدريتان
قال: إن موضوع الاستثناء من المواضيع الصعبة وفيه مصطلحات كثيرة فلو ذكرتَ لي أهم مصطلحاته التي تدور فيه.
قلت: نعم، فالاستثناء من أهم المخصِّصات وله أحكام كثيرة حتى إنه قد أفرد بالتأليف ومن أهم المؤلفات فيه كتاب (الاستغناء في أحكام الاستثناء) للقرافي؛ فلهذا سأحاول تبسيطه بذكر أهم مصطلحاته التي تتردد فيه وتبيينها بالأمثلة.
فاعلم أن المصطلحات التي ينبغي معرفتها هنا على سبيل الإجمال هي:
(1) الاستثناء: وهو إخراج شيء بـ (إلا) أو (إحدى أخواتها) مما كان داخلا في الحكم السابق عليها
مثل: (حضر الطلاب إلا زيدا)
- فالحكم هنا هو: (حضور الطلاب)
- ثم أخرجنا (زيدا) من هذا الحكم أي أنه لم يحضر،
- واستعملنا لهذا الإخراج أداة الاستثناء (إلا)
(2) المستثنى منه: هو الاسم العام الذي يكون منه الإخراج باعتبار الحكم المنسوب له، وعادة يكون مذكورا قبل (إلا) وشاملا للمستثنى،
وهو في المثال السابق (الطلاب)
- فهو اسم عام شمل كل الطلاب
- وهو الذي أخرجنا منه (زيدا) باعتبار الحكم المنسوب له الذي هو (الحضور)
- وهو مذكور قبل (إلا) كما هي العادة في مثل هذا التركيب،
- وهو أيضا شامل للمستثنى الذي هو (زيد) فـ (زيد) أحد الطلاب
(3) المستثنى: هو الاسم المذكور بعد (إلا) مخالفا في الحكم لما قبلها
وهو في المثال السابق (زيد)
- فهو مذكور بعد (إلا)
- ومخالف لما قبلها (الطلاب) في (الحكم) الذي هو (الحضور)
(4) أداة الاستثناء: هي (إلا) أو إحدى أخواتها
(5) الكلام التام: هو الذي ذُكِرَ فيه المستثنى منه
فالمثال السابق (حضر الطلاب إلا زيدا) كلام تام لأنه ذكر فيه المستثنى منه (الطلاب
(6) الكلام الموجب: هو الكلام المثبَت الذي لم يتقدم عليه نفي أو شبهه؛ (النهي والاستفهام)
فالمثال السابق (حضر الطلاب إلا زيدا) استثناء موجب لأنه مثبت.
(7) الكلام غير الموجب: هو ما سُبِقَتْ جملتُه بنفي أو شبهِهِ، وشبه النفي (النهي والاستفهام)
أ*- فالنفي: نحو: (ما حضر الطلاب إلا زيدا)
ب*- والنهي كقوله تعالى: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81]
ت*- والاستفهام نحو: هل تأخر أحدٌ إلا زيدا.
(8) الاستثناء المتصل: ما كان فيه (المستثنى) من نوع (المستثنى منه) مثل:
- سقيتُ الأشجارَ إلا شجرةً،
- وقام القوم إلا زيدا.
(9) الاستثناء المنقطع: ما لم يكن فيه (المستثنى) من نوع (المستثنى منه) مثل:
- قام القوم إلا حمارا،
- ومنه قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} [ص: 73- 74، والحجر: 30، 31]
فإن إبليس ليس من جنس الملائكة في أصح قولي العلماء.
(10) الاستثناء المُفَرَّغ أو الناقص: هو ما لم يذكر فيه المستثنى منه ولابد أن يكون الكلام غير موجب
مثل: (ما حضر إلا زيد)
فأصل الكلام (ما حضر أحدٌ إلا زيد)
فحذف المستثنى منه (أحد)
- فصار الاستثناء ناقصا
لنقصان أحد أركانه؛ (المستثنى منه)
- وصار مفرغا لتفرغ ما قبل (إلا) للعمل فيما بعدها.
قال: تذكرتُ الآن كلمة يكثر ورودها في باب الاستثناء
قلت: وما هي؟
قال: قولهم: (الاستثناء معيار العموم).
قلت: نعم
قال: فما معناها؟
______________________________ ________________________
[1] معرب الكافية 15.
[2] مغني اللبيب – ت. الخطيب: 5/ 158.