تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 10 من 13 الأولىالأولى 12345678910111213 الأخيرةالأخيرة
النتائج 181 إلى 200 من 258

الموضوع: تذليل العقبات بإعراب الورقات

  1. #181
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    المعنى


    هذا هو الباب العاشر من أبواب أصول الفقه التي ذكرها المصنف هنا في (الورقات) وهو (النسخ) فتكلم عن تعريفه لغة واصطلاحا

    فالنسخ لغة: يطلق على أحد شيئين:

    الأول -الإزالة وعلى هذا أكثر العلماء.
    واعلم أن النسخ بمعنى الإزالة في اللغة على نوعين[1]:

    1- نسخٌ إلى بدل؛ كالمثال الذي جاء به المصنف وهو: (نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ) يعني: أن الشمس أزالت الظلَّ وحَلَّتْ مَحَلَّهُ.

    2- نسخٌ إلى غير بدل مثل: (نَسَخَتِ الريحُ آثارَ القومِ) أي أزالتْ الريحُ آثارَ القومِ ولكنها لم تَحِلَّ مَحَلَّ آثارهم

    الثاني النقل: نحو: (نَسَخْتُ ما في الكتابِ) إذا نقلت ما فيه وليس المراد إذهابُ ما فيه وإعدامه وإنما نقلُ مثلِ ما فيه

    والأكثرون على الأول وهو: الإزالة

    واصطلاحا: ما ذكره المصنف بقوله: "وحَدُّهُ رفعُ الخطاب ...الخ" وتوضيحه أن يكون عندنا حكم قد ثبت بخطاب أي (بقول الله تعالى أو بقول رسوله صلى الله عليه وسلم) فهذا خطاب متقدم وحكم متقدم ثم يأتي بعده خطابٌ متأخر بحكم متأخرٍ مخالف للحكم المتقدم فينتج عن ذلك أن يَنْسَخَ الحكمُ المتأخرُ الحكمَ المتقدمَ

    ______________________
    [1] الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي 122 -123 ت. أحمد طنطاوي جوهري ط. المكتبة المكية ودار ابن حزم، والأنجم الزاهرات للمارديني تحقيق د. عبد الكريم النملة 182 هامش رقم (4).

  2. #182
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قال صاحبي


    قال: ما إعراب (وَحْدَهُ) إذا قلت: (أشهد أن لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريك له)؟

    قلت: حال، ولكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟

    قال: علاقته أنك أعربتَها هنا مبتدأً فأردتُ أن أعرف الفرق بين الموضعين، لماذا أعربتها في الشهادة (حالًا) وأعربتها هنا (مبتدأً)؟

    قلت متعجبا: ما هي التي أعربتُها حالا هناك ومبتدأ هنا؟!

    قال: كلمة (وَحْدَهُ)

    قلت: أنا لا أفهم شيئا، عن أي شيءٍ تسأل؟ أنا لم أتعرض لكلمة الشهادة هنا!

    قال: أنا أعلم أنك لم تتعرض لكلمة الشهادة هنا ولكني أردت أن أعرف الفرق بين إعراب (وَحْدَهُ) في كلمة الشهادة حيث إن إعرابَها فيها (حالٌ)، وبين إعرابك هنا لها وأنها (مبتدأ)

    قلت: يا أخي هداك الله، وأين لفظ (وَحْدَهُ) هنا الذي أعربتُهُ مبتدأ؟

    قال: في قول المصنف: "وحده الخطابُ الدَّالُّ على رفع الحكم ...الخ "

    فسكتُّ قليلا مُتَفَكِّرًا
    فيما يقول ثم ضحكتُ وقلتُ كما قال الأول:

    أقول له (زيدٌ) فيسمعها (عَمْرا) *** ويكتبها (بكرًا) وينطقها (بِشْرا)


    فأطرقَ خجلا ثم قال: وما ذاك؟

    قلت: أتظن أن (وَحَدُّهُ) في كلام المصنف هي (وَحْدَهُ) في كلمة الشهادة؟

    قال: بلى

    قلت:
    هل تعرفُ (القِبَعْضَ)؟

    قال: لا، فما هو؟

    قلت: اجتمع جماعةٌ من الأدباء لتقطيع بعض الأبيات الشعرية فكان منها قول النابغة:

    أبا منذرٍ أفنيتَ فاسْتَبْقِ بعضنا *** حنانَيْكَ بعضُ الشرِّ أهونُ مِنْ بعضِ


    فقال بعضهم هو من البحر الفلاني
    وقال آخرون بل من البحر الفلاني
    فتردَّدَ على أفواههم من تقطيعه (قِ بَعْض) يعني (حرف القاف) من كلمة مع كلمة (بعض) من الكلمة الأخرى
    فاتفقوا أن يأتوا إلى المبرد ويمتحنوه بكلمة (القِبَعْضِ)
    وقد كان المبرد يُتَّهَمُ بالكذبِ لِعِظَمِ حفظه للغة واتساعه فيها
    فقالوا له: أنبئنا، أيدك الله، ما (القِبَعْضُ) في كلام العرب؟

    فقال المبرد: هو القطنُ، ألم تسمعوا قول الشاعر:

    *** كأن سَنامَها حُشِيَ القِبَعْضا ***


    فقال بعضهم: تَرَوْنَ الجوابَ والشاهدَ إن كان صحيحا فهو عجيب، وإن كان مُخْتَلَقًا فهو أعجب

    قال صاحبي: رحم الله المبرد لقد كان آية في الذكاء والفطنة، ومما يُرْوَى عنه أنه كاكاكا ...

    فأشرت إليه أن كفى كفى وقلت له: ما هذا حديثُنا، يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق

    فقال منتبها: نعم نعم، يكفي يكفي، ما الذي جَرَّنا إلى هذا الحديث؟ وما لنا وللقبعض؟

    فقلت: ذكرنيه تصحيفُك

    فقال: تصحيفي؟!

    قلت: أجل، وما لك متعجبا!

    قال: لأني لا أُصَحِّفُ، وإن حدث فإني لم أُصَحِّفُ الآن

    قلت: بلى، قد فعلتَ

    قال: فأين ذلك؟

    قلت: زعمُكَ أو ظنُّك أن (وَحَدُّه) في كلام المصنف هو (وَحْدَهُ) في كلمة الشهادة، أتُراكَ إن كنت لا تُحْسِن القراءة أفلا تُحْسِنُ الاستماع؟

    فسكتَ وعلِمَ أنه قد صَحَّفَ

    ثم قال: فما معنى (حَدُّهُ) في كلام المصنف

    قلت: المراد بالحَدِّ التعريفُ؛ فالمراد بـ (حَدِّ النسخِ) تعريفُ النسخِ

    قال: تقول: إن معنى (الخطاب) في تعريف النسخ هو (قولُ الله أو قولُ رسوله صلى الله عليه وسلم)

    قلت: نعم
    قال: ...

  3. #183
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قال: فأين الإجماع والقياس؟ وأين النسخُ بهما؟

    قلت: لا نسخَ بـ (الإجماع) ولا بـ (القياس)

    قال: ولِمَ؟

    قلت: أما (الإجماع) فلأنه لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته لا يمكن النسخ لأنه تشريع

    وأما (القياس) فلأن النصَّ مقدَّمٌ عليه ولا يُصارُ إليه إلا عند عدم النص

    قال: أرأيت الصلاة أليست فرضا؟

    قلت: بلى

    قال:
    ففرض الصلاة قد نسخ الحكم الأول

    قلت: وما الحكم الأول؟

    قال: عدم فرضيتها، وذلك أن الأصل براءة الذمة من وجوبها ثم جاء خطاب الشارع بفرضها وذلك في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [في مواضع منها البقرة: 43]، فهذا الخطاب التالي قد رفع الحكم السابق وهو البراءة الأصلية إلى الوجوب فهو نسخ، أليس كذلك؟

    قلت: نعم، ليس كذلك

    قال: ولِمَ؟

    قلت: لأن الشرط في النسخ أن يكون الحكم الأول ثابتا بخطاب الشارع ثم يأتي خطاب آخر فينسخه
    وأما ما ذكرتَــه هنا فليس كذلك إذ إن الحكم الأول وهو البراءة الأصلية ليس ثابتا بخطاب الشارع بل هو عام في كل ما لم يرد فيه دليل خاص على الإباحة أو التحريم أو غيرهما فالأصل براءة الذمة من التكليف بشيء حتى يأتي الدليلُ المُلْزِمُ بالتكليف بفعل أو نهي

    قال: أفهمُ من هذا أن قولَ المصنف: "الحكم الثابت بالخطاب" احترازٌ عما غيرتْهُ النصوصُ من حكم البراءة الأصلية لأن ذلك لم يكن بخطاب؟

    قلت: نعم، هو ذا، ولو كان ما غيرتْهُ النصوصُ من حكمِ البراءةِ الأصليةِ يسمَّى نسخا لكانت الشريعةُ كلُّها نسخا

    قال: وكيف ذلك؟

    قلت: ألا ترى أن الصلاة والصوم والفرائض كلها على خلاف البراءة الأصلية؟[1]

    فسكتَ قليلا متفكِّرًا ثم قال: نعم نعم، صح صح.

    قال: ماذا يريد المصنف بقوله: "على وجه لولاه لكان ثابتا"؟

    _________________________
    [1] شرح الورقات لابن الفركاح 215.

  4. #184
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قلت: أما قوله: "على وجه" فمعناه: (على حالٍ)

    قال: نعم، ولكن ألا ترى الصعوبة في هذا الحَد؟

    قلت: نعم، وربما كان ذلك من عدم وضوح مرجع الضمائر

    قال: نعم، أكمل، ما الذي أراده بقوله السابق؟

    قلت: أراد الاحتراز عن شيئين

    قال: وما هما؟

    قلت: أما الأول: فالاحتراز عن الحكم الذي له غايةٌ ينتهي إليها
    لكنه لم يذكرها في الخطاب الأول المتقدم
    ثم جاء الخطاب المتأخر يدل على أن هذا الحكم إذا بلغ الغاية الفلانية فقد انتهى
    فإن هذا الخطاب الثاني يرفع حكم الخطاب الأول ولكنه (ليس على وجه لولاه لكان ثابتا)

    قال: كيف ذلك؟

    قلت: يعني أن الحكم الأول يظل ثابتا، ثم إذا جاء الخطاب الآخر بيَّنَ فقط مدةَ بقائه ثابتا يعني: بيَّنَ الغايةَ التي ينتهي عندها.

    قال: لو ضربتَ لي مثالا! فإني أحسبني أفهم ما تقول لكن ليس على الوجه المطلوب

    قلت: لا بأس، انظر إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، ما الحكم هنا؟

    قال: تحريمُ البيعِ وقت النداء لصلاة الجمعة

    قلت: أحسنت، فهذا حكمٌ ثبتَ بخطابٍ؟

    قال: نعم

    قلت: فماذا تفهم من قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10]؟

    قال: أفهم أن تحريم البيعِ ينتهي بانتهاء صلاة الجمعة

    قلت: أحسنت، وهذا هو المطلوب؛
    فالحكم الأول وهو تحريم البيع وقت النداء للجمعة ثبت بخطاب
    وليس في الخطاب الأول غاية لهذا الحكم
    ثم جاء الخطاب الثاني فبيَّن أن هذا الحكمَ مُغَيًّا بغاية
    فلم يرفع الحكمُ الثاني الحكمَ الأول وهو تحريم البيع وقت النداء للجمعة بل بيَّنَ أن هذا الحكم يظل ثابتا إلى غاية وهي الانتهاء من الصلاة فعندها ينتهي هذا الحكمُ

    قال: نعم، فهمتُ هذا

    قلت: فهذا لا يسمى نسخا؛ لأنه لم يرفع الحكمَ بل بيَّنَ أن له غايةً ينتهي عندها

    قال: نعم

    قلت: وأما الثاني فـ ...

    قال: أيُّ ثانٍ تتحدث عنه؟

    قلت: يا أخي انتبه قليلا، ألم أقل لك إن قوله: "على وجه لولاه لكان ثابتا" احترازٌ عن شيئين؟

    قال: بلى

    قلت: وذكرتُ لك أن الأول الذي احترز عنه هو الحكم المـُغَيَّا بغاية وهو ما ذكرناه آنفا؟

    قال: أجل، تذكرتُ، فما الشيء الثاني الذي احترز عنه؟

    قلت: هو الحكم الذي له علةٌ مذكورة في خطاب متقدم
    ثم ورد خطاب متأخر بأنه عند عدم وجود هذه العلة فإن الحكم يكون خلاف الحكم الأول
    فهذا لا يسمى نسخا.

    قال: مثل ماذا؟

    قلت: مثل قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]؛ فإن الإحرام علة لتحريم صيد البَــرِّ، وكما تعلمُ فإن صيدَ البَــرِّ حلالٌ لغيرِ المُحْرِمِ

    قال: نعم

    قلت: فلا يقال: إن قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، قد نسخ هذا الحكمَ؛ لأن الإحرام معنًى أوجب التحريم فإذا زالَ زال التحريمُ[1].

    قال: نعم

    ثم قال: فقوله: "مع تراخيه عنه"

    قلت: أي مع مُضِيِّ مدةٍ بين الناسخ والمنسوخ
    أراد بذلك الاحتراز عما إذا كان الخطاب الثاني غير متراخٍ بل كان متصلا بالأول فلا يكون نسخا بل بيانا: كالتقييد بالصفة والشرط والاستثناء[2] فإن ذلك يكون متصلا ولا ينفصل بخلاف النسخ فإنه يكون منفصلا

    قال: أفهم مما سبق أن للنسخ شروطا؟

    قلت: نعم، فهل تستطيع ذِكْرَها؟

    قال: نعم

    قلت: هاتِ

    قال: شروط النسخ هي:

    1- أن يكون النسخُ بخطاب شرعي من كتاب أو سنة

    2- أن يَرفع حكما شرعيا ثابتا بخطاب من كتاب أو سنة

    3- ألا يكون الخطاب الذي رُفِعَ حكمُهُ مُغَيــًّا بغاية أو مُعَلَّلًا بعلة

    4- أن يكون الناسخُ متأخرا عن المنسوخ[3].

    قال: ولكن لماذا يُشْتَرَطُ في الناسخ أن يكون متأخرا عن المنسوخ؟

    قلت: لِيُفارِقَ التخصيصَ في هذا؛ فإن المخصِّصاتِ منها ما هو متصل ومنها ما هو منفصل كما علمت وأما النسخ فكله منفصل ولا يصح أن يكون فيه ناسخ متصل[4].

    ______________________________
    [1] شرح الورقات لابن الفركاح 216، والتحقيقات شرح الورقات لابن قاوان 358.

    [2] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 87.

    [3] تهذيب شرح الورقات 68.

    [4] شرح الورقات – سعد الشثري 141.

  5. #185
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    أقسام النسخ باعتبار المنسوخ

    قال المصنف:

    وَيَجُوزُ نَسْخُ الرَّسْمِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ. وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ الرَّسْمِ. وَنَسْخُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا.

    وَالنَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ، وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ. وَإِلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ، وَإِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ.
    ______________________________ ___________________

    (وَ): استئنافية

    (يَجُوزُ): فعل مضارع

    (نَسْخُ): فاعل، ومضاف

    (الرَّسْمِ): مضاف إليه

    (وَ): عاطفة، ومعناها المعية أي ويجوز نسخ الرسم مع بقاء الحكم، وقد علمت فيما سبق أن الواو قد تأتي للمعية فتعطف الشيء على مُصاحِبه: كقوله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت:15]، فالنجاة حصلت لنوح وأصحاب السفينة معا.

    قال ابن مالك: "وكونها للمعية راجحٌ وللترتيب كثير ولعكسه قليل"[1].

    (بَقَاءُ): معطوف على (نسخ)، و(بقاء) مضاف

    (الْحُكْمِ): مضاف إليه

    (وَ): عاطفة

    (نَسْخُ): معطوف على (نسخ الرسم)، و(نسخ) مضاف

    (الْحُكْمِ): مضاف إليه

    (وَبَقَاءُ الرَّسْمِ): تقدم مثله

    (وَ): عاطفة

    (نَسْخُ): معطوف على (نسخ الرسم)، و(نسخ) مضاف

    (الْأَمْرَيْنِ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياءُ لأنه مثنى

    (مَعًا): حال

    (وَ): عاطفة أو استئنافية

    (النَّسْخُ): إن جعلت الواو عاطفة فهو معطوف على (نسخ الرسم)، أي ويجوز النسخ إلى بدل

    وإن جعلتها استئنافية فالمعنى: وينتقسم النسخ إلى بدل وإلى غير بدل ...الخ

    (إِلَى بَدَلٍ): متعلق بـ (يجوز) أو بـ (ينقسم)

    (وَ): عاطفة

    (إِلَى غَيْرِ): معطوف على (إلى بدل)، و(غير) مضاف

    (بَدَلٍ): مضاف إليه

    (وَ): استئنافية

    (إِلَى): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب

    (مَا): اسم مبني على السكون في محل جر بـ (إلى) والجار والمجرور متعلقان بـ (يجوز) أو بـ (ينقسم)

    و(ما) نكرة موصوفة بمعنى حُكْم أي ويجوز النسخُ إلى حكم هو أغلظ

    (هُوَ): مبتدأ

    (أَغْلَظُ): خبر، والجملة في محل جر صفة لـ(ما)

    (وَ): عاطفة

    (إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ):
    تقدم مثله وهو معطوف على قوله: "إلى ما هو أغلظ"

    __________________________
    [1] مغني اللبيب – الخطيب 4/ 352.

  6. #186
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    المعنى

    ذكر هنا أقسام النسخ وهو ينقسم باعتبارين:
    الأول- باعتبار المنسوخ
    والثاني- باعتبار الناسخ
    فبدأ في بيان انقسامه باعتبار المنسوخ فذَكَر أنه أقسام هي:

    الأول – نسخ الرسم (أي الكتابة التي في المصحف بحيث لا تظل آيةً تُتْلَى) وبقاءُ الحكم:

    يعني: أن تنزل آيةٌ وتُكْتَبُ فيما يُكْتَبُ من القرآن ثم يُرْفَعُ تلاوتُها ويبقي حُكْمُها ثابتا كما كان

    مثاله: آيةُ الرجم
    فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: لَقِيتُ أُبَيِّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَي ْنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ فَلَا تَجْعَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ
    قَالَ أُبَيِّ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَنَا، فَنَحْنُ نَقُولُ.
    كَمْ تعدُّون سُورَةَ الْأَحْزَابِ مِنْ آيَةٍ؟
    قَالَ: قُلْتُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ
    قَالَ أُبَيِّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ: {الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ الله والله عزيز حكيم}[1].

    ومعنى: (الشيخ والشيخة) أي: الثَّيِّبُ والثَّيِّبَةُ

    الثاني: نسخُ الحُكْمِ وبقاءُ الرسم (الكتابة والتلاوة)
    وهو عكس الأول، وهو أكثرُ أنواعِ النَّسْخِ
    ومثاله: آيتي الأنفال:
    الأولى – قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65]

    فقد كان الحكم الأول الذي في هذه الآية هو وجوب ثبات الواحد من المسلمين لعشرة من المشركين فلا يجوز أن يَفِرَّ مِنْ أمامهم ما داموا عشرة فأقل
    ثم نُسِخَ هذا الحكمُ بالآية الثانية وهي:
    الثانية – قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:66]
    فنُسِخَ الحكمُ الأول وهو وجوب الثبات والمصابرة للمسلم الواحد إذا كان من أمامه عشرة من المشركين أو أقل
    فنُسِخَ هذا الحكمُ وصار الواجبُ هو وجوبُ الثباتُ والمصابرةُ للواحد من المسلمين إذا كان مَنْ أمامه واحدٌ أو اثنان فقط من المشركين
    وأما لو كانوا ثلاثةً فأكثر فلم يَثْبُتْ لهم ولم يصابرهم فلا إثمَ عليه
    وهذا نسخٌ للحكم الذي في الآية الأولى مع بقاء تلاوتها
    وهو أيضا نسخٌ من الأشد للأخف.

    الثالث – نسخُ الأمرَيْنِ معا أي نسخُ الرسمِ والحُكمِ
    ومثاله: ما ورد في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ
    ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ
    فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ "[2]. فتحريمُ الـ (عشرِ رضَعات) نُسِخَ لفظاً وحكما، وأما تحريمُ الـ (خمسِ رضعات) فمنسوخٌ لفظا لا حكما

    ______________________________
    [1] صحيح: رواه ابن حبان انظر التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان للألباني رقم (4412) والسلسلة الصحيحة رقم (2913) فقد ذكر أن آية الرجم قد ثبتت عن عدد من الصحابة هم عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والعجماء خالة أبي أمامة بن سهل وذكرها.

    [2] صحيح: رواه مسلم (1452)

  7. #187
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    ثم ذكر أقسام النسخ باعتبار وجود بدل وعدم وجوده
    وهذا ليس قسما مستقلا بل يتبع ما سبق من أقسام النسخ باعتبار المنسوخ
    فينقسم باعتبار البدل وعدمه إلى قسميْن:

    الأول – النسخُ إلى بدلٍ: كنسخِ استقبال بيتِ المقدس إلى استقبالِ الكعبة

    الثاني – النسخُ إلى غير بدل: نحو وجوب تقديم صدقة لِمَنْ أراد مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: 12]
    فنُسِخَ هذا الحُكْمُ بغير بدل

    وقد أنكر بعض العلماء وقوع النسخ إلى غير بدل وقالوا لانسخَ بدون بدلٍ

    ثم ينقسم (النسخُ إلى بدل) إلى قسمين هما:

    الأول – النسخُ إلى بدلٍ أغلظَ: مثل: التخيير بين الإطعام والصيام في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]
    يعني مَنْ كان يستطيع صومَ رمضان فهو مُخَيَّرٌ بين الصيام وبين الفِطْرِ والتكفير عن ذلك بالإطعام عن كل يوم إطعامُ مسكين
    ثم نُسِخَ هذا الحُكْمُ إلى وجوب الصيام فقط على المستطيع بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، ولا شك أن التخيير كان أهونُ عليهم من إلزام أحد الأمرين

    الثاني – النسخُ إلى بدل أخفَّ: كآيتي المصابرة في الأنفال فنُسِخَ وجوبُ المصابرة لعشرة إلى وجوب المصابرة لاثنين فقط.

    ____________________________
    قال صاحبي


    قال: ألا ترى أن قوله: "وحَدُّهُ الخطابُ الدالُّ ...الخ" ليس تعريفا للنسخ؟

    فسكتُّ قليلا ثم قلت: قاتلكَ الله، كيف عرفتَ هذا؟

    قال: أخبرني أولا، أليس هذا صحيحا؟

    قلت: بلى، صحيح

    قال: فتعريفُ مَهْ؟

    قلت: تعريف الناسخ

    قال: ولِــمَـهْ؟

    قلت: سؤالُكَ السابق يدل على أنك تعرف الجوابَ

    قال: بلى، أعرفه ولكني أريد مزيد بيان
    قلت: حسنا، فإن ...

  8. #188
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قلت: حسنا
    فإن الناسخ هو: الخطابُ الثاني الدَّالُّ على رفْعِ الحكم الثابت ...الخ
    وأما النسخُ فهو: رفْعُ خِطابٍ متأخرٍ ثبوتَ حكم بخطاب متقدم

    قال: نعم، هذا هو
    ولكن لماذا عبَّر عن (الناسخ) بـ (النسخ)؟
    وعلى أي شيء يعود الضمير في قوله: "وَحَدُّهُ: الخطابُ الدَّالُّ ...الخ"؟

    قلت: أما الضميرُ في (وَحَدُّهُ) فيعود على (الناسخ) بـِ بِـ بِـ ...

    فقاطعني قائلا: ولكن (الناسخ) لم يجرِ له ذكرٌ

    فقلت متضجرا: يا أخي أنا أعرف ذلك ولو اصطبرت قليلا لجاءك الجوابُ

    قال: معذرة، فأكمِلْ

    قلت: الضميرُ في (حَدُّهُ) يعود على (الناسخ) المفهوم من (النسخ) أو على (النسخ) بمعنى (الناسخ)

    قال: وكيف ذلك؟

    قلت: على طريق الاستخدام

    قال: وما الاستخدام؟

    قلت: سبق تعريفه عند قول المصنف: "وترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة ...الخ"

    قال: قوله: "والنسخُ إلى بدل" أفهمُ أن يكون التقدير (وينقسم النسخُ إلى بدل وإلى غير بدل) ولكن لا أفهم كيف يكون التقدير: (ويجوز النسخ إلى بدل)؟

    قلت: وما فيه؟

    قال: كيف عَدَّى (النسخ) بـ (إلى) مع الفعل (يجوز)؟

    قلت: عَدَّى (النسخ) بـ (إلى) لأنه ضمنه معنى (الانتقال) أي: ويجوز نسخُ الشيء منتقلا عنه إلى بدل ...الخ[1].

    قال: فأي التقديرين أفضل؟

    قلت: الأفضل في الموضعين أن يُجْعَلَ الظرفُ متعلقا بـ (يجوز) لأنه المذكور في الكلام ويكون (النسخُ) مُضَمَّنًا معنى (الانتقال)

    قال: فما الحكمةُ في نسخِ الرَّسْمِ وبقاءِ الحكم؟

    قلت: لِيَدُلَّ على أن هذه الأُمَّةَ مُتَّبِعَةٌ لنبيِّها صلى الله عليه وسلم ومقتديةٌ به حتى فيما لم يكن مسطورا في القرآن، وحتى فيما كان مسطورا ثم رُفِعَ لفظُهُ
    على عكس اليهود الذين كان عندهم في التوراة حَدُّ الرجم فأنكروه.

    قال: فما الحكمة من نسخِ الحُكْمِ وبقاءِ الرسم؟

    قلت: للتنبيه على فضل الله علينا في مثل آيتي المصابرة اللتين في الأنفال
    وبيان كيف كان الأمر شديدا في أول الأمر على الصحابة رضوان الله عليهم وأنهم لم يتأففوا ولم يتتضجروا مع شدة الأمر عليهم
    فلما علم اللهُ منهم ذلك خفف عنهم وبيَّنَ لنا ذلك لنتأسى بهم ولنعلمَ أن مع العسرِ يسرا وأن مع الشدة والضيق فرجا
    هذا مع ما في بقاء الرسم من ثواب التلاوة وتكرار الموعظة بتكرار القراءة
    مع معرفة قَدْرِ الصحابة وعظيم فضلهم وجهادهم وتَحَمُّلِهِم المشاقَّ العظيمة َفي سبيل نصرة دين الله عز وجل
    وغير ذلك

    قال: أرأيت حديث عائشة رضي الله عنها: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ"
    فأين هذه الآية من القرآن؟

    قلت: قد نُسِخَ حُكْمُها ورَسْمُها كما علمتَ سابقا

    قال:
    فكيف قالت: "فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ"؟!
    قلت: ليس المعنى على ما فهمتَ
    قال: فكيف هو؟ فقد أشْكَلَ عليَّ.
    قلت: المراد أن ...

    _______________________
    [1] الشرح الكبير على الورقات لابن قاسم 332.

  9. #189
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قلت: المراد أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد تُوُفِيَّ وبعضُ الناسِ لم يبلغه أن هذه الآية قد نُسِخَتْ فكان يقرؤها على أنها ما زالت ثابتة
    ولهذا قَالَتْ: "وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ" أي يقرؤها بعضُ الناس لأنه لم يبلغه نسخُها
    وكأن هذا يشير إلى أن نسخَها كان متأخرا فلم يَعْلَم بنسخها كلُّ الناس
    قال: نعم، هكذا زال الإشكال والحمد لله

  10. #190
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    أنواع النسخ باعتبار الناسخ
    قال المصنف:
    وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ.
    وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ، وَبِالسُّنَّةِ.
    وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِر ِ.
    وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ، وَبِالْمُتَوَات ِرِ.
    وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ.
    ______________________________ ____
    (وَ): استئنافية
    (يَجُوزُ): فعل مضارع مرفوع
    (نَسْخُ): فاعل، ومضاف
    (الْكِتَابِ): مضاف إليه
    (بِالْكِتَابِ): متعلق بـ (نَسْخ)، والجملة لا محل لها من الإعراب استئنافية
    (وَ): عاطفة
    (نَسْخُ): معطوفة على (نَسْخ) الأولى، و(نسخ) مضاف
    (السُّنَّةِ): مضاف إليه
    (بِالْكِتَابِ): متعلق بـ (نسخ)
    (وَبِالسُّنَّةِ) : معطوف على (بالكتاب)
    (وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِر ِ): تقدم مثلها، والواو إما استئنافية فالجملة لا محل لها من الإعراب استئنافية، أو عاطفة فالجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب)
    (وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ، وَبِالْمُتَوَات ِرِ): تقدم مثلها
    (وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ): تقدم مثلها و(لا) نافية.

  11. #191
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    المعنى

    ذكر هنا أنواع النسخ باعتبار الناسخ وهي:

    الأول – نسخُ الكتاب بالكتاب: وهذا النوع لا خلاف فيه وهو كثير ومثاله: آيتي المصابرة في سورة الأنفال كما تقدم وكذا آيتي الصوم في البقرة

    الثاني – نسخ السنة بالكتاب: ومثاله: تحريمُ الأكلِ والشربِ والنساءِ في ليالي الصوم في أول الأمر وكان هذا التحريمُ بالسنة فنُسِخَ ذلك بآية البقرة كما في حديث ابن عباس: كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صَلوا العَتَمَةَ؛ حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاخْتَانَ رجلٌ نَفْسَهُ، فجامع امرأته؛ وقد صلى العشاء ولم يُفْطِرْ، فأراد الله أن يجعل ذلك يُسْراً لمن بقي، ورُخْصةً ومنفعةً، فقال سبحانه: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 187]، وكان هذا مما نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسَر[1].

    ومثاله أيضا: أن استقبال بيتِ المقدس كان ثابتا بالسنة الفعلية بصلاته صلى الله عليه وسلم نحوه ثم نُسِخَ هذا بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنّ َكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].

    الثالث – نسخُ السنة بالسنة، ومثاله: حديثُ عَلِيٍّ، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَعَنِ الْأَوْعِيَةِ، وَأَنْ تُحْبَسَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلاثٍ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمِ الْآخِرَةَ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَوْعِيَةِ فَاشْرَبُوا فِيهَا، وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مَا أَسْكَرَ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تَحْبِسُوهَا بَعْدَ ثَلاثٍ، فَاحْبِسُوا مَا بَدَا لَكُمْ"[2].

    الرابع – نسخ المتواتر بالمتواتر: و(المتواتر) إما أن يكون كتابا أو سنة متواترة فهو قسمان:

    أحدهما – نسخُ الكتاب بالسنة المتواترة:
    والجمهور على جواز هذا النوع
    وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد في المشهور عنه إلى عدم الجواز وهو الصحيح، والله أعلم.

    ومثلوا لهذا النوع بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180]، فنُسِخَتْ هذه الوصية بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصيةَ لوارث"[3]. وفيه مناقشات، لكن يكفي في المثال التعرض لموضع الشاهد.

    ثانيهما – نسخُ السنة المتواترة بمثلها:
    وهذا جائز بالاتفاق لكن لا يكاد يوجد له مثال كما في شرح الكوكب المنير[4].

    الخامس – نسخ الآحاد بالآحاد: وهذا جائز بالإجماع وأمثلته كثيرة ومنه حديث عليّ رضي الله عنه السابق في النهي عن زيارة القبور ولحوم الأضاحي والأوعية ثم إباحتها.

    السادس – نسخ السنة الآحاد بالسنة المتواترة: وهذا جائز بالاتفاق لأن المتواتر أقوى من الآحاد، لكن لم يقع.

    السابع – نسخ الكتاب بالسنة الآحاد: وهذا ذهب المصنف هنا إلى عدم جوازه وعكس ذلك في (البرهان) فذهب إلى جوازه.

    الثامن – نسخ المتواتر من الكتاب والسنة بالسنة الآحاد: مثاله حديث عبدِ الله بن عُمر قال: بيْنا النّاسُ بقُباءٍ في صلاةِ الصبْح، إذْ جاءهم آتٍ فقالَ: إنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أُنْزلَ عليهِ الليلةَ قرآنٌ، وقد أُمرَ أنْ يستقبلَ الكعبةَ، [ألا فاستقبِلوها]، فاستقبَلوها، وكانت وجوهُهم إلى الشامِ، فاستداروا [بوجوههم] إلى الكعبة[5].

    وجه الدلالة: أن وجوب التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة المتواترة، فلما جاءهم هذا الصحابيُّ وأخبرهم بتغيير القبلة قبلوا خبرَه وهو خبرُ واحد وعملوا به في نسخ ما تقرر عندهم من السنة المتواترة، ولم ينكر عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، فدلَّ على الجواز، والله أعلم[6].

    ______________________________ ____
    [1] صحيح: رواه أبو داود انظر صحيح وضعيف أبي داود/ الألباني (2313)

    [2] صحيح: رواه أحمد (1236) ط. الرسالة.

    [3] صحيح: انظر صحيح الجامع (1720).

    [4] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 93.

    [5] صحيح: رواه البخاري، انظر مختصر صحيح البخاري/ الألباني (215)

    [6] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 94.

  12. #192
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    التعارض بين الأدلة


    قال المصنف:


    فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ: إِذَا تَعَارَضَ نُطْقَانِ فَلَا يَخْلُو:

    إِمَّا أَنْ يَكُونَا عَامَّيْنِ، أَوْ خَاصَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَامًّا، وَالْآخَرُ خَاصًّا.

    أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامًّا مِنْ وَجْهٍ وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ.


    ____________________________
    (فَصْلٌ): خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: هذا فصلٌ في التعارض

    (فِي التَّعَارُضِ): متعلق بمحذوف نعت لـ(فصل) والتقدير (كائن في التعارض)

    (إِذَا): ظرف للمستقبل

    (تَعَارَضَ): فعل ماض

    (نُطْقَانِ): فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى

    (فَـ): واقعة في جواب (إذا)

    (لَا): نافية

    (يَخْلُو): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (تعارض) أي: فلا يخلو التعارض

    وحذف الظرف ومتعلَّقه لفهمه من السياق أي: فلا يخلو التعارض مما يأتي إما أن يكونا ...الخ

    (إِمَّا): حرف تفصيل فيه معنى الشرط

    (أَنْ):
    حرف مصدري ونصب

    (يَكُونَا): فعل مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ(أن) وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، و(الأَلِف) ضمير مبني على السكون في محل رفع اسم (يكون)

    (عَامَّيْنِ): خبر (يكون) منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى

    (أَوْ): حرف عطف

    (خَاصَّيْنِ): معطوف على (عامَّيْن)

    (أَوْ): حرف عطف

    (أَحَدُهُمَا): (أحد) اسم (يكون) محذوفا لدلالة ما قبله عليه، أي: أو يكون أحدهما عامًّا ...الخ، و(أحد) مضاف و(هما) مضاف إليه

    (عَامًّا): خبر (يكون) المحذوف، والجملة معطوفة على جملة (يكونا عامين)

    (وَ): عاطفة

    (الْآخَرُ): اسم (يكون) محذوفا أيضا

    (خَاصًّا): خبر (يكون) المحذوف، والجملة معطوفة على جملة (يكون أحدهما خاصا)

    (أَوْ): عاطفة

    (كُلُّ): اسم (يكون) محذوفا، وهو مضاف

    (وَاحِدٍ): مضاف إليه

    (مِنْهُمَا): متعلق بـ (يكون) المحذوف

    (عَامًّا): خبر (يكون) المحذوف، والجملة معطوفة على جملة (يكون أحدهما عاما والآخر خاصا)

    (مِنْ وَجْهٍ): متعلق بـ (عامًّا)

    (وَ): عاطفة

    (خَاصًّا):
    معطوف على (عامًّا)

    (مِنْ وَجْهٍ): متعلق بـ (خاصًّا)

  13. #193
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    المعنى

    هذا شروع في ذِكْرِ مباحث التعارض بين الأدلة، والأصوليون يذكرونه بعد الكلام على الأدلة الشرعية (الكتاب والسنة والإجماع والقياس) لكن المصنف هنا اقتصر على الكتاب والسنة لقوله: "إذا تعارض نطقان" والمراد بـ (النطقان): قولُ اللهِ وقولُ رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ومناسبة وضعه هنا أن النَّسْخ طريق من طرق دفع التعارض فأراد المصنف أن يبين بعد الكلام على النسخ أنواع التعارض وكيفية دفعه.

    والمراد بـ (التعارض بين الأدلة): أن يدل كل منهما على مُنافِي جميع أو بعض ما يدل عليه الآخر

    واعلم أن التعارض لا يمكن أن يقع بين الوحيَيْنِ: (الكتاب والسنة) وإنما التعارض الذي يقع إنما يكون في نظر المجتهد.

    وقد ذكر المصنف صور التعارض بين الأدلة وهي أربع:

    الأولى-أن يكون التعارض بين دليلين عامَّيْن

    الثانية-أن يكون بين دليليْن خاصَّيْن

    الثالثة-أن يكون بين دليلين أحدهما عام والآخر خاص

    الرابعة-أن يكون بين دليلين كل منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر.

  14. #194
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    تعـــــــارض العامَّيــْــــ ـن


    قال المصنف:

    فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ:

    فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ.

    وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا: يُتَوَقَّفْ فِيهِمَا إِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ.

    فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَيُنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْمُتَأَخِّر ِ.
    ______________________________ __
    (فَـ): فاء الفصيحة

    (إِنْ): شرطية

    (كَانَا): (كان) فعل ماض ناقص مبني على الفتح لاتصاله بألف الاثنين في محل جزم لأنه فعل الشرط
    و(ألف الاثنين) ضمير مبني على السكون في محل رفع اسم (كان)

    (عَامَّيْنِ): خبر (كان) منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى

    (فَـ): واقعة في جواب الشرط، وهو محذوف يفهم من السياق والتقدير مثلا: (فإن كانا عامَّيْنِ فالحاصل ما يأتي، أو فالتعارض كائنٌ كما يأتي، أو فيُنْظَرُ إن أمكن الجمعُ) أو نحو ذلك

    (إِنْ): شرطية

    (أَمْكَنَ): فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط.

    (الْجَمْعُ): فاعل

    (بَيْنَهُمَا): (بين) ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو متعلق بمحذوف حال من (الجَمْعِ) والتقدير: (في حالِ كونِ الجمعِ كائنًا بينهما)
    و(بين) مضاف و(هما) مضاف إليه

    (جُمِعَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط
    ونائب الفاعل محذوف يدل عليه ما تقدم والتقدير: (جُمِعَ بينهما) فـ(بَيْنَ) نائب فاعل ومضاف و(هما) مضاف إليه.

    (وَ): عاطفة

    (إِنْ): شرطية

    (لَمْ): حرف نفي وجزم وقلب

    (يُمْكِنِ): مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون وحُرِّكَ بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وهو فعل الشرط.

    (الْجَمْعُ): فاعل

    (بَيْنَهُمَا): سبق مثلها

    (يُتَوَقَّفْ): فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون

    (فِيهِمَا): الضمير (هما) نائب فاعل وحرف الجر (في) موصل العامل (يُتَوَقَّف) إليه كما سبق بيانه عند قول المصنف: "وَالصَّحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ."

    (إِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ): مثل (إن لم يمكن الجمع) وجواب الشرط هنا محذوف لدلالة ما قبله عليه أي: إنْ لم يُعْلَمِ التاريخُ يُتَوَقَّفْ فيهما

    (فَإِنْ عُلِم التَّارِيخُ): سبق مثله والفاء استئنافية

    (فَـ): واقعة في جواب الشرط

    (يُنْسَخُ): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة

    (الْمُتَقَدِّمُ) : نائب فاعل

    والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، وجملة المبتدإ والخبر جواب الشرط.

    (بِالْمُتَأَخِّ ِ): متعلق بـ (يُنْسَخ)
    .

  15. #195
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    المعنى

    ذكر المصنف هنا الصور المحتملَة للتعارض بين الأدلة ثم مراتب دفع هذا التعارض الظاهري
    أولا-صور التعارض بين الأدلة:
    إذا وقع تعارض ظاهري بين الأدلة فله أربع صور محتملَة:
    1- أن يكون التعارض بين عامَّيْن
    2- أن يكون التعارض بين خاصَّيْن
    3- أن يكون التعارض بين دليليْن أحدهما عامٌّ والآخر خاصٌّ
    4- أن يكون التعارض بين دليلين كُلٌّ منهما عامٌّ من وجه وخاصٌّ من وجه

    ثانيا-مراتب درء التعارض
    إذا كان الدليلين المتعارضين عامَّيْنِ أو خاصَّيْنِ فمراتب دفع التعارض بينهما على الترتيب هي:
    1- الجمع بين الدليلين إن أمكن. فإن لم يمكن:
    2- انتقل إلى النسخ إن عُلِمَ التاريخُ فيُنسَخُ المتقدِّمُ بالمتأخر ويكون العمل بالمتأخر فقط. فإن لم يُعْلَم التاريخُ:
    3- انتقل إلى الترجيح بينهما. فإن لم يمكن الترجيح:
    4- توقفَ

    أما إن كان التعارض بين دليلين أحدهما عام والآخر خاص:
    - فيحمل العامُّ على الخاصِّ عند الجمهور
    - ويُنسَخُ المتقدم بالمتأخر عند الحنفية
    أما إن كان كل واحد من الدليلين المتعارضين عامًّا من وجه وخاصا من وجه:
    - فيُحمَلُ عامُّ الأولِ على خاصِّ الثاني
    - ويحمل عامُّ الثاني على خاصِّ الأول

  16. #196
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قال صاحبي

    قال: ذكرت أن نائب الفاعل لقوله: "جُمِعَ" محذوف وأن تقديره: (بينهما)

    قلت: نعم

    قال: فكيف ناب الظرفُ (بَيْنَ) وهو غيرُ متصرف عن الفاعل؟

    قلت: ما معنى أن الظرف متصرف؟

    قال: معناه: أن يستعمل ظرفا وغير ظرف فلا يكون ملازما للنصب على الظرفية
    قلت: حسنا! مثلُ ماذا؟
    قال: مثل (يوم):
    - تقول: "أجيئُكَ يومَ الجمعة" فتنصبه على الظرفية
    - وتقول: "اليومُ الجمعةُ" فترفعه على أنه مبتدأ وما بعده خبر

    قلت: إذن فما وجهُ اعتراضِك على (بَيْن)؟

    قال: لأنها ملازمة للنصب على الظرفية، فلا تقع إلا ظرفا

    قلت: غيرُ صحيح

    قال: بل صحيح، وإلا فائتني بمثال على وقوعها غيرَ ظرف

    قلت: (بَيْنُكُمْ لا تقطعوه)

    قال: ما هذا؟

    قلت: البَيْنُ هنا بمعنى الوصل والمعنى: وَصْلُكُمْ لا تقطعوه، فقد وقعت كلمة (بَيْنُ) هنا اسما
    قال: هذا مثال من عندك ولا يُسَلَّمُ لك، فإن كان ما تقول صحيحا وأن (بين) يقع اسما كما يقع ظرفا فائتني بشاهد لا بمثال من عند نفسك

    فضحكتُ وقلت: أنا حجةٌ في اللغة وكفى بكلامي شاهدًا
    فقال: أَيْهَات، لعلك حُصِرْتَ، أو كأنك انقطعتَ، فظهر خطأُ ما تقولُ؛ إذ لم تجدْ شاهدا غير ما اخترعته من هذا المثال الضعيف الذي يُظْهِرُ العِيَّ ووو...
    فأشرت إليه: أن كفى

    فسكتَ

    فقلت له: إن شئتَ أتيتُكَ بشاهد من الكتاب

    قال: هيهات، لو كان عند سيبويهِ في الكتاب شاهدٌ لعرفتُه وما خفيَ عليَّ

    قلت متعجبا:
    ما شاء الله! أَبَلَغَتْ معرفتُك بكتاب سيبويه إلى هذه الدرجة

    قال: بلى، وأكثر

    وكنتُ أعلمُ أنه ذو هواجسَ وظنونٍ فقلت له: على كلٍّ فأنا لا أقصد كتاب سيبويه

    قال: فما تقصد؟

    قلت: أقصدُ القرآن

    فازداد تعجبا وقال: تعني بالكتاب القرآنَ ؟!

    قلت: نعم

    قال: أتعني أنك ستأتيني بشاهد من القرآن الكريم وأنا لا أعلمه؟!

    قلت: أجَلْ، أعني ذلك

    قال: فهاتِ

    قلت: قال تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]
    قوله: {بَيْنَكُمْ} قريء بالوجهين: الرفع والنصب؛
    - فقرأ حمزة وشعبة وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر برفع النون {بَيْنُكُمْ}
    - وقرأ الباقون بالنصب {بَيْنَكُمْ}
    وتأويل الرفع على أنه اسم بمعنى الوصل أي: لقد تقطع وصلُكم، وأما النصب فعلى الظرفية

    فاحمرتْ وجنتاه من الخجل وقال: ربما لم أعرف ذلك لأنها قراءة أخرى غير قراءتنا

    قلت: أرأيتَ إن أتيتُك بشاهد آخر من قراءتنا؟

    قال: أوَ يوجدُ ذلك؟

    قلت: بلى

    قال: فهاته

  17. #197
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    بارك الله فيك وفيك -صاحبك-
    واصل أكرمك الله.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  18. #198
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك وفيك -صاحبك-
    واصل أكرمك الله.
    وصلك الله بفضله وبارك فيك

  19. #199
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قلت: قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]:

    فـ(هذا) مبتدأ
    و(فراق) خبر وهو مضاف
    و(بين) مضاف إليه
    و(بين) مضاف
    وياء المتكلم مضاف إليه.

    قال: فما الشاهد هنا؟

    قلت: الشاهد وقوع (بين) مجرورا بالإضافة؛
    فقد وقع في القراءة الأولى مرفوعا
    وفي الثانية مجرورا
    فخرج عن كونه ملازما للنصب على الظرفية،
    وظهر كونه متصرفا وجاز وقوعه نائبا للفاعل

    قال: نعم، ظهرت صحةُ هذا

    ثم قال: قولك: إن الفاء في قول المصنف: "فيُنْسَخُ المتقدمُ بالمتأخرِ" واقعة في جواب الشرط

    قلت: نعم

    قال: لماذا لم تجعل قوله: "يُنْسَخُ" هو جواب الشرط، أليس هذا هو الصواب؟

    قلت: كما تعلم أن (يُنْسَخ) فعل مضارع يصلح لأن يكون شرطا

    قال: أجل

    قلت: وإذا كان كذلك لم يقترن بالفاء

    قال: نعم

    قلت: ولكن اقترانه بالفاء ليس ممتنعا

    فصمتَ

    قلت: إذا كان الجواب يصلح لأن يكون شرطا بأن كان:
    - مضارعا:
    ليس منفيا بـ (ما) أو بـ (لن)،
    ولا مقرونا بحرف تسويف أو (قد)
    - أو كان الجواب ماضيا
    متصرفا
    غير مقرون بـ (قد)
    جاز اقترانه بالفاء ولم يجب أو يمتنع
    فيجوز أن تقول: (إِنْ فهم محمدٌ يَفْهَمْ عليٌّ) أو (فَيَفْهَمُ عليٌّ)

    قال: نعم

    قلت: وفي حال جواز الاقتران بالفاء للمضارع مثل: (إِنْ يفهمْ محمد فيفهمُ علي) يكون المضارع (فَيَفْهَمُ) مرفوعا على أنه خبر لمبتدإ محذوف
    وتكون الجملةُ جوابَ الشرط.

    قال صاحبي: ذكرتَ مراتب درء التعارض بين الدليلين إذا كانا عامين أو خاصين وهي (الجمع والنسخ والترجيح والتعارض) وقلت إنها على الترتيب

    قلت: نعم

    قال: ما معنى أنها على الترتيب؟

  20. #200
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,396

    افتراضي

    قلت: يعني أنه إذا كان التعارض بين دليلين وقد عُلِمَ تاريخُ كلٍّ منهما فلا نبدأ في دفع التعارض بالنسخ بل نبدأ بالجمع بينهما

    قال: إذا كان التاريخُ معلوما فلِمَ لا نبدأُ بالنسخ؟

    قلت: لأن في الجمع بين الدليلين إعمال لهما جميعا وأما في النسخ ففيه إعمال لأحدهما وترك للآخر ولا شك أن العمل بالدليلين أولى مِنْ تركِ أحدهما

    قال: نعم، ولكن أرأيت إن لم يمكن الجمع وانسد باب الترجيح؟

    قلت: لا يمكن هذا فقد قال كثير من العلماء: لا يوجد تعادل بين الأدلة بحيث ينسد باب الترجيح تماما أو ينسد باب الجمع بينهما

    فنظر إليَّ منتبها

    فاستطردت قائلا: وقد كان إمام الأئمة ابنُ خزيمة يقول: "لا يوجد حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعارضان ويتعذر الجمع بينهما فمن وجد من ذلك شيئا فليأتني به أنا أُؤَلِّفُ بينه"[1].

    قال: لَمْ تضرب أمثلة على مراتب درء التعارض

    قلت: أجل، أفتريد أمثلة عليها؟

    قال: بلى

    قلت: أأأ ...

    فقاطعني قائلا: أريد أن أسأل أولا عن عن عن ...

    قلت: عن ماذا؟

    قال: متى يُعَدُّ الدليلان متعارضيْنِ؟

    قلت:
    هناك أربعة شروط للقول بتعارض الدليلين وهي:

    1- صحة الدليليْن، فلا تعارض بين صحيح وضعيف

    2- التناقض أو التضاد بينهما، فإن دلَّا على حكم واحد فلا تعارض

    3- اتحادهما في الزمان، فلو تقدم أحدهما على الآخر كأن يقول مرة: (لا تأكلوا بالنهار في رمضان) ويقول مرة أخرى: (كلوا بالنهار في غير رمضان) فلا تعارض لوقوع كل منهما في زمان مختلف عن الآخر

    4- ألا يقوم دليل يبين أن أحدهما منسوخ بالآخر؛ لأنه إذا قام الدليل على النسخ فلا تعارض[2].

    قال: حسنا، فحدثني إذن عن أمثلة دفع التعارض

    قلت: هاك هي:

    أمثلة على الجمع بين الدليلين إذا كانا عامَّيْن:

    1- قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

    ففي الأولى نَفَى الهدايةَ عنه صلى الله عليه وسلم، وفي الثانية أثبتها له.
    ووجْهُ الجمع بينهما أنهما هدايتان مختلفتان فالهداية المنفيةُ هي هدايةُ التوفيق، وأما المُثْبَتَةُ فهدايةُ الدلالة والإرشاد
    والمعنى: إنك لا تستطيع أن تخلق هداية التوفيق في قلب أحد بحيث يصير مؤمنا مهديًّا فهذه الهداية خاصة بالله تعالى، ولكنك تدل وترشد إلى الطريق المستقيم الذي مَنْ تبعه هُدِيَ

    2- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»[3]. مع حديث عبد الله بن عكيم وهو: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ "لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ"[4].

    فهذا ظاهره التعارض
    ووجُهُ الجمْعِ بينهما: أن (الإهاب) اسم للجلد إذا لم يُدْبَغْ، فإذا دُبِغَ لم يُسَمَّ (إهابا) وإنما يُسَمَّى (شِنًّا وقِرْبَةً)
    قال أبو داود: وسمعت أحمد ابنَ شبُّوية، قال: قال النضرُ بنُ شُميلٍ: يُسمى إهاباً ما لم يُدْبَغْ، فإذا دبغ يُقال له: شنٌّ وقربةُ[5].
    فيكون النهي عن الانتفاع بالإهاب مالم يدبغ لم يُسَمَّ إهابا فلا يدخل تحت النهي.

    أمثلة على النسخ:

    تقدم في باب النسخ أمثلتها

    قال: قد تقدم، ولكن أخبرني ألستَ تزعم أن طريق معرفة النسخ هو معرفةُ التاريخِ؟

    قلت: بلى

    قال: أرأيتَ قوله صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا»[6].

    قلت: ماذا فيه؟

    قال: أليس الأمر بزيارة القبور ناسخ للنهي عنها وكذا ما معها من النهي عن لحوم الأضاحي والنهي عن الانتباذ في الأسقية ثم إباحة ذلك، أليس كل هذا من باب النسخ؟

    قلت: بلى، وماذا في هذا؟

    قال: أين التاريخ هنا؟

    قلت: نعم نعم، فهمتُ ما تريد وسأخبرُك

    قال: هاتِ

    قلت: اعلم أن طرق معرفة النسخ ثلاثة:....

    ___________________________
    [1] تهذيب شرح الورقات لعياض بن نامي السلمي 75.

    [2] شرح الورقات لسعد الشثري 146.

    [3] صحيح: رواه مسلم (366)

    [4] صحيح: رواه أبو داود (4127) وابن ماجه (3613) وهو لفظه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 76/ رقم 38)

    [5] سنن أبي داود 6/ 215 ت. الأرناؤوط، ط. دار الرسالة العالمية.

    [6] صحيح: رواه مسلم (977)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •