قال الشيخ صالح ال الشيخ فى مقدمة شرح الطاحاوية
عقيدة العالم المحدِّث: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ، وهي المسماة بالعقيدة الطحاوية نسبةً إليه.
وهي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، كما سيأتي في بيانه إن شاء اللهُ تعالى.
وهذه العقيدة الطحاوية ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ وذلك لأنها اشتملت على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال لأنَّ ثَمَّ مواضع اُنتُقِدَت عليه كما سيأتي بيانه.
وأبو جعفر الطحاوي من علماء الحديث المعروفين ومن الفقهاء المشهورين أيضاً، وكان شافعياً تَفَقَّهَ على المُزَنِي رحمه الله تلميذ الشافعي، ثم انتقل في الفروع من مذهب الشافعية إلى مذهب الحنفية فصار في المذهب حنفي المذهب إلا أنَّهُ لا يتعصب لقول أبي حنيفة ولا يُقَلِّدُهُ؛ بل صنيع العلماء المحققين أنْ يتابعه فيما ظهر فيه الدليل وأن يأخذ بالدليل إذا خالف قول الإمام.
.....
وهو في الفروع كما ذكرنا حنفي المذهب، وأما في الأصول ففي الجملة هو على مذهب أهل السنة والجماعة أتباع أهل الحديث والأثر إلا في مسائل تَبِعَ فيها مُرجئة الفقهاء.
وفي جُمَلِ كلامه في هذه العقيدة يوافق معتقد السلف إلا في المواضع التي ذكر فيها مسألة الإيمان في تعريفه حيث قال (والإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان) وقال (وأهله في أصله سواء) وهذه من مقالة المرجئة، وقد ذكر هو في صدر عقيدته هذه أنَّ هذا الُمعتَقَد الذي كتبه هو اعتقاد أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وهذا ظاهر فيما ذَكَرَ من مسألة الإيمان.
* فنقول: هذا الكتاب -كما سيأتي- كتابٌ مشتملٌ على أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بعبارةٍ حسنة جيدة وبتقريرٍ لها طيِّب، إلا في مسائل انتُقِدَتْ عليه.
ولهذا كان بعض مشايخنا عافاهم الله وخَتَمَ لهم برضاه يقول: هذه عقيدة الطحاوي ولا يقال هذه عقيدة أهل السنة والجماعة إذا أُرِيدَ الجميع، لأنّه ثَمَّ مسائل خالف فيها معتقد أهل السنة والجماعة أتباع الحديث والأثر في الأصول وفي التعبير عن الاعتقاد كما سيأتي بيانه.
وهذه العقيدة اهتَمَّ بها علماؤنا لأجْلِ شَرْحِهَا العظيم؛ وهو شَرْحُ ابن أبي العز الحنفي من تلامذة الحافظ ابن كثير صاحب شرح العقيدة الطحاوية المشهور بينكم.
على أنَّ هذه العقيدة لها شروحٌ كثيرة، فالماتريدية شَرَحُوهَا بشروحٍ متنوعة، ووجَّهُوا الكلام فيها على معتقد أتباع أبي منصور الماتريدي.
ولكن شرح ابن أبي العز وجَّهَهَا توجيهاً سلفيا تابِعَاً فيه طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية وطريقة ابن القيم - رحمهما الله تعالى - وأجاد في ذلك بحيث صار هذا الشرح مرجعاً في علم الاعتقاد بعامة، ودافع الشارح عن المصَنِّفْ الطحاوي في مواضع مما عبَّرَ فيه بغير ما ينبغي من التعبير أو فيما قرَّرَهُ في مسألة الإيمان، بما هو معروفٌ في موطنه وسيأتي بحثه إن شاء الله تعالى عند التعرض لعبارات المصنف.
هذا الكتاب أو هذه الرسالة والنبذة؛ العقيدة الطحاوية فيها كما ذكرنا ذِكْرُ الاعتقاد بعامة ولكنَّهُ أُخِذَ عليه أنه لم يُرَتِّبْهُ، ولهذا وقع الكلام على الصفات مُفَرَّقاً، ووقع الكلام على القدر مُفَرَّقَاً، ووقع الكلام على الإيمان مُفَرَّقاً، وهكذا في نظائر هذه المسائل.
فهي كانت شبيهةً بالإملاء على ما جاء في قلب المؤلف رحمه الله وأجزل له المثوبة - دون ترتيبٍ علميٍ يجمَعُ المسائلَ بعضَهَا إلى بعض؛ يجمع النظير إلى نظيره، والشبيه إلى شبيهه.