20-01-2014
تستمد النصرانية عقائدها وأفكارها ومبادئها من مصدرين رئيسيين، فالمصدر الأول يتمثل في الكتاب المقدس بعهديه (القديم والجديد)، فالعهد القديم يقصد به (توراة موسى عليه السلام)، أما العهد الجديد فيقصد به (إنجيل عيسى عليه السلام). ويتمثل المصدر الثاني من مصادر النصرانية في المجامع النصرانية التي يعقدها النصارى من حين لآخر لتدارس أمور ديانتهم والمستجدات التي ترتبط بها وبأتباعها.


إرسال الرسل للناس- مبشرين ومنذرين- سنة إلهية ثابتة، لم يخل منها زمان أو مكان، فالله تعالى خلق خلقه، وخلق منهم هداة مهديين، يسعون بين الناس؛ لتعريفهم الخالق، وإنذارهم اتباع سوء الهوى.
وكانت الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، من أكثر الديانات إتباعاً وأتباعاً، غير أن اليهود والنصارى بدلوا وحادوا بديانتهما عن حنفية الإسلام، وما كان ذلك إلا لبعد مصادر دينهم عن الوحي، فاستعاضوا بأقوال رهبانهم وقساوستهم عن صحيح الوحي.
فحرَّف اليهود توراتهم وكذبوا على الله وعلى أنبياء الله، كما حرف النصارى كتابهم وبدلوا فيه ووضعوا كلام رهبانهم مكان كلام الله عز وجل، قال الله تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [سورة النساء: (46)، وقوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) [سورة المائدة:41].
وقال تعالى عن أهل الكتاب عامة: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة آل عمران: (71)].
وفي الحديث أن عمرو بن الخطاب رضي الله عنه نسخ كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ، ووجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب، ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تكذبوا بحق، أو تصدقوا بباطل)[مسند الإمام أحمد: (3/338/14672)]، وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شواهد.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشب، وقد حدثكم الله أنَّ أهل الكتاب بدَّلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم) [صحيح البخاري: (3/237/2685)].
مصادر النصرانية:
تستمد النصرانية عقائدها وأفكارها ومبادئها من مصدرين رئيسيين، فالمصدر الأول يتمثل في الكتاب المقدس بعهديه (القديم والجديد)، فالعهد القديم يقصد به (توراة موسى عليه السلام)، أما العهد الجديد فيقصد به (إنجيل عيسى عليه السلام).
ويتمثل المصدر الثاني من مصادر النصرانية في المجامع النصرانية التي يعقدها النصارى من حين لآخر لتدارس أمور ديانتهم والمستجدات التي ترتبط بها وبأتباعها.
المصدر الأول: الكتاب المقدس: يعرفه النصارى بأنه أسم يطلق على مجموع الأسفار الإلهية التي كتبها أناس الله القديسون مسوقين (موجهين) من الروح القدس المكونة للعهدين القديم والجديد والمؤلفة من 73 سفرًا (46 العهد القديم، و27 العهد الجديد )، وذلك بإضافة السبع أسفار القانونية الثانية.
أولا: التوراة: يعترف النصارى باليهودية كديانة، ويؤمنون بكتابهم (التوراة) ويعملون بما جاء فيه، والتوراة هي الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى عليه السلام، ويسميه النصارى بالعهد القديم، ويحوي هذا الكتاب الشريعة والتعاليم التي أنزلت على موسى عليه السلام، وقد أصاب هذا الكتاب ما أصاب كتاب النصارى من التحريف والتزييف والتبديل.
وتنقسم التوراة إلى أربعة أقسام من الأسفار:
1- الأسفار القديمة، وهي (التكوين، والخروج، والتثنية، والعدد، واللاوين)
2- الأسفار التاريخية: وهي اثنا عشر سفرا تعرض تاريخ بني إسرائيل وهي (يشوع، والقضاة، وراعوث، وصموائيل الأول، وصموائيل الثاني، والملوك الأول، والملوك الثاني، وأخبار الأيام الأول، وأخبار الأيام الثاني، وعزرا، ونحميا، وأستير).
3- أسفار الأناشيد الشعرية: وهي أسفار (أيوب عليه السلام، ومزامير داود عليه السلام ، وأمثال سليمان عليه السلام، والجامعة من كلام سليمان عليه السلام، ونشيد الإنشاد لسليمان عليه السلام).
4- أسفار الأنبياء: وهي أسفار (اشعياء، وأرمياء، ومرائي أرمياء، وحزقيال، ودانيال، وهوشع، ويوئيل، وعاموس، وعوبديا، ويونان، وميخا، وناحوم، وحبقوق، وصفنيا، وحجي، وزكريا عليه السلام، وملاخي)
ثانيا: الإنجيل: الإنجيل هو الكتاب المقدس المقدم عند النصارى، فهو الكتاب الذي أتى به نبيهم وإلههم- بحسب معتقدهم- عيسى عليه السلام، وهو قصة حياة السيد المسيح وبداية المسيحية وتحتوي أسفاره علي إرشادات ووعود لجميع المؤمنين به، وينقسم هذا الكتاب (الإنجيل)، إلى سبعة وعشرين سفرا على النحو التالي:
1- الأناجيل الأربعة: وهي إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا، وكلها أناجيل مكتوبة بعد رفع المسيح.
2- السفر النبوي: رؤيا يوحنا.
3- الرسائل: وهي الرسالة إلى أهل رومية، والرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، والرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس، والرسالة إلى أهل غلاطية، والرسالة إلى أهل أفسس، والرسالة إلى أهل فيلبى، والرسالة إلى أهل كولوسى، والرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكى، والرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكى، والرسالة الأولى إلى تيموثاوس، والرسالة الثانية إلى تيموثاوس، والرسالة إلى تيطس، والرسالة إلى فليمون، والرسالة إلى العبرانيين، ورسالة يعقوب، ورسالة بطرس الأولى، ورسالة بطرس الثانية، ورسالة يوحنا الأولى، ورسالة يوحنا الثانية، ورسالة يوحنا الثالثة، ورسالة يهوذا.
المصدر الثاني: المجامع النصرانية: المجامع النصرانية عبارة عن هيئات شورية في الكنيسة- كما يزعم النصارى- تبحث في الأمور المتعلقة بالديانة النصرانية وأحوال الكنائس، وهي نوعان من المجامع، مجامع محلية، ومجامع مسكونية (عالمية).
1- مجامع محلية: وهي التي تبحث في الشؤون المحلية للكنائس التي تنعقد فيها.
2- مجامع مسكونية (عالمية): وفي هذه المجامع يجتمع جميع رجال وممثلي الكنائس من أنحاء المعمورة، وذلك للبحث ومواجهة الأمور المتعلقة بالعقيدة النصرانية، وصد كل مذهب وعقيدة غريبة ومخالفة للديانة النصرانية، وإقرار قرارات بشأنها وشأن مبتدعيها.
وفيما يخص مسألة الشورى يتبين للدراس أنها زعم لا حقيقة له، فالناظر في تلك المجامع خاصة التي بحثت في أمور العقيدة يجد أنها تنتهي ولم يتفق المجتمعون على الأمور التي بحثت، فيكون هناك جبر وموافقة قسرية على قول من تلك الأقوال، أو إذا لم يمكن الجبر والقسر يحدث الانقسام بأن تذهب كل مجموعة بقولها الذي جاءت به، وهذا يتنافى مع كونها هيئات شورية، إلا أن يقال أنها هيئات شورية إلزامية.
ويعتبر مجمع نيقية سنة 325م أخطر مجمع مسكوني في المسيحية لما نتج عنه من قرارات غيرت من شكل المسيحية وحولتها إلى ديانة جديدة لا صلة لها بالديانة السمحة التي جاء بها المسيح عليه السلام.
ففي هذا المجمع حدث الاختلاف بين النصارى حول أمور من أهمها طبيعة المسيح، وهل هو إله وأنه ثالث ثلاثة، أم أن بشر وعبد لله الواحد، فرأت كنيسة الإسكندرية وعلى رأسها بولس أن المسيح إله، وفي المقابل رأي الأسقف المصري "آريوس" أن الله جل جلاله إله واحد، وأن عيسى عليه السلام غير مولود من الله جل جلاله.
وكان يتولى هذا الاجتماع الذي حضره (2048) شخصية كنسية "قسطنطين" أحد حكام الإمبراطورية اليونانية، فلما اشتد الخلاف بين الفريقين اجتمع بالقائلين بمقولة بولس وعددهم (318) وخرجوا بقرارات توافق رأيتهم التحريفية، ومن هذه القرارات:
- القول بألوهية المسيح، وأنه من جوهر الله، وأنه قديم بقدمه.
- الزعم بأن عيسى ابن الله – تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيراً-.
- أن عيسى نزل من عند الله للتكفير عن خطايا البشر.
- عدم الاعتراف بجميع الكتب التي تتعارض مع هذه القرارات.
- حكم المجمع على "آريوس" باللعن ونفيه، وحرق جميع ما كتب [ينظر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية- سعود عبد العزيز الخلف: (178)].