بسم الله الرحمن الرحيم:
ملف لو كنا نبني معارفنا لما ضاعت منا
نحو نظرية لبناء المعارف والمعلومات
لو كنا نبني معارفنا لما ضاعت منا.
يشتكي الطلبة والتلامذة ومختلف الدارسين من ضعف قدرتهم على استدعاء المعارف والمعلومات التي درسوها في مراحل تعليمية متقدمة. ليس فقط المعارف التفصيلية، بل حتى بعض المحاور الإجمالية. ويعزون السبب إلى ضعف ذاكراتهم. أو يرجعون ذلك إلى عامل النسيان على اعتباره سلوكا طبعيا، أو أن قدرة الذاكرة الاستيعابية لا تتحمل كل ذلك الزخم المعلوماتي الكبير، وكذلك لاختلاف المعطيات والكلمات والأفكار وتعددها، فمنها ذو الأبعاد الاجتماعية؛ والاقتصادية والثقافية والذاتية...
سبب هذا الضعف أو العجز ليس آيلاً إلى ضعف الذاكرة ولا إلى تداخل الأفكار والمعطيات
ولا إلى عامل النسيان، ولا غير ذلك من الأسباب، إنما حقيقته هي أننا لا نمتلك منهجية لبناء معارفنا أو بكلمة أخرى: ليست لنا فلسفة تعليمية محكمة تؤهلنا لترتيب المعارف والمعلومات والمعطيات التي ندرسها ونتلقاها، وليس يخفاك أن التنظيم من أسّ الأسس في الحياة.
فلو أنك وضعت حقائبك في صندوق سيارتك غير آبه بتنظيمها وترتيبها لما تحمها صندوقها. لكن لو نظمتها بذكاء وحرصت على ملء فراغات الصندوق بصغارها...لاستحم ها، بل وزيادة. فهذا مثال يوضح مكاتة التنظيم وفائدته.
أزيدك شيئا اعلم أن التكنولوجيا أساسها التنظيم وهي نتيجة تنظيم، وكل ما تراه أمامك في هذه اللحظة فهو ناتج عن التنظيم وحسن الترتيب والاستثمار، ولولا هذا التنظيم لما كان للحياة ذوقٌ ونكهة.
إن المعرفة تبنى ولا تعطى جاهزة. فعندما نساهم في بناء المعارف والمعلومات التي نتلقاها من مختلف الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية....ونضفي عليها صبغتنا الذاتية، ونضعها في المكان الذي يليق بها في أذهانا يسهل علينا استذكارها متى شئنا. أي يسهل علينا التحكم فيها.
أما المعارف التي نحشدها حشدا إلى أذهاننا، نستدخلها كما هي في مصدرها ولا نحتك بها احتكاك نقد وتحليل وتفكيك، وإعادة ربط وإدماج... فإنها سَُِرعان ما تذهب مع الرياح فمكانها الذاكرة الدنيا ولا تتجاوزها. أو حتى إن وصلت إلى الذاكرة القصوى بالتكرار، فإنها لا تمكث هنالك. ذلك أنها لم تندمج مع غيرها من المعلومات، التي يحتوي عليها الفكر، فلا تأخذ مكانها المناسب. إن ترابط الأحداث يساعد في تذكرها سواء أكان الترابط وجدانيا عاطفيا أم تلقائيا أم من خلال أحداث خاصة.
إن الترابط يساعد في استدعاء جميع تفاصيل المادة المتعلمة، كما أن السياق الذي تحدث فيه الخبرة أو التعليم يساعد في استرجاعها، وذلك لاقتران الحدث أو التعلم زمانيا ومكانيا في سياقها العام .
والذي يبني معارفه يدرك قيمتها ومكانها ويثمنها، إذن كيف تتم وتكمل عملية البناء هذه؟
نواصل في المقبلة إن شاء الله.