كيف تقي طفلك من التحرش الجنسي!
بشرى شاكر
باحثة وإعلامية مغربية
من الأمور التي تحدث في العالم بأسره- دون استثناء بلداننا العربية- والتي مازال الحديث عنها يعد من الأمور المسكوت عليها في مجتمعاتنا، ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، وهي ظاهرة، وإن كنا نسمع عنها لدى الغرب كثيرًا وتنقل محاكمات فاعليها عبر وسائل الإعلام، إلا أنها ظاهرة موجودة في مجتمعاتنا العربية أيضًا، حتى وإن لم تتوفر إحصاءات دقيقة بعدد الأطفال الذين يتعرضون لها في بلداننا، وهذا لاعتبارات عدة، منها الشعور بالخجل والتخوف من نظرة المجتمع للطفل وأهله، والخوف من الجاني أحيانًا قد يؤدي لصمت الطفل أو الأسرة بأكملها، في حالة كان الجاني من المقربين، وقد تكون القسوة التي يتخذها بعض الآباء كوسيلة لتربية أبنائهم سببًا في صمت الطفل عما يتعرض له أيضًا خوفًا من العقاب. hewaars8_opt.jpeg
إلا أن بعض المختصين في العديد من الدول العربية بدأوا ينحون نحو تعرية هذه الظاهرة المسكوت عنها، وتم إجراء أبحاث عدة في العديد من المجتمعات العربية، ففي إحدى الدول العربية كشفت دراسة أن واحدًا من أربعة أطفال يتعرضون لمثل هذا الاعتداء، وهو رقم مهول مقارنة مع حجم السكوت عن هذه الآفة.
وفي بداية الألفية الثالثة أكدت وحدة الطب الشرعي بالأردن أنه يتم التوصل بمعدل437 إلى 500 حالة سنويًّا، في معظمها يكون الجاني من العائلة، وأظهرت دراسات أخرى في لبنان تم تسجيلها في جريدة «l’orient le jour» أن الجاني يكون في معظم الأحيان ذكرًا، وفي المغرب ارتفع الإعلان عن مثل هذه الظواهر، خاصة بعد اكتشاف جثث طفلات صغيرات تم الاعتداء عليهن في مدينة وجدة، منذ حوالي ثلاث سنوات، وجثث لأطفال آخرين في مدينة تارودانت الجنوبية، مما أوجب تأسيس جمعية «ما تقيش ولدي» أي لا تقرب طفلي، وهي جمعية تعنى بصيانة حقوق وكرامة الطفل وحمايته، خاصة من الاعتداء الجنسي، وأخيرًا اتهام وزير التربية الوطنية الفرنسي الأسبق لوك فيري لوزير سابق باغتصاب أطفال في مدينة مراكش بالمغرب.
فكيف نحمي أطفالنا من التحرش الجنسي؟
أول ما يجب أن نعلمه هو أن غالبية الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي يقع عمرهم بين السنة الرابعة والحادية عشرة، وفي أغلب الأحيان- وحسب دراسة أخيرة- فإن قرابة 80% من مستغلي الأطفال جنسيًّا أو المتحرشين بهم يكونون من بين الأشخاص الذين يعرفهم الطفل جيدًا، لأنهم يكونون الأقدر على أن يجعلوه يثق بهم أكثر، كما أن الدراسة نفسها تبين أن الطفل لا يتعرض للاستغلال أو التحرش من قبل هذا الشخص مرة واحدة، وإنما تكرر المحاولات- خاصة في بلداننا العربية- وكما أسلفنا يوجد تكتم كبير على مثل هذه الحالات، وحيث لا توجد ثقافة الحوار المطلق بين الأطفال وآبائهم أو مدرسيهم، فضلًا عن كون الطفل الذي يعرف المعتدي عليه غالبًا كما قلنا يكون ملزمًا بالصمت، إما بالتهديد من قبل هذا الأخير بعدم فضح السر، أو بسبب اقتناعه بعدم إفشاء الوضع، وربما يخفي الطفل ما يتعرض له خوفًا من تلقي العقاب من قبل والديه أيضًا.
ولكن، كيف يمكننا أن نتعرف على طفل عنف جنسيًّا أو تعرض لتحرش؟
ليس بالضرورة أن تظهر علامات تعنيف على جسد الطفل لنعرف أنه تعرض لاعتداء أو تحرش، ولكن في الحالات التي لا يوجد فيها شاهد على ما حدث يمكن أن نفهم من خلال بعض الملاحظات، فعادة ما يتغير سلوك الطفل، فبعد أن كان مرحا يلعب ويلهو كأي طفل في عمره، ينزح نحو الانطواء وقد يبكي لأبسط الأسباب، وربما يبدو عليه الخوف حينما يقترب منه شخص بعينه أو أحد الجنسين سواء أكان رجلًا أم امرأة، ويصبح شديد الخوف ويستيقظ ليلًا بسبب مشاهدته لأحلام مزعجة، وربما يصرخ ليلًا أو يتمتم بكلمات غير مفهومة، ويصاب بحمى متكررة لا يكون مصدرها فسيولوجيًّا، وقد يعاني من مشاكل اضطراب الهضم أو عدم الرغبة في تناول الطعام، يفقد ثقته في نفسه وأحيانًا يبدو وكأنه يخفي شيئا ما، وكأنه يشعر وأنه السبب في أمر ما ويحس بالذنب..
يرافق كل هذه الأعراض تدن واضح في مستواه الدراسي، كما أنه أحيانًا يمكن للطفل أن يردد كثيرًا عند رؤية قريب معين، أنه لا يحبه.. كأن يقول مثلًا: لا أحب ابن عمي، لا أريد أن يلعب معي أو أشياء كهذه، حينها لا يجب أن ننهره وننعته بقلة الأدب، أو نرغمه على الصمت، بل يجب أن نفهم لم لا يحب هذا الشخص دون غيره؟ علينا أيضا الانتباه لما يرسمه الأطفال، ففي العديد من رسوماتهم يتحدثون بما لا يمكنهم النطق به.
حينما نلاحظ بعض هذه الأشياء الجديدة على الطفل أو جلها، فإن لم يكن الأمر متعلقًا بوضع صحي، فبالتأكيد هو أمر نفسي، وإذا استبعدنا مشاكل الأهل والانفصال والمشاكل الدراسية فلا يمكن استبعاد إمكانية تعرضه للتحرش الجنسي أو حتى الاعتداء، وحينما نكتشف أن ذلك حدث لا قدر الله، فإنه علينا أن نتدارك الأمر بسرعة، لأن الطفل الذي يعيش حياته مستغلًّا من قبل قريب أو صديق بالتأكيد لن يكون راشدًا سويًّا أبدًا، فإما أن يصبح شاذًّا جنسيًّا للابتعاد عن الجنس الآخر، ولتركيزه على أن مرافقة نفس جنسه هو الوضع السليم.. وأكثر الأطفال المتعرضين لمثل هذه الاعتداءات ممن لم يعالجوا ولم يثبت ما حصل لهم وكبروا، لم يستطيعوا الزواج، بل ابتعدوا عن العلاقات والارتباط كليًّا، وقد يؤدي ذلك إلى تعاطي المخدرات وحتى الانتحار في سن المراهقة، أو غير ذلك من السلوكات الشاذة.
وعليه، فإنه ما إن تظهر علامة من العلامات السابقة على الطفل علينا أن نتوقف لمعالجة الأمر فورا.
لعل أهم الطرق لحماية الطفل هي الوقاية، وقد قال رسولنا الكريم " صلى الله عليه وسلم" : «لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع»، ومن تأديب الابن تعليمه ما له وما عليه، وهذا أيضًا نوع من الوقاية، ولا يمكن أن نقي أطفالنا من هذا الخطر المحدق إلا إذا استطعنا أن نفهم بعض النقط للطفل لنجعله يحترس، كأن نخبره أن جسده خلقه الله له لكي يحميه من أي معتد، وبالتالي فإنه ليس عليه أن يترك أحدًا يعتدي عليه، وكأن ننبهه أنه لا يجب أن يثق بكل شخص يطلب منه أن يرافقه لمكان ما، حتى وإن كان من عائلته، وإن حصل هذا فعليه أن يستأذن من والديه أولا، والأهم أن نركز على محاورته وتعويده على أن يحكي لنا تطورات يومه في المدرسة وبين أصدقائه يوميًّا، هذا كله بأسلوب صحيح وسليم، فلا يجب أن نبرز له أن هناك خطرًا يحدق به في كل لحظة حتى لا نجعل منه طفلًا منعزلًا وانطوائيًّا متوجسًا.
لكن وفي حال حدوث هذا الأمر المقيت لا قدر الله، فإن الطفل يمكنه أن يروي ما حدث له بطريقة أسهل لشخص قريب منه ويثق به، وإن لم يتحدث بسهولة وبسرعة، وسيتطلب الأمر حنكة من الأم أو الأب أو المربي بصفة عامة لكي يجعل الطفل يتحدث عما يشعر به أو يؤذيه، والأفضل ألا تكون الأسئلة مباشرة وإنما يمكن مثلًا أن نسأل الطفل عن سبب تبوله من جديد في الفراش، أو نقول له إننا نشعر أن هناك شيئًا ما يقلقه بالبيت أو المدرسة، أو أننا نحس أنه متضايق، ونسأل إن كان بإمكاننا أن نعرف لماذا؛ لكي نساعده، يمكن أن نخبره أيضًا أننا لاحظنا تغيرات على جسده ربما يكون هناك من يعامله بسوء، وإذا ساعدنا في معرفة ما يحدث معه فسوف نوقف هذه المعاملة السيئة ونحميه منه.. والأهم أن يشعر أننا نريد حمايته وليس عقابه.
عادة ما يشعر الطفل- حتى بعد أن يخبرنا- بأنه الوحيد من تعرض للتحرش بين أقرانه ويتضايق من ذلك فيطلب منا عدم إخبار الآخرين وأن يبقى ذلك سرا بيننا، حينها علينا أن نفهمه أن هذا يحدث مع الكثيرين وأنه عليه ألا يخجل مما حصل، لأنه لم يكن سببًا فيه وإنما هو مجرد ضحية، لأنه إن ظل يفكر في كيفية إخفاء ما حصل له، فسيظل قابعًا تحت ثقل ما وقع له، وفي حال المراهقين الذين لا يتحدثون ويعتبرونه سرًّا قد يصل بهم الحد إلى الانتحار.
علينا أيضا أن نحرص على إبعاده عن أحداث مثل هذه، ونحاول عدم تعرضه للخوف والرهبة من أن يتعرض لها من جديد، علينا أن نفهمه أنه ليس في موقف الدفاع عن نفسه أو موقف يدلي فيه بشهادته، فهذه الأشياء يعاقب عليها القانون وبالتالي فهو يحميه من المعتدي وليس عليه أن يخاف منه مرة أخرى.
المتابعة النفسية مهمة جدًّا في حالة تعرض الطفل للاعتداء واكتشاف ذلك، فهو قد تعرض لصدمة عنيفة ومؤهل للتعرض لصدمات متوالية في حال عدم معالجته ومساعدته على تجاوز ما حصل معه، ففي بادئ الأمر، لا يستوعب الطفل ما يحصل معه ولا يعي تمامًا كل المستجدات والاعتداءات التي لحقت به، ويصعب عليه أن يعترف بما حصل معه خاصة وأنه يظن كما أسلفنا أنه الوحيد الذي تعرض لذلك وأن باقي الأطفال لم يتعرضوا للاعتداء، في مثل هذه الحالات من المفيد جدًّا الاستعانة بأخصائي نفسي أو محلل نفسي وذلك لمساعدة الطفل على تجاوز الصدمة للحديث عما حدث، فالاعتراف بما حدث أول خطوة النجاة من الصدمة، وقد يمر زمن قبل حديث الطفل المعتدى عليه، وليس علينا أن نرغمه على الحديث في حينه وإنما نحترم رغبته في الصمت، ونبقى على استعداد لسماعه ونحاول مساعدته على الكلام دون أن ندفع به إلى ذلك دفعًا.
في حال كان المعتدي أحد أفراد الأسرة وخاصة أحد الوالدين- وهذا يكون في الكثير من الأحيان للأسف- يكون نفسيًّا من الصعب على الطفل الإقرار بما حدث معه، لأنه يرى فيهما مثالية الأبوين، ويريد أن يحتفظ رغم كل شيء بالصورة المثالية للمعتدي التي تعد مرجعية له، فهو ودون أن يطلب منه ذلك، يحاول أن يحمي المعتدي عليه، ولذلك يمتنع عن الحديث عما حصل معه، وللأسف كلما تأخر الطفل في الحديث وكلما كانت ثقته بالمعتدي عليه كبيرة، كلما كان الوضع النفسي متفاقمًا، لذلك علينا أن نفهم كيف نتعامل معه لنجعله يدرك أن من يحميه يعتدي عليه ولا يستحق أن يتستر عليه.
من الأخطاء التي يجب أن نتجنبها تمامًا أن نجعل من الطفل طفلًا معتدى عليه أمام الجميع، ونحرمه بالتالي من طفولته ولعبه ومرحه، بل علينا أن نتجاوز نحن ما حدث لكي يستطيع هو تجاوزه، فلا يجب أن ننسى أبدًا أنه طفل قبل كل شيء، كما أنه علينا، إذا ما تبين أن المعتدي أو المتحرش من العائلة، أن نسأل باقي أطفال العائلة إن كانوا قد تعرضوا لاعتداء مماثل وأيضًا بطريقة لا تؤذيهم ولا تخيفهم.
وأخيرًا لا ننسى أن الأطفال هم من يشكلون جيل المستقبل، علينا أن نتعلم كيف نرعاهم ونحميهم قبل كل شيء.
80? من الذين يستغلون الأطفال جنسيا ممن يعرفهم الطفل ويثق فيهم .. واحذروا من تكرار الواقعة!