باب كفران العشير ، وكفر دون كفر .
فيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أريت النار ، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن . قيل : أيكفرن بالله ؟ قال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط )
وننبه هنا على فائدتين :
إحداهما : أن البخاري يذهب إلى جواز تقطيع الحديث ، إذا كان ما يفصله منه لايتعلق بما قبله ولا بما بعده تعلقا يفضي إلى فساد المعنى ، فصنيعه كذلك يوهم من لا يحفظ الحديث أن المختصر غير التام ، لا سيما إذا كان ابتداء المختصر من اثناء التام كما وقع في هذا الحديث فإن أوله هنا قوله صلى الله عليه و سلم : ( أُرِيتُ النار ) إلى آخر ما ذكر منه ، وأول التام عن بن عباس قال : ( خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ) فذكر قصة صلاة الخسوف ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها القدر المذكور هنا ، فمن أراد عد الأحاديث التي اشتمل عليها الكتاب يظن أن هذا الحديث حديثان أو أكثر لاختلاف الابتداء ، وقد وقع في ذلك من حكى أن عدته بغير تكرار أربعة آلاف أو نحوها كابن الصلاح والشيخ محيي الدين ومن بعدهما ، وليس الأمر كذلك بل عدته على التحرير ألفا حديث وخمسمائة حديث وثلاثة عشر حديثا كما بينت ذلك مفصلا في المقدمه .
الفائده الثانية: تقرر أن البخاري لا يعيد الحديث إلا لفائدة ، لكن تارة تكون في المتن وتارة في الإسناد وتارة فيهما .
وحيث تكون في المتن خاصة لا يعيده بصورته بل يتصرف فيه ، فإن كثرت طرقه أورد لكل باب طريقا ، وأن قلت اختصر المتن أو الإسناد . وقد صنع ذلك في هذا الحديث فإنه أورده هنا عن عبد الله بن مسلمة - وهو القعنبي - مختصرا مقتصرا على مقصود الترجمة كما تقدمت الإشارة إليه من أن الكفر يطلق على بعض المعاصي ، ثم أورده في الصلاة في باب من صلى وقدامه نار بهذا الإسناد بعينه ، لكنه لما لم يغاير اقتصر على مقصود الترجمة منه فقط ، ثم أورده في صلاة الكسوف بهذا الإسناد فساقه تاما ، ثم أورده في بدء الخلق في ذكر الشمس والقمر عن شيخ غير القعنبي مقتصرا على موضع الحاجة ، ثم أورده في عشرة النساء عن شيخ غيرهما عن مالك أيضا . وعلى هذه الطريقة يحمل جميع تصرفه ، فلا يوجد في كتابه حديث على صوره واحدة في موضعين فصاعدا إلا نادرا ، والله الموفق .
المصدر :فتح الباري لابن حجر رحمه الله ( 1 / 114 -115 )