تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

  1. #1

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه دروس في الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة، وأصلها المجالس السبعة الأولى المفرغة من دروس الأحاديث المعلة في الصلاة
    [الدرس:01]
    *حديث أبي الدرداء عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذن فيهم ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان وعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل من الغنم القاصية)).
    أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن زائدة، عن السائب بن حُبَيْش الكَلاَعي، عن مِعْدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء.
    وهذا الحديث يروى تارة بذكر الأذان فيه: ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذن فيهم)). وتارة تُذكر إقامة الصلاة: ((لاتقام فيهم الصلاة)).
    والحديث من جهة الإسناد جيد، وهو حديث لا بأس به، وصحّحه غير واحد.
    ولكن ذكر الأذان فيه ليس بمحفوظ فيما يظهر:
    لأن أكثر الرواة الذين يروونه عن زائدة بن قدامة، لا يذكرون فيه الأذان كعبد الله بن المبارك، وأحمد بن يونس، ومعاوية، ومروان بن معاوية، وأبو أسامة حمَاَّد بن أسامة، وعبد الصمد، وغيرهم
    وقد روى أحمد حديث وكيع بن الجراح، عن زائدة بن قدامة، فذكر الأذان فيه.
    والمشكل في هذا أن وكيع بن الجراح إمام حافظ، ولكن قد روى ابن أبي شيبة هذا الحديث عنه، ولم يذكر الأذان، مما يدل على أنه يُحتمل أن الوهم في ذلك ليس من وكيع من جهة زيادة اللفظة، وإنما هي ممن يروي عنه وكيع.
    وقد روى الإمام أحمد في كتابه "المسند" رواية وكيع بن الجراح في بعض المواضع، وقرنها برواية عبد الرحمن بن مهدي، وذكر الأذان فيه.
    ولا يُقطع أن عبد الرحمن بن مهدي قد وافق وكيع في روايته هذه. ويُحتمل أن الإمام أحمد رحمه الله قد قدّم رواية وكيع، وقرن رواية عبد الرحمن بن مهدي بها على التغليب في الموافقة في أكثر اللفظ.
    والذي يظهر والله أعلم أن ذكر الأذان ليس في حديث وكيع.
    وربما وكيع بن الجراح سمعه أكثر من مرة من زائدة، تارة بذكر الأذان، وتارة بغير ذكر الأذان.
    والعلة فيما يظهر أنها من السائب بن حُبَيْش الكَلاَعي. وهو شامي مقل الرواية،
    لا يُعرف من روى عنه إلا زائدة. وروى عنه حفص بن عمر الأنصاري. حفص بن عمر بن رَوَاحَة الأنصاري، كما رواه عنه غير واحد، كما أسند ذلك ابن عساكر في "تاريخ دمشق". وهذا يدل على أن السائب من المقلين في الرواية.
    قال الإمام أحمد عليه رحمة الله لا أعلم يروي عنه إلا زائدة. ونصّ على هذا أيضاً الدارقطني كما في "سؤالات البُرْقَاني" له فقد سأله عن السائب، فقال لم يروِ عنه إلا زائدة بن قُدامة. ولكن قد روى عنه غيره، وروى عنه حفص بن عمر بن رواحة الأنصاري، كما عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق".
    وقول الإمام أحمد رحمه الله أنه لم يروِ عنه إلا زائدة، إشارة إلى قلة روايته، وهذا ظاهر. وقلة الرواية من الراوي، تضعف جانب السبر لدى الأئمة.
    جانب السبر لدى الأئمة، هو أن ينظروا ويتأملوا في مرويات الراوي، ثم يحكموا عليها في موافقته لمتون الآخرين. وإذا كان الراوي من المقلين ولا يروي عنه إلا واحد واثنين، فهذا يجعل الأئمة يتوقفون. ولهذا سأل عبد الله بن أحمد أباه عن السائب فقال: "لم يروِ عنه إلا زائدة. فقال: هو ثقة؟ قال: لا أدري".
    والإمام أحمد رحمه الله في قوله: "لم يروِ عنه إلا زائدة" يعني أنه سبر تلامذته، ولم يروِ عنه إلا فلان. ولكن الأئمة في الرواة المقلين، لا يوثقونهم ما استقام المتن.
    هذا المتن مستقيم، ولكن خشية أن يكون ثمة حديث آخر جاء بمثل هذا الإسناد، أو جاء بغيره عن هذا الراوي، فيُحمل ذلك التوثيق على غيره، على المتن الذي يُستنكر. فيُقال إن الأئمة قد وثّقوا ذلك الراوي، لذلك يحتاط الأئمة في المقلّين.
    وهذا عند الإمام أحمد رحمه الله في غير العراقيين. أما العراقيون، فالإمام أحمد رحمه الله فيمن لم يروِ عنه إلا واحد، هو أبصر بحديثهم، وأظهر في أبواب الإحاطة، فيوثّق الراوي ولو كان مقلاً، إذا لم يروِ عنه إلا واحد. وقد جاء هذا في غير واحد ممن وثقهم من أهل الكوفة، وكذلك البصرة.
    ولكن لما كان بعيداً من جهة المنزلة، وليس أيضاً من المعروفين بالرواية والمشهورين.ىأمس الإمام أحمد رحمه الله عن توثيقه. وقد وثقه غير واحد كابن حبان، وكذلك العِجْلي. ولكن إنما كلامنا هنا على عدم شهرة روايته.
    وتفرده السائب بهذا الحديث محتمل؛ لأن الأصول قد دلت عليه في وجوب الجماعة، ووجوب إقامتها،
    لكن مسألة الأذان، أن الجماعة إذا لم يؤذنوا وأقاموا الصلاة، استحوذ عليهم الشيطان، هذا مما يقال بأنه تفرد به السائب، وأكثر الرواة على عدم ذكر هذه الزيادة فيه كما تقدم، وحديثهم في ذلك أرجح.
    ووكيع بن الجراح، وإن كان قد ذكر الأذان، فله رواية أخرى لا يذكر فيها الأذان.
    وإنما حمّلنا فيه السائب؛ لأن السائب أقرب الرواة في الإسناد إلى الجرح، ولا نستطيع أن نجرِّح الأئمة الذين لم يذكروا هذه اللفظة، باعتبار أنهم أئمة ورواة كثر، ولا الذين ذكروها عنه لجلالة قدرهم.
    وهذا الحديث قد جاء بغير ذكر الأذان:
    رواه حفص بن عمر الأنصاري، عن السائب، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء ولم يذكر الأذان فيه، وهذا يدل على رجحان تلك الرواية.
    كذلك أيضاً قد جاء هذا الحديث من وجه آخر، من حديث عُبَادة بن نُسَي، يرويه عن معدان، عن أبي الدرداء، ولم يذكر الزيادة فيه، مما يدل على أن مثل هذه الزيادة مما يتوقف فيها العلماء بالتصحيح.
    وهنا قاعدة في الرواة المقلين: الرواة المقلون إذا تأخروا طبقة، أو بعدوا مكاناً عن معاقل النبوة ونزول الوحي، هؤلاء مما يحتاط في زياداتهم، ومفاريدهم. وكلما تأخر راوي منهم طبقة، كان أقرب إلى الجرح.
    ويدل على أن السائب بن أبي حبيش ليس بمعروف بالرواية عند الأئمة، أن عبد الرحمن بن مهدي وهم في اسمه، وهم في اسمه كما ذكر ذلك الإمام أحمد قال: "حدث عبد الرحمن بن مهدي في هذا الحديث عن زائدة، عن السائب، قال ابن حَنَش، ووهم فيه".
    والرواة إذا كانوا من المشهورين، لا يخطئ الناس في أسمائهم، وإذا كانوا من المقلين يخطئ الناس في أسمائهم. والذي أخطأ هنا هو عبد الرحمن بن مهدي، من أبصر الأئمة بالرجال، وهو عراقي، وقريب من بلد السائب، فأخطأ باسمه، دليل على أنه لا تُروى عنه الأحاديث بكثرة.
    ومنهم من يعدّل السائب ويوثقه من وجه :أن زائدة بن قدامة من الثقات الرفعاء، ولا يحدّث أحداً إلا وقد سأل عنه. فإذا كان من الثقاة حدثه،وإذا كان ليس من الثقات لم يحدثه، وهذا يقول به بعض العلماء، أن زائدة بن قدامة تلاميذه معدّلون، لتشدّده بالتحديث للتلاميذ، بخلاف غيره.
    نقول : الإمام أحمد توقف عن توثيق السائب مع علمه بوجود زائدة. فالرجل قد يكون ثقة في دينه، ولكن من جهة الرواية والضبط فيه ضعف. والراوي لا يظهر حفظه وضبطه للمرويات إلا بكثرة مرويه.
    والشام هي من بلدان الأحاديث والرواية، ومع ذلك لم يروِ إلا عن معدان، وعن أبي الشماخ الأزدي، ولم يروِ عنه إلا زائدة، وحفص بن عمر الأنصاري، وهذا يدل على أنه ليس من المعروفين بالرواية.
    لهذا نقول إن ذكر الأذان في حديث أبي الدرداء ليس بمحفوظ ، والحديث جيد.
    -ويعضد هذا ويؤكده أن الحديث هذا قد جاء من حديث نافع عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ثلاثة في بدو ولا حضر لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)) فما ذكر الأذان فيه؛ وإنما أشار إلى إقامة الجماعة.
    وربما تُذكر هذه اللفظة لفظة الأذان في المتن؛ لأن الغالب أن الصلوات لا تقام إلا بأذان، وهذا هو المعتاد. فأغلب ما يجري على ألسنة الناس: ((لا يؤذن فيهم ولا يقام فيهم الصلاة)) فربما تجوّز السائب لقلة مرويه في ذلك، بذكر بعض الألفاظ تارة، وبعدمها تارة أخرى. وهذا لا يطعن في أصل الحديث لاشتهاره، وكذلك صحة إسناده، وعدم وجود مطعن فيه.
    ومن الأمور التي ينبغي أن تُضبط في مسألة الرواة، في الرواة المقلين الذين لا يروون إلا عن واحد أو اثنين، أنه ينبغي أن يُنظر للتلامذة. فالتلامذة لهم أثر على الراوي المجهول، فربما كان ذلك من الرواة الذين لا يحدث إلا عن ثقة، ويُنظر أيضاً إلى كون ذلك الراوي بلديا له.
    فاتحاد البلد أقوى، لأنه يشق أن يأتي إمام كبير إلى الشام، يدخلها فيروي عن مجهول ثم يخرج منها. ولكن إذا روى شامي عن شامي عن شامي، دليل على أن أهل البلد أدرى بالاختصاص، وأعرف بالحديث.
    كذلك أيضاً رواية الحافظ المدني أو المكي عن الشامي المقل، هذه دليل على الضعف.
    لكن رواية الإمام الحافظ الشامي، عن مقل مدني، هذا تعديل لأن أصل الرواية من المدينة.


    *حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن)).
    هذا الحديث جاء من وجوه متعددة:
    من حديث أبي هريرة، وهذا الذي نتكلم عليه،
    وجاء من حديث أبي أمامة، ومن حديث واثلة ،ومن حديث الحسن مرسلاً، ومن حديث سهل بن سعد الساعدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وموقوفاً على عبد الله بن عمر ويأتي الكلام عليها بإذن الله.
    حديث أبي هريرة :رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهم، من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن)).
    وهذا الحديث ظاهر الإسناد لأول وهلة الصحة. فالأعمش إمام ويروي عن أبي صالح، وأبو صالح ممن أكثر عنه الأعمش، وهو من شيوخه. وأبو صالح أيضاً من خاصة وتلامذة أبي هريرة، ولكن هذا الحديث لا يصح للانقطاع، فمع كون أبي صالح شيخاً للأعمش، إلا أنه لم يسمع هذا الحديث منه.
    فقد روى أَسْباط بن محمد، وأبو بدر شجاع بن الوليد، ومحمد بن فُضَيْل هذا الحديث عن الأعمش. قال: "حُدِّثْتُ عن أبي صالح عن أبي هريرة".
    ورواه جماعة ولم يذكروا صيغة السماع بين الأعمش وأبي صالح، الأعمش فيه تدليس[1]. وممن رواه ولم يذكر صيغة السماع: سفيان الثوري، وحفص بن غياث، ومعمر بن راشد الأزدي، وأحمد الرَّاسِبي، وغيرهم .
    ومال إلى الإعلال بالانقطاع جماعة من الحفاظ كأحمد، وابن المديني؛ بل إن أحمد يقول هذا الحديث "ليس له أصل صحيح". يعني أن الطرق كلها مردها إلى الأعمش
    وهذا الحديث عامة المتقدمين على إعلاله، وعامة المتأخرين على تصحيحه، يقولون إن هذا الحديث جاء فيه التصريح بالسماع. فقد رواه الدارقطني في كتابه "العلل" أن الأعمش يقول سمعته من أبي صالح، سمعته من أبي صالح.
    نقول : إن الأئمة ذكروا أن الأعمش ذكر الواسطة.
    والأعمش إذا كان قد سمع من أبي صالح مثل هذا الحديث، ينبغي أن يذكر صيغة السماع مع اشتهارها عن الأعمش، وقد رواه عنه جماعة.
    وكذلك أيضاً يُشكك في هذا الطريق التي قال فيها الأعمش قال: "سمعته من أبي صالح"، وهذا غريب.
    وإيراد الدارقطني رحمه الله لها يُحتمل أنه أراد بذلك ذكر الوجه في هذا، أنه قيل أنه سمع في ذلك على وهم من الرواة، والرواة ربما يهمون في صيغ السماع.
    ويعضد ذلك أن سفيان الثوري، وهو من أبصر الناس بأحاديث الأعمش وأحاديث العراقيين، قال: "لم يسمعه الأعمش من أبي صالح". أسند ذلك عنه البيهقي، وأبو موسى المديني في كتابه "اللطائف".
    -وأما الاحتجاج بما جاء من وجه آخر أن هذا الحديث قد توبع عليه الأعمش، وأنه جاء من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. كما رواه الإمام أحمد في كتابه "المسند".
    فنقول : إن هذه المتابعة وهم وغلط، والصواب أن سهيل وإن روى عن أبيه إلا أنه لم يسمع هذا الحديث من أبيه، إنما سمعه من الأعمش، فرجع إلى الأعمش. نص على هذا الإمام أحمد والبيهقي. فقالوا إن سهيلاً يحدث بهذا عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. فرجعنا إلى الانقطاع الأول.
    -كذلك أيضاً قد جاء من وجه آخر هذا الحديث، من حديث هُشَيْم بن بُشَيْر السُّلَمي، عن الأعمش قال: "أنبأني أبو صالح"، وذكر صيغة السماع. ويستدلون بهذا من قال بالوصل. ونقول :هُشَيْم لم يسمعه من الأعمش. نص على هذا الإمام أحمد .
    -وأما ما جاء من حديث محمد بن جَحَادَة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة فيما رواه الطبراني وأبو نعيم. فنقول :إن هذا الحديث لا يصح أيضاً عن محمد بن جحادة ، فإن إسناده إليه ضعيف.
    -وأما ما يُستدل به أيضاً أن هذا الحديث جاء من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، كما رواه أحمد، فقالوا إن أبا إسحاق تابع الأعمش على روايته. وأبو إسحاق قد سمع شيئاً من أبي صالح.
    نقول إن أبا إسحاق في هذا الحديث هو العلة، لأنه قد اختلط في آخره، والراوي عنه في هذا الحديث زهير قد روى عنه بعد اختلاطه. فربما سمع أبو إسحاق هذا الحديث من الأعمش، فرجعنا إلى العلة الأولى.
    -كذلك أيضاً ما يستدلون به، أن الحديث جاء عن محمد بن أبي صالح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: "وهذه متابعة أخرى للأعمش".
    نقول :إن محمد بن أبي صالح مجهول لا يُعرف. وإن قيل أنه أخو سهيل كما أشار إلى هذا أبو داود، وأبو زرعة الدمشقي، فهو هذا مما يُشك فيه، وقد شكك فيه غير واحد. وإن كان أخوه أيضاً، إلا أنه لا يُعرف بالحديث، وهو في عداد المجهولين، وقد اختُلف فيه هل هو هو أم غيره. وعلى كلٍ فهو ضعيف.
    ولكن هذا الحديث الذي يرويه محمد بن أبي صالح، عن أبي صالح، لا يرويه عن أبي هريرة وإنما يرويه عن عائشة، فجعله من مسند عائشة، وهذا اختلاف في الإسناد.
    واختلف العلماء في هذه الوجوه، أيها أصح.
    فذهب أبو زرعة، وأبو حاتم، إلى أن الأصح حديث أبو هريرة. وكلمة أصح لا يعني الصحة.
    وذهب البخاري إلى أن حديث أبي صالح عن عائشة أصح.
    وذهب أحمد وابن المديني إلى أنه لا يصح الحديث بوجوهه كلها. نقل الترمذي في كتابه "السنن" هذا عن ابن المديني، ونقله أيضاً البيهقي، وكذلك عبد الله بن أحمد، عن الإمام أحمد أنه ليس له أصل صحيح.
    ولو صح هذا الحديث عن أبي صالح عن عائشة، أو عن أبي صالح عن أبي هريرة، فالحديث من حديث الأعمش عن أبي صالح، فالانقطاع موجود، فالانقطاع موجود على أي الوجهين.
    يبقى الترجيح في أي الوجهين أرجح؟ وعامة الأئمة من الحفاظ على ترجيح حديث أبي هريرة على حديث عائشة. كما مال إلى هذا أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن خزيمة، وكذلك العُقَيْلي، وغيرهم.
    على هذا نقول إن حديث أبي هريرة حديث ضعيف.

    جاء هذا الحديث من وجوه أخرى:
    -جاء عند ابن ماجه من حديث عبد الحميد بن سليمان -وهو أخو فُلَيْح بن سليمان-، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا .وهذا الحديث منكر. قال الإمام أحمد: "ما سمعنا بهذا" يعني بهذا الوجه. وعبد الحميد ضعيف الحديث جداً، وقد تفرد به من هذا الوجه.
    -وجاء من حديث أبي أمامة كما رواه أحمد وغيره، من حديث أبي غالب، عن أبي أمامة مرفوعا.
    وهذا الحديث تفرد به أبو غالب عن أبي أمامة. وأبو غالب ضعيف الحديث. قال ابن حبان: "لا يحتج بما يتفرد به عن الثقات". وقد ليّنه غير واحد.
    -وجاء الحديث بإسناد صحيح -وهو أصح الأوجه- من حديث الحسن البصري مرسلاً. والمرسل ضعيف.
    على هذا نقول إن الحديث بجميع وجوهه لا يصح.
    وجاء موقوفاً على عمر بن الخطاب وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وجاء أيضاً من حديث أبي محذورة، ومن حديث عبد الله بن عمر وهو ضعيف. والحديث بهذا اللفظ لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    *حديث أبي وائل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي وائل أنه قال: ((سنة مسنونة ألا يؤذن المؤذن إلا وهو طاهر)).
    هذا الحديث تقدم معنا في كتاب الطهارة.
    وقد تفرد به الحارث بن عِنَبَة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه والحارث متكلَّم فيه. كذلك فإن عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه كما قال ذلك غير واحد، كما نص على هذا ابن معين وغيره.
    وجاء هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عباس وحديث أبي هريرة.
    حديث أبي هريرة : جاء من حديث يونس، عن الزهري، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤذن إلا متوضئ)) وهذا الحديث في إسناده انقطاع، فإن الزهري لم يسمع أبا هريرة.
    وحديث ابن عباس أخرجه ابن عدي في "الكامل" وهو واه، بل منكر جداً.
    ومن جهة استحباب الطهارة على الأذان، هذا مما لا خلاف فيه.
    أما من جهة الإيجاب وأنه لا يؤذن إلا متوضئ، ولا يصح منه، هذا يفتقر إلى دليل، ولا دليل يثبت في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    *حديث الحسن، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أنه أمر بلالاً أن يؤذن فأذن وهو على راحلته فنزل ثم صلوا)).
    رواه البيهقي، من حديث إسماعيل بن مسلم البصري، عن الحسن البصري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث معلول بعلل:
    1.تفرد إسماعيل بن مسلم البصري بهذا الحديث وهو مضعّف. وقد ضعّفه غير واحد من الأئمة، وترك حديثه ابن المبارك، وابن مهدي، وجماعة.
    2. الحسن البصري أرسله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراسيل الحسن واهية.
    ويتكلم في هذا الحديث العلماء عند كلامهم عن الأذان لمن كان جالساً هل يؤذن أم لا؟ كأن يكون الإنسان مثلاً على السيارة، أو يكون الإنسان مثلاً على الراحلة، هل يؤذن وهو جالس في الطائرة، أو حافلة ونحو ذلك، فيؤذن وهو جالس أم لا بد من القيام؟
    هذا من الموارد تحت هذا الحديث الذي تكلم عليه العلماء، ولكنه حديث مرسل.والعلماء يجمعون على استحباب القيام.
    أما الوجوب فهو موضع خلاف، والصواب أن القيام سنة، وأن المراد بذلك هو إيصال الصوت. فإذا أوصل الإنسان صوته وهو جالس، صح أذانه.
    وكانوا في السابق يصعدون على السطوح ليؤذنون، ليؤذنوا عليها لكي يسمع الأذان، ثم أصبح الناس بعد أن فتح الله عز وجل على الناس، ويسّر عليهم، وأصبحوا يؤذنون من داخل المساجد بالأجهزة المعروفة.

    *حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُكره للإمام أن يكون مؤذناً)).
    هذا الحديث رواه ابن عدي من حديث سَلاَّم الطويل، عن زيد العَمَّي، عن قتادة، عن أنس بن مالك
    وهذه المسألة لا يثبت فيها بالنص شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يثبت في ذلك العمل. ولو فعله الإنسان صح منه وجاز، ولا إشكال في ذلك، ولا إشكال في هذا.
    والحديث حديث منكر، تفرد به سلام الطويل، عن زيد العمي، عن قتادة، عن أنس بن مالك.
    1.وسلام الطويل متروك الحديث،
    2.وزيد العمي واه.
    3.وتفرده عن قتادة مع كثرة أصحابه، والحاجة لهذه المسألة، أمارة على الضعف.
    وإنما قلنا الحاجة لهذه المسألة، أن الإنسان قد يكون في موضع ليس فيه إلا هو فيؤذن ويقيم ويصلي، فيؤذن ويقيم ويصلي.


    *حديث جابر بن عبد الله أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤذن الإمام)).
    وهذا الحديث أيضاً رواه ابن عدي، وغيره من حديث المُعَلَّى بن هلال، عن محمد بن سُوقَة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر.
    والحديث مطروح بل يقال إنه موضوع، وذلك أنه تفرد به معلى بن هلال، وهو وضّاع اتهمه بالكذب جماعة: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، والإمام أحمد، وتركه سائر الأئمة. وتفرد بهذا الحديث.
    وهل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذن؟
    إذا قلنا بثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن، فنقطع أنه أمّ لأنه هو الإمام لا يصلي به أحد. فإذا أذن، أمّ. وإذا أمّ، لا يلزم أن يكون أذن عليه الصلاة والسلام .
    جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث أنه أذن. روى أبو عوانة، وكذلك ابن شاهين وغيرهم، من حديث عامر بن شَرَحِيل الشَّعْبي، عن عبد الله بن زيد: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن))
    وهذا الحديث ضعيف، وذلك أن عامر بن شرحيل الشعبي لم يدرك عبد الله بن زيد إدراكاً، وهو –أي عبد الله بن زيد-على أبعد أحواله توفي عام تسعة عشر (19) للهجرة.
    وعامر بن شرحيل الشعبي متأخر عن ذلك؛ بل لم يسمع علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى وإنما رآه. وقيل إن عبد الله بن زيد استُشهد في أُحُد. كما جاء من حديث عبيد الله بن عمر، أن ابنة عبد الله بن زيد دخلت على عمر بن عبد العزيز فقالت له: "إن أبي استشهد يوم أحد". وبعضهم يعل هذه الرواية في استشهاد عبد الله بن زيد في أحد.
    وعلى كل حال نقول إنه لو قلنا بتأخير حديثه، نقول إنه توفي عام تسعة عشر (19). وعلى هذا لم يسمع عامر بن شرحيل الشعبي من عبد الله بن زيد، ويكون ثمة إرسال وانقطاع في هذا الحديث.
    وكون الرجل يريد أن يؤذن وهو إمام، الأصل في ذلك الجواز. جاء هذا عن عبد الله بن عمر كما رواه ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن عمر أنه أذن وأمّ.
    وجاء عن بعض التابعين أنه كره ذلك، وحكى أن من السنة ألا يؤم المؤذن، ألا يؤم المؤذن وإنما يؤم غيره، وألا يؤذن الإمام.
    جاء هذا عند ابن أبي شيبة من حديث عمران بن مسلم، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أن قال: ((من السنة ألا يؤذن الإمام)).
    وقوله: ((من السنة)) الأصل فيه على أقوى الوجوه أن يقال أن له حكم الرفع ولكنه مرسل؛ لأن مصعب بن سعد هو من التابعين. وإنما قيل: ((من السنة)) لجريان العمل على ذلك.
    والأصل إن الذي يقوم بالإمامة هو الإمام الأعظم، وليس من ينيبه، وإنما تخلى الخلفاء والأئمة والملوك والرؤساء عن الإمامة، لما ركنوا إلى الدنيا؛ بل كان في القرون الأولى كان يصلي بالناس حتى الفاجر من الخلفاء، حتى الذي يشرب الخمر، حتى الذي يسفك الدماء ويقتل كالحجاج بن يوسف.



    [1] - العلماء يقسّمون رواية الأعمش في أبواب التصريح بالسماع إلى أقسام:
    . ما يرويه عن المكثرين الذين يكثر بالأخذ عنهم، فهؤلاء تُغتفر الروايات ما استقام المتن، ولم يكن ثمة مخالفة.
    . ما يروي عن المقلين، فهذا مما يتشدد فيه العلماء ويحتاطون.
    . ما يرويه عمن أكثر الأخذ منه، ولكن ثمة مخالفة أو شك في السماع. أو عدم استقامة في المتن، فهذا يُطلب فيه التصريح بالسماع كما في حديث الأعمش هنا في روايته عن أبي صالح، عن أبي هريرة، لوجود الاختلاف.

  2. #2

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    [الدرس:02]
    *حديث بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((لا تؤذن للفجر إلا وقد اتضح النهار أو كان الفجر هكذا وفرّج النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه))يعني أبلج.
    رواه أبو داود، والبيهقي، وغيرهم من حديث جعفر بن بُرْقَان، عن شَدَّاد مولى عِياَض بن عَامِر، عن بلال به
    وهذا خبر منكر، يستدل به من قال بعدم الأذان قبل الفجر تنبيهاً، يعني أنه لا يُنبه للفجر قبل طلوعه، كما كان بلال عليه رضوان الله يؤذن.
    وهذا الحديث تفرّد به شَدَّاد مولى عياض بن عامر، وهو معلول بعلل:
    1. شداد مجهول، وقد تكلم على جهالته غير واحد كالإمام أحمد، والأثرم وغيرهم. وأعل هذا الخبر الحافظ بن رجب.
    2.وكذلك أيضاً فإنه لم يسمع بل لم يدرك بلالاً، نصّ على هذا الإمام أحمد وكذلك الأثرم
    وعلى هذا يكون في الإسناد يكون في الإسناد مجهولان: المجهول الأول هو شداد، والثاني من يحدث عنه شداد، عن بلال عليه رضوان الله .
    ويظهر هذا الانقطاع، أن أبا نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن أخرج هذا الخبر في كتابه "الصلاة"، من حديث جعفر بن برقان، عن شداد، قال: "بلغني عن بلال".
    3.وهذا الحديث إنما قيل بنكارة متنه لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بلالاً يؤذن بليل، فينبه الناس قبل صلاة الفجر، وعلى هذا العمل.
    جاءت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بلالاً أن يؤذن مع طلوع الفجر. والأذان مع طلوع الفجر، جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً لبلال بجملة من الطرق:
    -منها ما رواه الدارقطني في كتابه "السنن"، من حديث سالم بن غَيْلاَن، عن سُلَيْمان التُّجَيْبِي. وسليمان التجيبي مجهول وقد تفرد بهذا الحديث، وهو حديث منكر.
    -وقد جاء من وجه آخر أيضاً عند الدارقطني ، من حديث أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، عن بلال، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يؤذن إذا اتضح الصبح)).
    وهذا منكر، والصواب فيه الإرسال، وذلك أنه قد رواه جماعة من أصحاب سعيد بن أبي عروبة، عنه، عن قتادة، عن بلال، لا يذكرون فيه أنس بن مالك، وهذا هو الصواب. ورجّحه الدارقطني وغيره.
    وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: ((أن بلالاً يؤذن بليل)). وأذان بلال بليل، يعني أنه يؤدن قبل طلوع الفجر، وهو لإيقاظ النائم، وتنبيه القائم، يعني أي يتنبه ويستعد للصلاة، أو يتسحر إذا كان عازماً على الصيام. وما جاء من نفي الأذان قبل الفجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأخبار في ذلك منكرة.
    يقول البيهقي رحمه الله في كتابه "السنن" لما أنكر هذا الخبر قال: "ويعضده" يعني يعضد الحديث الذي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أن بلال يؤذن بليل)). قال: "يعضده عمل أهل الحرمين".
    وأسند في ذلك عن الإمام أحمد، عن شعيب، عن مالك بن أنس قال: "ما زال العمل عندنا على أذان الفجر بليل" أي أنهم يؤذنون للفجر بالليل تنبيهاً.
    وفي هذا قاعدة، وهي أن الحديث إذا كان العمل على خلافه في بلاد الحرمين في مكة والمدينة، في الصدر الأول، فإن هذا أمارة على ضعفه. وإذا كان العمل عليه، فإن هذا من القرائن التي تعضد الحديث المروي في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    والعمل في المدينة على الأذان قبل الفجر، كما حكاه غير واحد، ويقول به فقهاء المدينة، ونص عليه الإمام مالك. وهذه الأحاديث التي تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بلال ألا يؤذن حتى يتضح الصبح، هذه لا أثر لها في فقههم. ومعلوم أن الفجر وأوقات الصلاة، ترد على الإنسان كل يوم، وهذا مما يحفظ ويثبت عليه العمل، ولا ينصرف الناس عن ذلك العمل إلا بدليل بيّن.
    و كلام البيهقي رحمه الله بإنكار الحديث بعمل أهل الحرمين، إشارة إلى أن هذا من قرائن الإعلال، وهو الذي يعمل به الحفاظ. وقد أشرنا إلى هذا مراراً. وإنما قال: "عمل أهل الحرمين"، خاصة أن العمل المتوارث لم يثبت في بلد من البلدان كثبوته في مكة والمدينة؛ لأنها بلاد الإسلام في الصدر الأول. وأما غير الحرمين كالعراق، ومصر، والشام، وخرسان، واليمن ونحو ذلك، فهذه لم يستوعبها الإسلام دخولاً إلا متأخراً. وعلى هذا يقال إن العمل في مثل ذلك طارئ عليهم، بخلاف ما كان في المدينة. لهذا نؤكد أنه ينبغي لطالب العلم، بل لطالب العلم الناقد الذي يريد البصيرة في أبواب العلل، أن يضبط ما عليه عمل أهل الحجاز، وأن يعرف مراتبهم في ذلك.

    * حديث زياد بن الحارث الصُدَائي أنه أذّن، فأراد بلال أن يقيم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم)).
    رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة وغيرهم، من حديث عبد الرحمن بن زِيَاد بن أَنْعُم الإفريقي، عن زياد بن نُعَيْم، عن زياد بن الحارث الصدائي به
    وهذا الحديث منكر، وقع في إسناده ومتنه اختلاف.
    1.تفرد بروايته على هذا الوجه عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم الإفريقي وهو ضعيف الحديث. ضعفه يحي بن سعيد القطان، ويحي بن معين، وعبد الرحمن بن مهدي، والنسائي، وغيرهم. وأنكر حديثه هذا جماعة كيحيى بن معين، وكذلك الإمام أحمد. وكذلك أعله الحافظ ابن رجب.
    و عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، قد يشكل على البعض قول البخاري فيه: "مقارب الحديث". فنقول إن لعبد الرحمن بن زياد أحاديث مستقيمة يوافق فيها الثقات، وله أحاديث تستوجب الرد عليه، وإنكار حديثه، ومنها هذا الحديث.

    2.وقد جاء في بعض الأسانيد فيه اختلاف، تارة يذكر عن عبد الرحمن بن زياد ابن أنعم الإفريقي، وتارة يُسقط.
    تارة يذكر عبد الرحمن بن زياد الأنعم، فقد روى هذا الحديث أبو نعيم في كتابه "معرفة الصحابة"، وكذلك في "أخبار أصفهان" ولم يذكر عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي. وذِكره في هذا الحديث هو الصواب، وعلى هذا جرى الأئمة في إعلال الحديث به.


    *حديث عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أذن فهو يقيم)).
    رواه البيهقي، والطبراني، وغيرهم من حديث سعيد بن راشد المازني، عن عطاء، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وقد تفرد به على هذا النحو سعيد بن راشد وهو ضعيف، وقد أنكر حديثه جماعة من الأئمة كيحيى بن معين، وليّنه وضعفه غير واحد من العلماء كالإمام أحمد، والنسائي، والدارقطني، وأبي حاتم وغيرهم. وقد توبع على حديثه هذا بلفظ أتم.
    رواه ابن عدي، وأبو الحسن في جزء له من حديث حُسَام بن مِصك، يرويه عن عطاء، عن عبد الله بن عمر بلفظ أطول، واختصره ابن عدي في "الكامل". وحسام متروك الحديث، وقال فيه الإمام رحمه الله مطروح. وتركه عبد الله بن المبارك وغيره.
    وهذه المتابعة من حسام لسعيد بن راشد، لا يعتد بها لضعف حسام، وشدة طرح العلماء له؛ بل اتهم في حديثه.
    وكذلك فإن أمثال هؤلاء الرواة الذين يتابع بعضهم بعضاً وهم من الضعفاء شديدي الضعف، إنما رددنا حديثهم؛ لأن الأمر ربما يتجاوز الحفظ إلى الدين، ولا يستطيع الأئمة أن يصرحوا بذلك، باعتبار أن الجزم أن المطعن في الدين فيه ما فيه.
    فحسام فإنه شديد الضعف، وقد طرحه وترك حديثه واتهمه بعد الحفاظ، مما يجعل النفس لا تطمئن إلى صدقه بأنه سمع ذلك من عطاء. ولو سمع ذلك من عطاء، لاحتُمل أن يُرجع في ذلك إلى أمر الحفظ، وأمر الحفظ فإنه يصعب أو يستحيل على الإنسان أن يتواطأ مع غيره على لفظ واحد. لهذا نقول إن متابعة حسام مما لا يعتد بها.
    لهذا إذا وجد طالب العلم حديثاً قد توبع..أو حديثاً فيه مطروح، أو متروك، أو ضعيف جداً، وله شاهد من وجه آخر فيه على ذلك النحو، فلا يعتد بالمطروح؛ بل يجعل وجوده كعدمه، ولا ينظر إليه. وأما الاغترار بكثرة الطرق، وكثرة المرويات في الأحاديث، إذا وُجد فيها المطروحون، هذا مما يسلكه بعض المتساهلين من المتأخرين، وهي من المسالك الخاطئة التي ينبغي لطالب العلم أن يكون على حذر منها. وقد توسع جماعة من المتأخرين في هذا الباب. وأظهر الأئمة توسعاً في هذا هو الإمام السيوطي رحمه الله يتوسع في تصحيح الأحاديث بمجموع الطرق، ولو كان فيها من الرواة من هو شديد الضعف وواه، فهذا وجرى على هذا جماعة من الأئمة كالمُنَاوي رحمه الله وجماعة. ومنهم من سبق ممن يتساهل في هذا الباب جماعة في أبواب التصحيح بمجموع الطرق، وهذا فيه ما فيه.


    *حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أذن فهو يقيم)).
    رواه البيهقي، وأبو الشيخ في كتاب "الأذان"، من حديث الحَكَم، عن مِقْسَم، عن عبد الله بن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وهذا الحديث منكر أيضاً:
    1.تفرد به الحكم عن مقسم. والحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث، ليس هذا منها
    2.وكذلك قد تفرد به مقسم عن ابن عباس دون سائر أصحابه مع الحاجة إليه، وهذا أمارة على النكارة.
    3.ومن وجوه النكارة أيضاً أن مثل هذه المسألة يُحتاج إليها، أن الإنسان قد يكون مؤذناً ويتعذر عليه الإقامة، وهذا يرد، لا يخلو منه الإنسان.ومثل هذا ينبغي أن يرد بأسانيد أجود من هذا. وهذا يطرأ خاصة مع اتساع رقعة الإسلام في زمن لخلفاء الراشدين، والفتاوى في ذلك إنما هي من أقوال جماعة من السلف من التابعين، وكذلك بعض الصحابة. ولو كان في ذلك شيء مرفوع، لاعتُمد عليه في هذا الباب في أمر الفتوى.
    نعم جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذه الأحاديث، وذلك ما رواه محمد بن عمرو الواقفي، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، وهو صاحب رؤيا الأذان: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يؤذن. فقال عبد الله بن زيد: يا رسول الله أرى الرؤيا ويؤذن بلال فقال: ويقيم أيضاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أقم أنت)).
    هذا الحديث قد يقال إنه أمثل شيء جاء في الباب، ولكنه ضعيف أيضاً لاضطراب إسناده:
    فتارة يرويه محمد بن عمرو الواقفي عن محمد بن عبد الله. وتارة يرويه عن محمد بن سيرين. وتارة يرويه عن أبيه عن جده، وهذا اضطراب.
    وقد أعل هذا الحديث جماعة من الأئمة، أعلّه جماعة من الأئمة كالبيهقي وابن الجوزي، وابن رجب رحمهم الله .
    ولكن أعلى شيء في هذا الباب، ما رواه ابن أبي شيبة من حديث عبد العزيز بن رُفَيْع قال: ((رأيت أبا محذورة وقد أذّن رجل فجاء فأذن وأقام)) يعني أنه أعاد الأذان الأول الذي أذنه من سبقه، ثم أقام للصلاة، وهذا إسناده صحيح. صححه البيهقي وغيره.
    وأبو محذورة هو من مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل فعله ذلك يعضد المرفوعات التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا؟
    نقول إن العمل شيء، والقول بالسنية والتشريع شيء آخر، وذلك أن القول بالتشريع تأكيد،وقد يقال إنما جرى العمل على أن المؤذن يقيم، وأن الأذان والإقامة تكون لشخص واحد، و لو كانت لاثنين لتواكلا؛ وإنما تُجعل لواحد أضبط لأمر الناس.
    وقد يكون هذا من أمور الاحتياط، لا من أمور السنية والتعبد في ذات الفعل.
    فإذا قلنا بعدم الثبوت، نقول إذا أذن مؤذن وأقام آخر، الأمر في ذلك سعة؛ لأن المراد بذلك الإعلام، أن المراد بذلك الإعلام. فهل نفصل الأذان عن الإقامة كما نفصل الأذان والإقامة عن الإمامة؟ لا رابط بين هذا وهذا، سواءً أذن المؤذن وأقام وصلى.
    -أما ما جاء عن أبي محذورة في أنه أذن وأقام، فيطرأ على ذلك جملة من الاحتمالات: احتمال أن يكون المؤذن ذاك تعدى عليه، تعدى عليه في أذانه، فأراد تأديبه، يُحتمل هذا خاصة أن أقوال الصحابة رضي الله عنهم المجردة، إذا جاء عندنا أحاديث متعارضة في الباب، لو كانت الأحاديث الضعيفة كلها الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام في أن من أذن هو يقيم، ما جاء العكس فيها، لأمكن أن نجعل حديث أبي محذورة الموقوف عليه، يعضد الأحاديث الأخرى أن من أذن فهو يقيم.
    وقد جاء في ذلك أيضاً أحاديث عن بعض الصحابة، أن بلال يؤذن وابن أم مكتوم يقيم، ولكن في أسانيدها ضعف، وذلك أنه يرويه ابن أبي شيبة، وكذلك ابن سعد في "الطبقات"، من حديث يزيد بن هارون، عن حجاج، عن شيخ من أهل لمدينة، عن بعض مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسناد فيه جهالة ولا يصح.
    على هذا نقول إن الأدلة في ذلك والعمل فيه التضاد، ونجعل الأمر على الأصل. وإنما جرى عمل الناس على هذا الأمر، لضبط هذه الحال كما تكون أحوال لناس من جهة الصلوات.
    الناس الإمام يصلي الصلوات الخمس، ويرتبط بغيرها، كصلاة القيام والتراويح، وصلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء وأضرابها، صلاة الجمعة وهي خارجة عن الصلوات الخمس منفصلة، لا يكون لها إمام آخر، أو يأتي أو تسقط أحقيته بالإمامة حتى يأتي تكليف آخر.

    *حديث أبي أمامة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول قد قامت الصلاة نَهَض)).
    وهذا الحديث حديث منكر، رواه أبو يعلى من حديث حجاج بن فَرُّوخ،
    1.وقد تفرد به وهو ضعيف. ضعفه جماعة كيحيى بن معين، والنسائي، وليّنه البخاري، وأحمد. وضعف الحديث ابن رجب.
    2. مخالف لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى المسجد ثم يقوم الناس، فلا مجال لجلوسه ونهوضه عليه الصلاة والسلام .
    كذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً يحدث صاحب حاجة، فأقام بلال والنبي صلى الله عليه وسلم قائم.
    وكذلك أيضاً ما جاء في الصحيح: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه وأمرهم بتسوية الصفوف)) وهذه تدل على نكارة هذا الحديث في قيام النبي صلى الله عليه وسلم .
    ثم إن جل حال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلوات، أنه يأتي من خارج المسجد. فلم يكن عليه الصلاة والسلام فيه، وذلك لانشغاله بمصالح المسلمين. فإذا كان كذلك، فإننا نقول إن ما جاء في هذا الحديث من نهوض رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قوله: ((قد قامت الصلاة)) منكر.
    3. أيضاً من وجوه الإعلال، أن هذا لو كان من السنة لاحتيج إلى اشتهاره بأسانيد قوية. والأسانيد التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت عامة من غير تقييد. والأذان أو الإقامة للصلوات الخمس تكون في اليوم والليلة خمس مرات، ولو كان هذا منضبطاً دقيقاً، لجاءت به النصوص.
    4.ومن وجوه الإعلال أيضاً، أن هذا الأمر لم يكن عليه عمل الصحابة، ولا أئمة الفقه من التابعين في مكة والمدينة. ومثل ذلك لا يُفرّط فيه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنن ما هو دونها، ومع ذلك اعتنى بها الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وضبطوها.

  3. #3

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    [الدرس:03]
    *حديث أبي أمامة عليه رضوان الله : ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول: قد قامت الصلاة. قال: أقامها الله وأدامها)).
    أخرجه أبو داود من حديث محمد بن ثابت العبدي، عن رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة، أو بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام .
    وهذا الحديث ضعيف وهو معلول بعلل:
    1.الاختلاف على محمد بن ثابت، فتارة يُذكر فيه شهر بن حوشب، وتارة يُسقط.
    رواه سليمان بن داود العَتَكي، وأبو الربيع الزهراني، كلاهما عن محمد بن ثابت، عن رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب... وخالفهم وكيع عن محمد بن ثابت، عن رجل من أهل الشام، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسقط شهر بن حوشب.وهذا اضطراب في الحديث، وعلامة وأمارة على عدم حفظه. وتقدم معنا أن عدم حفظ الإسناد على وجهه، أمارة على عدم ضبط المتن.
    2.محمد بن ثابت العبدي متكلم فيه. وقد ذكرنا حديثاً منكراً له في التيمم، في روايته عن نافع، عن عبد الله بن عمر: ((التيمم ضربتان)) هذا حديث منكر أنكره الأئمة قاطبة: أحمد، وأبو داود، وأبو حاتم، والدارقطني، والبيهقي، وسائر الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين، ورفعه في ذلك غلط.
    والراوي حينما يأتي بتفرد في باب من الأبواب جليلة القدر التي يبعد أن يتفرد بها إنسان، هذا يؤاخذ به أشد. وأما ما لا يحتاج الناس إليه، كتفرد الإنسان في مسألة من المسائل، في بعض الفضائل البعيدة، أو نحو ذلك، أو فضائل الأعمال التي لا يتلبس فيها إلا أفراد ونحو ذلك، فهذا لا يسقطه. لأنه يغيب عن الذهن العمل بذلك. أما التفرد في مسائل في الصلاة والطهارة ونحو ذلك، هذا مما يُسقط الراوي غالباً.
    ومسائل التيمم في التفريق بين الضربة والضربتين ونحو ذلك، هذا مما يحتاجه الناس كثيراً، ولا يخلو الإنسان في كثير من الأحيان من الحاجة إلى التيمم، خاصة في الأزمنة الغابرة، فإنهم كانوا يتيممون كثيراً. ففي كل أسفار ونحو ذلك لا يحملون معهم الماء، بخلاف في زمننا فإن الماء متيسر، ولو لم يحمله الإنسان، في حلّه في وترحاله.
    3.شيخ محمد بن ثابت مجهول.
    4.وكذلك أيضاً هذا الشيخ يرويه عن شهر بن حوشب. وشهر بن حوشب من الرواة الذين قد اختلف فيهم كلام العلماء. فجاء عن ابن عون قال: "إن شهراً نزكوه". قال مسلم في "المقدمة": "يعني وقعوا بألسنتهم فيه". وقال شعبة: "لقيت شهراً ولم أعبأ به"، يعني أني لم آخذ من حديثه شيئاً. وكذلك قد ضعّفه وطعن به غير واحد كابن هارون، وكذلك النسائي، وغيرهم.
    وجاء عن بعض العلماء أنه قوى حديثه، وقال جاء عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال: "ما يرويه عَبْد الْحَمِيد بْنُ بَهْرَام عن شهر بن حوشب لا بأس به". وقال بذلك أيضاً أبو حاتم.
    وقال الإمام أحمد رحمه الله : "روى شهر عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسان". وهذا هذا يدلنا على أن شهر بن حوشب ليس ضعيفاً على الإطلاق؛ وإنما أكثر أحاديثه. والأصل فيها أن ما يتفرد به أنه مردود، ويحتاج إلى المتابعة، خاصة في الأصول. وأما ما يرويه عنه عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب فهو مقبول.
    والإمام أحمد جاء عنه أنه قوّى أمر شهر بن حوشب، كما نقل ذلك عنه غير واحد من الرواة من أصحابه. وهذا التوثيق من الإمام أحمد، وكذلك أيضاً جاء عنه أنه ليّن شهر. فنحمل ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله من تقوية حال شهر بن حوشب، على أنه أراد أحاديث عبد الحميد بن بهرام. وهذه التقوية لا يمكن أن تكون إلا في أحاديث كثيرة. لا يمكن الإمام أحمد رحمه الله يوثق راويا هو مضعف من جهة الأصل، إلا والأحاديث التي يوثق الإمام أحمد هذا الراوي لأجلها كثيرة.
    قال الإمام أحمد رحمه الله:"روى عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب سبعين حديثاً طوالاً يحفظها كالقرآن". يعني أن عبد الحميد بن بهرام في روايته عن شهر بن حوشب، يروي أحاديث كثيرة، فيستحق التوثيق لأجل هذا العدد.
    ولكن من جهة الأصل، فشهر بن حوشب ما يرويه ولم يُوافَق عليه، فإنه ضعيف، ويُستثنى من ذلك ما تقدم الإشارة إليه، رواية عبد الحميد بن بهرام، كما استثناها الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أبو حاتم وغيرهم، وكذلك رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد. فإنه روى عنها أحاديث حسنة.
    5. هذا الحديث لو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الحقيقة، لوجب أن يُروى بأصح الأسانيد ويشتهر، وهذا المتن لا يحتمله مثل هذا الإسناد.
    فعند الأذان الناس أوزاع كل في داره. أما عند الإقامة فالناس مجتمعون، فينبغي أن يرد الترديد في الإقامة أكثر من الأذان. لأنها تُشاهد أكثر من غيرها.
    ولهذا نقول إن هذا الحديث مع نكارته إسناداً، منكر متناً.
    والأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترديد في الأذان كثيرة. وفي الصحيحين حديث أبو سعيد الخدري، وهو في صحيح البخاري ومسلم، وكذلك حديث معاوية، وجاء من حديث أيضاً عبد الله بن عمر. وجاء من حديث جابر وغيرهم عليهم رضوان الله في الترديد، وجاء أيضاً من حديث عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى الترديد خلف المؤذن. وهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقله الصحابة واشتهر.
    وأما بالنسبة لهذه اللفظة فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا في قوله: ((أقامها الله وأدامها)) فيه إضافة لو قلنا بمشروعية الترديد، للزم أن استثناء هذه اللفظة في قوله: ((قد قامت الصلاة)) أنها ترد بعد ثبوت الأصل بمثله أو بأقوى منه. وثبوت الأصل هو الترديد في حال الإقامة. فيأتي الاستثناء في نص مشابه آخر مثله أو أقوى منه، وهذا من علامات نكارة هذا المتن.
    كذلك قد نقل من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام وذكره ما هو أقل من ذلك. والإقامة يشهدها عامة الصحابة، وعامة من يحرص على صلاة الجماعة يشهد الإقامة. وهذا إذا نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو دونه واستفاض، كأذكار الصباح والمساء، ما يذكره الإنسان في صلاة الليل، بل في دعاء السجود الذي لا يكاد يسمعه أحد إلا من دنا من الإنسان.... وكذلك نقل عن أصحابه قولاً وعملاً، فهذا مما ينبغي أن يشتهر ما هو أقوى منه بالأسانيد في أحاديث هذا الباب لو صحت.

    *حديث سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم المؤذن يثوّب للصلاة فقولوا مثل ما يقول)).
    أخرجه أحمد من حديث زَبَّان بْن فَائِد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه
    وهذا الحديث منكر أيضاً:
    1.تفرّد به زَبَّان بن فائد، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة كابن حبان، وكذلك يحي بن معين، وغيرهم، ولا يتفرد بشيء ويكون مقبولاً.
    2.وكذلك سهل بن معاذ في روايته عن أبيه نكارة. أشار إلى هذا يحيى بن معين رحمه الله كما في كتابه "التاريخ".
    3.وهذا الحديث في الذكر أو الترديد خلف المقيم، أو في التثويب للصلاة، فيه من الدلالة ما تقدم، وكذلك أيضاً مع الطعن في إسناده، فإن متنه منكر، ويعل بما أعل به من علل متنية في الحديث السابق.
    وعلى طالب العلم كما يقدم الإشارة إليه مراراً، أن يستحضر الإنسان محفوظه فيما تقدم الإشارة إليه مراراً، محفوظه في الباب، وكذلك في غيره مما هو أولى من أن ينقل. لا يعل الإنسان الحديث بحديث واحد؛ وإنما يعله بمجموع الأحاديث التي ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ينظر في السنن التي نقلت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ينظر في اليوم والليلة، وكذلك في الأسبوع، وفي الشهر، وكذلك في السنة. فإذا استفاض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الأعمال الحولية، أو الشهرية، أو الأسبوعية، أو اليومية، وهي أقل من ذلك. والتثويب بالأذان يكون في اليوم والليلة خمس مرات. وعلى هذا جاء وعلى هذا ينبغي أن يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأوفر من الأعمال التي يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام في اليوم مرة أو مرتين، فضلاً عن الأشياء التي تأتي في الشهر، أو تأتي في الأسبوع كما يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً في يوم الجمعة وأضرابها.


    *حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى : ((أن بلالاً أذّن بليل فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع وأن ينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام)) يشير إلى بلال يعني أنه أخطأ في وقت أذانه.
    رواه أبو داود وغيره. من حديث حمّاد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن عبد الله بن عمر. وتفرد حمّاد بن سلمة بهذا الحديث منكر، وذلك من وجوه:
    1.أن الثابت عن بلال عليه رضوان الله تعالى كما تقدر الإشارة إليه، أنه كان يؤذن بليل. وذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)).
    وهذا الحديث وحديث عبد الله بن عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) إشارة إلى الاستمرار وعدم الإنكار، أي أنه كلما يؤذن بلال أذاناً بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. ولم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يرجع، وهذا علامة على النكارة.
    وعامة الأئمة على نكارة هذا الحديث، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ألا إن العبد نام)) والعلة في ذلك هي تفرد حماد بن سلمة في هذا الحديث، وقد خولف فيه كما يأتي الكلام عليه.
    2.حماد بن سلمة في حديثه عن أيوب وهم وغلط، كما نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أبو حاتم، فهو يهم ويغلط. وقد خولف في هذا الحديث، فجُعل مرسلاً.
    خالفه معمر بن راشد فرواه عن أيوب وجعله مرسلاً. كما رواه عبد الرزاق، والدارقطني في "العلل".
    وهذا الحديث قد جاء من وجوه متعددة عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى تارة متصلاً،
    فيرويه عبد العزيز بن محمد الداروردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن الخطاب، وهذا متصل. وتارة يُجعل من حديث نافع عن عمر، ويُسقط ابن عمر، وهذا هو الصواب أنه عن عمر بن الخطاب أيضاً منقطع.
    مال إلى ترجيح المنقطع جماعة من الحفاظ كالإمام أحمد، والترمذي، والبيهقي، وابن رجب، وغيرهم.
    وجاء في بعض الروايات ورواية شعيب بن حرب، في روايته عن عبيد الله، فجعله متصلاً، وهذا وهم وغلط، والصواب في ذلك هي رواية الانقطاع كما رواه ابن أبي رَوَّاد، وقد توبع عليه شعيب في روايته عن ذلك، فرواه مُدْرِك بن عامر وهو غلط، ووهم في ذلك كما نص على ذلك الدارقطني رحمه الله كما في كتابه "السنن".
    وهذا الحديث جزم الإمام أحمد رحمه الله والترمذي، وكذلك ابن جبان، والأثرم، والعقيلي، والحافظ بن رجب، وكذلك ابن عبد البر، والبيهقي، والدارقطني، وغيرهم، على أنه من مفاريد حماد بن سلمة، وأنه وهم فيه وأخطأ، وأن الصواب في المتن هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)).
    وقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بجملة من المسانيد وهي معلولة.
    فجاء من حديث أبي يوسف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، والصواب في ذلك الإرسال، فيرويه غير أبي يوسف، فيرويه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً.
    وجاء أيضاً من حديث الحسن البصري مرسلاً.
    وجاء أيضاً في بعض المراسيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تصح، ولا يعضد بعضها بعضاً لمخالفتها للنصوص الثابتة.
    ولكن لو كان هذا الحديث لا يخالفه شيء، لأمكن القول به، وذلك أنه ينبغي التفريق بين الأحاديث التي ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلة، وتأتي أيضاً من وجوه أخر مرسلة، ولا مخالف لها. فهذه يمكن أن تُقبل ويقال إن لها أصلا، ولكن إذا كانت الأحاديث التي تُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كهذه الأحاديث، منها المتصل الضعيف، ومنها المرسل كذلك، ولها ما يخالفها من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . لهذا لا يمكن أن نقول بصحتها،
    3.بلال عليه رضوان الله تعالى مازال يؤذن بليل، وهذا العمل الذي بقي عليه الناس في المدينة، كما تقدم معنا في قول مالك: ((ما زال الناس يؤذنون بليل)) كما نقله الإمام أحمد بإسناده عن مالك بن أنس عليه رحمة الله .
    وتقدم أيضاً تقوية البيهقي لتأذين بلال بليل بعمل أهل الحرمين. وتقدم معنا أيضاً حديث شدّاد مولى عياض بن عامر، وإن كان فيه انقطاع وهو معلول، فتقدم الكلام عليه أيضاً بتمامه معنا في هذا الباب.


    *حديث بُرَيْدَة عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بين كل أذانين صلاة خلا المغرب)).
    يرويه حيان بن عبيد الله، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه.
    والحديث حديث منكر :
    1.أما من جهة الإسناد، فخالف فيه حيان من يرويه عن عبد الله بن بريدة.
    رواه كَهْمَس وعبد المؤمن وسعيد الجُرَيْري، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مُغَفَّل، فجعلوه من حديث عبد الله بن مغفل. وأما حيان بن عبيد الله فجعله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. فسلك فيه المجرّة.
    والراوي الذي لا يضبط، يجري على هذه القاعدة (سلوك الجادة)، فسلك المجرة والغالب في ذلك. ولكن الحفاظ إذا خالفوا المجرة، فهذا أمارة على ضبطهم. وكذلك من دونهم، إذا خالفوا المجرة علامة على أنه ما جرى على لسانه غلط؛ لأنه خالف متعمداً.
    2.أما بالنسبة لخطأ المتن، فهذا المتن فيه استثناء المغرب، واستثناء المغرب منكر. والأحاديث التي جاءت في حديث عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل، ليس فيها استثناء المغرب: ((بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة)).
    3. جاء في رواية عبد الله بن المبارك، عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مغفل، أن ابن بريدة كان يصلي قبل المغرب، وهذا فيه إشارة أن ذلك الراوي الذي روى الحديث عنه حيان بن عبيد الله، صلى قبل المغرب. فكيف يروي حديثاً ويستثني المغرب، ثم يصليه؟! وأعله بذلك ابن خزيمة رحمه الله في كتابه "الصحيح".
    وهذا تقدم معنا مراراً، أن الراوي إذا جاء عنه حديث، وثبت موقوفاً عنه خلافه، فإن ذلك يعل المرفوع. لماذا؟ لأن الصحابة وكذلك أجلة التابعين، وأهل الفقه، لا يخالفون ما يروونه؛ بل إننا نقول إن روايته للحديث المرفوع، يدل على أن لديه علما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث.
    وأنكر الاستثناء في هذا الحديث جماعة من الأئمة : كابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وكذلك الأثرم، والحافظ بن رجب، وآخرين.
    4.كذلك هذا الحديث يعل بأن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا يصلون قبل المغرب كما جاء في حديث أنس بن مالك كما في الصحيح قال: ((إذا أذن المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدروا السواري يصلون ركعتين)).
    وهذا أيضاً جاء على سبيل العموم عن جماعة من الصحابة، كما رواه ابن أبي شيبة، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، قال: ((أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بين كل أذانين ركعتين)) وهذا لفظ عام.
    ويعل أيضاً بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب وقال في الثالثة لمن شاء)).
    ولكن هل هذا عليه عمل الصحابة؟
    نقول :جاء عن بعضهم لم يكن يصلِ قبل المغرب.
    جاء عند ابن أبي شيبة من حديث قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: "لم أرى فقيهاً يصلي قبل المغرب إلا سعد بن أبي وقاص". والذي يظهر والله أعلم في قوله ذلك إما لضيق الوقت، أو انشغال الناس ونحو ذلك، أو أنه أراد المداومة، لم يكن أحد يداوم إلا سعد بن أبي وقاص هذا أمر محتمل أنه أراد هذا الأمر.

    *حديث موسى بن أنس عن أبيه أنه قال: ((إذا قام المؤذن قام أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون حتى تقام صلاة المغرب وقام بعضهم يصلي ركعتين ويجلس)).
    رواه الدرقطني من حديث مُعَلّى بن جابر، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: ((بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم)) يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام يشاهدهم.
    مع كون معلى بن جابر راويا مشهورا، مستقيم الحديث، ففي هذا الحديث نكارة:
    1.وهذه النكارة أنهم يقومون للصلاة أكثر من ركعتين، ويستمرون في الصلوات حتى تقام الصلاة، وهذا لم يُعهد عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى .ولوثبت لكان من أعلم الناس به أصحابهم، ولهذا نفاه سعيد بن المسيب قال: "لم أرى فقيهاً قط يصلي قبل المغرب ركعتين إلا سعد بن أبي وقاص".
    لكن نقول : الوارد ركعتان، أما هذا الإكثار فلم يكن من عادتهم . فمثل هذا التفرد يرد به. وأما صلاة ركعتين والجلوس، فهذا أمر ثابت.
    2.ومن الوجوه أيضاً أنهم يقومون يصلون ركعتين إذا قام المؤذن للأذان، يعني أنهم لا يرددون، بمجرد الأذان يقومون، وهذا يُحمل على أمور، منها أنهم يرون وقت المغرب قصيرا، فيريدون أن يصلوا، ويرون أن الصلاة أولى من الترديد خلف المؤذن، ولكن هذا يخالفه فعل الصحابة، أنهم يصلون أكثر من ركعتين، يعني أن في الوقت متسع. فإذا قلنا بهذا التأويل يعارض بعضه بعضاً.
    ولو صلوا ركعتين في أول الأذان، لاحتمل أن الوقت لا يكفي لأداء الركعتين. ولكن قد جاء عند الإسماعيلي بسند صحيح أنه قال: ((إذا أخذ المؤذن بالأذان قام لُبَاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الكبار والصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة)) يعني قالوا بصلاة الركعتين، في حال الأذان، ويُحتمل أنهم أن فعلهم ذلك إما أن يكون هذا على فعل استثناء لا على سبيل الدوام، ويحتمل أيضاً أنهم يرون أن الترديد خلف المؤذن مفضول، والأجر فيه دون أجر الإتيان بصلاة الركعتين.
    ولكن نقول إن إدراك الإنسان للصلاة بعد الأذان مع الإتيان بالترديد أولى، وهو الجمع بين الأمرين. وفي هذا دليل عل أن الترديد خلف المؤذن في الأذان هو سنّة، أنه سنّة وليس بواجب، وهذا عليه إجماع الصحابة.
    ويدل على هذا أن عثمان بن عفان كان إذا صعد على المنبر، وأخذ المؤذن بالأذان، أخذ يسأل الناس عن أحوالهم وهو على المنبر، والمؤذن يؤذن، وهذا والصحابة الذين يكونون أمامه هم العِلية من الصحابة الكبار، كعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأضرابهم من علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقهائهم. يعني أن المسألة من مسائل الإجماع.
    وهذا الحديث فيما يظهر لي أنه من مفاريد معلى بن جابر، وهو إن كان مستقيم الحديث، إلا أن تفرده بالصلاة أكثر من ركعة في أكثر من ركعتين في صلاة المغرب، هذا من مفاريده؛ وإنما أعللناه بذلك لورود جملة من الآثار على أنهم كانوا يقللون من ذلك، ولو كانت صلاتهم أكثر من ركعتين مشتهرة عنهم، لكان الأليق أن يُنقل ذلك في غير صلاة المغرب. يُنقل في غيرها، في صلاة العشاء، في صلاة الظهر، في صلاة العصر ونحو ذلك، وهي أولى بالنقل.

  4. #4

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    تأتي البقية إن شاء الله

  5. #5

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    [الدرس:04]
    *حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((المؤذنون أحق بالإقامة والأئمة أحق بالأذان)).
    رواه أبو الشيخ من حديث مُعَلَّى بن عَبَّاد، عن يحيى بن أبي الفضل، عن أبي الجوزاء، عن ابن عمر
    وهذا الحديث منكر :
    1.تفرد به مُعَلَّى بن عَبَّاد، وقال فيه الإمام أحمد : "لا أعرفه". وضعّفه أبو حاتم، والبخاري، والدارقطني، وغيرهم. وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وله أحاديث تستنكر عليه، من ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث أحمد بن الحسين أنه قال: "كنا عند أحمد بن حنبل فجاء الحديث في مسألة على من تجب صلاة الجمعة، فلم يذكر فيه أحمد بن حنبل شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقلت له: فيه حديث عن رسول الله: حدثنا الحجّاج بن نُصَيْر، قال حدثنا معلى بن عباد، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الجمعة على من آواه الليل في بيته)) قال أحمد لما سمع هذا الحديث لأحمد بن الحسين: "اسْتَغْفِر الله، اسْتَغْفِر الله، أو قال له اسْتَغْفِر ربك اسْتَغْفِر ربك" وذلك لنكارة متنه.
    ومنها ما رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، من حديث معلى بن عباد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أن من أحسن الإمامة، كان له أجر من خلفه)).وهذا الراوي وهو معلى بن عباد، بتفرده بهذا الحديث وأمثاله، نرد جميع حديثه.
    وبهذا نعلم أن العلماء لديهم قاعدة في رد مفاريد الثقات، أن الراوي إذا تفرد بمتن كبير يُستنكر، التبعة في فقهه والتفرد بحكمه ثقيلة، يرد مجموع حديثه.
    وذلك أن العلماء ينظرون إلى المفاريد من جهتين:
    الأولى: من جهة الكثرة والقلة. فإذا كثرت مفاريد الراوي [بالنسبة إلى عدد ما رواه]، طرح حديثه.
    والثانية: من جهة عظم ما تفرد به. فإذا تفرد بمعنى مهم جدا (ثقيل)، لا يفوت على فقيه أو على راو حافظ، فإن هذا يطرح حديثه. فالواحد منها يطرح الخمسين والمائة.

    2.وهذا الحديث حديث ثقيل في فضل الإمامة. والإمامة يتنافس فيها الناس، وأمثال هذا الفضل ينبغي أن ينتشر عند أهل العلم، والعبادة، والديانة، والتنافس في ذلك.
    كذلك في مسألة الإقامة، وأحقية الإمام والمؤذن فيها، والفيصل في ذلك، فإن هذا من المسائل المهمة التي يُحتاج إليها.


    *حديث سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان الرجل في قِيٍّ من الأرض يعني في فلاة فتوضأ أو تيمم فأذن وأقام فصلى خلفه من خلق الله ما لا يُرى طرفاه)).
    رواه النسائي في "الكبرى"، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق وغيرهم. من حديث المُعْتَمِر بن سليمان، عن أبيه سليمان التَّيْمي، عن أبي عثمان النَّهْدي، عن سلمان مرفوعاً.
    وهذا الحديث رفعه خطأ، والصواب أنه من قول سلمان عليه رضوان الله . وقد خالف فيه المعتمر بن سليمان أصحاب أبيه. كعبد الله بن المبارك، و يزيد بن هارون، وعبد الوهاب بن عطاء، و يزيد بن سفيان، كلهم عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي موقوفاً عليه، ولم يرفعوه.
    ولم يُتابع المعتمر بن سليمان على روايته مع ثقته وحفظه على هذا، إلا فيما رواه البيهقي في كتابه "السنن"، من حديث القَاسِم بن غُصْن، عن داوود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان مرفوعاً.
    والقاسم تفرّد بهذا الحديث من هذا الوجه عن داوود بن أبي هند، وهو معلول من وجهين:
    الأول: أنه قد خالف من هو أوثق منه في روايته عن داوود، فرواه سفيان عن داوود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سلمان موقوفاً وهو أصح.
    الثاني: أن القاسم مضعّف، وقد ضعفه غير واحد من الحفاظ.
    وهذا الحديث قد رجّح وقفه غير واحد من الأئمة كالبيهقي رحمه الله ، فإن رفعه منكر، والصواب أنه من قول سلمان.
    وهل يكون هذا مما لا يقال بالرأي؟ أم يكون من الإسرائليات؟
    يظهر والله أعلم أن هذا الحديث من الإسرائليات، وذلك لقرينة أنه قد رواه أبو نُعَيْم في كتابه "الحِلْيَة" عن كعب الأحبار من قوله.
    وكعب الأحبار معلوم أنه من أهل الاختصاص بكتب أهل الكتاب بني إسرائيل، ومن أهل العناية بها. وروايته لذلك على نحو هذا اللفظ، إشارة إلى أن هذا المعنى وهذا اللفظ موجود في كتبهم.
    وهذا الحديث أيضاً قد جاء من قول سعيد بن المسيب كما رواه مالك في "الموطأ". ولو كان ثابتاً عند الإمام مالك رحمه الله لجعله مرفوعاً.
    وهذا الحديث إنما أوردناه لأن بعض العلماء يحتجون به على مسألة أذان المنفرد في الفلاة.
    وهذه المسألة من مواضع الخلاف عند الفقهاء مع كون الدليل فيها صريحاً في غير هذا في حديث أبي سعيد، وحديث أنس بن مالك، وحديث عُقْبَة بن عامر في الأذان في البوادي للمنفرد. وقد جاء في ذلك حديث أنس عليه رضوان الله تعالى في الرجل راعي الغنم الذي أذّن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((له وجبت)) ويأتي الكلام عليه.


    *حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أنه كان إذا كان في سفر لا يؤذن إلا في الجماعة ويقيم لكل صلاة)).

    أخرجه الحاكم من حديث نُعَيْم بن حمَاّد الخُزَاعي، عن الدَّارَوَرْدي، عن عُبَيْد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
    وهذا الحديث خبر منكر، والصواب فيه الوقف.
    تفرّد به نعيم بن حَمَّاد، عن عبد العزيز الداروردي، وخولف في ذلك.
    فقد رواه عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه جماعة: نافع ، وسالم، وأيوب، والقاسم بن محمد، وأبو الزبير، كلهم عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه وهو مشتهر عنه.
    و رواه مالك في "الموطأ"، عن نافع، عن عبد الله بن عمر موقوفاً. والإمام مالك أبصر الناس بحديث عبد الله بن عمر.
    وهذا كله يؤكد أن الحديث موقوف على عبد الله بن عمر وليس بمرفوع، وعمله في ذلك مشهور؛
    وإنما قال عبد الله بن عمر عليه رضوان الله بذلك ليس نفياً للأذان على الإطلاق في حال السفر؛ وإنما نفياً للفائدة من الأذان في حال المنفرد، فإنه يرى ذلك للجماعة والجيش إذا كانوا في سفر، فإنه يؤذَّن فيهم.
    ولهذا جاء عنه أنه سئل عن أذان المنفرد في السفر، فقال: ((تؤذن لمن تؤذن للفأر؟)) يعني أنه لا يرى ذلك للمسافر المنفرد. وهذا ذهب إليه بعض الفقهاء من المالكية وغيرهم، والصواب في ذلك أنه من قول عبد الله بن عمر ولا يصح مرفوعاً؛
    2.وقلنا بنكارته متناً لمخالفته ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام مشروعية الأذان في السفر للمنفرد. والأدلة في ذلك كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما.
    جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً يؤذن فلما انتهى الأذان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت، فنظر فيه فإذا هو راعي معزة)).
    وجاء هذا أيضاً في حديث أبي سعيد الخدري. و في حديث عقبة بن عامر.
    وروي عن بعض السلف التخيير في هذه المسألة، إذا كان منفرداً يؤذن أم لا؟
    ولكن هذا الفضل الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذان المنفرد في حال سفره، دليل على مشروعية ذلك. والمتن رفعه منكر، والوارد عن الصحابة في ذلك يُحمل على الاجتهاد، ولا يُحمل على التشريع.
    وأما من قال إن ما جاء في قول عبد الله بن عمر موقوفاً عليه يؤيد المرفوع، فهذا الاحتجاج باطل، وذلك أن الموقوف أُعلّ به المرفوع، فلا يعضد المرفوع الموقوف؛ لأنه هو الذي أعله، فكيف يبرئه من العلة؟


    *حديث بلال عليه رضوان الله تعالى قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذنّا ألا تزل أقدامنا عن مواضعها)) وفيه إشارة إلى الثبات في ذات الموضع.
    وهذا رواه ابن عدي والبيهقي من حديث الحسن بن عِمَارَة، عن طلحة بن مُصَرِّف، عن سُوَيْد بن غَفَلَة، عن بلال
    والحديث في ذلك منكر:
    1.لتفرد الحسن بن عمارة بهذا الحديث. وقد أعله بالتفرد ابن عدي، وكذلك الدارقطني في كتابه "الأفراد". والحسن بن عمارة متروك الحديث
    2.ومثل هذا المعنى يُحتاج إليه ويشتهر؛ لأنه ما من أحد إلا ويؤذن في حال سفر، أو في حال إقامة.
    كذلك أيضاً مجموع ما جاء في أذان الصحابة على الرّواحل.
    وفي قوله أيضاً ((ألا تزل أقدامنا)) إشارة إلى أنه قائم، يعني يجب عليه القيام. وجاء في ذلك عن غير واحد من السلف من الصحابة والتابعين جواز الأذان للقاعد.

  6. #6

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    [الدرس:05]
    *حديث الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المؤذنون أمناء الناس في صلواتهم)).
    رواه البيهقي عن عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن البصري، مرسلاً.
    وهذا الحديث معلول بالإرسال، وكذلك الاضطراب في إسناده، فقد وقع فيه اختلاف.
    فالشافعي يرويه من حديث عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن مرسلاً.
    وتابع عبد الوهاب عليه محمد بن أبي عدي، عن يونس، عن الحسن مرسلاً وهو الصواب.
    ولكنه جاء موصولاً من وجه آخر ولكن من حديث أبي هريرة.
    فقد رواه الدارقطني، من حديث عبد الله بن محمد بن المغيرة، عن سفيان الثوري، عن يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعله من مسند أبي هريرة وهو وهم وخطأ، والصواب أنه من حديث الحسن مرسلاً. صوّب ذلك الدارقطني والبيهقي وغيرهم.
    وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله، كما رواه البيهقي، من حديث يونس، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله، وهو وهم وغلط. والحديث إنما هو من مراسيل الحسن.
    والحسن البصري مراسيله وسائر مراسيل البصريين والكوفيين، من أوهى المراسيل، وذلك لبعدهم عن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً لقلة حديث الكوفيين والبصريين الذي يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بينهم إلا واحد. ولهذا فإن مراسيل الحسن من أوهى المراسيل.
    وأما كلام العلماء رحمهم الله في بعض المراسيل إنها مراسيل صحيحة، فمرادهم بذلك أنها من جنسها من تلك الطبقة.
    فقد يقال مثلاً في بعض العراقيين مراسيله صحيحة، ويريدون بذلك هي صحيحة بالنسبة لأهل بلده، وإلا فكلها ضعيفة. والحكم في هذا هو العمل.
    فإذا نظرنا إلى عمل الأئمة، نجد أنهم لا يحتجون بالمرسل على الإطلاق، إلا إذا احتفت به قرينة، أصل من الأصول التي يحتج بها كالقياس، أو الإجماع، أو نحو ذلك، فإنها تُقبل.
    كذلك أيضاً من وجوه رد مراسيل الحسن البصري، أن الحسن البصري يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة بعض الصحابة، وبينه وبينهم ضعفاء، ويقع في بعض مروياته الوهم، ولكنه وإن كان من المدلسين، إلا أنه لا يدلس بالرواية عن التابعين، فهو يذكر التابعي إذا حدّثه، ولكنه يروي عن صحابي ما لم يسمعه منه، وهذا معروف عنه.
    ولهذا لا يقال بإعلال المرويات التي يرويها الحسن البصري عن التابعي، لا تعلّ بالتدليس، وذلك أن الحسن البصري إنما يروي بالتدليس عن أناس لم يدركهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وقد تقدم مراراً أنه ينبغي لطالب العلم إذا وجد راوياً وصف بالتدليس، ألا يطلق الرد لحديثه.
    فإن تدليس الرواة يتباين. وينبغي أن نجمع كلام العلماء في مروياتهم.
    وتدليس الراوي يُعرف بكلام العلماء، ويعرف من طريق أخرى أيضاً بجمع الطرق. حيث يذكر الواسطة التي بينه وبين من حدّثه، وهذا من وجوه التدليس. ويُعرف كثرة وقلة كذلك أيضاً من نصوص العلماء، وبتخريج تلك الأحاديث.
    وهذا الحديث في قول الحسن: ((المؤذنون أمناء على صلوات الناس))
    هناك عادة للعراقيين، فيما يُعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة المعنى، أنه يُنسب إليه فقهاً، وربما نسبوه إليه قولاً، وهذا نوع من الترخص. ولهذا يكثر الكذب في العراق.
    ومعلوم أن المؤذن إذا أذن، يأتمنه الناس على تلك الصلاة أن النساء يؤدينها في البيوت، والرجال يقدُمون عليها، كذلك في الإفطار. فإذا كان هذا قد استقر، فإنهم يتساهلون بنسبة هذا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً ، بل بعض الضعفاء ربما ينسبه قولاً.
    ولهذا قد يقال إن الحسن البصري إنما سمعه من بعض الفقهاء من البصريين. ولهذا يوجد في بعض ألفاظ الحديث الذي يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفردون به من ركاكة اللفظ ما لا يوجد عند الحجازيين.
    وهذا إنما نورده هنا في مسألة: ((المؤذنون أمناء)) وإن كان هذا الأصل مفهوم في الشريعة، إلا أن القطع به باعتبار أن الإنسان إذا سمع الأذان، أنه يتحمل المؤذن على الإطلاق، لكن نقول ينبغي له أن يتحرى وأن يعرف أحوال المؤذنين. وهذا يقيّده ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إن بلالاً يؤذن بليل)) يعني أنه ينبغي للإنسان أن يفرق بين الأذانات، وألا يقطع بالاتكال على المؤذن في صلاته على الإطلاق، وإنما إذا عرف من حاله الثقة وسبرها، اعتمد عليه.


    *حديث أبي محذورة أنه قال: ((المؤذنون مؤتمنون على صلوات الناس وصومهم)) وجاء في لفظ: ((أو حاجتهم)).
    رواه الطبراني في المعجم، من حديث يحيى الحِمَّاني، عن إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده.
    وهذا الحديث منكر أيضاً
    1.فإنه من مفاريد يحيى الحِمَّاني، وقد ضعفه الأئمة، ضعفه الإمام أحمد، وأبو حاتم، والبخاري، وغيرهم. وقد نُسب إلى الكذب أيضاً. نسبه إلى ذلك الإمام أحمد.
    وأبو محذورة صحابي جليل مشتهر بالأذان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل هذه المعاني تُقصد منه، وتؤخذ عنه لاختصاصه ولاشتهاره بذلك. وأيضاً تؤخذ الرواية عن أبنائه بهذا. فمثل هذا ينبغي أن يشتهر ويرويه الكبار. فإذا روى مثل هذا الحديث غير يحيى الحِمَّاني، عن إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة لاحتُمل القبول، ولو كان فيه التفرد متأخراً. وإنما قلنا بجواز التفرد لو رواه غير يحيى الحماني في هذا، لأنه رواية الأبناء عن الآباء. ورواية الأبناء عن الآباء، يُحتمل فيها التفرد ولو كان في طبقة متأخرة. لماذا؟ لشدة الاختصاص. فإذا لم يتفرد الابن عن أبيه، فمن يتفرد؟!

    *حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خصلتان في أعناق المؤذنين للناس صلاتهم وصومهم)).
    رواه ابن ماجة من حديث :بقية، عن مروان بن سالم، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن نافع، عن ابن عمر.
    وهذا الحديث منكر؛ لجملة من العلل:
    1.أنه تفرد به عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر. أعله بهذا أبو نُعَيْم في "الحِلْيَة" قال: "تفرد به ابن أبي رواد، عن نافع، ولا نعلمه عنه يعني عن نافع إلا به بهذا الإسناد".
    فعبد العزيز بن أبي رواد لا يُحتمل منه التفرد بمثل هذا عن نافع؛ لأن لنافع أصحابا فقهاء كثرا. وهذا المتن فقهي متين يتعلق بالصلاة والصوم. وعبد العزيز بن أبي رواد من أهل الرواية، ولكنه قليل الفقه. ومثل هذا الحديث ينبغي أن يحمله الكبار.
    2. هذا الحديث تفرد به بقية بن الوليد، عن مروان بن سالم. وبقية بن الوليد معروف بالتدليس. وتدليسه أيضاً من شر أنواع التدليس.
    3. مروان بن سالم، ضعفه الأئمة، ليّنه البخاري، وأبو حاتم، والإمام أحمد، والنسائي، وغيرهم، وهو منكر الحديث. 4. هذا الحديث يحتاج إليه في أبواب الصلاة والصيام، فعارضه يطرأ على سبيل الدوام، ولما لم ينقل ، كان ذلك أمارة على نكارته.

    *حديث أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على النساء أذان ولا إقامة)).
    رواه ابن عدي والبيهقي من حديث يحيى، عن الحكم بن عبد الله الإيلي، عن القاسم، عن أسماء.
    وهذا الحديث منكر :
    1.من جهة الإسناد : تفرد به الحكم بن عبد الله الإيلي وهو متهم، وقد نسبه إلى الكذب غير واحد، وهو شديد الضعف، ضعفه يحيى بن معين، وأحمد، والعقيلي، وغيرهم.
    2.من جهة المتن : هذا الحديث ينبغي أن يشتهر لتعلقه بالصلوات الخمس. ومعلوم أن داعيه قام، وهو وجوب الصلوات الخمس على النساء كالرجال. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإقامة، وعن أصحابه حتى للمنفرد من الرجال؛ بل جاء في أحكام الأذان حتى للمنفرد المسافر، كما تقدم الكلام عليه. ألا يتأكد هذا إيراد مسألة الأذان وحكمها للنساء؟ نقول هذا من باب أولى، خاصة وأن هذا الحديث ناقل عن الأصل.
    لأن الأصل أن النساء مثل الرجال، عليهن أذان وإقامة، أو عليهن إقامة. ولو جاء من جهة تأكيد الإقامة للنساء، لقلنا إنه أسهل، باعتبار أن الأصل أن المرأة كالرجل في الإقامة، فيُغتفر في ذلك. وأما في حال النفي، فهذا ناقل عن الأصل.
    3.وأيضاً فإن مثل هذا الحديث في قوله: ((ليس على النساء أذان ولا إقامة)) ينبغي أن يشتهر عنهن من جهة القول والفتيا بعدم الإيجاب. وظاهر العمل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم هو عدم إيجاب الأذان والإقامة على النساء. وقد تقدم معنا أن ما كان ظاهراً من جهة العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالضعفاء يخطئون فيه وينسبونه قولاً.-ونحن نقول نقر أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، لكن لا ننسبه إلى النبي قولاً- وهذا تجده كثير عند العراقيين خاصة. لكثرة تداول الفقه، ودلالات المفهوم لديهم.
    ولهذا نقول إن من قرائن الإعلال في تفردات الكوفيين والعراقيين على وجه العموم، أنهم يتفردون بحديث ظاهر الحال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعضده.
    ظاهر الحال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، ظاهر الحال. والتفرد في مثل هذا إعلال. ولهذا نقول إن مثل هذا ينبغي أن يحمله المدنيون رجالاً ونساءً.

    *حديث أبيّ بن كعب عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: ((يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفساً ما يقضي الطاعم من أكله والمتوضئ من طهوره)).
    رواه أحمد، والترمذي، من حديث مَالِك بن مِغْوَل، عن أبي الفضل، عن أبي الجوزاء، عن أبيّ بن كعب
    وهو خبر ضعيف، وذلك :
    1.أن أبا الفضل لا تُعرف حاله.
    2.وكذلك فإن هذا الحديث فيه تقدير للزمن ما بين الأذان والإقامة، هو قدر وجبة غذاء، أو عشاء، أو فراغ المتوضئ من وضوئه. وهذا تقدير لا ينبغي أن يرد بمثل هذا الإسناد.
    3.كذلك بلال يقيم إذا رأى النبي عليه الصلاة والسلام . وهذا المتن يجعل الإقامة ملك المؤذن. مع أن العمل على أن الإقامة ملك الإمام
    4. عدم سماع أبي الجوزاء من أبيّ بن كعب
    على هذا نقول إن الحديث ضعيف، لكنه جاء من وجه آخر،
    رواه أحمد من حديث عبد المنعم بن نُعَيْم، عن يحيى بن مسلم، عن الحسن وعطاء بن أبي رباح، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر ضعيف أيضاً.
    وذلك أنه من مفاريد عبد المنعم بن نعيم. و هو متروك الحديث. قال البخاري رحمه الله : "عبد المنعم بن نعيم، عن يحيى لا يصح ومنكر الحديث".
    ***
    وقد جاء عند الدارقطني وغيره، بنحو حديث جابر ، من حديث علي بن أبي طالب وغيره وهو واه.
    يقول الحاكم في "المستدرك": "في هذا الحديث سنّة غريبة لا نعرفها إلا في هذا الحديث".
    السنن التي تأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تشتهر. ولهذا ينبغي لطالب العلم حال نظره في الأسانيد، ألا ينظر إلى ثقة الرواة مجردة؛ وإنما ينظر إلى حجم ما حملوه.
    إذا نظرنا إلى حال الراوي في ذاته، ونظرنا أنه صاحب ديانة وثقة، ولكنه يروي معنى عظيماً جليلاً، لا نقبله منه. لماذا؟ لأن هذا الدين ليس لك، الدين ليس لك هو لكل الناس، ولماذا لم تروِه إلا أنت في طبقة متأخرة؟ ولكن أن يروي شيئاً قليلا يحتمل منه أن يروي معنى يسيراً.
    يأتينا شخص بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام مائة وخمسين سنة في حديث تعم به البلوى ويحتاجه كل أحد، ثم يقول أتيتك بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!! نقول : لابد أن يأتي جماعة حتى يحملوا معك هذه الحديث.

    [فائدة من الأسئلة]
    الإمام أحمد يخرج في كتابه "المسند" الحديث الذي يحتج به الفقهاء، واشتهر عندهم، وعُرف في الآفاق. قد يكون ضعيفا، وقد يكون حسنا، وقد يكون صحيحا. ولما كان احتجاج الفقهاء في الغالب في أشياء ممكن أن تُقبل، يمكن أن تقبل، قلّ الموضوع فيه. المطروح في الغالب أنه لا يقول به فقيه في ذلك الزمن، إلا ندرة. إما بجهل بحال الحديث أو نحو ذلك. لهذا عُدم الموضوع متناً في مسند الإمام أحمد، ولكن وُجد الضعيف والضعيف جداً وهو قليل أيضاً. ولهذا نصّ الإمام أحمد حينما أعطى ابنه كتابه "المسند" قال: "عليه مدار الناس في البلدان". يعني ما يدور في أفواه الناس في البلدان، منها حديث هو موجود، أراد الإحصاء والجمع. كذلك أيضاً نصّ على هذا أبو موسى المديني، ونقله عن أحمد، وابن الفرج الجوزي، وابن مفلح وغيرهم، أن هذا هو شرط الإمام أحمد رحمه الله في كتابه

  7. #7

    افتراضي الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة

    [الدرس:06]
    *حديث حفص بن عاصم عليه رضوان الله قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع مؤذناً يؤذن ثم أدركه وهو يقول: قد قامت الصلاة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا المغرب بإقامة هذا العبد الأسود)).
    فيه إشارة إلى أن الإنسان إذا سمع مؤذناً وأقام ذلك المؤذن وهو يسمعه، أنه لا يقيم ويكتفي بإقامته تلك ولو لم يصلِ معه، ويصلي وحده، وهذا نص عليه البيهقي رحمه الله .
    أخرج هذا الحديث الشافعي قال :حدثنا إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى، عن عمارة بن غَزيَّة، عن خُبَيْب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الحديث ضعيف لإرساله.
    روى وكيع كما في كتابه من حديث دَلْهَم بن صالح، عن ابن عون، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه مرسلاً، وهو مرسل أيضاً، ولا يصح في هذا الباب شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ويكفي في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر نساءه بشيء من الزيادة في ذلك، مع أن الحجرات كن بجوار مسجده، فيسمعن الأذان ويسمعن الإقامة.
    ومعلوم أنه في الزمن الأول عموماً أن المقيم يقيم خارج المسجد
    وعادة الناس في السابق أن الإنسان إذا أذن في المسجد وأراد أن يقيم، فإنه يخرج إلى موضع الصلاة فيقيم، فإذا سمعه غيره أتى إلى الصلاة.
    وهنا يرد مسألة خلافية عند الفقهاء في مسألة الإمام إذا كبّر في الصلاة قبل انتهاء المؤذن من الإقامة. ماذا عليه هل تكبيره في ذلك صحيح أم لا؟
    ولهذا بلال كما يروى في الخبر قال لرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تسبقني بأمين)) يعني أنه يكبر للإقامة أو يقيم فوق سطح المسجد، ثم يأتي ليصفّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وهذا الحديث في المرسلين هنا هل يعضد أحدهما الآخر؟ نقول محتمل أن يعضد أحدهما الآخر، ولكن هذه المسألة بحاجة إلى شيء من عمل السلف في ذلك، ولا أعلم في هذا شيئا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .


    *حديث أبي جُحَيْفَة: ((أنه رأى بلالاً عليه رضوان الله تعالى يؤذن وهو يتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه ويستدير)).
    أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، والترمذي وغيرهم عن سفيان الثوري، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه
    و ذكر الاستدارة، ووضع الأصبعين في الأذنين، بهاتين الزيادتين منكر، والحديث من جهة الأصل ثابت في الصحيح.
    أخرجه البخاري قال: حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه ((أنه رأى بلالاً...))
    وبهذا نعلم أن محمد بن يوسف قد خالف عبد الرزاق في روايته عن سفيان هذا الخبر.
    وهذا الخبر من مفاريد عبد الرزاق في روايته عن سفيان. وقيل إن هذه الزيادة أُخذت على سبيل الاستنباط، فأدرجها عبد الرزاق في حديث سفيان
    وعبد الرزاق مع جلالة قدره، فإنه في روايته عن سفيان فيها نكارة، خاصة ما سمعه منه بمكة. ومعلوم أن عبد الرزاق ليس بمكي، وكذلك سفيان الثوري ليس بمكي، وعادة المغتربين أن السماع يكون في الأغلب يكون على عجل، بخلاف إذا كان أحدهما مستوطناً، فإنه ربما يكون فيه اعتدال من جهة الحفظ، ومن جهة الضبط والتدوين.
    وبهذا مال غير واحد من العلماء إلى أن هذا من إدراج عبد الرزاق في حديث سفيان، وذلك أن الثابت في عمل بلال هو الالتفات هاهنا وهاهنا كما جاء في لفظ الصحيح. قال: ((وأنا أتتبع فاه هاهنا وهاهنا)). وأما الزيادة الأخرى؛ وهي وضع الأصبعين في الأذنين، فهي زيادة أيضاً فهي زيادة منكرة.
    وقد مال إلى إعلاله البخاري كما في كتابه الصحيح، فذكر هذا الحديث حديث أبي جحيفة عن بلال ذكره بصيغة التمريض قال: "ويذكر عن بلال". وذكر بصيغة الجزم أثراً عن عبد الله بن عمر أنه كان لا يضع أصبعيه في أذنيه في الأذان، وهذا فيه إشارة إلى أنه يميل إلى ترجيح الموقوف على المرفوع الضعيف. وحينما ذكره بصيغة التمرير، إشارة إلى ضعفه.
    ويؤيد هذا أن الإمام مسلما رحمه الله قد أخرج الحديث أيضاً من حديث وكيع، عن سفيان، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، فذكره ولم يذكر فيه الاستدارة، ولم يذكر فيه الأصبعين.
    وقد رواه جماعة عن سفيان، ولم يذكروا فيه الزيادتين. رواه وكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن يوسف، وإبراهيم بن عُتَيْبَة، والحسين بن جعفر، ومؤمل بن إسماعيل في أحد وجهيه، كلهم عن سفيان الثوري ولا يذكرون الزيادتين.
    وقد جاء رواية عن مؤمل بن إسماعيل بذكرها.
    وجاء أيضاً عند الطبراني من حديث إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري، عن عبد الرزاق، ذكره عن سفيان، وذكر فيه إحدى الزيادتين وترك الأخرى، وهذا فيه إشارة إلى أن هذه الزيادة من مدرجات عبد الرزاق.
    يبقى لدينا مسألة حديث عبد الرزاق، عن سفيان الثوري في إخراج البخاري ومسلم له. فقد أخرج البخاري ومسلم لعبد الرزاق في روايته عن سفيان. نقول إن أحاديث عبد الرزاق عن سفيان لا تخلو من أحوال:
    الأولى: ما يرويه عبد الرزاق عن سفيان، ويتفرد به أي يخالف فيه الثقات، فهذا مما يُستنكر من حديثه.
    الثاني: ما يرويه عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبيد الله بن عمر العمري، وهذا تقع فيه النكارة كما جاء عن الإمام أحمد فإنه يخلط بين أحاديث عبيد الله بن عمر العمري وبين أخيه عبد الله بن عمر، بين المصغر والمكبر فيجعل أحاديث هذا لهذا والعكس، فيقع في ذلك الوهم والغلط.
    الثالثة: في رواية عبد الرزاق عن سفيان فيما يوافق فيه الثقات. فإن هذا الأصل فيه القبول، وهو الذي يخرجه البخاري ومسلم له.
    الرابعة: وهي ما يرويه عبد الرزاق، عن سفيان الثوري في اليمن. حديثه باليمن أقوى من حديثه بمكة.
    وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث عبد الرزاق عن سفيان الثوري بمكة، أنه لم يحفظه. ومال إلى تقوية حديث عبد الرزاق عن سفيان في اليمن، وأن حديثه صحيح.[1]
    والذي يظهر والله أعلم أن هذه الرواية ورواية عبد الرزاق عن سفيان هي من حديثه بمكة ولهذا قد خالف الثقات في روايته هنا
    الاستدارة جاءت من وجوه أخر، ولكنها ضعيفة.
    رواها ابن ماجة من حديث الحجاج بن أرطاة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، عن بلال.
    وهذه الزيادة فيه ضعيفة، تُعلّ بالحجاج وتفرده بها من هذا الوجه. وقيل إن الحجاج لم يسمع هذه الزيادة من عون، وفيه تدليس. ولهذا قد ذكر سفيان الثوري أن الحجاج حدثه عن عون بالاستدارة، قال: "فلقينا عون فسألناه ولم يذكر الاستدارة" مما يدل على أن هذا من أغلاط الحجاج بن أرطاة.
    وجاء أيضاً من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، عن بلال. ورواية مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري فيها ضعف.
    وقد جاء أيضاً من وجه آخر،
    من حديث إبراهيم بن بشّار، عن ابن عيينة، وهذا الطريق أيضاً ضعيف؛ لأنه تفرد به إبراهيم بن بشار الرَّمَادي، وحديثه ضعيف، ضعّفه غير واحد: ضعفه يحيى، ضعفه علي بن المديني، وكذلك يحيى بن معين وغيرهم.
    وقد جاء من وجوه أخر مسألة الاستدارة وهي واهية، إما من مراسيل بعض المتأخرين ولا يعتد بشيء من ذلك. والثابت في هذا أنه يلوي عنقه يميناً وشمالاً. وقد جاء هذا النص بلي العنق عند أبي داود من حديث وكيع بن الجراح، عن سفيان به. قال: ((ولوى عنقه)).
    وقد جاءت الاستدارة أيضاً عند أبي داود من حديث قيس بن الربيع، عن سفيان الثوري به، وقيس بن الربيع متروك، تركه غير واحد من الحفاظ كعبد الله بن المبارك، والنسائي، وغيرهم. وهذا من مناكيره.

    * وضع الأصبعين في الأذنين في الأذان جاء في هذا جملة من الأحاديث .
    فأخرجه ابن ماجة من حديث هشام بن عمار، عن عبد الرحمن بن سعد، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يضع أصبعيه في أذنيه)).

    وهذا الحديث منكر:
    1.تفرد به عبد الرحمن بن سعد، عن أبيه، عن أبيه، عن جده.
    وهذا الحديث إسناده مجهول. فعبد الرحمن بن سعد مجهول وأبوه وجده. ولهذا قال ابن القطان: "عبد الرحمن بن سعد وأبوه وجده لا يدرى من هم".
    وضعّف هذا الحديث ابن معين.
    ولكن هنا إشارة ، وهي أن رواية عبد الرحمن بن سعد عن أبيه عن جده، أليست من رواية الآباء عن الأبناء، فيُغتفر في مثل هذا؟
    نقول إن الأصل في رواية الآباء عن الأبناء الاختصاص. ولكن توجيه الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال أن يضع أصبعيه في أذنيه، هذا ينبغي ألا يختص به أحد دون أحد؛ لأن هذا أمر، ولو كان فعلاً أو أمراً خاصاً فإن هذا مما يُحمل.
    وإن كان هذا المعنى ومسألة وضع الأصبعين في الأذنين، هذا مما يتساهل فيه بعض العلماء من جهة التصحيح. أما من جهة العمل، فإن عليه العمل إلا لقلة من العلماء، وهذا الذي يميل إليه عبد الله بن عمر، وظاهر صنيع البخاري أنه لا يرى سنية وضع الأصبعين في الأذنين عند الأذان.
    جاء في ذلك جملة من الأحاديث منها ما هو مرسل، ومنها ما هو متصل:

    *حديث كثير بن مُرَّة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في أذنيه)).
    أخرجه الحارث بن أسامة من حديث سعيد بن سِنَان، عن أبي الزاهرية، عن كثير به
    وهذا الحديث تفرد به سعيد بن سنان وهو ضعيف.
    وهذا الحديث هل يعضد الطريق الأولى في حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه في جعل الأصبعين في الأذنين؟ نقول هذا محتمل في كونه على العمل، أما على الأمر فلا.
    وجاء في ذلك جملة من الأحاديث، في عداد المراسيل :

    *عن سعيد بن المسيب: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في أذنيه في أذانه فرآه وهو يضع أصبعيه في أذانه ولم ينكر عليه)).
    أخرجه عبد الله بن وهب من حديث عيسى بن حارثة، عن سعيد مرسلا.
    وهذا الحديث وإن كان في متنه نكارة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمر ولم ينكر فكيف ينكر شيئاً أمر به؟! كذلك أيضاً فإنه مرسل.
    ويميل غير واحد من العلماء إلى عدم صحة الأحاديث الواردة في الباب في وضع الأصبعين في الأذنين. من هؤلاء البيهقي، وابن عبد البر
    ولكنه قد جاء عند أبي داود كما في كتابه "السنن" بحديث ظاهر إسناده الحُسن، من حديث معاوية، عن أبي سلاّم، عن عبد الله الهَوْزَني: ((أنه رأى بلالاً يؤذن ووضع أصبعيه في أذنيه)).
    وهذا الحديث ظاهر إسناده الحسن. وهو حديث طويل، لما ذكر قصة مع بلال قال: لقيت بلالاً فذكر خبراً طويلاً في ذلك، ثم ذكر وضع أصبعيه في أذنيه حكاية عن بلال قال: ((ووضعت أصبعي في أذني)) يعني عند أذاني وظاهر إسناد هذا الحديث الحسن.

    *وجاء هذا عن سويد بن غفلة قال: ((رأيت أبا محذورة وبلال يؤذنان ويضعان أصابعهما في أذانهما عند الأذان)).

    رواه عبد الرزاق من حديث الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرِّف، عن سويد.والحسن بن عُمَارة متروك الحديث.
    ومن الأئمة من إذا رأى مؤذناً يؤذن ولم يضع أصبعيه في أذنيه أنكر عليه، وهذا ثبت عن عبد الله بن المبارك. وقال الحاكم لما أخرج ذلك، أخرج حديث أبي جحيفة، وذكر أن البخاري لم يخرجه وكذلك مسلم، قال: "وهما سنتان مسنونتان" يعني يشير إلى العمل.
    ويعمل بهذا الأئمة. جاء هذا عن الإمام مالك، وقال عبد الله بن أحمد: "رأيت أبي يؤذن ووضع أصبعيه في أذنيه في أذانه". ونقله أبو طالب عن الإمام أحمد في روايته.
    ولكن في عدم إخراج البخاري ومسلم لها، هل هو إعلال للرواية أو إعلال للعمل؟
    الذي يظهر والله أعلم أنه إعلال للعمل؛ لأنه لو لم يخرجها مجردة، لأمكن القول أن هذا هو الإعلال للرواية؛ وإنما ذكر ما يخالف ذلك عن ابن عمر موقوفاً.
    وهنا لا بد من الإشارة إلى أمور منها ما يتعلق بمنهج البخاري في إعلاله للأحاديث، أنه إذا أورد حديثاً من الأحاديث في باب من الأبواب بصيغة التمريض، وأورد ما يخالفه ولو موقوفا فإنه يخالف العمل فيه، فهذا هو فقهه.
    ولكن إذا أورد حديثاً يخالف حديث الباب، ولم يورد شيئاً من فقه السلف فيه، فإنه يميل إلى إعلال الحديث رواية، لا إلى إعلاله دراية، وفرق بين هذا وهذا، فإنه ربما يورد في بعض الأبواب حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يعل الحديث الخارج عن الصحيح.
    مثلاً: إعلاله لحديث عمرو بن شعيب، حينما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه، عن جده، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((الراكب شيطان والراكبان شيطانان)) .هذا أعله البخاري حيث أورد في الباب ما يخالفه، وذلك من سفر الضعينة.
    وكذلك أيضاً في قوله: "بابٌ السترة بمكة وغيرها" يعل الأحاديث التي في الباب، في أنه يُغتفر في السترة بمكة، كما في حديث المطلب بن أبي وداعة عن أبيه عن جده: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المطاف والرجال والنساء يطوفون بين يديه لا يسترهم منه شيء)) وكأنه يريد بذلك إعلال الأحاديث الواردة في الباب.
    وللبخاري نَفَس في الإعلال تتبعه الحافظ ابن حجر رحمه الله وأورده في كثير من الأبواب، ويقول كأن البخاري يشير إلى إعلال كذا.
    فينبغي لطالب العلم الذي يريد أن ينسب قولاً للبخاري لم ينص عليه في كتابه "العلل"، أن يلتمس الأحاديث المخالفة لأبواب البخاري، فإنه يعلها بهذه التراجم.

    -المسألة الثانية التي ينبغي الوقوف عندها :وهي ما يتعلق بمسألة كثرة الطرق هذه، هل تدل على أن الأصبعين من السنة ولو لم يثبت في ذلك مثلاً خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستقلال؟
    أولاً من جهة الاستدارة هذه منكرة وتقدم الإشارة إليها.
    أما مسألة وضع الأصبعين في الأذنين، فنقول إن ما جاء عن عبد الله بن عمر في مخالفة ذلك، عبد الله بن عمر أذن وهو على راحلته، فيُحتمل أنه ممسك بزمام الراحلة وهذا وارد.
    ولا ينبغي أيضاً القاعدة التي تقدم الإشارة إليها في بعض المواضع أنه يؤخذ من أقوال العلماء مذاهبهم ولا تؤخذ من أفعالهم؛ لأنه ربما يطرأ الوهم والنسيان، وهذا أمر معلوم.
    أما بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور العبادة إن سها ونسى، فإنه ينبه غيره على ذلك النسيان ويستدرك عليه الصلاة والسلام كما نسي في قصة ذي اليدين وغيرهم.
    هذه الأحاديث يمكن أن يقال إنها تقوى بمجموع الطرق؛ وإنما أوردناها وإن كان في ظاهرها أنها خارج الشرط في إيراد الأحاديث المعلة، أننا نعل ما له أثر في الباب حكماً. إذا قلنا إن هذا عليه العمل، أن البخاري رحمه الله مع جلالته مال إلى عدم العمل بها لأجل الموقوف على ابن عمر عليه رضوان الله .
    وقد جاء عن جماعة من السلف في مسألة وضع الأصبعين في الأذنين حال الأذان:
    جاء عن سهل أبي سعد، وجاء عن الحسن البصري، وسعيد بن جُبَيْر. وعطاء وضع الأصبعين في الأذان في الصلاة. ولا أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من التابعين قال بعدم مشروعية وضع الأصابع في الأذان عند الأذان.
    وأما ما جاء عن عبد الله بن عمر فهو فعل وليس بقول. ومعلوم أن ثمة فرق بين الأفعال والأقوال. وقد أخرج الحاكم في "المستدرك" عن ابن المبارك أنه رأى مؤذناً يؤذن ولم يضع أصبعيه في أذنيه فزجره.
    ومثل هذه السنّة غالباً مما يكون عليه عمل الناس، ولكن لا تُنقل؛ لأنها فعل تابع لأصل. والأفعال التابعة للأصل، النقل فيها يكون ضعيفا، بخلاف الأفعال المستقلة.
    الأفعال المستقلة كالصلوات المنفردة، صلاة الضحى، الوتر، ونحو ذلك، هذه أفعال مستقلة، لكن التابع لها :كذكر داخل عبادة، أو فعل داخل عبادة.
    كذلك أيضاً فإن الناس في حال الأذان يلتفتون إلى السماع لا يلتفتون إلى رؤية المؤذن، أنهم ينصتون لسماعه، لا ينظرون إلى شخصه. وهذا في مسألة الاشتهار لا يشتهر؛ وإنما يُروى عمن كان من أهل الاختصاص، والمعرفة.
    وما كان عليه العمل وجاءت فيه الأحاديث الضعيفة، فنقول إن الأحاديث الضعيفة هي الأليق به. لأن مثل هذا الأمر الذي استقر عليه الناس، لا ينشغل العلماء بحفظه وضبطه، بخلاف الأمر العارض الطارئ، وهذا تقدم معنا :
    -إذا كان العمل عليه واستقر، ثم جاءت الأحاديث بالوفرة، والأسانيد نظيفة، أن هذا قرينة على الإعلال.
    -ما كان من الأمور التي تتداعى الهمم على نقلها، ولم ينقلها الكبار، هذا علامة على النكارة ، لأنها تقع على أعين الناس وأسماعهم وتشكلهم كذلك.




    [1] - سؤال: حديث عبد الرزاق عن الثوري كيف نعرف حديثه المكي من حديثه اليمني؟
    نعرفه بجملة من القرائن:
    - أن ينفرد بالمرفوع: فأكثر الحديث الذي أخذه عبد الرزاق عن سفيان بمكة مرفوع. وأكثر عنه أخذ الموقوف في اليمن.
    -أن عبد الرزاق صنّف كتابه في اليمن، وأما الأحاديث التي ذكرها في حال سفره، فأكثرها ليست في "المصنف"، فيحدّث بها سماعاً.
    فهذا من القرائن وليست على الإطلاق؛ فربما سمع الحديث بمكة، ثم كتبه في اليمن.
    ولهذا نقول في رواية سفيان الثوري، إذا روى عنه عبد الرزاق احترز، وانظر هل يوجد مخالفة. فإذا خالف فاعلم أن هذا من الحديث الذي لم يضبطه؛ لأنه لو ضبطه كتبه مباشرة.
    وسفيان الثوري من أئمة الحفظ، وجبال الرواية، غلطه في ذلك نادر، والحمل في ذلك على عبد الرزاق أن يحفظ في موضع ثم يدون في بلد آخر.

  8. #8

    افتراضي (الأحاديث المعلة في الأذان والإقامة)

    [الدرس:07]
    *حديث جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تَغَوَّلَتْ لكم غيلان فأذنوا)).
    أخرجه أحمد وغيره من حديث يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن جابر
    وقد توبع يزيد، تابعه محمد بن سلمة، ويحيى بن اليمان، وسويد بن عبد العزيز، كلهم عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري، عن جابر.
    هذا الحديث معلول:
    1.الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله، وقد نص على ذلك غير واحد، كعلي بن المديني
    2.من علل هذا الخبر أيضا الاضطراب في إسناده: وذلك أن الجماعة هنا يروونه عن هشام بن حسان كما تقدم.
    و رواه ابن عدي من حديث يونس بن عبيد وعمرو بن عبيد، عن هشام، عن الحسن، فجعله من مسند سعد.
    وعلى كلٍ فإن الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئاً ولا من سعد، كما نص على ذلك البيهقي والبزار، وغيرهم.
    وجاء أيضاً هذا الحديث مرسلاً من حديث الحسن مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    والكلام على مسألة الأذان هنا في حال رؤية شيء من الجان، كخيال، أو وسواس، أو خوف، أو صوت، فهل الأذان يُشرع عند ذلك أم لا؟ لا يثبت في هذا شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الشيطان يدبر. وأما إدباره هنا فهو مقيّد في حال الصلاة، ويأتي هذا في حديث أبي هريرة وهو الحديث الثاني:

    * حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تغوّلت الغول بكم فعليكم بالأذان))
    وهذا ربطه بظهور الجان. وجاء في ألفاظ هذا الحديث: ((فإنه إذا أذنتم أدبر الشيطان)) وإدباره هنا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عند أذان الصلاة.
    الحديث هذا رواه البيهقي وغيره، من حديث علي بن الفضل، عن سُوَيْد بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة بهذا اللفظ أنه الأذان عند رؤية الغول.
    والذي جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة في الصحيح، أنه ((إذا أذن المؤذن للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط)) وهو في الصحيحين.
    جاء من هذا الطريق، ويدل على أن علي بن الفضل قد تفرد بهذه اللفظة في الحديث: ((إذا تغول الغول)) يعني أنه عند رؤية الغول يؤذَّن، فهو غلط في ذلك، والصواب أن هذا الحديث عند ورود الأذان للصلوات الخمس، فإن الشياطين تولي وتدبر.
    وهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم الإمام من حديث رَوْح بن القاسم، وخالد بن عبد الله الواسطي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: ((إذا أذن المؤذن للصلاة أدبر الشيطان)).
    فهنا خالف علياً بن الفضل روح بن القاسم، وخالد بن عبد الله الواسطي، فهؤلاء جعلوه للصلاة، وهذا جعله للغول. فذكر الغول عند الإدبار منكر،
    وسائر من يرويه عن أبي هريرة لا يذكرون الغول فيه. رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن وحديثه في الصحيحين، ورواه الأعرج وحديثه في الصحيحين، ورواه ؟ وحديثه في المسند، ورواه ؟ عن علي عن أبي هريرة، كما رواه أحمد في المسند، كلها عن أبي هريرة ولا يذكرون فيه الغول؛ وإنما يذكرون الصلاة، مما يدل على أن علي بن الفضل قد تفرّد بذكر الغول فيه.
    لكن ثبت عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله مشروعية الأذان عند الغول.
    رواه عبد الرزاق وغيره أن الغول ذُكرت عند عمر بن الخطاب فقال: ((ما من أحد يستطيع أن يغير صورة خلقها الله وإنما فيهم سحرة منكم فإذا رأيتم الغول فأذنوا)) وهذا موقوف عن عمر بن الخطاب، وإسناده صحيح.
    وهذا يدل على جواز فعله على الإطلاق لا على سبيل المشروعية والسنّية، وفرق بين الأمرين.

    -وجاء عند الدَّيْلَمي في الفردوس، من حديث الحسين بن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ساء خلق إنسان أو صبي أو دابة فأذنوا في آذانه)).
    وهذا الحديث حديث منكر، تفرد به مُعلَّى بن مهدي، وهو منكر الحديث.
    والأحاديث الواردة في الباب لا يعضد بعضها بعضاً.
    ولكن نقول من جهة الجواز، فإن الذكر جائز كسائر الأذكار، كسائر آي القرآن، وكسائر أيضاً الذكر الذي يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرد الجان.

    *حديث جابر بن عبد الله في الذكر بعد الأذان، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة))... الخبر، وفيه لفظان:
    ((اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة)) هذه لفظة: ((بحق هذه الدعوة التامة)).
    الثانية: ((إنك لا تخلف الميعاد)).

    هاتان اللفظتان أخرجهما البيهقي من حديث محمد بن عوف قال: حدثنا علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    الحديث معروف عن علي بن عياش وغيره. وجاء من حديث غير جابر أيضاً، ولكن ليس فيه هاتان اللفظتان وهي: ((اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة)) وليس فيه: ((إنك لا تخلف الميعاد)).
    وهذا منكر من وجوه:
    1.أن الذي رواه عن علي بن عياش، جماعة من الثقات كالبخاري وقد رواه في كتابه "الصحيح" عن علي بن عياش وما ذكرها. ورواه أحمد في كتابه "المسند" من حديث علي بن عياش وما ذكرها.
    ورواه محمد أبي يحيى وأبو زرعة الدمشقي، ومحمد بن مسلم ، ومحمد بن سهل، وغيرهم من الثقات، كلهم يروونه عن علي بن عياش، ولا يذكرون هاتين اللفظتين.
    ومخالفة محمد بن عوف وهو ثقة لأمثال هؤلاء الأئمة نكارة. ولو خالف الواحد من أضراب أحمد، وعلي بن المديني، والبخاري، لما احتمل القبول لتفرده.
    2.أن طبقة محمد بن عوف متأخرة، وهي في طبقة الإمام أحمد، والبخاري، وعلي بن المديني، وهذه طبقة متأخرة جداً على الزيادات. فلماذا لم ترد هذه اللفظة إلا في هذه الطبقة ومنه هو؟!
    3.كذلك فإنه من أهل حمص. ومفاريد الحمصيين عن غيرهم من الحجازيين فيها نكارة، خاصة في مثل هذه الأحكام التي تشتهر؛ لأن مثل هذا الذكر يُحتاج إليه كثيراً. فلماذا لم يُنقل لا في الموقوف ولا في المرفوع؟!!
    ولكن ثمة إشكال قد يورده البعض، وهو أن هذه الزيادة أعني الزيادة الثانية: ((إنك لا تخلف الميعاد)) جاءت عند البخاري في رواية الكُشْمِيهَني، فهل تعد هذه من رواية البخاري للحديث؟
    نقول :لا، وذلك :
    -أن للصحيح رواة كثر. والكشميهني رحمه الله يتفرد ببعض الألفاظ وربما زادها توهماً من عنده، وربما أدرج في الكتب. ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه) زاد الكشميهني: (من الإثم) وليست في الصحيح. وهو ربما ينسب إلى ذهنه شيء من الألفاظ أنها في الصحيح، أو يذكرها للبيان، وتذكر عنه على أنها من المتن وهي مدرجة. أو ربما وجدها في بعض الحواشي.
    ولهذا مما نقل رواة الصحيح أبو ذَر الهَرَوي، كان يحذف بعض ألفاظ الكشميهني إذا تفرد بها.
    -ثم أيضاً إن الكشميهني في تفرده برواية عن البخاري دون سائر الرواة، أمارة على عدم وجودها في الأصل، خاصة أن طبقته أيضاً متأخرة. ولهذا نقول إن هذه الزيادة الموجودة في هذه النسخة، لا يعني أنها في رواية الصحيح. والحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح"، قد مال إلى تخطئة الكشميهني في عدة مواضع، لإتيانه ببعض الألفاظ

    4.كذلك أيضاً فإن مثل هذا المتن ومثل هذه الألفاظ، إن اجتمعت في أكثر من موضع، مغايرة لأحاديث ثقات، فهذا من علامات النكارة، وأن الوهم لدينا في موضعه: ((اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة)) الثاني: ((إنك لا تخلف الميعاد)) مما يدل على أن لديه سوء حفظ لرواية هذا الحديث. فإن الغلط إذا كان في أكثر من موضع، أمارة على عدم الحفظ. وقد تقدم معنا الإشارة إلى أن الخطأ في الإسناد، أمارة على الخطأ في المتن وقرينة، وأن الخطأ في المتن دليل قرينة على الخطأ في الإسناد، وليس هذا بالنص؛ وإنما هو قرينة، وذلك أننا إذا قلنا بوجود وهم وغلط في الإسناد، فتحنا باب عدم الحفظ على الراوي. وإذا فُتح هذا الباب، دلّ على احتمال وروده في أكثر من موضع.

    *حديث عبد الرحمن بن سعد قال: ((حدثني عبد الله بن محمد بن عمار، عن آبائه، عن أجداده، عن بلال، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يبدل قوله في الأذان حي على خير العمل إلى قوله حي على الصلاة)).
    رواه البيهقي وغيره، من حديث عبد الرحمن بن سعد به. وهذا الحديث منكر.
    1.تفرد به عبد الرحمن بن سعد، وهو منكر الحديث، وقد ضعفه غير واحد
    2.ويرويه عن عبد الله بن محمد بن عمار، وهو ليس بشيء كما قال ذلك يحيى بن معين؛ بل إن يحيى بن معين سئل كما نقله العقيلي عنه عن عبد الله بن عمار في روايته عن آبائه عن أجداده، منهم؟ قال: لا يدرى من هم وليسوا بشيء. يعني أنهم يتفردون بأشياء لا توافق أحاديث الثقات.
    3.وهذه السلسلة وهي رواية عبد الرحمن بن سعد، عن عبد الله بن محمد بن عمار، عن آبائه، عن أجداده، عن بلال، جاء فيها في صفة الأذان جملة من المناكير، وقد بيّن غير واحد من العلماء أنهم مجاهيل. وقد نصّ على ذلك غير واحد كيحيى بن معين، وكذلك ابن دقيق العيد، وقال لا تعرف أحوالهم.
    *من مناكيره -وهو الحديث الخامس-، ما رواه الدارقطني، والبيهقي، وغيرهم: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يقول في إقامته: قد قامت الصلاة مرة واحدة)) يعني لا يثنيها بل يفردها، وهذا من مفاريد هذا الإسناد ولا يصح.
    *الحديث السادس وهو من مفاريده أيضاً، ما رواه البيهقي وغيره، من حديث عبد الرحمن بن سعد، عن عبد الله بن محمد بن عمار، عن آبائه، عن أجداده: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يؤذن وأمره بالترجيع)). والترجيع ليس لبلال، وإنما هو لأبي محذورة، وهذا من أمارات الضعف.

    *حديث بلال: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ألا يثوِّب بشيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر)).
    أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجة وغيرهم، من حديث أبي إسرائيل، عن الحَكَم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال.
    والحديث ضعيف، معلول بعلل:
    1. أخطأ فيه أبو إسرائيل، فرواه عن الحكم، والصواب أنه سمعه من الحسن بن عمارة، كما نص على ذلك غير واحد كالدارقطني، كما في كتابه "الأفراد"، وقد تفرد به الحسن بن عمارة، عن الحكم. يعني أنه بين أبي إسرائيل والحكم، الحسن بن عمارة هو وهو متروك.
    2.العلة الثانية، أن ابن أبي ليلى لم يسمع من بلال، نبه على ذلك غير واحد من الأئمة، كيحيى بن معين، والشافعي، وأبو حاتم، والبيهقي، وغيرهم. وابن أبي ليلى عراقي، وبلال كان في الشام ولم يسمع منه.
    3.العلة الثالثة: أن هذا الحديث اضطُرب في إسناده ومتنه.
    تارة يجعل من حديث الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال. وتارة يجعل من حديث الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن علي بن أبي طالب. وتارة يجعل من حديث الحكم، عن ابن أبي ليلى مرسلاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وأما اضطراب المتن، فإنه يأتي في بعض الأحاديث: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ألا يثوِّب إلا في صلاة الفجر)) وفي بعضها قال: ((نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثوب في صلاة العشاء)) وفي بعضها أن ((نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثوب في صلاة المغرب)) المعنى واحد، ولكن الأمر يختلف.
    والثقات الحفاظ يؤدون الحديث كما سمعوا. وفرق بين قول النبي عليه الصلاة والسلام إن صح عنه: (((لا تثوب إلا في صلاة الفجر))) وبين ((لا تثوب في صلاة المغرب)) يعني أن النهي هنا خاص بالمغرب، أو النهي خاص بالعشاء، ولا يدخل فيها غيرها.وأما إذا قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يثوب إلا في صلاة الفجر)) يعني لا تثوب في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
    وهذا يدل على أن الحديث لم يُضبط، لا من جهة الإسناد ولا من جهة المتن. وهذا هو الذي يدفع به بعض الأئمة كراهة التثويب، ضد بعض أهل الرأي كالحنفية قولهم لا يُشرع أن يثوب إلا في الفجر كما في الحديث،
    والحديث فيه ضعيف، ولكن الأمر استفاض، أن التثويب لا يكون إلا في صلاة الفجر قوله: ((الصلاة خير من النوم)).
    بقيت لدينا مسألة وهي تقدمت معنا، وهي حديث عبد الرحمن بن سعد، عن عبد الله بن محمد بن عمار في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: ((أن يجعل مكان حي على خير العمل حي على الصلاة)).
    أولاً لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه علّم بلال ولا أبا محضورة هذه اللفظة على الإطلاق، وقد نصّ على هذا غير واحد كالبيهقي وغيره.
    وأما في عمل بعض السلف، فجاء كما رواه الإمام مالك في "الموطأ" عن نافع، عن عبد الله بن عمر: ((أنه كان إذا أذن في سفره كبر ثلاثاً ويقول في أذانه حي على خير العمل)).
    وهنا وقفة، وهي ما تتعلق بقوله: ((يكبر ثلاثاً)) معلوم أن التكبير أربع أو اثنين على الصيغة الأخرى. ما هذا التكبير بالثلاث؟ هذا يحتمل أن عبد الله بن عمر كان يحفظ لفظا من الأذان نُسخ وكان العمل على خلافه.
    هذا احتمال وإلا لا يعلم عن أحد من الصحابة ولا التابعين قال بأن الأذان ثلاثاً وصح عنه ذلك في التكبير.

    -وأما بالنسبة لـ((حي على خير العمل)) فقد جاء عن عبد الله بن عمر ما يُحتمل معه تفسير هذه اللفظة في أذانه.
    جاء في حديث الليث، عن نافع، عن ابن عمر أنه إذا كان في سفره لم يؤذن؛ وإنما يقول "حي على الصلاة حي على الفلاح"،
    مما يدل أو يحتمل أن هذه العبارة لا يدرجها في الأذان؛ وإنما ينبه بها من حوله فيقول: "حي على خير العمل حي على الصلاة". كما لو أذن الإنسان وبعد أذانه ينبه من حوله أو يوقظ النائم فيقول :صل يا فلان، أو الصلاة خير من النوم ،أو نحو ذلك من الألفاظ.
    وما جاء عن عبد الله بن عمر من رواية مالك عن نافع لفظان؛ أنه ربما في بعض المواضع يقول: ((حي على خير العمل)) أو يقول: ((حي على الفلاح حي على خير العمل)) فجيء بها على سبيل الاختصار، وإلا فهو يعلم أن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستقر عليه الأمر، ومثل هذا يشتهر.
    وقد كان عمر بن الخطاب ينهى عن هذه اللفظة حتى بعد الأذان؛ بل ينهى عن قول هذه اللفظة وقول: ((حي على الفلاح)) بعد الأذان تنبيهاً لأحد بعينه. ولهذا لما جاءه أبو محذورة بعد أذانه فقال له وهو نائم: ((حي على الفلاح فقال له عمر: أمجنون أنت ألم يكفي أذانك حتى نأتيك؟!)) يعني أن ما في أذانك كفاية، لا يحتاج أن تأتي إلينا بهذه العبارة.
    وهل نقول بجواز ذلك ومشروعيته إذا جاء عن عبد الله بن عمر؟
    نقول ما جاء عنه متأول، وهذه اللفظة أصبحت علماً على الرافضة، يفارقون بها أهل السنة. ويعتمدون على ما رواه البيهقي، وجاء مرسلاً أيضاً من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن الحسن بن علي: ((أنه كان يقول في أذانه حي على خير العمل)). وجاء أيضاً في بعض الأسانيد الموضوعة في أذان بلال عند الرافضة، ولا يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا في أذان مؤذني النبي عليه الصلاة والسلام لا بلال، ولا أبي محذورة، ولا غيرهم، ولا في أذان الخلفاء الراشدين ومؤذنيهم، ولا في أذان مؤذني بني أمية. فمثل هذا –لو وجد- فينبغي أن يستفيض جداً. فالصلوات تترى تترى أذاناً على الناس، ويسمعها الذكور والإناث، الكبار والصغار. ولكن لم يكن عليه العمل من وجه.
    نتوقف إلى هذا القدر.

    وقد أتممنا بحمد الله الكلام على أحاديث الأذان المعلة


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •