28-12-2013 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي، وبنى دويرة للصوفية، وهي أول ما بني في الإسلام أي دار خاصة للالتقاء على ذكر أو سماع وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به، مع تمسكهم بغالب التعبد المشروع، وصار لهم حال من السماع والصوت، وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين


معنى الورد عند الصوفية:
الورد الصوفي، بكسر الواو، جمعه أوراد، يطلقه الصوفية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها، صباحاً بعد صلاة الصبح، ومساءً بعد صلاة المغرب، ويعني أيضاً ما يتحفه الحق سبحانه قلوب أوليائه من النفحات الإلهية فيكسبه قوة محركة وربما يدهشه أو يغيبه عن حسه ولا يكون إلاَّ بغتة، ولا يدوم على صاحبه، أما بالنسبة لورد الذكر، فيشمل الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتوحيد(1).
طبيعة الأوراد عند الوفية:
يقول الدكتور حسن الشرقاوي في كتابه: معجم ألفاظ الصوفية: وكل طريقة من الطرق الصوفية لها وردها الخاص، وعلى كل مريد قراءة الورد صباحاً مساءً، وغالبا ما يكون الورد استغفاراً لله كأن يقول المريد (استغفر الله) تسعة وتسعون مرة، ثم يقول في المرة المائة (استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)، وفي الطريقة الشاذلية يقول المريد (اللهم صلي على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً بقدر عظمة ذلك في كل وقت وحين) تسعة وتسعون مرة، وأكثر ما يذكر في الورد في الطرق الصوفية المختلفة قول: (لا إله إلا الله) تسعة وتسعون مرة(2).
هذا ما ذكره الصوفية عن أنفسهم وعن أورادهم، ولكن الصورة تختلف تماماً في الواقع التطبيقي للصوفية، تختلف في طريقة الذكر وطبيعته، وما يحويه من معاني وأفكار، وهذا ما سنبينه سريعاً، ونبين حكمه في هذا التقرير.
بدايات الأوراد وتطورها عند المتصوفة:
يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية بدايات ظهور الصوفية، وما ألحقته من محدثات بالدين بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وظهر أحمد بن علي الهجيمي، وبنى دويرة للصوفية، وهي أول ما بني في الإسلام أي دار خاصة للالتقاء على ذكر أو سماع وصار لهم من التعبد المحدث طريق يتمسكون به، مع تمسكهم بغالب التعبد المشروع، وصار لهم حال من السماع والصوت، وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين"(3).
يقول الباحث محمد جمعة في دراسة مختصرة له بعنوان (الأوراد الصوفية دراسة شرعية): "تطورت الصوفية حتى وصلت إلى الغلو، من البدع العملية إلى البدع القولية الاعتقادية، بعد أن دخلت عليها عناصر خارجية. وقد كان أهل التصوف في مراحله الأولى يعظمون اتباع الكتاب والسنة وينهون عن البدع... ثم ظهرت البدع والأهواء والشطحات في المتأخرين، فكثيرًا ما ترى المتأخرين ممن يتشبه بهم، يرتكب من الأعمال ما أجمع المسلمون على فساده شرعًا بل أجمع الناس على فساده عقلا... ثم تطور الأمر شيئا فشيئا فظهرت الأوراد الخاصة بكل طريقة وراحوا يعظمون ما يتلقونه عن مشايخهم أكثر مما يعظمون الأذكار الشرعية المتلقاة عن الكتاب والسنة(4).
مصادر تلقي الأوراد عند الصوفية:
تتنوع مصادر أهل التصوف في تلقي الأوراد، فإما أن يكون عن الله مباشرة- تعالى الله عما يفترون- وإما أن يكون بالتلقي من رسول الله يقظة أو مناما، وإما عن الخضر حيث يزعمون أنهم يلتقون به(5).
أمثلة لأوراد الصوفية البدعية:
جاء في ورد الجلالة المنسوب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني ما نصه: "وأسألك الوصول بالسر الذي تدهش منه العقول، فهو من قربة ذاهل، ايتنوخ، يا ملوخ، باي، وامن أي وامن، مهباش الذي له ملك السموات والأرض" ثم يستطرد قائلا: "طهفلوش انقطع الرجاء إلا منك، وسدت الطرق إلا إليك، وخابت الآمال إلا فيك"(6).
ومن أوراد الصوفيه أيضا التي بها إلحاد في أسماء الله ما جاء في كتاب ذكر ودعاء جمع عبد الله أحمد أبو زينة، جاء فيه: "يا باسط، يا غني بمهبوب ذي لطف خفي بصعصع بسهسهوب ذي العهز الشامخ، الذي له العظمة والكبرياء، بطهطهوب لهوب ذي القدرة والبرهان والعظمة والسلطان" ثم يقول:"بحق سورة الواقعة، وبحق فقج مخمت مفتاح جبار فرد معطي خير الرازقين"(7).
ويقول إبراهيم الدسوقي في ورده المسمى بـ"الحزب الكبير": "اللهم آمني من كل خوف، وهم وغم، وكرب كدكد كردد كردد كردد كرده كرده كرد ده ده ده ده الله رب العزة"(8).
فإن: ايتنوخ، وملوخ، ومهباش، وطهفلوش، وفقج، ومخمت، وغيرها من الأسماء هي أسماء لله عز وجل عند بعض الصوفية، وهو بهتان وظلم كبير، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ومن الأوراد الشاذلية (وغيرهم يستعملها) قولهم: "وزج بي في بحار الأحدية وانشلْني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس الا بها(9).
حكم قراءة الأوراد الصوفية:
الأوراد الصوفية ليست سواء، فمنها ما يشتمل على البدع، ومنها ما يتضمن الكفر والشرك، ومنها ما هو طلاسم لا تفهم، وقليل منها ما يوافق ذكراً أو دعاءً مأثوراً، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن نطلق حكما عاماً لكل ما هو ورد صوفي.
وكذلك الأمر بالنسبة للصوفية، فليسوا سواء أيضاً، لأن مصطلح التصوف في نفسه مصطلح حادث لا يتعلق به مدح ولا ذم، ولكن ينظر إلى أحوال المنتسب إليه من حيث موافقته للشرع ومخالفته له(10).
وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على رسوله مقيّدٌ بالكيفية التي جاء بها الشرع المطهر فلا نتعداها، وقد قال الله عز وجل في القرآن: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ)(11) ولم يؤثَر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أنهم كانوا يجتمعون لترديد الأذكار من تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل، بل المأثور عنهم إنكار ذلك رضوان الله عليهم(12).
ويقول الشيخ صالح اللحيدان: "وهذه الأعمال مردودة على أهلها بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المُخرج في الصحيحين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(13)، والدين كَمُلَ قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله: (الْيوْم أكْملْت لكمْ دِينكمْ وأتْممْت عليْكمْ نِعْمتِي ورضِيت لكم الْإِسْلام دِينًا)(14)، والدين كَمُل لا نحتاج إلى أوارد جديدة ، تُدَّعى بمنامات أو تُخترع أو يزعموا أصحابها بأنهم تلقوها من المشكاة التي يتلقي منها رسول الله كما يقول بعض هؤلاء المتصوفة .
ويجب أن يُنصح هؤلاء ولا يجوز لأحد أن يأخذ عنهم مثل هذه الأمور. وأما إنها تحبط الأعمال؛ الأعمال لا تُحبطها إلا الأعمال الشركية، فما كان من شرك أكبر فهو يُحبط الأعمال، ولا يترك منها شيئا إلا إن تاب الإنسان منها قبل أن يموت.
خلاصة القول أن اختيار أذكار معينة وترديدها بطريقة معينة وبعدد معين على خلاف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدعي لا يجور العمل به، فضلا عما تحويه هذه الأذكار من أمور بدعية كالإلحاد في أسماء الله أو الاعتقاد بعقائد بدعية كالحلول والاتحاد ووحدة الوجود إلى غير ذلك من العقائد الباطلة.
ـــــــــــــــ ـ
الهوامش:
(1) معجم الصوفية، ممدوح الزوبي: (ص:429).
(2) معجم ألفاظ الصوفية، د. حسن الشرقاوي: (ص:283).
(3) الفتاوى لابن تيمية، (10/359).
(4) دراسة: الأوراد الصوفية دراسة شرعية، لمحمد جمعة، موقع الصوفية.
(5) المرجع السابق.
(6) مجموع الأوراد الكبير- ورد الجلالة للجيلاني: (ص:10).
(7) ذكر ودعاء جمع عبد الله أحمد أبو زينة– ( ص: 53).
(8) ذكر ودعاء جمع عبد الله أحمد أبو زينة: ( ص:117).
(9) النفخة العلية في الأوراد الشاذلية، (ص:16).
(10) الأوراد الصوفية ليست سواء- الشبكة الإسلامية.
(11) سورة الأعراف: (205).
(12) ما حكم قراءة أوراد الطرق الصوفية وترديدها؟ للشيخ عبد الحي يوسف- طريق الإسلام.
(13) متفق عليه، البخاري: (3/214/2697)، وسلم: (5/132/4589).
(14) سورة المائدة، الآية: (3).