تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 79

الموضوع: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

  1. افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    هل هذا يعني أننا نعتبر الطبري أخطأ في هذه المسألة أم هناك توجيه لكلامه يجعله - أي كلام الطبري المذكور في الاستواء وليس الطبري نفسه - متوافقاً مع معتقد السلف ؟ هذا هو السؤال الذي طال البحث عنه بصدد تفسير الطبري لهذه الآية

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام


    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب العلم ( ص 198 - 201 ) :

    سئل الشيخ ـ غفر الله له ـ: ما قولكم فيما يحصل من البعض من قدح في الحافظين النووي وابن حجر وأنهما من أهل البدع؟
    وهل الخطأ من العلماء في العقيدة ولو كان عن اجتهاد وتأويل يلحق صاحبه بالطوائف المبتدعة؟
    وهل هناك فرق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية؟


    فأجاب فضيلته بقوله:


    إن الشيخين الحافظين ( النووي ابن حجر) لهما قدم صدق ونفع كبير في الأمة الإسلامية ولئن وقع منهما خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما لهما من الفضائل والمنافع الجمة ولا نظن أن ما وقع منهما إلا صادر عن اجتهاد وتأويل سائغ - ولو في رأيهما - وأرجو الله تعالى أن يكون من الخطأ المغفور وأن يكون ما قدماه من الخير والنفع من السعي المشكور وأن يصدق عليهما قول الله تعالى :
    { إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }.
    والذي نرى أنهما من أهل السنة والجماعة، ويشهد لذلك خدمتهما لسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وحرصهما على تنقيتها مما ينسب إليها من الشوائب، وعلى تحقيق ما دلت عليه من أحكام ولكنهما خالفا في آيات الصفات وأحاديثها أو بعض ذلك عن جادة أهل السنة عن اجتهاد أخطئا فيه، فنرجو الله تعالى أن يعاملهما بعفوه.

    وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًّا فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم، كا قال أهل السنة في الفاسق: إنه مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما معه من العصيان، فلا يعطي الوصف المطلق ولا ينفى عنه مطلق الوصف، وهذا هو العدل الذي أمر الله به، إلا أن يصل المبتدع إلى حد يخرجه من الملة فإنه لا كرامة له في هذه الحال .

    * وأما الفرق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية: فلا أعلم أصلاً للتفريق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية لكن لما كان السلف مجمعين فيما نعلم على الإيمان في الأمور العلمية الحيوية والخلاف فيها إنما هو في فروع من أصولها لا في أصولها كان المخالف فيها أقل عدداً وأعظم لوماً. وقد اختلف السلف في شيء من فروع أصولها كاختلافهم، هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في اليقظة واختلافهم في اسم الملكين اللذين يسألان الميت في قبره، واختلافهم في الذي يوضع في الميزان أهو الأعمال أم صحائف الأعمال أم العامل؟ واختلافهم هل يكون عذاب القبر على البدن وحده دون الروح؟ واختلافهم هل يسأل الأطفال وغير المكلفين في قبورهم؟ واختلافهم هل الأمم السابقة يسألون في قبورهم كما تسأل هذه الأمة؟ واختلافهم في صفة الصراط المنصوب على جهنم؟ واختلافهم هل النار تفنى أو مؤبدة، وأشياء أخرى وإن كان الحق مع الجمهور في هذه المسائل، والخلاف فيها ضعيف.
    وكذلك يكون في الأمور العملية خلاف يكون قويًّا تارة وضعيفاً تارة.
    وبهذا تعرف أهمية الدعاء المأثور: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.




    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    هذا كلام عام وأريد كلام خاص بالطبري
    هل هذا يعني أننا نعتبر الطبري أخطأ في هذه المسألة أم هناك توجيه لكلامه يجعله - أي كلام الطبري المذكور في الاستواء وليس الطبري نفسه - متوافقاً مع معتقد السلف ؟


  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    واضح من كلام الإمام الطبري رحمه الله أنه موافق لكلام السلف, وليس مخالفًا لهم.
    حيث قال (1/ 457): ((وَأَوْلَى الْمَعَانِي بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29] عَلَا عَلَيْهِنَّ وَارْتَفَعَ فَدَبَّرَهُنَّ بِقُدْرَتِهِ وَخَلَقَهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ))ا ه.
    وقال في موضع آخر (1/ 464): فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذًا: هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ، فَخَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَسَخَّرَهُ لَكُمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ، لِيَكُونَ لَكُمْ بَلَاغًا فِي دُنْيَاكُمْ، وَمَتَاعًا إِلَى مُوَافَاةِ آجَالِكُمْ، وَدَلِيلًا لَكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ رَبِّكُمْ. ثُمَّ عَلَا إِلَى السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَهِيَ دُخَانٌ، فَسَوَّاهُنَّ وَحَبَكَهُنَّ، وَأَجْرَى فِي بَعْضِهِنَّ شَمْسَهُ وَقَمَرَهُ وَنُجُومَهُ، وَقَدَّرَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَا قَدَّرَ مِنْ خَلْقِهِ))ا ه.
    وقوله: ((عَلَا عَلَيْهَا عُلُوَّ مُلْكٍ وَسُلْطَانٍ لَا عُلُوَّ انْتِقَالٍ وَزَوَالٍ))ا ه.
    فمعناه صحيح حيث يرد على من قال: علو انتقال وزوال, فقال بأن هذا الاستواء الذي معناه: العلو والارتفاع, هو استواء ملك وسلطان, وليس استواء انتقال وزوال
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة

    وقوله: ((عَلَا عَلَيْهَا عُلُوَّ مُلْكٍ وَسُلْطَانٍ لَا عُلُوَّ انْتِقَالٍ وَزَوَالٍ))ا ه.
    فمعناه صحيح حيث يرد على من قال: علو انتقال وزوال, فقال بأن هذا الاستواء الذي معناه: العلو والارتفاع, هو استواء ملك وسلطان, وليس استواء انتقال وزوال
    باللهجة المصرية وليس باللغة العربية : ما هو قوله " علو ملك وسلطان " هو عينه " استيلاء وقهر " ؟؟

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله عمر المصري مشاهدة المشاركة
    باللهجة المصرية وليس باللغة العربية : ما هو قوله " علو ملك وسلطان " هو عينه " استيلاء وقهر " ؟؟
    ليس مثله؛ لأنه وضَّح قبل ذلك فقال: (علا وارتفع) وقال أيضًا: (ثُمَّ عَلَا إِلَى السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَهِيَ دُخَانٌ), والأشاعرة لا يقولون ذلك.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله عمر المصري مشاهدة المشاركة
    هذا كلام عام وأريد كلام خاص بالطبري
    هل هذا يعني أننا نعتبر الطبري أخطأ في هذه المسألة أم هناك توجيه لكلامه يجعله - أي كلام الطبري المذكور في الاستواء وليس الطبري نفسه - متوافقاً مع معتقد السلف ؟

    هذا كلام خاص في الطبري من العلامة ابن عثيمين رحمه الله, وقال بأنه قول السلف.
    قال ابن عثيمين رحمه الله ((القواعد المثلى)) (52):
    (({ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} .والجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:
    أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء. وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: (وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} : علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات) اه. وذكره البغوي في تفسيره قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف، وذلك تمسكا بظاهر لفظ {اسْتَوَى} ، وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل.
    القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام. وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت، قال ابن كثير: (أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمِّنَ معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى) . وقال البغوى: (أي: عمد إلى خلق السماء) .
    وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره، لأن الفعل {اسْتَوَى} اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء، فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به. ألا ترى إلى قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} حيث كان معناها يَروَى بها عباد الله، لأن الفعل {يَشْرَبُ} اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يُضَمَّن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام))ا ه.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قوله: (رُزِقَ الهُدَى مَن لِلْهِدَايةِ يَسْأَلُ لأن السؤال قد يكون على وجه التعنت والاستهزاء والاستكبار، كما كانت كفار قريش تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} المؤمنون: 82 .
    وقولهم:{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]، وغير ذلك.
    وهذا لا يزيدُ صاحبَه إلا خِذلانا وعمى وضلالا.
    وقد يكون السؤال لأجل التعلم والمعرفة، واتباع الحق، وهذا هو الذي يُوفق صاحبُه إلى الحق، ويُهدى إلى الصواب؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} التوبة: 124 - 125
    ولذلك قال ابن تيمية - رحمه الله -: (رُزِقَ الهُدَى مَن لِلْهِدَايةِ يَسْأَلُ).
    والهداية هدايتان:
    الأولى: هداية دلالة ودعوة وإرشاد؛ وهذه لله تعالى ولغيره من الأنبياء والصالحين ليرشدوا جميع البشر، ويدعوهم إلى طريق الله تعالى، وهذه الهداية هي المذكورة في قوله تعالى:{وَهَدَيْن َاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد: 10 ، وقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد: 7
    وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الشورى: 52.
    الثانية: هداية توفيق وتسديد؛ وهذه لا تكون إلا لله تعالى فقط، وهي المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} القصص: 56، وقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}ا أعراف: 178.
    وهذا النوع الثاني من الهداية – وهي هداية التوفيق والسداد -هي المقصودة هنا؛ فالله تعالى يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويُضل من يشاء ويخِذل ويبتلي عدلا، والعباد يتقلبون بين فضل الله تعالى وعدله؛ فمن هداه ووفقه وسدده فبفضله تعالى، ومن خذله وأضله فبعدله تعالى، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} الكهف: 49.
    وذلك أن الهداية والتوفيق؛ هي عبارة عن إعانة الله تعالى للمخلوق على فعل الطاعات والبعد عن المحرمات.
    وأما الخِذلان والإضلال؛ فهو عبارة عن سلب هذه الإعانة، عن المخلوق فيتركه الله تعالى ونفسَه، وهذا السلب لا يكون ظلما؛ لأن الله تعالى هو الملك المالك المتصرف؛ فيعطي من يشاء؛ وهذا فضل، ويمنع من يشاء؛ وهذا عدل وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة أتم توضيح، فعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ: أَهْلُ الكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ "([1]).
    قوله: (اسْمَعْ كَلامَ مُحَقِقٍ في قَولِهِ)؛ فيه تزكية للنفس، وتزكية النفس جائزة للضرورة والمصلحة؛ كما قال يوسف عليه السلام:
    {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يوسف: 55.
    قال ابن كثير – رحمه الله -: ((قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ.
    قال: وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَهُوَ مِنْ إِخْبَارِ الرَّجُلِ بِمَا يَعْلَمُ عَنْ نَفْسِهِ مَا قَدْ يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ مِصْرَ: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يوسف: 55.))([2]).

    [1])) صحيح: أخرجه البخاري (557)،

    [2])) ((تفسير ابن كثير))، 1/ 52.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة

    وقد يكون السؤال لأجل التعلم والمعرفة، واتباع الحق، وهذا هو الذي يُوفق صاحبُه إلى الحق، ويُهدى إلى الصواب؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} التوبة: 124 - 125

    اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ،، اللهم وفقنا لما تحب وترضى
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قوله: (لا يَنْثَنِي عَنْهُ ولا يَتَبَّدلُ)؛ فهكذا يجب أن يكون المؤمن؛ لا يتغير ولا يتبدل، ولا يتزعزع عن عقيدته؛ بل يَظَلُ راسخا ثابتا على عقيدته إلى أن يلقى الله تعالى، ودائما وأبدا يسألُ اللهَ تعالى الثباتَ على الإيمان، والموتَ عليه، وهذا هو دأب الصالحين، كما جاء عن يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف: 101].
    وقالت سحرة فرعون – بعدما آمنوا -: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: 126].
    وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا"([1]).

    [1])) صحيح: أخرجه الترمذي (2140)، وأحمد( 12107)، وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد))، (527).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قوله: (حُبُّ الصَّحَابةِ كُلِّهم لِي مَذْهَبٌ فإن حب الصحابة -رضوان الله عليهم - عند أهل السنة والجماعة دين وإيمان وإحسان، كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ»([1]).
    وفي لفظ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»([2]).
    وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة بينت فضلَ الصحابة رضوان الله عليهم، وأوضحت أن حبهم وموالاتِهم دِين يدان به إلى الله تعالى، ويُتقرب إليه سبحانه وتعالى به، وأن ذلك من المعلوم بالضرورة في دِين الله عز وجل؛ من هذه النصوص:
    قوله تعالى: {وَالسَّابِقُون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
    وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 19].
    وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].
    وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 117].
    وقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[الحديد: 10].
    وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنَ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:8، 9]
    وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([3]).
    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ([4]
    وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، أَوْ: فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ([5])"
    وعن أُمِّ مُبَشِّرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا» قَالَتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] ([6]).
    وفي لفظ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»([7]).
    وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»([8]).
    وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ "([9]).
    وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»([10]).
    وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي، وَاللَّهِ لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي»([11]).

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3783)، ومسلم (75)، من حديث أنس رضي الله عنه.

    [2])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3784)، ومسلم (74).

    [3])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2540).

    [4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533).

    [5])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3983)، ومسلم (2494).

    [6])) صحيح: أخرجه مسلم (2496).

    [7])) صحيح: أخرجه أبوداود (4653)، والترمذي (3860)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وأحمد (14778).

    [8])) صحيح: أخرجه مسلم (2531).

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3594)، ومسلم (2532).

    ([10]) صحيح: أخرجه مسلم (50).

    [11])) صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف))، (32417)، وابن أبي عاصم في ((السنة))، (1481)، وصححه الألباني في ((الصحيحة))، (3283).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَمَوَدَّةُ الْقُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّــلُ)؛ فَنَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نُحِبُّ قَرَابَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنُوِدُّهُمْ مَوَدَّةً خَاصَّةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَانَا بِهِمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].
    وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ([1]).
    مَنْ هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟
    أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُمُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ، وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْمُتَقَدِّمِ.
    وَيَدْخُلُ مَعَ هَؤُلَاءِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((فَفِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ:
    إِحْدَاهُمَا: لَسْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَم الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ.
    وَالثَّانِيَةُ: هُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ: «وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» ، وَقَوْلِهِ: {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}؛ وَقَدْ دَخَلَتْ سَارَّةُ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى امْرَأَةَ لُوطٍ مِنْ آلِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى دُخُولِهَا فِي الْآلِ، وَحَدِيثُ الْكِسَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِهِمْ،كَمَ ا أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءٍ أَيْضًا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا، وَكَمَا أَنَّ أَزْوَاجَهُ دَاخِلَاتٌ فِي آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دُخُولَ أَزْوَاجِهِ فِي آلِ بَيْتِهِ أَصَحُّ([2])))ا ه.
    وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله: ((ثُمَّ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؛ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ مَعَهُنَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أَيِ: اعْمَلْنَ بِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ([3])))ا ه.
    وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَصَدَّقُوهُ فَحَسْبْ، دُونَ مَنْ عَارَضُوهُ وَكَذَّبُوا بِهِ وَجَحَدُوا رِسَالَتَهُ؛ فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ آلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَنْفَعُهُمْ قَرَابَتُهُ، فَإِنَّ نُوحًا عليه السلام لَمَّا قَالَ: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: 46].
    وَأَفْضَلُ الْآلِ هُمْ أَصْحَابُ الْكِسَاءِ؛ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّلَ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ([4])».
    وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ([5])، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]([6]).
    فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ آلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ مَيْزَةٌ خَاصَّةٌ، وَأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِحُبِّهِمْ وَمَوَدَّتِهِمْ ؛ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَمَوَدَّةُ القُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّــلُ))؛ لِأَنَّ حَبَّهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ وَالتَّوَسُّلُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَشْرُوعٌ.

    ([1]) صحيح: أخرجه مسلم (2408).

    [2])) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 460، 461).

    [3])) ((تفسير ابن كثير)) (6/ 415).

    [4])) صحيح لغيره: أخرجه الترمذي (3871)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ
    وأحمد (26508)، وصححه الألباني في ((الصحيحة))، (4/527،529،530).

    [5])) المروط: أكسية من صوف، وَرُبمَا كَانَت من شعر؛ ومِرْطٌ مُرَحَّل: عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ الرِّحَالِ؛ وهي المتاع.

    [6])) صحيح: أخرجه مسلم (2424).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ سَاطِعٌ ... لَكِنَّمَا الصِّدِّيقُ مِنْهُمْ أَفْضَلُ)؛ جَمِيعُ صَحَابَةِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ؛ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَيمَا تَقَدَّمَ؛ وَلَكِنَّ الصِّدِّيقَ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه هُوَ خَيْرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ كُلِّ مَنْ يُعْتَدُّ بَإِجْمَاعِهِمْ ، لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ؛ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا:
    حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» فَعَدَّ رِجَالًا([1]).
    وَأَنَّهُ رضي الله عنه هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْهِجْرَةِ بِصُحْبَتِهِ، وَأَطْلَقَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صِفَةَ الصُّحْبَةِ؛ قَالَ تَعَالَى {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ} [التوبة: 40].
    وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ([2]) فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ»([3]).
    وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ» فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ([4])، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا([5]).
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ»، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟([6])
    وَقَدَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا تَقْدِيمٌ لَهُ رضي الله عنه وَتَفْضِيلٌ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
    فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَعَادَتْ، فَقَالَ: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ»، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([7]).
    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا اسْتُعِزَّ([8]) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَعَاهُ بِلَالٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: «مُرُوا مَنْ يُصَلِّي لِلنَّاسِ» فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا، فَقُلْتُ: يَا عُمَرُ قُمْ فَصَلِّ بِالنَّاسِ، فَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا، قَالَ: «فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُون َ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُون َ» فَبَعَثَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ([9]).
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ([10]).
    وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ: المَوْتَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ([11])».
    وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ لِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُون َ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ([12])».
    وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ([13]).
    وعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ([14]).
    وَقَدْ نَقَلَ الْإِجَمْاعَ عَلَى أَفْضَلِيَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:
    قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: ((أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَليٍّ([15])))ا ه
    وَقال النَّوَوِيُّ رحمه الله: ((وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ([16])))ا ه.
    وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَا تَوَاتَرَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا([17])))ا ه.
    وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: ((اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ عُظَمَاءُ الْمِلَّةِ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ([18])))ا ه.

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3662)، ومسلم (2384).

    [2])) الخوخة: باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصب عليها باب. ((نهاية)).

    [3])) صحيح: أخرجه البخاري (467).

    [4])) يتمعر: أَي: يتَغَيَّر؛ وأصل التمعر قلَّة النضارة وَعدم إشراق اللَّوْن، يُقَال: مَكَان أمعر إِذا كَانَ مجدبًا

    [5])) صحيح: أخرجه البخاري (3661).

    [6])) صحيح: أخرجه أحمد (7446)، وابن ماجه (94)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))، (5808).

    [7])) متفق عليه: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

    [8])) ((استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم)): أي: اشتد به المرض وأشرف على الموت، يقال: عَزَّ يَعِزُّ بالفتح؛ إذا اشتد، واستَعَزَّ به المرض وَغَيْرُهُ، واستَعَزَّ عليه إذا اشتد عليه وغلبه، و((استَعَزَّ فلان بحقي)) أي: غلبني، ((واسْتُعِزَّ بفلان)) أي غُلِبَ في كل شيء من عاهة أو مرض أو غيره. ((النهاية)) و((اللسان)).

    [9])) صحيح: أخرجه أيو داود (4660)، وأحمد (18906)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2/305).

    [10])) إسناده حسن: أخرجه أحمد (133)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، قلت: وفيه عاصم بن أبي النجود، وهو حسن الحديث.

    [11])) متفق عليه: أخرجه البخاري (3659)، ومسلم (2386).

    [12])) صحيح: أخرجه مسلم (2387).

    [13])) صحيح: أخرجه البخاري (3655).

    [14])) صحيح: أخرجه البخاري (3671).

    [15])) ذكره ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (7/ 17).

    [16])) ((شرح صحيح مسلم)) (15/ 148).

    [17])) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 405، 406).

    [18])) ((الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة)) (1/ 169).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَأَقُولُ فِي الْقُرْآنِ مَا جَاءَتْ بِهِ ... آيَاتُهُ فَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُنْزَلُ)؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77].
    وَالْكَرَمُ: هُوَ الْإِعْطَاءُ بِسُهُولَةٍ.
    وَالْكَرِيمُ: مَنْ يُوصِلُ النَّفْعَ بِلَا عِوَضٍ([1]).
    وَلِذَلِكَ وُصِفَ الْقُرْآنُ بِكَوْنِهِ كَرِيمًا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْمَنَافِعِ.
    وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ رحمه الله: ((قُرْآنٌ كَرِيمٌ)) أَيْ: قُرْآنٌ يُحْمَدُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا}؛ أَيْ: سَهْلًا ليِّنًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}؛ أَيْ: كَثِيرًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}؛ قَالُوا: حَسَنًا؛ وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَقَوْلُهُ: {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}؛ أَيْ: فَضَّلْتَ، وَقَوْلُهُ: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}؛ أَيِ: الْعَظِيمِ([2]).
    وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ؛ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَمَا زَعَمَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ.
    وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْشَّرِيعَةِ:
    فَأَمَّا أَدِلَّةُ كَوْنِهِ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى:
    فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
    وَقَالَ تَعَالَى: {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 2].
    وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: 2].
    وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصَا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:1، 2].
    وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 2].
    وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80].
    وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
    وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].
    وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1].
    وَقَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185].
    وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192- 194].
    وَقَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50].
    وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48].
    وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174].
    وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 176].
    وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23].
    وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
    {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 2].
    وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان: 23].
    وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
    وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].
    قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله:
    ((وَقَدْ أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ نَظِيرُ إِنْزَالِ الْمَطَرِ، أَوْ إِنْزَالِهِ الْحَدِيدَ، وَإِنْزَالِ ثَمَانِيَةِ أَزْوَاجٍ مِنَ الْأَنْعَامِ.
    وَالْجَوَابُ: أَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ مَذْكُورٌ فِيهِ أَنَّهُ إِنْزَالٌ مِنَ اللَّهِ, قَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 2]، وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 2]، وَإِنْزَالُ الْمَطَرِ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]؛ وَالسَّمَاءُ: الْعُلُوُّ.
    وَقَدْ جَاءَ فِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ الْمُزْنِ، وَالْمُزْنُ: السَّحَابُ، وَفِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ الْمُعْصِرَاتِ، وَإِنْزَالُ الْحَدِيدِ وَالْأَنْعَامِ مُطْلَقٌ، فَكَيْفَ يُشَبَّهُ هَذَا الْإِنْزَالُ بِهَذَا الْإِنْزَالِ؟! فَالْحَدِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَعَادِنِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ، وَهِيَ عَالِيَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ مَعْدِنُهُ أَعْلَى كَانَ حَدِيدُهُ أَجْوَدَ، وَالْأَنْعَامُ تُخْلَقُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَلْزِمِ إِنْزَالَ الذُّكُورِ الْمَاءَ مِنْ أَصْلَابِهَا إِلَى أَرْحَامِ الْإِنَاثِ، ثُمَّ الْأَجِنَّةُ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى، وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ([3]))).
    وَأَمَّا أَدِلَّةُ كَوْنِهِ كَلَامُ اللهِ:
    فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُون أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].
    وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6].
    وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15].
    وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ تَعَالَى؛ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَوُّذُ بِمَخْلُوقٍ.
    فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ([4])».
    وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ([5])».
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ «أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ([6])».

    [1])) ((التعريفات)) للجرجاني، باب: الكاف.

    [2])) ((لسان العرب)) (12/ 315).

    [3])) ((شرح الطحاوية)) (143).

    [4])) صحيح: أخرجه البخاري (3371).

    ([5]) صحيح: أخرجه مسلم (2708).

    [6])) صحيح: أخرجه مسلم (2709).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَأَقُولُ: قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ ... وَالْمُصْطَفَى الْهَادِي وَلَا أَتَأَوَّلُ)؛ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُصْطَفًى؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى اصْطَفَاهُ وَاخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ لِيَكُونَ نَبِيًّا رَسُولًا.
    وَهُوَ هَادٍ؛ بِمَعْنَى هِدَايَةِ الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَالتَّوْجِيهِ؛ فَهُوَ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ النَّاسَ وَيُرْشِدُهُمْ وَيُوَجِّهُهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}[الشورى:51، 52].
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَلَا أَتَأَوَّلُ)؛ يُبَيِّنُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي هَذَا الْبَيْتِ مَنْهَجَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ جَمِيعَ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَتَدَخَّلُونَ فِيهِ بِعُقُولِهِمْ؛ فَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ فِعْلٍ؛ فَنُثْبِتُهُ للهِ تَعَالَى، وَنَقْبَلُهُ، وَلَا نَتَدَخَّلُ فِيهِ بِآرَائِنَا وَعُقُولِنَا.
    وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً: مَعْنَاهُ الرُّجُوعُ؛ آلَ إِلَى الشَّيْءِ أَوْلًا وَمَآلًا: رَجَعَ، وَأَوَّلَ إِلَيْهِ الشَّيْءَ رَجَّعَهُ، وَأُلْتُ عَنِ الشَّيْءِ ارْتَدَدْتُ([1]).
    وَالتَّأْوِيلُ يَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ فِي الشَّرْعِ وَاصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ:
    الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: التَّفْسِيرُ وَالْبَيَانُ: وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاسٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ([2])».
    قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، هَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ لِلْقُرْآنِ؛ كَمَا يَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي التَّفْسِيرِ: وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّأْوِيلِ([3])))ا ه.
    وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: ((وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، فَمُرَادُهُمْ بِهِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ: الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا؛ يُرِيدُ تَفْسِيرَهُ([4])))ا ه.
    الْمَعْنَى الثَّانِي: الْحَقِيقَةُ الَّتِي يَئُولُ إِلَيْهَا الْكَلَامُ: فَإِنْ كَانَ خَبَرًا، فَتَأْوِيلُهُ وُقُوعُهُ، وَتَصْدِيقُ الْمُكَلَّفِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا، فَتَأْوِيلُهُ تَنْفِيذُهُ.
    قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: ((لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ نَوْعَيْنِ: خَبَرٌ وَطَلَبٌ، وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ تَصْدِيقُهُ، وَمِنَ الطَّلَبِ امْتِثَالُهُ، كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَأْوِيلِ الْخَبَرِ هُوَ تَصْدِيقُ مُخْبَرِهِ، وَمِنْ تَأْوِيلِ الطَّلَبِ هُوَ امْتِثَالُهُ([5])))ا ه.
    فَمِثَالُ تَأْوِيلِ الْخَبَرِ:
    قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]؛ أَيْ: وُقُوعُ رُؤْيَايَ.
    وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 53]؛ يَعْنِي: هَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا وُقُوعَ مَا وُعِدُوا بِهِ.
    وَقَوُلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39].
    قَالَ الْبَغَوِيُّ رحمه الله: (({وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أَيْ: عَاقِبَةُ مَا وَعَدَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، أَنَّهُ يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ([6])))ا ه.
    وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ رحمه الله: (({وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}؛ وَلَمْ يَأْتِهِمْ بَعْدُ حَقِيقَةُ مَا وُعِدُوا فِي الْكِتَابِ([7])))ا ه.
    وَمِثَالُ تَأْوِيلِ الْأَمْرِ:
    مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ([8]).
    تَعْنِي رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ يُنَفِّذُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3].
    الْمَعْنَى الثَّالِثُ – وَهُوَ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُو نَ -: هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ إِلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ: وَهَذَا الصَّرْفُ عَنِ الظَّاهِرِ، أَوْ عَنِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ، إِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ، فَهُوَ تَأْوِيلٌ مَقْبُولٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَهُوَ تَأْوِيلٌ مَرْدُودٌ؛ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ الْكَلَامِ وَالْأَهْوَاءِ؛ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْرِيفٌ وَلَيْسَ تَأْوِيلًا.
    وَهَذَا النَّوْعُ – وَهُوَ التَّأْوِيلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ – هُوَ الَّذِي عَنَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله بِقَوْلِهِ: ((وَلَا أَتَأَوَّلُ)).
    فَمِنْ أَمْثِلَةِ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، النِّسْيانَ هُنَا بِمَعْنَى التَّرْكِ([9]).
    وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بِدَلِيلٍ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].
    وَمِنْ أَمْثِلَةِ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ: تَأْوِيلُ الْأَشَاعِرَةِ صِفَةَ الْيَدِينِ بِأَنَّهَا النِّعْمَةُ أَوِ الْقُدْرَةُ، وَتَأْوِيلُهُمُ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاء ِ، وَتَأْوِيلُهُمُ النُّزُولَ بِمَعْنَى نُزُولِ الرَّحْمَةِ أَوِ النِّعْمَةِ، أَوْ نُزُولِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
    وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَإِلْحَادٌ فِي أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ؛ ((لِأَنَّ التَّأْوِيلَ إِخْبَارٌ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، لَا إِنْشَاءٌ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فَهْمَ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ، فَإِذَا قِيلَ: مَعْنَى اللَّفْظِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ إِخْبَارًا بِالَّذِي عَنَاهُ الْمُتَكَلِّمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَبَرُ مُطَابِقًا كَانَ كَذِبًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ([10]))).
    قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رحمه الله: ((وَالتَّأْوِيلُ نَقْلُ اللَّفْظِ عَمَّا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ وَعَمَّا وُضِعَ لَهُ فِي اللَّغَةِ إِلَى مَعْنًى آخَرَ؛ فَإِنْ كَانَ نَقْلُهُ قَدْ صَحَّ بِبُرْهَانٍ، فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ نَقْلُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ اطُّرِحَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَحُكِمَ لِذَلِكَ النَّقْلِ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ([11])))ا ه.
    وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى صَرِفِ اللَّفْظِ عَنِ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إِلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ؛ كَتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ: اسْتَوَى، بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، وَنَحْوِهِ؛ فَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ بَاطِلُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَالْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَآيَاتِهِ.
    فَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ: لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهَ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، بَلْ يُقَالُ فَيهِ: {قَلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 18]؛ كَتَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَرَامِطَة ِ الْبَّاطِنِيَّة ِ؛ كَتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ: بِمَعْرِفَةِ أَسْرَارِهِمْ، وَالصِّيَامَ، بِكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ، وَالْحَجَّ: بِزِيَارَةِ شُيُوخِهِمْ، وَالْإِمَامَ الْمُبِينَ: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَئِمَّةَ الْكُفْرِ: بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ: بِبَنِي أُمَيَّةِ، وَاللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ: بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَالتِّينَ وَالزَّيْتُونَ وَطُورَ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدَ الْأَمِينَ: بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَالْبَقَرَةَ: بِعَائِشَةَ، وَفِرْعَوُنَ: بِالْقَلْبِ، وَالنَّجْمَ وَالْقَمَرَ وَالشَّمْسَ: بِالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
    فَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ مِنْ بَابِ التَّحْرِيفِ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَالْإِلْحَادِ فِي آيَاتِ اللهِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَكِتَابِهِ، وَمِثْلُ هَذِهِ لَا تُجْعَلُ حَقًّا حَتَّى يُقَالَ إِنَّ اللهَ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا، بَلْ هِيَ بَاطِلٌ.
    وَأَصْلُ وُقُوعِ أَهْلِ الضَّلَالِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّحْرِيفِ: الْإِعْرَاضُ عَنْ فَهْمِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ ، وَمُعَارَضَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاقِضُهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَادَّةِ للهِ وَلِرَسُولِهِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ النِّفَاقِ وَالْخِدَاعِ([12])))ا ه.



    [1])) ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (10/ 448).

    [2])) صحيح: أخرجه البخاري (143) بدون لفظة: ((وعلمه التأويل))، وأحمد (2397)، والحاكم (6280)، وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2589).

    [3])) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 55).

    [4])) ((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)) (1/ 178).

    [5])) ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) (1/ 206).

    ([6]) ((تفسير البغوي)) (1/ 134).

    [7])) ((التفسير الوسيط)) (2/ 548).

    [8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (784)، ومسلم (484).

    [9])) ((تفسير البغوي)) (1/ 135).

    [10])) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 202).

    [11])) ((الإحكام في أصول الأحكام)) (1/ 42).

    [12])) ((درء تعارض العقل والنقل)) (5/ 352، 353).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ:(وَجَمِيعُ آيَاتِ الصِّفَاتِ أُمِرُّهَا ... حَقًّا كَمَا نَقَلَ الطِّرَازُ الْأَوَّلُ)؛ أَيْ: جَمِيعَ مَا وَردَ فِي صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ وَنُمِرُّهُ، عَلَى ظَاهِرِهِ، وَحَقِيقَتِهِ، وَلَا نَتَأَوَّلُهُ، وَلَا نَقُولُ: كَيْفَ.
    وَنَقُولُ: الْمَعْنَى مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ.
    فَمَعْنَى صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ مَعْلُومٌ، وَلَكِنَّ كَيْفِيَّتَهُ مَجْهُولَةٌ لَنَا لَا نَعْلَمُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّنَا لَمْ نَرَ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ نَرَ لَهُ مَثِيلًا، وَكَذَلِكَ مَعْنَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِينِ وَالْعَيْنَيْنِ ، وَسَائِرِ الصِّفَاتِ مَعْلُومٌ، وَلَكِنَّ الْكَيْفِيَّةَ مَجْهُولَةٌ بِالنِّسْبَةِ لَنَا.
    قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , وَالثَّوْرِيَّ, وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ, وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ؟ فَكُلُّهُمْ قَالَ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفٍ([1]).
    وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ مَالِكًا وَجَدَ مِنْ شَيْءٍ كَمَوْجِدَتِهِ مِنْ مَقَالَتِهِ, وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ - يَعْنِي الْعَرَقَ - قَالَ: وَأَطْرَقَ الْقَوْمُ, وَجَعَلُوا يَنْتَظِرُونَ مَا يَأْتِي مِنْهُ فِيهِ, قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْ مَالِكٍ, فَقَالَ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالِاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُوَلٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ, فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ ضَالًّا, وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ([2]).
    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: ((فَقَوْلُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ: "الِاسْتِوَاء غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ" مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَاقِينَ: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ" فَإِنَّمَا نَفَوْا عِلْمَ الْكَيْفِيَّةِ وَلَمْ يَنْفُوا حَقِيقَةَ الصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ قَدْ آمَنُوا بِاللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ - عَلَى مَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ - لَمَا قَالُوا: "الِاسْتِوَاء غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ" وَلَمَا قَالُوا: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ" فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بَلْ مَجْهُولًا بِمَنْزِلَةِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إِذَا لَمْ يُفْهَمْ عَنِ اللَّفْظِ مَعْنًى؛ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إِذَا أُثْبِتَتِ الصِّفَاتُ.
    وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ يَنْفِي الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ، أَوِ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقُولَ بِلَا كَيْفٍ، فَمَنْ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ" لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: "بِلَا كَيْفٍ" فَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ نَفْيَ الصِّفَاتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمَا قَالُوا: "بِلَا كَيْفٍ".
    وَأَيْضًا: فَقَوْلُهُمْ: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ" يَقْتَضِي إِبْقَاءَ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهَا جَاءَتْ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ؛ فَلَوْ كَانَتْ دَلَالَتُهَا مُنْتَفِيَةً لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: "أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا غَيْرُ مُرَادٍ" أَوْ: "أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ حَقِيقَةً" وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ قَدْ أُمِرَّتْ كَمَا جَاءَتْ وَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ: بِلَا كَيْفٍ؛ إِذْ نَفْيُ الْكَيْفِ عَمَّا لَيْسَ بِثَابِتِ لَغْوٌ مِنَ الْقَوْلِ([3])))ا ه.
    وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: ((فَقَوْلُهُمْ رضي الله عنهم: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ" رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ، وَقَوْلُهُمْ: "بِلَا كَيْفٍ" رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ([4])))ا ه.

    [1])) أخرجه الآجري في ((الشريعة))، (721)، وابن بطه في ((الإبانة))، (183)، واللالكائي في ((شرح السنة))، (930)، والبيهقي في ((الكبرى))، (4654)، وفي ((الأسماء والصفات))، (955)، والبغوي في ((شرح السنة))، 1/171.

    [2])) أخرجه اللالكائي (664)، وغيره، وورد نحوه عن أم سلمة رضي الله عنها، وربيعة رحمه الله.

    [3])) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 41، 42)، و((الفتوى الحموية))، (306، 307).

    [4])) ((الفتوى الحموية)) (301).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَأَرُدُّ عُهْدَتَهَا إِلَى نُقَّالِهَا)؛ أَيْ: أَرُدُّ عُهْدَةَ مَا وَرَدَ مِنْ أَسْمَاءٍ وَصِفَاتٍ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى مَنْ نَقَلَهَا مِنَ الرُّوَاةِ؛ فَالْعُهْدَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ قَبِلَ الْأَئِمَّةُ مَرْوِيَّاتِهِم ْ.
    قَوْلُهُ:(وَأَصُونُهَا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ)؛ أَيْ: أَصُونُ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ مِنَ الْمُشَابَهَةِ وَالتَّمْثِيلِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (قُبْحًا([1]) لِمَنْ نَبَذَ([2]) الْقُرَانَ وَرَاءَهُ...وَإِ َا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الْأَخْطَلُ)؛ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيعَ حَقٌّ للهِ تَعَالَى، فَلَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، وَهَذَا مَا سَارَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ؛ فَقَدَّمُوا آرَاءَ الرِّجَالِ عَلَى كَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
    وَمِنْ ذَلِكَ مَا فَعَلَتْهُ الْأَشَاعِرَةُ؛ حَيْثُ تَرَكُوا كَلَامَ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَدَلُّوا بِكَلَامِ شَاعِرٍ نَصْرَانِيٍّ اسْمُهُ الْأَخْطَلُ.
    وَالْأَخْطَلُ، هُوَ: ((غِيَاثُ بْنُ غَوْثٍ التَّغْلِبِيُّ النَّصْرَانِيُّ ؛ شَاعِرُ زَمَانِهِ.
    قِيْلَ لِلْفَرَزْدَقِ: مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟
    قَالَ: كَفَاكَ بِيَ إِذَا افْتَخَرْتُ، وَبِجَرِيْرٍ إِذَا هَجَا، وَبِابْنِ النَّصْرَانِيَّ ةِ إِذَا امْتَدَحَ.
    وَكَانَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُجْزِلُ عَطَاءَ الْأَخْطَلِ، وَيُفَضِّلُهُ فِي الشِّعْرِ عَلَى غَيْرِهِ([3]))).
    وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِبَعْضِ كَلَامِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ وَقَدَّمُوهُ عَلَى كَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَدِ اسْتَدَلَّ الْأَشَاعِرَةُ بِبَيْتِ شِعْرٍ مَنْسُوبٍ إِلَى الْأَخْطَلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
    اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ
    فَقَالُوا: هَذَا الْبَيْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي اللُّغَةِ يَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ!
    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَهُوَ مُنْكَرٌ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْلَمُ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْظَمَ([4])))اهـ.
    وَاسْتَدَلُّوا – أَيْضًا – عَلَى قَوْلِهِمْ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِبَيْتِ شِعْرٍ لِلْأَخْطَلِ، يَقُولُ فِيهِ:
    إِنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
    فَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: (إِنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ) عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللهِ تَعَالَى كَلَامٌ نَفْسَانِيٌّ؛ أَيْ: فِي دَاخِلِ النَّفْسِ، لَا حَرْفَ فِيهِ وَلَا صَوْتَ.
    وَقَالُوا بِأَنَّ هَذَا الْبَيْتَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي دَاخِلِ النَّفْسِ يُسَمَّى كَلَامًا!
    وَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا اللهَ تَعَالَى كَالْأَخْرَسِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْكَلَامَ، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا.
    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وبِالْجُمْلَةِ فَمَنِ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَعْرِفَ مُسَمَّى الْكَلَامِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ. ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُوَلَّدِينَ ([5])؛ وَلَيْسَ مِنَ الشُّعَرَاءِ الْقُدَمَاءِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ كَافِرٌ مُثَلِّثٌ، وَاسْمُهُ الْأَخْطَلُ؛ وَالْخَطَلُ فَسَادٌ فِي الْكَلَامِ([6])))اهـ.
    وَقَالَ – أَيْضًا - رحمه الله: ((وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُنَادِي بِصَوْتٍ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، تَكَلَّمَ بِهِ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ كَلَامًا لِغَيْرِهِ لَا جِبْرِيلَ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَنَّ الْعِبَادَ يَقْرَءُونَهُ بِأَصْوَاتِ أَنْفُسِهِمْ([7])))اهـ.

    [1])) (القُبْحُ): ضِدَّ الحُسْنِ؛ وَالْفِعْلُ قَبُحَ يَقْبُح قُبْحاً، ومنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص: 42]؛ أي: مِنَ المُبْعَدين الْمَلْعُونِينَ . ((لسان العرب)) (2/552).

    [2])) (نبذ): النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِكَ أَمامك أَو وَرَاءَكَ. نَبَذْتُ الشَّيْءَ أَنْبِذُه نَبْذاً إِذا أَلقيته مِنْ يَدِكَ، ونَبَّذته، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. وَنَبَذْتُ الشَّيْءَ أَيضاً إِذا رَمَيْتَهُ وأَبعدته؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
    فَنَبَذَ خَاتَمَهُ، فَنَبَذَ النَّاسَ خَوَاتِيمَهُمْ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187]. ((لسان العرب)) (3/511).

    [3])) ((سير أعلام النبلاء)) (4/ 589).
    قال محقق "ديوان الأخطل" في المقدمة: ((وقد تضاربت الآراء حول تسميته بالأخطل، و لم تتفق حول سبب هذا اللقب وتاريخه وأصله.
    فقال الجواليقي : "سمي الأخطل بذلك من قولك: خطل في كلامه يخطل خطلًا؛ إذا كان مضطرب الكلام" وقال الزبيدي: "رجلٌ أخطل اللسان: مضطربه، وبه لُقب الشاعر" وزعم ابن قتيبة "أن الأخطل مشتق من الخطل و هو استرخاء الأذن، ومنه قيل لكلاب الصيد"
    وقد عقب البطليوسي على ذلك بقوله : "لا أعلم أحدًا ذكر أنَّ الأخطل كان طويل الأذنين مسترخيهما، فيقال: إنه لُقب بالأخطل لذلك"
    و جاء في "لسان العرب": "إنما سمي بذلك لطول لسانه، وقيل: هو من الخطل في القول"
    و جاء في "الأغاني" أيضا عن ابن السكيت أن عتبة بن الوغل التغلبي حمل حمالة، فأتى قومه يطلب عونهم، فجعل الأخطل يتكلم، وهو يومئذ غلام، فقال عتبة: من هذا الغلام الأخطل؟
    وفي "الأغاني" أيضًا عن أبي عبيدة أن غياث بن غوث هجا رجلًا من قومه، فقال له: "يا غلامُ إنك لأخطلٌ، فلُقِّب به".
    وكما اختلف المؤرخون حول سبب لقبه، فقد أغفلوا تاريخ ولادته، ولم يذكروا تاريخًا محددًا لها، إلا أننا نستعين برواية ابن سلام الجمحي في كتابه "طبقات فحول الشعراء" حيث يعطينا طرفًا يدلنا على تاريخ ولادة الأخطل على وجه التقريب فهو يقول : "كان الأخطل أسن أهل طبقته" ومن الثابت أن شعراء هذه الطبقة هم الفرزدق، وجرير، والراعي، والأخطل، أما الراعي فلا نعرف من تاريخ ميلاده شيئًا ، وأما جرير فقد ولد نحو سنة 28، وأما الفرزدق فقد قيل: إنه توفي بالبصرة سنة عشر ومائة بعد أن قارب المائة؛ فهو إذًا وُلد بين سنة عشرة وسنة خمس عشرة، وبذلك يكون مولد الأخطل قبيل السنة العاشرة من الهجرة، ولا نبعد عن الحقيقة إذا زعمنا أنه في أواخر السنة الثامنة.
    دامت حياة الأخطل نيفًا و سبعين سنة قضاها في تهتك وهجاء وفخر ومديح، ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك، ودليلنا على ذلك قول الوليد: "ما أخرج لسان ابن النصرانية ما في صدره من الشعر حتى مات"
    وكانت وفاته عام 92 للهجرة)).

    [4])) ((مجموع الفتاوى)) (16/404).

    [5])) الشعراء المولَّدون: هم الذين جاءوا بعد عصر الاحتجاج اللغوي؛ فهم ليسوا من طبقة الجاهليين الذين عاشوا قبل الإسلام، ولا من المخضرمين الذين حضروا الجاهلية والإسلام، ولا من الإسلاميين الذين حضروا عصر النبوة؛ وإنما هم جاءوا بعد ذلك، فأحدثوا في اللغة، وأدخلوا فيها كلامًا من عندهم؛ فسُمُّوا مولَّدين لأنهم ولَّدوا في اللغة ما ليس منها.

    [6])) ((مجموع الفتاوى)) (7/140).

    [7])) ((مجموع الفتاوى)) (12/584).
    وقد استدل أهل السنة بأن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت بأدلة؛ أولها: أن الكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، وأما ما في القلب فلا يسمى كلاما.
    ثانيها: قوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13]، قال ابن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (6/531): ((أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ تَكْلِيمِ مُوسَى وَسَمْعِ مُوسَى لِكَلَامِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَلَّمَهُ بِصَوْتِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَّا الصَّوْتُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُوسَى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13])).
    ثالثها: ألفاظ النداء الواردة في الكتاب والسنة؛ نحو: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وقوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: 9].
    قال ابن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (6/351): ((وَالنِّدَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ صَوْتٌ رَفِيعٌ؛ لَا يُطْلَقُ النِّدَاءُ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَوْتِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا)).
    رابعها: التصريح بلفظ الصوت؛ أخرج البخاري في ((صحيحه)) (7483)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ"
    وأخرج أحمد في ((المسند)) (16042)، والبخاري في ((خلق أفعال العباد)) (40)، وفي ((صحيحه)) 9/141معلقا بصيغة الجزم، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا " قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: " لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ.
    قال ابن حجر رحمه الله ((الفتح)) (13/460): ((وَقَالَتِ الْأَشَاعِرَةُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَأَثْبَتَتِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَحَقِيقَتُهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ كَالْعَرَبِيَّة ِ وَالْعَجَمِيَّة ِ وَاخْتِلَافُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ وَأَثْبَتَتِ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمَّا الْحُرُوفُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الصَّوْتُ فَمَنْ مَنَعَ قَالَ إِنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُنْقَطِعُ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْحَنْجَرَةِ وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّشْبِيهَ . . . وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ فَقَالَ لِي أَبِي بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ)).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام

    قَوْلُهُ: (وَالْمُؤْمِنُو َ يَرَوْنَ حَقًّا رَبَّهُمُ)؛ فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ وَيَعْتَقِدُونَ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَوْفَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةً حَقِيقِيَّةً بِأَبْصَارِهِمْ ، وَلَيْسَتْ رُؤْيَةً مَجَازِيَّةً.
    وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ ، وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِّيَّةُ ؛ بَلْ بَلَغَتِ النُّصُوصُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِثْبَاتِهَا حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَكَمَا قَالَ النَّاظِمُ:
    مِمَّا تَوَاتَرَ حَدِيثُ مَنْ كَذَبْ ... وَمَنْ بَنَى للهِ بَيْتًا وَاحْتَسَبْ
    وَرُؤْيَةٌ شَفَاعَةٌ وَالْحَوْضُ ... وَمَسْحُ خُفَّيْنِ وَهَذِي بَعْضُ
    وَالْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ:
    الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَدِلَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
    الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22، 23].
    الدَّلِيلُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
    عن الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ, وَبَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ , فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ, عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ, أَلَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22، 23].
    وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
    هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى([1])))اهـ.
    وقَالَ رَجُلٌ لِمَالِكٍ: ((يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يَرَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ يَرَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُعَيِّرِ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِالْحِجَابِ, فَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ([2])))اهـ.
    وقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: (({كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
    دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِ وُجُوهِهِمْ([3])))اهـ.
    وعن الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ((حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ فِيهَا: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
    قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا أَنْ حُجِبُوا هَؤُلَاءِ فِي السَّخَطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا قَالَ الرَّبِيعُ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ, وَبِهِ أَدِينُ, اللَّهَ لَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ لَمَا عَبْدَ اللَّهَ تَعَالَى([4])))اهـ.
    وقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: ((أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ وَسَأَلْتُهُ فِيمَا أَحْدَثَتِ الْجَهْمِيَّةُ, فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدُوا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22، 23]، فَقَالُوا: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَجَحَدُوا وَاللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ وَنَضْرَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَيَجْعَلَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُخْلِصِينَ لَهُ ثَوَابًا لِيُنْضِرَ بِهَا وُجُوهَهُمْ دُونَ الْمُجْرِمِينَ، وَيَفْلِجَ بِهَا حُجَّتَهُمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ وَشِيعَتِهِمْ، وَهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ مَحْجُوبُونَ لَا يَرَوْنَهُ كَمَا زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُرَى وَلَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَكَيْفَ لَمْ يَعْتَبِرْ – وَيْلَهُ - بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، أَفَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُقْصِيهِمْ وَيُغْنِيهِمْ وَيُعَذِّبُهُمْ بِأَمْرٍ يَزْعُمُ الْفَاسِقُ أَنَّهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فِيهِ سَوَاءٌ([5])))اهـ.
    الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]
    فَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزِّيَادَةَ بِأَنَّهَا الرُّؤْيَةِ.
    عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نُودُوا: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ مَوْعِدًا عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا لَمْ تَرَوْهُ، فَقَالُوا: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ، وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]([6])».
    الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا([7]) لَا تُضَامُونَ([8]) فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]([9]).
    الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ، عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ([10])».

    [1])) أخرجه الآجري في ((الشريعة)) (577).

    [2])) أخرجه اللالكائي (808) وابن بطه (54).

    [3])) أخرجه ابن بطه في ((الإبانة)) (55).

    [4])) أخرجه اللالكائي (883).

    [5])) السابق (873).

    [6])) صحيح: أخرجه مسلم (297)، وأحمد (18935)، والفظ له.

    [7])) قال بن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (3/ 47): ((فَشَبَّهَ الرُّؤْيَةَ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ يُشَبِّهْ الْمَرْئِيَّ بِالْمَرْئِيِّ)) .

    [8])) (لاَ تُضَامُونَ)؛ يجوز ضم التاء وفتحها؛ وهو بتشديد الميم من الضم؛ أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض، ولا يقول: أرنيه، بل كل ينفرد برؤيته، ورُوي بتخفيف الميم؛ من الضيم، وهو الظلم، يعني: لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض، بل تستوون كلكم في رؤيته تعالى.

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4851)، ومسلم (633).

    [10])) متفق عليه: أخرجه البخاري (4878)، ومسلم (180).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •