14-12-2013 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ومن خلال هذا الفهم للسياسة الغربية يمكن تفسير طلب رئيس الوزراء الفرنسي (جان مارك أيرو) إعداد تقرير عن تعزيز اندماج مسلمي فرنسا بالمجتمع, وقد أوصى التقرير بتخفيف فرنسا علمانيتها الصارمة من أجل تحسين دمج المهاجرين، وذلك بالسماح للمسلمات بارتداء الحجاب في المدارس ودعم تدريس اللغة العربية, وقد أثار التقرير الذي جاء في إطار مراجعة حكومية لسياسة الاندماج انتقادات سياسيين من المعارضة المحافظة وقلقا بين الاشتراكيين في الحزب الحاكم.


لم ينخفض مستوى شدة عداوة الغرب للحجاب بشكل خاص, وللإسلام والمسلمين بشكل عام, بل لربما زاد في العصر الحديث, والإصرار على محاربة حجاب المرأة المسلمة داخل أوربا, ودماء المسلمين التي تسيل في الخارج بعلم الغرب وإرادته ومشاركته خير شاهد على ذلك, ولعل فرنسا -في الفترة الأخيرة- هي الأكثر تشددا بموضوع منع الحجاب, والأكثر انغماسا في دماء المسلمين, من خلال تدخلها في كل من ليبيا ومالي وأخيرا إفريقيا الوسطى.
وإنما الذي يبدو للبعض اختلاف الأسلوب و الطريقة في إدارة الصراع كما يقال, فبدلا من المواجهة العسكرية القديمة التي لم تجد نفعا طوال فترة الاحتلال الغربي لدول العالم الإسلامي, قرر الغرب اتباع طريقة أخرى, تعتمد على سياسة خارجية للاستهلاك الإعلامي المحلي والعالمي, من خلال رفع شعارات حرية اللباس وممارسة الشعائر الدينية –ومن ضمنها الحجاب طبعا– إضافة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والدفاع عنها, بينما السياسة الحقيقة هي عداوة للإسلام لا تتغير ولا تتبدل, وحرب شعواء لا تتوقف على المسلمين, واستعمار جديد لبلادهم, ونهب حديث لثرواتهم.
ومن خلال هذا الفهم للسياسة الغربية يمكن تفسير طلب رئيس الوزراء الفرنسي (جان مارك أيرو) إعداد تقرير عن تعزيز اندماج مسلمي فرنسا بالمجتمع, وقد أوصى التقرير بتخفيف فرنسا علمانيتها الصارمة من أجل تحسين دمج المهاجرين، وذلك بالسماح للمسلمات بارتداء الحجاب في المدارس ودعم تدريس اللغة العربية, وقد أثار التقرير الذي جاء في إطار مراجعة حكومية لسياسة الاندماج انتقادات سياسيين من المعارضة المحافظة وقلقا بين الاشتراكيين في الحزب الحاكم.
وأول دلالات ما سبق من سياسات الغرب الظاهرية لدعم الاندماج, بينما الحقيقية هي عكس ذلك تماما, أن رئيس الحكومة الفرنسية -الذي سيرأس اجتماعا وزاريا الشهر المقبل حول تعزيز الاندماج استنادا إلى أمور عدة من بينها هذا التقرير- نأى بنفسه عن التقرير وقال إنه لا نية لرفع حظر الحجاب.
فما قيمة وجدوى التقرير إذا؟؟ ولماذا طلب رئيس الوزراء إعداده إن كان لا ينوي الأخذ بتلك التوصيات؟؟ إنه الاستهلاك الإعلامي المحلي والعالمي الذي أشرنا إليه سابقا, والذي يظهر دراسة إمكانية عودة حرية الحجاب إلى مسلمات فرنسا, بينما الحقيقة غير ذلك تماما.
وقد أوضح للصحفيين بعدما لفتت صحيفة (لو فيغارو) الانتباه إلى الوثيقة التي نشرت على الموقع الإلكتروني الرسمي لرئيس الوزراء الشهر الماضي إن "مجرد تسلمي لتقرير لا يجعل منه سياسة حكومية", كما أشار (أيرو) إلى أن الهدف من التقرير تقديم توصيات بشأن سبل مكافحة التمييز وعدم المساواة.
ويؤكد التقرير أن على فرنسا -التي يوجد بها أكبر عدد من المسلمين في أوروبا- أن تعترف "بالبعد العربي الشرقي" لهويتها بتغيير أسماء شوارع وأماكن على سبيل المثال وتغيير مناهج التاريخ في المدارس وتحديد يوم خاص للاحتفال بمساهمات ثقافات المهاجرين.
ورغم الحظر الرسمي للإحصاءات المبنية على أساس عرقي، تشير التقديرات إلى أن ما يقدر بنحو خمسة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا أغلبهم من مستعمرات فرنسية سابقة في أفريقيا مثل الجزائر والمغرب.
ومن بين الاقتراحات التي تقدم بها الموظف العمومي الكبير (تييري توت) ومجموعة من الخبراء في التقرير, منع السلطات ووسائل الإعلام من الإشارة إلى الجنسية أو الدين أو العرق , واستحداث جريمة جديدة تحت مسمى "التحرش العرقي", كما أوصى التقرير أيضا بتعزيز تدريس اللغة العربية واللغات الأفريقية في المدارس الفرنسية.
ومن الأدلة على قشرية هذه التقارير وأنها لا تعدو محاولة لتلميع صورة فرنسا المضرجة يديها بدماء المسلمين في الخارج, واضطهادهم والتنكيل بهم في الداخل, من خلال منع الحجاب ومحاربة المسلمات في حرية لباسهن الإسلامي, ردود الفعل على التقرير, حيث اعتبرت زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية (مارين لوبان) أن تنفيذ التوصيات من شأنه أن يرقى إلى "إعلان حرب على الشعب الفرنسي".
ومن جانبه دعا (تييري ماندون) المتحدث باسم المشرعين الاشتراكيين إلى التفريق بين ما وصفه نهجا صحيا شاملا وبعض "الاقتراحات المتطرفة"، مؤكدا أنه لا مجال للتراجع عن قانون صدر عام 2006 وحظر ارتداء الحجاب وغيره من الرموز الدينية في المدارس.
وشهدت فرنسا موجة من أعمال الشغب التي قام بها شبان في 2005 في ضواح فقيرة يتركز فيها كثير من المهاجرين، مما أدى إلى دعوات لتعزيز جهود الحكومة لتحسين الاندماج الاجتماعي والاقتصادي للشبان من أصول مهاجرة.
إن المسلمين يريدون من الغرب أفعالا لا أقوالا, فتقرير من هذا النوع –على فرض الأخذ به- لا يمكن أن يبدد مخاوف المسلمين التي تكرسها سياسات فرنسية العدائية تجاههم في الداخل والخارج, فكيف إذا كان التقرير غير مرحب به لا من قبل الحكومة ولا من قبل معظم الأحزاب اليمينية واليسارية الفرنسية؟!